روسيا وأوكرانيا: هل تخشى دول البلطيق امتداد الحرب الأوكرانية إليها؟
[ad_1]
- مراد بطل الشيشاني
- بي بي سي نيوز عربي – تالين
تتشكل دول البلطيق من ثلاث دول هي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، تطل على بحر البلطيق وتعد الحدود الشمالية للاتحاد الأوروبي مع روسيا.
التاريخ يلقي بظلاله على تلك الدول الصغيرة، بعدد سكانها القليل، حيث أنها مجتمعة يعيش فيها نحو ستة ملايين نسمة.
تتميز هذه الدول بطقسها القاسي، وتاريخ يقوم على الخوف من الجار الأكبر المهيمن دوما روسيا.
دول البلطيق كانت من دول الاتحاد السوفيتي قبل انهياره وكانت من آخر الدول التي انضمت لحلف شمالي الأطلسي بعد توسعه عام 2004، وقبلها الاتحاد الأوروبي عام 2003.
توسع الحلف لطالما أثار حفيظة روسيا، وبسببه تقول موسكو إنها غزت أوكرانيا لمنع دخولها فيه.
مخاوف هذه الدول من تدخلات روسية أو أن تمتد الحرب الأوكرانية إليها باد بشكل واضح، حتى عند الحديث مع الناس في شوارع تالين العاصمة الإستونية.
البلدة القديمة في تالين، من الأماكن النادرة التي لم تدمرها حروب هيمنة الدول الكبرى تاريخيا، وتحديدا الجارة الأكبر، روسيا.
وفي القلب ينتصب العلم الروسي على مقر سفارتها، ولكن رسائل الاحتجاج على حائط مبنى السفارة، ضد حربها في أوكرانيا واضحة. علم أوكراني، ورسومات وكتابات كلها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
دول البلطيق، وخوفا من إعادة التاريخ بسيطرة موسكو، ومنذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، عمدت إلى ربط نفسها بالمنظومة الغربية.
“حلف شمالي الأطلسي”
تطالب دول البلطيق منذ بدء الأزمة الأوكرانية، بتحويل قواعد حلف شمالي الأطلسي (الناتو) الموجودة على أراضيها إلى قواعد دائمة.
حيث أن العشرين ألف عسكري من قوات الناتو الموجودين حاليا ينتشرون بشكل دوري ولمدد محددة.
تعزيز وجود قوات الحلف في القواعد العسكرية للحلف في البلاد أهم الأولويات الاستراتيجية لدول البلطيق، حسبما يقول الكولونيل أندرياس، قائد وحدات المشاة الإستونية في حلف الناتو، حين التقيته عائدا من مناورة عسكرية في قاعدة تابا شمالي البلاد.
ويقول أندرياس: “”قدرنا أن نكون جيرانا لروسيا، نريد العيش بسلام معها إلا أنها تظهر العداء لنا وتريد كسب المزيد على حسابنا في هذا الصراع الاستراتيجي”.
ويضيف أن بلاده “عانت على مر التاريخ من الاحتلال الروسي والآن يعيدون التاريخ باعتدائهم المتكرر على جيرانهم، ولذا تعزيز قوات الحلف هو رد على العدوان الروسي في أوكرانيا”.
ويبدو أن قلق الإستونيين قائم وليس جديدا، حسب الكولونيل، حيث يقول: “نحن نستعد لهذا العدوان منذ استقلالنا عن الاتحاد السوفييتي، إذ كنا على يقين أن الروس يبحثون عن فرصة للاعتداء علينا”.
بي بي سي نيوز عربي، رافقت القوات الجبلية الفرنسية، التي تعرف بقوات “الألب”، في إحدى مناوراتها، في إحدى غابات إستونيا المكسوة بالثلج.
تتخصص هذه القوات في العمليات العسكرية في المناطق التي تتميز بمناخها الصعب، ففي أرضية مغطاة بالثلج، من الصعب أن تسير فيه سيارة عادية، وحتى المشي في الغابة غير ممكن، لكن الجنود يتحركون بانسيابية، وينفذون مناورة لاعتقال “عدو مفترض”.
يقول الكابتن جيوم، قائد تلك القوات إن هدف وجودهم هو طمأنة الحلفاء الإستونيين، وتعزيز القدرات للعمل والتدريب بشكل مشترك بين قوات الناتو.
وعن ذلك، يقول داي بيفن، قائد قوات المؤازرة للحلف في إستونيا: “تعيد قوات الناتو الآن تموضعها لتظهر قدرتها على حماية حدودها في شرق أوروبا حيث أن تاريخ دول البلطيق مع روسيا معقد وترغب هذه الدول في وضع آلية دفاعية لردع أي عدوان روسي محتمل بعد الذي حدث في أوكرانيا.”
“ابحث عن الدفء”
بالإضافة إلى صغر الحجم، وتباين ميزان القوى مع روسيا، لدول البلطيق نقطة ضعف أساسية مع موسكو.
لطالما اعتمدت هذه الدول، بنسبة قاربت التسعين بالمائة على الغاز الروسي، وفي بلاد تصل درجة الحرارة فيها أحيانا إلى ثلاثين تحت الصفر، وفي ظل تهديدات روسيا بقطع الغاز عن دول البلطيق، يصبح الاعتماد على هذا الغاز تهديدا استراتيجيا.
منذ ضم روسيا لجزيرة القرم عام 2014، وتزايد المخاوف من روسيا، عمدت إستونيا إلى تخفيض اعتمادها على الغاز، واليوم تطالب الاتحاد الأوروبي بتسريع استراتيجيتها في الاعتماد على الطاقة البديلة.
وينعكس هذا في البحث عن مصادر بديلة، وفي تعزيز أسلوب الحياة للاعتماد بشكل أقل على الغاز الروسي، حيث تنتشر في البلاد طواحين الهواء لإنتاج الطاقة، ومن السهل ملاحظة سيارات الكهرباء، وحتى مستقبلات الطاقة الشمسية على أسطح البنايات.
ففيما الاعتماد على الطاقة البديلة، بات مطلبا بيئيا في أنحاء كثيرة في العالم، إلا أنه على جنبات البلطيق مسألة أمن قومي.
“روسيا وعبء التاريخ”
في طريقنا إلى نارفا في أقصى الشرق الإستوني نحو حدود روسيا، وما أن تقترب من المدينة، تبدأ الإذاعات التي تبث باللغة الروسية، بالظهور على مذياع السيارة، سواء تلك التي تصدح بالموسيقى المميزة لها، أو تلك التي تقرأ الأخبار.
الثقافة الروسية بادية بوضوح في هذه المكان.
هناك معبر للحدود مع روسيا، ومنه ثاني أهم المدن الروسية سان بطرسبيرغ التي لا تبعد سوى ساعة ونصف بالسيارة، ومع حركة المسافرين التي تراجعت بعد الحرب في أوكرانيا، وبالقرب من المعبر ينتصب تمثال ضخم لمؤسس الاتحاد السوفيتي السابق فلاديمير لينين.
قد يكون هذا آخر التماثيل المتبقية له…رافعا يده، أمام ساحة لقلعة تاريخية يفصلها نهر صغير عن روسيا.
غيرت السياسات السوفيتية الواقع الديمغرافي لهذه المنطقة، حيث أن موسكو هجرت عشرات الآلاف من الإستونيين إلى أصقاع سيبيريا، خلال الحرب العالمية الثانية، بحجة التعاون مع النازيين يقول أهل البلطيق إنها مجرد تهمة للسيطرة على بلادهم، وأسكنت بدلا منهم مواطنين روس.
اليوم، وبحكم تلك السياسات، فإن 27 في المئة من سكان إستونيا هم روس، وأكثر من 35 في المئة من هؤلاء يحملون الجنسية الروسية، وطبعا أكثر من 90 في المئة من سكان نارفا والشرق يتحدثون الروسية.
أبرزت هذه الحالة مخاوف على مستويين، أولا أن تعيد طرح موسكو مسألة حماية الأقليات الروسية في البلطيق، كما حدث في مناطق الاتحاد السوفيتي السابق التي شنت فيها روسيا عمليات عسكرية مثل الشيشان منتصف تسعينيات القرن الماضي أو في حالة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وفي جزيرة القرم، وحاليا في الشرق الأوكراني.
وللمفارقة، فإن نارفا كانت قد وقعت اتفاقية توأمة مع دونيتسك شرقي أوكرانيا، التي أعلنت انفصالها بدعم روسي عن البلاد.
اتفاقية التوأمة هي نوع من الاتفاقيات بين البلديات التي ترى مدنها تتشابه في خصائص جغرافية أو ديمغرافية وغيرها.
أما المستوى الثاني فهو أن يتهدد السلم الأهلي بين الإستونيين، بسبب المواقف من روسيا.
حاولنا التحدث إلى المحليين، ساندرا بأعوامها الثمانية عشر، عبرت عن جيل جديد من الإستونيين الذين يرون أنفسهم أقرب لأوروبا رغم أصولهم الروسية، وقالت لبي بي سي: “أثرت الحرب في أوكرانيا على علاقتي مع جدتي حيث أنها تتعاطف مع الغزو الروسي وتتأثر بالدعاية الروسية إذ أنها تنتمي لجيل نشأ في حقبة زمنية حرموا فيها من التفكير المستقل”.
وأما دينيس، وهو من أصول أوكرانية، ويعمل مصمما مسرحيا، فقال: “على الرغم من قلقنا عند سماع الساسة الروس يتحدثون عن رغبتهم في أن تعود إستونيا إلى المعسكر الروسي لكن الروس هنا مواطنون إستونيون”.
ونوه دينيس إلى عامل أساسي، حين أشار إلى أن “الحالة الاجتماعية والمستوى المعيشي في إستونيا أعلى بكثير منها للمواطنين الروس في روسيا، وبالتالي لن يقبل الإستونيون من أصول روسية تغيير هذا الوضع”.
لكن المشكلة كانت حين حاولنا التواصل مع المؤيدين لروسيا في المنطقة، حيث رفض معظمهم الحديث قائلين إن بي بي سي قناة تتبع الأجندة الغربية.
وبعد محاولات عدة، وافقت ناتاشا -وهو اسم مستعار- أخيرا على الحديث إلينا شريطة إخفاء هويتها، وقالت: “”أنا متوترة للغاية، هناك كثير من التضليل ولا نعرف حقيقة ما يجري في أوكرانيا. يأتي كثيرون الآن من أوكرانيا وليسوا كلهم أناسا صالحين. لا أظن أن الحرب ستطال إستونيا، فروسيا لا تريد بنا السوء”.
وأما يلينا، فأرادت التعبير عن مخاوفها، بسب حرب ترى أنها صراع أمريكي-روسي، وقالت: “أخشى أن يزداد التمييز ضدنا، وخاصة إذا كنت تدعم بوتين. أنا شخصيا لا أدعم بوتين ولكن أخشى أن يزداد التمييز ضد المواطنين الإستونيين من أصول روسية، أنا قلقة على أولادي وعلى مستقبلهم”.
يبدو أن الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها في كل مكان، ولكن الأقرب والأكثر قلقا تبقى دول البلطيق، بكافة مكوناتها.
[ad_2]
Source link