اليوم العالمي للمرأة: كيف استخدمت الكوميديا لتبرير تنميط النساء الأوكرانيات والإساءة إليهن؟
[ad_1]
- جوليان الحاج
- بي بي سي نيوز عربي
ذكّرت الحرب الدائرة في أوكرانيا بما كان معلوما ومنسيا: في الحروب والمآسي، غالبا ما تدفع النساء ثمنا باهظا، ويجدن أنفسهن ضحايا على أكثر من مستوى. هذه المرة كانت حصة النساء الأوكرانيات من التعليقات والنكات الذكورية التي وجدت طريقها إلى النقاش الدائر في العالم العربي حول الحرب في بلادهن كبيرة.
فقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور نساء ومقاتلات وجنديّات أوكرانيات، مصحوبة بدعوات إلى”فتح البيوت والقلوب” للنازحات. لكن الأمر لم يقتصر على ناشطين ومدوّنين، إذ امتد إلى بعض المواقع الإخبارية والصحف العربية، في حين لم يتورع بعض المشاهير في تبنّي هذه النكات وإعادة توزيعها.
“تسليع وتنميط وإساءة”
ويبدو أن تسليع المرأة إجمالا والمرأة الأوكرانية خصوصا ليس جديدا، إذ تكفي كتابة “أوكرانيات” على محرّكات البحث باللغة العربية، لتأتيك اقتراحات من نوع: “أوكرانيات للزواج في مصر”، “أوكرانيات مُسلمات”، “أوكرانيات روسيات للزواج”، “أوكرانيات في تظاهرات لبنان”… واللائحة طويلة مليئة بالمعاني.
قبل أسبوعين على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، نشرت صحيفة “الشرق” اللبنانية صورة مسيئة بشكل كبير للأوكرانيات على غلافها، ما أدّى إلى إصدار بيانٍ عن السفارة الأوكرانية يدعو الصحيفة إلى الاعتذار. أمّا صحيفة “الوفد” المصرية، فنشرت مقالا تدعو فيه المصريين إلى عدم الإسراع في الزواج، بل انتظار أزمة النزوح الأوروبية. وما هذا إلا غيض من فيض، تعليقات تتكرّر عند كل أزمة.
تذكّر الناشطة النسوية والصحافية مايا العمّار، بأنّ تعليقات مماثلة طاولت اللبنانيات بعد تفجير مرفأ بيروت، والسوريات منذ بداية الحرب في بلادهن. وترى في هذه التعليقات “امتدادا لفكر واحد لم يُستأصل بعد. فالأذهان الذكورية تنتظر مناسبة لتُظهر الصورة النمطية المسيئة إلى المرأة تحت غطاء الترفيه وخفة الدم.”
وتشير العمّار إلى أن التعامل يختلف بين النساء الأوكرانيات والسوريات واللبنانيات، ما يوحي بنوع من التراتبية، حسب قولها: “لا يُنظر إلى اللاجئات السوريات كالأوكرانيات على سبيل المثال، فالصورة النمطية المحفورة في الأذهان مختلفة، لكن التسليع والتنميط والإساءة الذكورية هي نفسها.”
تطرح هذه الظاهرة قضية التمييز بين اللاجئين بحسب الجنسية أو العرق، والتي تم الإشارة إليها بعد ورود تقارير عن تعرض لاجئين أفارقة وهنود وعرب لممارسات عنصرية عند محاولتهم عبور الحدود الأوكرانية نحو الدول المجاورة هربا من الحرب.
تنتقد الناشطة اللبنانية التمييز والعنصرية اللذين تجلّيا على الحدود الأوكرانية، لكنّها تذكّر بأن المجتمعات العربية لم تقدم صورة أفضل عندما أقامت نوعا من المفاضلة بين المرأة الأوكرانية والسورية أو العراقية أو الفلسطينية.
تقول في هذا الإطار: “نحن ننتقد ظواهر في الغرب ولا نلحظ فوقية نعطيها لبياض البشرة مترسّخة في السرديات والنكات المُتَناقَلة في العالم العربي.”
لماذا المرأة الأوكرانية؟
يشير تقرير المركز الدولي لتطوير سياسة الهجرة عام 2013 إلى أن غالبية النساء اللواتي يقعن ضحية للاتجار بالبشر بغاية الاستغلال الجنسي في لبنان يتحدّرن من بلدان أوروبا الشرقية (أوكرانيا، روسيا، مولدوفا وبيلاروسيا)، إضافة إلى المغرب وسوريا وتونس. وترى مايا العطار إن هذا أدى إلى جعل النظرة السائدة في أذهان كثيرين إلى النساء الأوكرانيات – ونساء أوروبا الشرقية بشكل أوسع – مرتبطة غالبا بالخدمات الجنسية.
تقول إن “استقدام نساء من أوروبا الشرقية إلى العالم العربي ومناطق أخرى في العالم بدأ بعد تفكك الاتحاد السوفياتي بغرض استغلالهن جنسيا، بغض النظر إن كنّ على دراية بهذه الغاية أم لا، لذلك ارتبطت جنسياتهن بهذا المجال”.
وتضيف العمّار أن “أنظمتنا قمعية بحق النساء إذ يُستقدمن غالبا بتأشيرات فنانات ولا يتلقّين أي حقوق ولا يخضعن لأي قانون عمل واضح، فيتعرّضن تاليا لتعنيف مزدوج، من النظام السائد ومن النظرة الذكورية.”
وتتابع: “لا يجوز أبدا تنميط المرأة بسبب جنسيتها، ثم إن من يعملن في مجال الخدمات الجنسية هنّ أقلية من النساء الريفيات الفقيرات، وغالبا يهربن من مآسيهنّ إلى جحيم جديدة.”
التسليع نفسه ينعكس في فكرة أخرى سائدة عن النساء الأوكرانيات، تقدمهن على أنهّن جميلات وغير متطلّبات بسبب فقرهنّ، ما يجعلهنّ الخيار الأفضل للزواج. في حين يرى البعض في تقرّب رجل عربي من امرأة بيضاء شقراء وجميلة “انتصارا” أو “دليل رجولة”.
أبعد من العالم العربي
“خِفة الدم” المحملة بتنميط النساء والإساءة لهنّ ليست محصورة في العالم العربي، وإن تجلّت به بوضوح وابتذال فاقع، بل هي عابرة للقارات أيضا. فشبكة “وايبو” (نظير تويتر في الصين) على سبيل المثال، أعلنت حظر أكثر من 10 آلاف مستخدم وحذف 4 آلاف منشور “لاحتوائها على تعليقات ساخرة ومبتذلة تطاول المرأة الأوكرانية.”
كذلك فعل موقع دويين (نظير تيك توك في الصين) إذ حذف 6400 فيديو وأوقف آلاف فيديوهات البث المباشر، بعد انتشار وسم “مستعد لإيواء الأوكرانيات”.
ينعكس هذا الاهتمام أيضا في أرقام مواقع التعارف الصينية، حيث تضاعف البحث عن نساء أوكرانيات بعد بداية الحرب. حتى أن شركات في أوكرانيا، إحداها تدعى ULove، بدأت تعرّف نساء أوكرانيات على رجال صينيين يرغبون في الزواج.
الأوكرانيات في صفوف الجيش
تشكّل النساء حوالي 22 في المئة من القوات المسلّحة الأوكرانية بحسب أرقام وزارة الدفاع عام 2020. وتعتبر هذه النسبة الأعلى مقارنة بدول الجوار.
وتعود بداية مشاركة المرأة في الصفوف العسكرية إلى عام 2014 عقب أزمة القرم. في ذلك الوقت حملت النساء السلاح واندفعن للقتال. عملن قنّاصات ومُسعفات ومُقاتلات وجنديّات في مواقع الدفاع، ونظرا إلى أن الجيش لم يكن يُجنّدهنّ رسميًا لتلك المهمّات، انخرطنَ في صفوفه على أنهن خيّاطات أو طاهيات أو عاملات نظافة.
ومُنحت المرأة الأوكرانية حق القتال عام 2016. وكفل قرار تشريعي عام 2018 المساواة في التعامل بين النساء والرجال في صفوف الجيش.
وقد وجدت صور المقاتلات الأوكرانيات طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي مصحوبة بتعليقات مبتذلة من قبل البعض، ودعوات إلى الرجال العرب “لتعلّم الرجولة” من النساء الأوكرانيات، كما إلى النساء العربيات للاحتذاء بنظيراتهن الأوكرانيات.
تنتقد مايا العمار التركيز في هذا الموضوع على الجمال والإثارة أو ثنائية الجمال والقوّة، بالإضافة إلى دعوة نساء أخريات إلى الامتثال بهنّ.
وترى أن هذه السردية تعزّز التنميط الجندري وكأن الرجولة مرادفة حصرا للقتال والعنف.
صوابية سياسية
وتتعرض النسويات والمُدافعين عن حقوق النساء إلى انتقادات متكررة، مفادها أن النقد الذي يطرحونه للخطاب الذي ينمط النساء ويسيء إليهن يستند إلى “صوابية سياسية مفرطة”. يترافق هذا مع مع تبرير للتعليقات على أنها “مزحة”، “خِفّة دم”، وأن “الغاية ليست الإساءة”، وأنه “لا يجوز التعميم”.
يدفع ذلك إلى التساؤل عما إذا كانت الصوابية السياسية تقتل الكوميديا حقا. تجيب مايا العمار بأنّها تفكّر كثيرا بهذا الموضوع، وتضيف: “السؤال يجب ألّا يكون عن إفراط النسويات في الصوابية السياسية، بل لماذا لا تجدون ما يُضحككم بعيدا عن مأساة الناس التاريخية؟ لماذا استسهال المزاح على هذه الفئات بطريقة مسيئة؟”.
وتضيف: الواقع أن هذا النوع من الكوميديا والمنشورات على مواقع التواصل يكشف عن خيال جماعي موجود وحقيقي. للكوميديا تأثير جماهيري يمكن استخدامه في الإبقاء على الإساءة والتنميط، أو في تغيير السرديات السائدة من أجل تقدّم الحضارات.
[ad_2]
Source link