إيمانويل ماكرون: الرئيس الآتي من خارج النخبة السياسية الفرنسية
[ad_1]
- لوسي ويليامسون
- مراسلة بي بي سي – باريس
في اليوم التالي لفوزه بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية وجد إيمانويل ماكرون نفسه يخوض جدالا صاخباً مع مساعدة طبيب أسنان.
من باب الإنصاف، علينا أن نقول إن الطرف الذي كان يصرخ لم يكن ماكرون، لكن المواجهة الكلامية الحادة بينهما في بلدة دينان، التي اشتهرت بمناجم الحديد سابقاً، كشفت عن الميزة التي حملت الرئيس الفرنسي إلى السلطة قبل خمس سنوات. وهي الميزة ذاتها التي قلبت كثيرين ضده.
كانت مساعدة طبيب الأسنان إلودي غاضبة. كانت تصرخ في وجه الرئيس وتتحدث عن اللغة المهينة التي تحدث بها عن الأشخاص الذين لم يأخذوا اللقاح ضد فيروس كورونا.
قال لها ماكرون إنها أساءت فهم مقصد كلامه فانتقلت إيلودي للحديث عن الضرائب وارتفاع الأسعار. فرد ماكرون إنه خفض الضرائب وقال لها إنها غير منصفة.
“خفضت الضرائب؟” أجابت بسخرية “هل ذهبت إلى محطة الوقود بنفسك؟ كم يبلغ دخلك الشهري؟”.
أجاب ماكرون: “أنا لا أتحكم في السوق العالمية”. واختتمت إلودي حديثها قائلة: “لن نتفق ابداً” فرد ماكرون: “لكن من المهم أن أشرح ذلك”.
لطالما اعتقد الرئيس الفرنسي أن لديه الحل لمشاكل البلاد وسيتأكد الفرنسيون من ذلك إذا كان هناك متسع من الوقت لشرح أفكاره للآخرين.
من عواقب هذه القناعة لدى الرئيس إلقاؤه العديد من الخطب الطويلة واتباع نهج صارم تجاه المتظاهرين وقناعة بعض الناس أن ماكرون لن ينصت إليهم.
حتى قبل انتخابه في المرة الأولى كان في حديثه مسحة من التبشير الديني بمشروعه الخاص لفرنسا. وإلا كيف يمكن لرجل يبلغ من العمر 39 عاما ويخوض حملته الانتخابية الأولى أن يصبح رئيسا في المقام الأول؟
يروي آلان مينك، المستشار السياسي البارز والمرشد السابق لماكرون، قصة لقائه بزعيم المستقبل في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
“سأخبرك بأول الكلمات التي تبادلتها معه. جاء لزيارتي عندما كان مفتشا ماليا شابا و سألته: “ماذا ستكون بعد 20 عاما من الآن؟ ” أجابني: “سأكون رئيسا، لقد صُدمت “
بعدها بخمسة عشر عاما، أطلق ماكرون حركته السياسية “إلى الأمام” أثناء عمله وزيرا للاقتصاد.
لم يقف أي حزب أو جهة متنفذة إلى جانبه، ما دفع كثيرين إلى التقليل من شأنه في البداية بسبب صغر سنه وقلة خبرته السياسية، معتقدين أنه مجرد فقاعة ستتلاشى قبل يوم الاقتراع.
سخر أحد الوزراء في الحكومة الاشتراكية الفرنسية من حركة ماكرون الجديدة التي أطلق على أعضائها لقب “السائرون” من خلال نشر مقطع فيديو لمراسم إطلاق الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي مرفقاً بأغنية حملت عنوان: سأسير لوحدي. لكن تبين خطأ نبوءة هذا الوزير.
حالف الحظ ماكرون في حملته الانتخابية الأولى. فقد ترك خصومه من الحزبين الاشتراكي والجمهوري قدرا كبيرا من المساحة في المشهد السياسي الفرنسي للخط الوسط في السياسة وهي المساحة التي عمل ماكرون على شغلها. هذا فضلا عن تورط المرشح الجمهوري الأوفر حظا فرانسوا فيون في فضيحة مالية خلال الحملة قضت على طموحاته السياسية.
كانت رؤية ماكرون لفرنسا واضحة وجديدة وتم الترويج لها بقوة وحماس.
في التجمعات الانتخابية لحملته آنذاك، بدا زعيم المستقبل منخرطا بالكامل في اللحظة السياسية تلك. بصوت أجش مشوب بالعواطف كان ينفجر في القاعة مثل صاحب رسالة دينية و رأسه مائل إلى الخلف وذراعاه مفتوحتان، مخاطبا أنصاره أنه يحبهم ويحتاجهم. كان أشبه بنجم الروك في عالم السياسة.
كان الانطباع السائد أن رياحا جديدة تهب في السياسة الفرنسية حاملة معها وعودا بالإدماج والديمقراطية، وكان رجل واحد يقود ذلك.
قبل صياغة برنامج سياسي لحزبه “إلى الأمام” أجرى ماكرون 25 ألف مقابلة مع ناخبين في جميع أنحاء البلاد متنقلا من منزل إلى آخر يطرح سؤالين على الناس: ما الذي يناسب فرنسا، وما الذي لا يناسبها؟
ويقول المؤرخ السياسي مارك إندويلد إنه على الرغم من الصورة التي قدمها ماكرون لنفسه باعتباره من دعاة الديمقراطية الجديدة الأوسع نطاقا لكنه كان دائما صاحب السلطة.
قال لي أندويلد حينها: “عليك أن تدرك أن إلى الأمام هي في النهاية حركة مرتبطة بماكرون شخصيا وهوالذي يديرها، لا يوجد مدير حملة فعليا. قام إيمانويل ماكرون بترتيب علاقاته ولديه تصور شخصي للغاية عن السلطة.”
تمتع إيمانويل ماكرون بميزتين في المرة الأولى التي ترشح فيها للمنصب لم يعد بإمكانه الاعتماد عليهما هذه المرة.
في ذلك الوقت كان وجها جديدا في مشهد سياسي مضطرب، وشابا، وغير معروف نسبيا. كما أن رؤيته ووعوده لم توضع موضع الاختبار في مواجهة الحقائق السياسية الصعبة في فرنسا.
لكي نكون منصفين، فقد اتُهم منذ البداية بالغموض بشأن مواقفه وبأنه يمثل كل شيء ولكل الناس ويقول “كل شيء ولا شيء”.
وعلقت مارتين أوبري، عضو الحزب الاشتراكي في ذلك الوقت، قائلة: “عندما تكون الأمور غامضة، عادة ما يكون هناك شيء غير ظاهر سيرتد عليك لاحقاً ويعضك”.
كانت مهمة ماكرون لتفكيك الأحزاب القديمة في الحكومة وتشكيل حزب وسطي جديد من الصفر تعني تجاوز التقسيم التقليدي بين اليمين واليسار في السياسة الفرنسية، وجذب الناخبين من الجانبين.
كانت لديه وجهات نظر ليبرالية حول القضايا الاجتماعية مثل حقوق المثليين والمساواة بين الجنسين على سبيل المثال، وهي المواقف التي نالت دعم اليسار، لكنه كان أيضا ليبراليا اقتصاديا وكان يؤمن بتخفيف القيود المفروضة على الأعمال لتحريك الاقتصاد، وقد استقطب ذلك العديد من الناخبين من اليمين. كان هذا النوع من المواقف “الليبرالية المزدوجة” جديداً بالنسبة لفرنسا.
فاز ماكرون في انتخابات 2017 كما خطط، بدعم من ناخبي الوسط من الجانبين، الذين اتحدوا وراء رئيس ليبرالي مؤيد لأوروبا. لكن بعد خمس سنوات في السلطة، تحول داعموه إلى اليمين وهو يواجه خيبة أمل عميقة من الناخبين على اليسار.
لقد خلق ماكرون فرص عمل كثيرة وأنفق المليارات لدعم العمال والشركات خلال جائحة فيروس كورونا، ودعم أسعار الغاز والبنزين في فرنسا خلال الأشهر الستة الماضية.
لكنه راسخ الإيمان بأن الإصلاح الاقتصادي لتحرير الأعمال التجارية ومطالبة العمال بالمزيد هو السبيل للتخفيف من حدة الفقر وتمويل السياسات الاجتماعية التي يدعو لها الناخبون اليساريون. وبدلا من إنهاء الانقسامات السياسية والطبقية القديمة، أدى هذا النهج إلى ظهورها مجددا.
وأصبحت بعض القرارات الرئيسية التي اتخذت بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة رموزا لما يقال عن “خيانته” للطبقة العاملة في فرنسا ما أكسبه لقب “رئيس الأغنياء”.
لا يزال قراره بخفض الضريبة على الثروة على كبار أغنياء فرنسا يتفاعل في أذهان العديد من الناخبين اليساريين. يقولون إن الأمر أكثر من مجرد سياسة مالية، بل هو دليل على أولوياته الحقيقية وعلى ازدرائه لأصواتهم.
ويلهث ماكرون الآن خلف هؤلاء الناخبين الذين يشعرون بالإحباط في أماكن مثل مدينة دينان.
والحجة التي ساقها ردا على كلام إلودي هي نفسها التي يكررها في وجه خصومه منذ وصوله إلى السلطةـ من نقابات إلى متظاهري السترات الصفراء و مفادها: على فرنسا توليد الثروة كي تنفقها.
أما تهمة أنه رئيس الأغنياء فلا تتوافق مع القصة التي يحب إيمانويل ماكرون أن يرويها عن نفسه.
قبل خمس سنوات خلال حملته الرئاسية الأولى أثار صحفي خلفية ماكرون كمصرفي استثماري متسائلاً عما إذا كان بإمكانه جذب أصوات الطبقة العاملة.
وقد أطلق زعيم فرنسا المستقبلي العنان لخطاب حماسي بعد أن نفد صبره إزاء مقولة إنه جزء من طبقة النخبة الميسورة قائلا: “لقد ولدت في بلدة ريفية، في أسرة لا علاقة لها بعالم الصحفيين أو السياسيين أو المصرفيين” وأضاف حينها بإنزعاج واضح: “أقول بفخر إنني مرشح الطبقة العاملة والمتوسطة”.
ويشير في سيرته الذاتية إلى أن أجداده كانوا مدرسة وعامل سكة حديد وعامل خدمة اجتماعية ومهندس طرق.
كانت جدته لأمه، المعلمة مانيت، مهمة بشكل خاص له حيث عرفته بالأدب والثقافة وعلمته كيفية التفكير.
لكنها أعطته أيضا شيئا آخر يمكنه استغلاله في سعيه للوصول إلى السلطة، فقد كانت والدة مانيت أمية وكانت قصة وصول حفيدها إلى الإليزيه حكاية رومانسية يحب ماكرون أن يرويها، قصة أكثر رومانسية بكثير من حكاية ابن طبيب أعصاب ذهب إلى مدرسة خاصة، وترشح لمنصب الرئاسة بعد فترة من العمل في مصرف استثماري.
الحقيقة هي أن تاريخ عائلة إيمانويل ماكرون هو قصة تجاوز الانقسامات الاجتماعية، تماما كما سيحاول لاحقا أن يفعل ذلك في عالم السياسة.
والإيمان الراسخ برؤيته وتحليلاته التي جلبها معه إلى الرئاسة يشمل أيضا حياته الشخصية. بريجيت كانت معلمة مسرح في المدرسة التي درس فيها ماكرون وتكبره بـ 24 عاما وكانت متزوجة في ذلك الوقت ولديها ثلاثة أطفال.
وعندما انتقل ماكرون من المدرسة في سن 16 تعهد بالزواج منها.
وقالت بريجيت في فيلم وثائقي فرنسي: “كنا نتصل ببعضنا البعض طوال الوقت ونقضي ساعات على الهاتف”. “شيئا فشيئا تغلب على كل مقاومتي بطريقة مذهلة وبصبر.”
وتزوجا في عام 2007. إنها قصة حب غير عادية وتقول آن فولدا، إحدى كاتبات سيرة ماكرون، إنها قصة اختار الزوجان عدم نشرها حتى ترشح للرئاسة.
في عام 2017 ، أخبرتني فولدا أن ماكرون أراد أن يعطي فكرة أنه “إذا كان قادرا على إغواء امرأة تكبره بـ 24 عامًا في بلدة نائية صغيرة، على الرغم من التحيزات، على الرغم من نظرات الناس، على الرغم من السخرية سيكون بمقدوره غزو فرنسا بنفس الطريقة”.
لكن هل يمكنه فعلها مرة أخرى؟
شيئان اعتمد عليهما ماكرون في حملته الرئاسية الأولى لم يعودا موجودين: هو ليس وجها جديدا في السياسة، ولم يعد برنامجه مجرد رؤية غامضة وغير مختبرة في فرنسا.
الشيء نفسه ينطبق على خصمه في جولة الإعادة مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، على الرغم من أن التنافس سيكون بالتأكيد أشد هذه المرة.
قبل خمس سنوات، قال مستشاره السياسي آلان مينك إن رئاسة ماكرون الناجحة ستعني “توجها أوروبيا أقوى، وبطالة أقل، ويمينا متطرفا أضعف”.
وقال لي هذا الأسبوع: “إذا اعتمدنا نفس المعايير، حدث الأمران الأولان، أما إضعاف اليمين فقد فشل في ذلك، إنه فشل”.
المفارقة هي أن إيمانويل ماكرون هو الذي ساعد في تطبيع وضع حزب مارين لوبان في الساحة السياسية الفرنسية الحالية عندما أعاد، قبل خمس سنوات، صياغة المعركة السياسية على أنها منافسة بين رؤيته المؤيدة لقطاع التجارة والأعمال والمؤيدة لأوروبا، وبين نزعتها القومية الحمائية، وهذه المعركة ما زالت مستمرة.
الورقة الأساسية هذه المرة هي العدد المتزايد من الناخبين الذين يشعرون بقدر كبير من عدم الوضوح حول من سيكون أسوأ بالنسبة لفرنسا: الزعيمة اليمينية المتطرفة التي تتحدث عن التغيير أم الزعيم الوسطي الذي لا ينصت للآخرين.
حتى قبل انتخابه لأول مرة توقع آلان مينك أن يكون ماكرون “استبداديا للغاية وسياسيا للغاية ورئاسيا للغاية”.
“يقول الناس أنه صغير جدا وسيكون رئيسا لطيفا”. بعد مرور خمس سنوات حتى مينك يقول إن أسلوب الرئيس “نابليوني للغاية”.
أمضى إيمانويل ماكرون الأسبوعين الماضيين يخاطب منتقديه محاولا استمالتهم، متراجعا عن خطط إصلاح نظام التقاعد ومتعهدا بوضع البيئة في قلب برنامجه.
يقول مينك: “إن إعادة انتخابه، بعد إدارته للبلاد لمدة خمس سنوات سيكون بمثابة نجاح هائل”. “أتمنى ألا يؤدي النجاح الهائل إلى زيادة ثقته بنفسه. أتمنى أن يتغير، لكني أشك في ذلك”.
[ad_2]
Source link