مركز علاج السرطان الفلسطيني الذي لا يعالج فيه أحد
[ad_1]
- يولاند نيل
- بي بي سي – القدس
يسود صمت رهيب ممرات وحدة علاج السرطان، التي عادة ما تكتظ بالمرضى، في مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس الشرقية، لكنه ليس بسبب تراجع عدد الفلسطينيين الذين تكتشف إصابتهم بالمرض.
ويرجع السبب الحقيقي لهذا الهدوء إلى أن هذا المركز الرئيسي لعلاج السرطان في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة يرفض تلقي حالات جديدة. ويُقدر عدد حالات السرطان التي رفض المركز دخولها لتلقي العلاج بأكثر من 500 حالة منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
وأصبحت السلطة الفلسطينية، التي يفترض أنها تمول قطاع الرعاية الصحية في المنطقة، مدينة للمستشفى بمبلغ 72 مليون دولار، مما تسبب في عجز المستشفى عن تدبير الأدوية باهظة الثمن التي تحتاجها للعلاج الكيماوي وغيره من أنواع علاج السرطان.
وقال فادي الأطرش، نائب الرئيس التنفيذي للمستشفى: “إنها المرة الأولى في تاريخنا التي نجد أنفسنا مضطرين لاتخاذ القرار بعدم قبول مرضى جُدد”.
وأضاف: “نواجه موقفا حرجا قد يضطرنا إلى إغلاق بعض الأقسام في مرحلة مقبلة. كما قد نتوقف عن علاج المرضى الموجودين بالفعل داخل المستشفى”.
وتابع: “وهو ما يعني أن يرتفع عدد الوفيات بسبب السرطان لأنهم لا يتلقون العلاج في الوقت الصحيح أو وفقا للجدول الصحيح”.
خفض التمويل
وأكدت السلطة الفلسطينية إنها تمر بأعنف أزمة مالية منذ تأسيسها منذ ثلاثة عقود.
فهي، كغيرها من دول العالم، تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة بسبب فيروس كورونا والارتفاعات الحادة في التضخم. كما تعاني المنطقة من مشكلات كثيرة ذات صلة بالصراع العربي الإسرائيلي القائم منذ عشرات السنوات.
وتحجز إسرائيل العائدات الضريبية التي تحصلها نيابة عن السلطة الفلسطينية بسبب ما تسدده من مدفوعات للفلسطينيين الموجودين داخل سجونها والتعويضات التي تسددها لأسر من تقتلهم القوات الإسرائيلية. وبينما تزعم إسرائيل إن هذه الأموال تشجع على الإرهاب، يرى الجانب الفلسطيني أنها تمثل دعما اجتماعيا ضروريا.
ولنفس الأسباب التي تروج لها إسرائيل، منع الكونغرس الأمريكي المساعدات المباشرة للفلسطينيين.
في غضون ذلك، كانت مخاوف حيال أن تكون الكتب المدرسية الفلسطينية تشيد بالعنف وتروج لمعاداة السامية وراء حجب ملايين الدولارات التي كان الاتحاد الأوروبي، المعروف تاريخيا بأنه أكبر متبرع للسلطة الفلسطينية، إذ أوقف التكتل الأوروبي مساعداته للفلسطينيين منذ 2020.
وعندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية، يبدو أن العجز المالي الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية سوف يكون له ثمن باهظ يتمثل في فقد المزيد من الأرواح.
لعدم سداد الفواتير
في وقت سابق من هذا العام، تدهورت حالة سالم النواتي، مريض بسرطان الدم يبلغ من العمر 16 سنة من قطاع غزة، في إحدى مستشفيات وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله. وكان عمه يقاتل من أجل أن يوفر له سريرا في مستشفى متخصص في علاج السرطان، لكن الشاب توفي بسبب المرض قبل أن يتحقق ذلك.
وتوجهنا إلى منزل سالم حيث تحتفظ أسرته في كل مكان في المنزل بتقاريره المدرسية المشرفة وميداليات التفوق التي حصل عليها في لعبة التايكوندو. كما تحدثنا مع جمال النواتي الذي صرح لنا بالمزيد من التفاصيل عن المشكلة التي واجهها وأدت إلى وفاة سالم.
وكانت البداية بضعف إمكانيات مستشفيات قطاع غزة، مما يجعلها غير قادرة على علاج حالات السرطان الخطيرة. ووسط عدم توافر سرير لعلاج سالم في وحدة السرطان في القدس الشرقية، تم تحويله بعد الحصول على ضمان مالي من السلطة الفلسطينية إلى مستشفى خاص في نابلس.
ورفضت إسرائيل، التي تتحكم في دخول سكان غزة إلى الضفة الغربية، إدخال سالم لتلقي العلاج هناك لدواعي أمنية، وفقا لأسرة المتوفى. وأدى هذا الرفض إلى تأخر سالم لشهر كامل دون تلقي العلاج المطلوب. بعد ذلك، نجحت الأسرة في إدخال ابنها المستشفى في نابلس لتلقي العلاج، لكن المستشفى رفضت استكمال علاجه بسبب عدم سداد السلطة الفلسطينية فواتير العلاج.
وقال جمال النواتي: “أريد أن أعرف ما الخطأ الذي ارتكبناه، ما الذي فعله هذا المريض المسكين؟”.
وأضاف: “كانت حالة سالم تتدهور ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم. كان حزينا جدا، وكان يسألني لماذا يرفضون علاجه. وكنت أفعل كل ما في وسعي لأطمئنه”.
وأخيرا، وبعد تدخل أحد أصحاب النفوذ من أصدقاء العائلة، عرض مسؤولون في السلطة الفلسطينية إرسال سالم لتلقي العلاج في مستشفى إسرائيلي، لكن إذن السفر الممنوح له لم يكن يسمح له بدخول إسرائيل، وبالفعل فات الأوان.
ما الذي يحمله المستقبل؟
يتظاهر الآلاف من الفلسطينيين احتجاجا على ارتفاع الأسعار، حاملين لافتات مدون عليها “نريد أن نعيش”. وتكرر ما حدث في أزمات اقتصادية سابقة، إذ يتلقى الموظفون في السلطة الفلسطينية رواتب مخفضة.
ودفع القلق من تصاعد الاضطرابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة إسرائيل إلى الإفراج عن 185 مليون دولار وسلمتها للسلطة الفلسطينية على أمل أن تتمكن من التصدي للأزمة. كما كانت هناك نتيجة إيجابية لجولة قام بها رئيس وزراء السلطة في المنطقة العربية، إذ حصل على منحة بقيمة 100 مليون دولار من الجزائر.
ويبدو أن الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية يشهد حالة من التذبذب وسط تحسن محدود- على الرغم من أن الخبراء الدوليين الذين تحدث إليهم يرجحون أنه تحسن “غير مستدام على المدى الطويل”.
وفي مستشفى أوغستا فيكتوريا، خلع نائب المدير التنفيذي للمستشفى فادي الأطرش المعطف الأبيض وارتدى سترة عادية بدلا منه وبدأ سلسلة من المحادثات مع المتبرعين والدبلوماسيين الأجانب سعيا وراء إيجاد حل يمكنه من تشغيل المستشفى.
وقال الأطرش: “دائما ما تسبب لنا السياسة الدولية المتاعب. وكونك طبيبا فلسطينيا، يصيبك ذلك بالإحباط لأنك متأكد من أنه إذا توافرت لك الإمكانات والموارد، سوف تتمكن من مساعدة أهلك”.
وأضاف: “لكنها ليست لديك. وعندما أرى معاناة المرضى الذين لا يتلقون العلاج، أعاني أنا الآخر، ليس فقط كطبيب، لكن كإنسان”.
[ad_2]
Source link