نتفليكس: هل تهدد قيم المجتمع أم تعزز التنوع؟
[ad_1]
- حسام فازولا
- بي بي سي نيوز
“لم أعد شغوفة بالتليفزيون، لذلك أتجه حاليا للتطبيقات”. هكذا تقول إحدى مشاهدات نتفليكس لدى سؤالها عما تشاهده، بينما تقول أخرى: “أنا ضد نتفليكس وتلك التطبيقات، فهي ضد قواعد مجتمعي”.
تتصاعد وتيرة هذا الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما مع توالي الإنتاجات العربية الأصلية لشبكة البث التليفزيوني حسب الطلب،نتفليكس، وآخرها فيلم “أصحاب ولا أعز”.
ولا يقتصر الجدل حول القيمة الفنية لهذه الأفلام والمسلسلات، لكنه يمتد ويحتد أحيانًا عندما يصل إلى الهوية الاجتماعية والسياسية، حين يتهم البعض شبكات مثل نتفليكس بتعمد تشويه قيم المجتمع العربي من خلال أعمالها، ويرى بعضهم أن هذه الأعمال تعكس واقع ما ينتمون إليه أكثر من القيم التي يدافع عنها الآخرون.
ربما تكون المسألة مسألة اختيارات لم تكن متاحة من خلال التلفزيون العادي أصبحت الآن أقرب من خلال وسيط جديد، وربما يكون الأمر تغيرا في موازين القوى، إذ تواجه منظومات الإنتاج المحلي الآن عملاقا عالميا.
وسيط جديد
الطباعة، والراديو، والتلفزيون، وسائط انتقلت عبرها الثقافة والمعلومات والترفيه لتغير حياتنا للأبد. ثم جاء الإنترنت، ليغير حتى مفهومنا عن الزمان والمكان، يقرب البعيد ويسرع الوتيرة ويجمع بين الوسائط.
أصبح التلفزيون بشكله الحديث جزءًا من الإنترنت، من خلال نموذج خدمات البث و الاشتراك الشهري، والذي طرحته أولًا شركة نتفليكس.
ففي أواخر التسعينات بدأ مؤسسا شركة نتفليكس مارك راندولف وريد هاستينجز في البحث عن كيفية تعظيم ربح تأجير الأفلام والمسلسلات وتوصيلها للمنازل. ولأن شرائط الفيديو كبيرة الحجم وسهلة التلف، بدأت الشركة تأجير أقراص الدي في دي، مما أحدث ثورة في مجال تأجير الأفلام لتصبح نتفليكس الشركة الأكبر في المجال مع بداية الألفية الحالية.
وأصبحت الشركة متحفزة للقفزة القادمة، ففي 2006، أعلنت نيتفلكس عن جائزة قدرها مليون دولار لمن يقترح خوارزمية ترشح الأعمال الدرامية بناءً على ذوق المشاهدين وتتوقع اختياراتهم، وبعدها بسنة، ومع زيادة سرعة الإنترنت في الولايات المتحدة، أتاحت الشركة أول مجموعة من أفلامها للبث عبر الإنترنت.
والآن لم تعد نتفليكس مجرد شركة لبث الأفلام والمسلسلات بل يتزايد إنتاجها من الأفلام والمسلسلات لتنافس شركات الإنتاج الامريكية الكبرى مثل ديزني ووارنر بروس.
وتملك نتفليكس سلاحا لا تملكه الشركات الأخرى وهو خوارزمية متطورة تم تغذيتها لأكثر من 10 سنوات بالسلوك الاستهلاكي وأذواق ملايين المشاهدين حول العالم.
الهيمنة الثقافية
تعود فكرة الهيمنة الثقافية إلى كتابات الفيلسوف الماركسي، أنطونيو غرامشي، من محبسه في عشرينات القرن الماضي، حيث رأى غرامشي أن السلطة تأتي من الإقناع، وأن الأفكار هي من يتحكم في الشعوب وليس العكس.
قد يبدو هذا الرأي للبعض مبالغا فيه، ولكن بالنسبة لغرامشي، تقع كل القيم المجتمعية والتقاليد والعادات المتعارف عليها ضمن هذا الإطار.
ثم طور الفيلسوف الفرنسي، بيير بوردو، فكرة الهيمنة الثقافية لتتناسب بشكل أكبر مع عصر المعلومات فيما سماه نظرية المجال. فبالنسبة لبوردو ينتمي كل منا إلى دوائر اجتماعية مختلفة ذات مدخلات ثقافية معينة. وقد ينتمي الفرد لأكثر من دائرة اجتماعية، لكن في نهاية الأمر تحدد تلك المجالات وتعددها أفكاره وهويته الثقافية.
وبشكل عالمي، ارتبط مصطلح الهيمنة الثقافية بإنتاج هوليوود، القوة الناعمة الأكبر عالميًا. إذ انتشرت أفكار ومبادئ أمريكية عدة حول العالم من خلال الأفلام والمسلسلات الأمريكية. وقد يرى بعضهم تلك المبادئ متكررة في أعمال عربية أنتجتها نتفليكس مثل مسلسل “جن” الأردني الذي عده بعض النقاد تكرارا لأفلام رعب المراهقين الامريكية بشكل خال من الخصوصية الثقافية.
ولكن الهيمنة الثقافية لا تأتي فقط من التأثير الغربي، فالأعمال التي قد يرى بعضهم أنها تتماشى مع السياق المجتمعي، هي أيضًا نتيجة لمنظومة ثقافية وأدوات تتحكم فيها سلطات حكومية وخاصة، كأجهزة الرقابة وشركات الإنتاج والمؤسسات الدينية وعادات وتقاليد الأغلبية.
تقول السيناريست السعودية، رولان حسن، في لقائها مع فريق بي بي سي إن خيار “الانتقائية” هو الفرق الأساسي بين شركات البث والتلفزيون التقليدي. وتلك الحرية في الاختيار سمحت لها أن تشارك في أعمال قريبة إلى قلبها كما سمحت لأخرين مشاهدة أعمال أقرب إلى ذوقهم.
المشاهد مسير أم مخير؟
تعمل أجهزة الرقابة التليفزيونية، في الأساس، على ضمان ألا يظهر محتوى لا يليق بالمشاهدين الأطفال أو المشاهدة العائلية. ولكن تختلف حدة هذه الأجهزة من بلد لأخرى، ففي بعض البلاد تمنع هذه الأجهزة إنتاج أي محتوى سياسي أو اجتماعي مغاير للنمط السائد، وفي بلاد أخرى تكون وظيفة الرقابة هي مجرد التصنيف العمري. تقع خدمات البث خارج سيطرة الحكومات والنظم الرقابية الرسمية. فالمشاهد هنا يختار عمله بنفسه، مع وجود نموذج منقح للمستخدمين الأطفال.
تطورت حديثًا نظرية إعلامية سميت بالاستخدام والإشباع، ويرى أنصارها أنه في ظل وفرة المنتجات الثقافية والإعلامية وحرية اختيار المشاهد لما يتلقى، أصبح من الصعب أن يغير أي عمل إعلامي من تقاليد أو عادات الفرد أو المجتمع. فقد أصبح المشاهد يستخدم المواد الإعلامية ويختارها لإشباع احتياجاته الفردية بعدما كان يعتمد المجتمع على مصدر واحد للمعلومات لا بديل له. فالآن قد يشاهد بعضهم برنامجا كوميديا بعد العمل لتخفيف أعباء يومه، كما قد يختار فيلمًا يتناسب مع أفكاره ويبعد عن آخر قد لا يراه ملائمًا.
التلفزيون “الشخصي” وسيطرة نتفليكس
“أصبح الكل الآن مشغولا بهاتفه الجوال”. هكذا يقول أحد المشاركين في استطلاع الرأي في مقارنة بين التلفزيون وخدمات البث.
بينت دراسة نشرت بجامعة لندن، أن بعض مستخدمي نتفليكس الذين عاشوا في المنزل نفسه كانت لديهم صفحة رئيسية لنتفليكس مختلفة تمامًا عن شركائهم بالسكن. إذ اختلفت كل صفحة رئيسية بناءً على تفضيلات وهوية كل مستخدم. فالمستخدم الأسود رشحت له الخوازميات اعمال لشخصيات سوداء، والمرأة امتلأت صفحتها الرئيسية بأفلام تحتوي على شخصيات نسائية قوية. بينما صرح أكثر من نصف المشاركين في الدراسة أنهم، في أغلب الأوقات، يشاهدون نتفليكس على جوالاتهم الشخصية.
فعلى عكس التلفزيون الذي جمع العائلات في غرف المعيشة، تدفع خدمات البث وعلى رأسها نتفليكس مشاهدة الأفلام والمسلسلات إلى “الفردانية”. ولذلك تعتمد هذه المنصات بشكل كبير على خوارزميات الترشيح والتوقع، فمزيد من الأذواق والاختيارات، يعني مزيدا من الاشتراكات والأرباح. وحتى الآن لا تملك أي شركة أخرى خوارزمية مماثلة لنتفليكس مما قد يفسح لها المجال للسيطرة على الإنتاج الدرامي.
قد يكون من يرى أن هناك هيمنة ثقافية غربية على الأعمال العربية التي تنتجها نتفليكس محقًا، وكذلك من يرى ملاذا في الأعمال التي تخرج عن سيطرة الرقابة المجتمعية وتعبر عنه كأقلية مجتمعية. ولكن لا شك في أن التلفزيون كما عرفناه قد تطور بشكل محوري في الطبيعة والمحتوى.
[ad_2]
Source link