الحرب في أوكرانيا: كيف يمكن أن يؤدي الصراع إلى تفاقم الأزمة السكانية في روسيا؟
[ad_1]
- بابلو أوتشوا
- بي بي سي – الخدمة العالمية
بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط، حزم ستانيسلاف حقائبه وطار من روسيا مع عائلته، تاركين خلفهم والديه المسنين، وشقة تضم كل أثاثهم وكتبهم وملابسهم وألعاب أطفالهم، وحسابات مصرفية فيها معظم مدخراتهم، بل ومنزلا ريفيا أيضا.
ويقول الزوجان، وهما حاصلان على مؤهلات تعليمية عالية، وقد كان كل منهما يشغل منصبا عاليا أيضا، إنهما غادرا روسيا من دون وجود نية للعودة.
وفي مكالمة فيديو من إسرائيل، قال ستانيسلاف، الذي وافق على ذكر اسمه الأول فقط، لـ بي سي “لا أريد أن أكون جزءا من هذه الحرب (في أوكرانيا)، ولا أريد أن أكون في بلد يقتل الأبرياء”.
وهو يخشى من أن القمع السياسي في روسيا، والذي يقول إنه ازداد في العقد الماضي في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، سيصبح أسوأ بكثير.
ويقول “تخيل أنك تعيش في غرفة، وكل يوم تضيق عليك الجدران ويقترب السقف بمقدار مليمتر واحد”.
ويضيف “بعد عام واحد سيكون الأمر أكثر وضوحا، لكنك ستعتقد أنك بخير. وفي غضون خمس سنوات، تكون الغرفة قد تقلصت بمقدار متر. وفي غضون 10 سنوات، ستحل النهاية بالنسبة لك”.
هجرة أصحاب الكفاءات
منذ بداية الحرب، غادر البلاد عشرات الآلاف من الروس من أصحاب الكفاءات والحاصلين على مؤهلات تعليمية عالية مثل ستانيسلاف وزوجته، وفقا لتقديرات قطاع الأعمال.
البعض غادر خشية من تجنيده في القوات المسلحة، بينما اختار البعض الآخر الهجرة بسبب وضعه السياسي، أو بسبب التدهور الاقتصادي المتوقع في البلاد.
ويقال إن المسؤولين مهتمون بشكل خاص بالأشخاص الذين يغادرون البلاد من قطاع تكنولوجيا المعلومات، والذين لديهم مهارات قابلة للاستخدام في أماكن أخرى، ويمكن أن يمثلوا مساهمة قيمة في الاقتصاد.
وقام سيرجي بلغوتارينكو، رئيس الرابطة الروسية للاتصالات الإلكترونية، بإطلاع لجنة برلمانية في مارس/آذار على أن ما بين 50 ألف و70 ألف عامل تقني غادروا روسيا بالفعل منذ بداية الحرب. وأضاف أن 100 ألف آخرين قد يغادرون بحلول نهاية أبريل/نيسان.
وقد قارن البعض هذا التدفق في مغادرة البلاد بما يسمى “هجرة الأدمغة”، إلا أن علماء الإسكان الديموغرافيين يقولون، إنه لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من السكان الروس.
ومع هذا، فمن المتفق عليه أن الهجرة الجماعية تضيف ضغوطا على التحديات السكانية التي تعاني منها روسيا منذ فترة طويلة، خاصة أنها تقترن بكون البلاد شهدت معدل وفيات كان من الأعلى في العالم بسبب كوفيد.
وتقول فيديريكا كوكو لبي بي سي سي، وهي صحفية في الفاينانشيال تايمز وقد كتبت مؤخرا مقالا حول هذا الموضوع “كانت هناك أزمة ضخمة في منتصف التسعينيات، وهي معروفة باسم أزمة الوفيات السوفييتية، وقد تسببت في خسائر فادحة في الأرواح بسبب إدمان الكحول ومعدلات الانتحار المرتفعة، وذلك بالتزامن مع أزمة اقتصادية هائلة”.
وتضيف “لا تزال روسيا تعاني من عواقب ذلك لأنه بسبب العدد الكبير للوفيات، أصبحت أعداد الرجال والنساء الأصغر سنا، أي في العشرينات والثلاثينيات من العمر أقل الآن في روسيا. علاوة على ذلك، يتم تجنيد العديد منهم، وخاصة الشباب، كما يغادر الكثيرون لتجنب الأزمة الاقتصادية”.
ليس هناك من شك في أن سكان أوكرانيا هم الذين سيتحملون العبء الأكبر جراء الغزو الروسي. وتقول الأمم المتحدة إن آلاف الأشخاص قتلوا، وبينهم مئات الأطفال.
وفي 12 أبريل / نيسان، قال رئيس بلدية ماريوبول المحاصرة منذ أسابيع، إن ما يصل إلى 20 ألف مدني ربما يكونون قد لقوا حتفهم بالفعل بسبب الضربات الروسية من جهة والنقص في الغذاء والمواد الضرورية بسبب النزاع. من جهة أخرى.
ويتوقع الخبراء في علم الدراسات السكانية أن التدهور الاقتصادي الذي سيحصل في أعقاب الصراع، يمكن أن يؤثر بدوره أيضا على سكان روسيا.
انخفاض معدلات الخصوبة
تميل معدلات الخصوبة إلى الانخفاض عندما يتدهور وضع الاقتصاد في دولة من الدول، وترتفع هذه المعدلات مع تحسن الأوضاع الاقتصادية.
وتنطبق هذه القاعدة على روسيا في الثلاثين عاما الماضية، كما تقول ليزلي روت لبي بي سي، وهي حاصلة على دكتواره وباحثة في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية ولديها خبرة في شؤون روسيا وآسيا الوسطى.
وتضيف روت أن معدلات الإنجاب كانت منخفضة للغاية في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها ارتفعت مرة أخرى عندما تعزز الاقتصاد مع حلول عام 2005.
وبحلول عام 2015، كان معدل الخصوبة الروسي مرتفعا بالنسبة لدولة أوروبية.
لكنه تراجع في السنوات التالية جراء فرض العقوبات والانكماش الاقتصادي الذي شهدته روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014.
وقد أضاف ضم شبه الجزيرة الأوكرانية سكانا جددا إلى روسيا، وربما يحدث ذلك مرة أخرى إذا حصل مئات الآلاف من الأشخاص من منطقة دونباس الأوكرانية على الجنسية الروسية.
ومع ذلك، تقول روت إن هذا لا يغير بالضرورة معدل الخصوبة.
وتوضح “الدرس الرئيسي هو الارتباط الواضح بين المعاناة الاقتصادية والانكماش الديموغرافي الذي تسببه، وليس العكس.”
وتضيف “التدهور الاقتصادي يضر بصحة السكان بشكل عام، ويؤدي إلى زيادة معدلات الحالات المرضية والوفيات، وبالتالي فإن عدد السكان ليس فقط أقل، ولكنهم أيضا أكثر مرضا”.
تراجع أعداد القادمين إلى روسيا
وتعتقد روت أن التدهور الاقتصادي سيؤدي إلى تدفق أقل للمهاجرين القادمين إلى روسيا من آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، والذين يأتون إلى البلاد للعمل.
وتقول “تدفقات الهجرة هذه هي جزء مهم من النمو السكاني والاقتصادي في روسيا، وجزء أكثر أهمية بالنسبة لاقتصادات البلدان المرسلة. وهذا التدهور الاقتصادي سيكون له عواقب وخيمة على الفئات الفقيرة والمهمشة”.
وتشمل المشاكل المرتبطة بركود اقتصادي طويل الأجل، ارتفاع معدلات البطالة، والظروف غير المواتية بالنسبة للشباب الذين ينضمون إلى القوة العاملة، وتفاقم عدم المساواة، وانخفاض مستويات المعيشة، وكذلك تراجع تحصيل الضرائب إلى جانب ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية.
وإن كانت روت تقر بأن شدة التأثيرات ستعتمد في النهاية على الاتجاه الذي ستأخذه الحرب والتطورات في الوضع.
فترة صعبة
كان معدل المواليد المنخفض في روسيا مصدر قلق للحكومة لسنوات.
ولمواجهة ما يمكن وصفه بـ “فترة ديموغرافية صعبة للغاية”، أعلن بوتين في يناير/كانون الثاني 2020 فتح التمويل الحكومي للأمهات الجدد. وكانت الحكومة تدفع في السابق للطفل الثاني فقط.
كما أعلنت إعفاءات ضريبية جديدة للعائلات، وتم توسيع إجراءات رعاية الأطفال لتشمل الوجبات المدرسية المجانية، ومزايا أخرى مرتبطة بالدخل.
لكن إيليا كاشنيتسكي، الأستاذ المساعد في المركز متعدد التخصصات لديناميات السكان في جامعة جنوب الدنمارك في أودينس، يعتقد أنه “من الناحية الواقعية، لا توجد خيارات سياسية الآن كفيلة بعكس أزمة هجرة السكان”.
ويقول كاشنيتسكي لبي بي سي “يمكننا تخفيف التأثير السيء إلى حد كبير، لكن كل ما يحدث الآن يسير في الاتجاه الخاطئ”.
وعلاوة على ذلك، تسبب كوفيد في وفاة ما لا يقل عن 360 ألف شخص في روسيا، لكن يعتقد أن عدد الوفيات في البلاد لأسباب متعلقة بكوفيد يقدر بمليون شخص.
ويعتقد كاشنيتسكي أن سكان روسيا سيتأثرون على المدى القصير بارتفاع معدل الوفيات والعزلة الاقتصادية، وزيادة الهجرة وانخفاض مستوى المعيشة، ما سيساهم على المدى الطويل في مزيد من الانخفاض في معدلات الخصوبة.
تقول روت إن سياسة تشجيع الناس على إنجاب الأطفال تكون لها نتائج مختلطة عموما لأنه “من الصعب حقا تغيير معدلات المواليد في مجتمع تكون فيه تفضيلات الخصوبة منخفضة”.
ومن المثير للقلق أيضا أن الاستراتيجية “المؤيدة للإنجاب” في روسيا غالبا ما يتم دمجها مع القيود المتزايدة التي تفرض على الحقوق المتعلقة بالإنجاب، وكذلك الحق في الإجهاض، كما تقول روت.
وتوافق روت على أن الشيخوخة السكانية وتراجع عدد السكان ليسا وقفا على روسيا، وتقول في إنه في معظم البلدان المتقدمة يُنظر إلى هذا على أنه نتيجة “للمكاسب الإيجابية، مثل ارتفاع مستوى التعليم، والمساواة بين الجنسين، وتمتع الأشخاص بحرية اختيار حجم أسرتهم”.
وتقول “لذا، فإن المأساة هنا ليست أن عدد سكان روسيا يتراجع، ولكن كيف ولماذا يتراجع؟ وماذا يعني ذلك لحياة الناس الذين ظلوا في البلاد”.
وماذا عن الأشخاص الذين غادروا مثل ستانيسلاف؟ وما هو رأيهم؟
يقول ستانيسلاف “أنا شخصياً أعتقد أن العقوبات يجب أن تذهب إلى أبعد من ذلك”، على الرغم من تأثير الأمر عليه شخصيا لكونه روسيا أيضا.
ويؤكد ستانيسلاف “أنا مستعد لأن أفقد كل شيء، كل مدخراتي، شقتي، ومنزلي الريفي، إذا كان ذلك يعني أن ينهار النظام الحالي”.
[ad_2]
Source link