انخفاض قيمة الجنيه: هل تنجح إجراءات الحكومة المصرية في الحد من التضخم وارتفاع الأسعار؟
[ad_1]
- عطية نبيل
- بي بي سي- القاهرة
جلست رشا محمود لساعات طويلة مع زوجها تحاول إعداد ميزانية المنزل لشهر رمضان، إذ يرتفع استهلاك الأسرة من المواد الغذائية المختلفة قبيل هذا الشهر. لكنها، ونتيجة للارتفاعات الأخيرة في أسعار كثير من السلع، والتي تراوحت ما بين 20 و50 في المئة، تجد نفسها مكبلة اليدين.
تقول رشا لبي بي سي إن ميزانية الأسرة للخبز وحده ارتفعت بنسبة تقترب من 50 في المئة بعد الزيادات الأخيرة في أسعار الخبز بأنواعه المختلفة، وهي الارتفاعات التي جاءت نتيجة ارتفاع سعر الدقيق وتكلفة الإنتاج. كما تشير إلى ارتفاعات طالت أسعار اللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الأجبان، وزيوت الطعام بنسب متفاوتة.
الاستغناء عن “ياميش رمضان”
وبعد جولة سابقة لها في الأسواق، قررت رشا الاستغناء عن شراء الياميش والمكسرات الخاصة بشهر رمضان هذا العام، بعد أن لاحظت “ارتفاعا جُنونيا في أسعارِها”، وهو ما يعني عدم قدرتها المادية على شراء هذه السلع التي باتت تراها “كمالية”، حتى ولو بكميات قليلة. وهي في ظل هذا، لا تجد أمامها سوى مطالبة زوجها بزيادة مصروف البيت.
معاناة رشا وأسرتها التي تصنف ضمن الطبقة الوسطى في المجتمع المصري، تعتبر أخف وطأة مقارنة بمعاناة الطبقات الأخرى الفقيرة أو المُعدَمة والتي يقل دخلها الشهري عن 1200 جنيه.
ووفقا لاتحاد الغرف التجارية المصري، ارتفع متوسط أسعار اللحوم البلدية من 120 جنيها إلى أكثر من 170 جنيها، كما وصل سعر كيلو الدجاج إلى نحو 45 جنيها بعد أن كان 30 جنيها، ووصل سعر زجاجة زيت القلي بجودة متوسطة إلى 31 جنيها، بينما وصل متوسط سعر زيت الطهي والسمن الصناعي إلى نحو 40 جنيها.
ووصل سعر البيضة الواحدة لأكثر من جنيهن ونصف، كما ارتفع سعر كيلو السكر- الحُر غير المدعوم – ليصل إلى 15 جنيها، بينما زاد سعر الأرز بنحو 5 جنيهات مصرية ليصل سعر الكيلو الواحد إلى 15 جنيها مصريا، وهي أسعار غير مسبوقة، قد تعود بشكل عام إلى أزمة في سلاسل التوريد والإنتاج، وارتفاع أسعار التجزئة، وتكلفة الشحن والتخزين وغيرها.
تدابير حكومية عاجلة
كل هذه التطورات دفعت الحكومة المصرية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير العاجلة للحد من تقلبات الأسعار في الأسواق وارتفاع تكاليف النقل والشحن بسبب زيادة أسعار النفط عالميا نتيجة لاستمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلا عن استمرار تأثيرات الكساد والتضخم التي أحدثتها أزمة وباء كورونا.
ومن بين هذه الإجراءات الحكومية، يأتي ما أعلنته وزارة المالية مؤخرا بشأن صرف زيادات في الأجور والمعاشات في إطار حزمة من الإجراءات المالية والحماية الاجتماعية، بقيمة إجمالية بلغت 130 مليار جنيه. وهي خطوة، تأمل الحكومة المصرية أن تسهم في التعامل مع تداعيات التحديات الاقتصادية الراهنة.
وقالت وزارة المالية – في بيان لها يوم الإثنين- إنه تقرر زيادة العلاوة الدورية للموظفين بنسب تتراوح ما بين 8 في المئة و 15 في المئة من الأجر الأساسي، بحد أدنى يبلغ 100 جنيه مصري شهريا ويصل إلى 400 جنيه في الدرجات الوظيفية الأعلى، وذلك بداية من شهر أبريل/نيسان المقبل.
الأجور والمعاشات
كما أعلنت وزارة المالية المصرية عن زيادة الأجور والمعاشات بنسبة 13 في المئة، وأعلنت عن تخصيص 190.5 مليار جنيه للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لصرف هذه الزيادة في المعاشات، بحد أدنى 120 جنيها، بدءا من الشهر المقبل.
وأشارت الوزارة إلى أنها ستقوم بتدبير 2.7 مليار جنيه لضم 450 ألف أسرة جديدة للمستفيدين من برنامج الدعم الحكومي للطبقات الفقيرة “تكافل وكرامة”، مع رفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل بنسبة 25 في المئة للتخفيف من آثار الوضع الاقتصادي الراهن.
وبتوجيهات رئاسية، قامت وزارة التموين المصرية، ولأول مرة منذ فترة طويلة، بإعلان تسعيرة جبرية للخبز السياحي الحُر – غير المدعوم – بعد أن شهدت أسعاره ارتفاعات كبيرة عقب الأزمة العالمية الحالية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، إذ تستورد مصر من هاتين الدولتين نحو 80 في المئة من وارداتها من القمح والحبوب.
وتعهدت الحكومة بإتاحة الدقيق الحُر غير المدعوم بأسعار تقترب من تلك التي كانت قبل اندلاع الحرب، مشيرة إلى وجود احتياطيات كافية من السلع الرئيسية والاستراتيجية تصل إلى أربعة أشهر مقبلة. جاء هذا بالتزامن مع اتخاذ المزيد من الإجراءات الحمائية لضبط الأسواق ومكافحة الارتفاعات غير المبررة في أسعار السلع، والتوسع في برامج حماية الطبقات الفقيرة.
تطورات “خارجة عن إرادة مصر”
وخلال مكالمة هاتفية مساء الأحد مع إحدى الفضائيات المصرية، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن الحكومة تعمل على امتصاص أكبر قدر ممكن من التأثيرات السلبية للأحداث العالمية على الاقتصاد المصري، مشيرا إلى أن هذه التطورات خارجة عن إرادة مصر، وجاءت في ظل محاولات التعافي من تأثيرات أزمة كورونا.
لكنه أكد أن الدولة المصرية “استطاعت توفير السلع الضرورية للمواطنين”، مشدد على عدم وجود نقص في الزيت، أو الشاي، أو السكر، أو أي سلع ضرورية أخرى، على حد قوله.
وأشار الرئيس السيسي إلى أن برنامج “تكافل وكرامة” لمساعدة الطبقات الفقيرة يضم حاليا 3.7 مليون أسرة، بتكلفة إجمالية تصل إلى 19.5 مليار جنيه، بينما تعمل الدولة على زيادة عدد المستفيدين منه خلال المرحلة المقبلة.
امتصاص الصدمة
في تعقيب على هذه القرارات، يقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية – في حديثه لبي بي سي – إن قرارات البنك المركزي الأخيرة بشأن رفع سعر الفائدة بنسبة واحد في المئة على الإقراض والإيداع لتصل إلى نحو 10 في المئة، واستحداث ودائع ادخارية جديدة تصل الفائدة فيها إلى نحو 18 في المئة، يهدف إلى “سحب السيولة النقدية من الأسواق”، ومن ثم مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار.
كما أوضح دكتور رشاد أن إعادة النظر في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمته بنحو 15 في المئة، جاء بعد ملاحظة ارتفاع الطلب على الدولار، واتجاه البعض للمُضاربة في سعره، فضلا عن نقص الاحتياطي النقدي من “العملة الخضراء” لدى البنك المركزي المصري.
ويرى الخبير الاقتصادي المصري أن كل تلك القرارات تعد “مُسكنات آنية للتعامل مع الأزمة الحالية”، مشيرا إلى أن الحلول الدائمة تتطلب “تغيير السياسات نحو التوسع في زراعة المحاصيل الزراعية” لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليل فاتورة الاستيراد، إلى جانب توفير المزيد من فرص العمل المُنتجة.
بدورها تقول الباحثة الاقتصادية منى بدير لبي بي سي إن الحكومة المصرية قد تلجأ مجددا لطلب مساعدة من البنك الدولي لدعم موازنتها، وامتصاص الأزمة التي حدثت بسبب الظروف الدولية، كما ستعمل على تشديد السياسات النقدية ومحاولات ضبط الأسواق.
ويبدو أنها تبدي تشاوما من مدى قدرة الإجراءات الحكومية على الحد من التضخم، إذ تضيف أن البيئة الحالية في مصر “بيئة تضخمية مؤهلة لمزيد من التضخم وارتفاع الأسعار” بفعل الضغوط الخارجية، على حد وصفها.
[ad_2]
Source link