لعبة ووردل: هل هناك بعد “طقوسي” خلف شعبيتها؟
[ad_1]
- سناء الخوري
- مراسلة الشؤون الدينية – بي بي سي نيوز عربي
ربما لم تجرب لعبة “ووردل” بعد، ولكن لا بد أن تكون قد لمحت تلك المربعات الخضراء والصفراء المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، تحوّلت أحجية “ووردل” الذهنية إلى حديث تويتر، مع مشاركة الملايين بمحاولة حلّ اللغز اليومي، والبحث عن كلمة من خمسة أحرف.
اللعبة غير متوفرة على تطبيق هاتفي، ولا تتضمن إعلانات، ولا إشعارات تنبيه، كباقي الألعاب الالكترونية، وقد طورها جوش واردل، وهو مهندس برمجيات إنجليزي مقيم في بروكلين.
شريكة واردل هي أيضا من هواة الأحاجي الذهنية وألعاب الكلمات المتقاطعة، وقد ابتكر اللعبة خلال فترة الوباء لكي يلعباها معاً، ثم نشرها للعموم، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
شعبية اللعبة دفعت بشركة “نيويورك تايمز” إلى شرائها الاثنين الماضي، بهدف ضمّها إلى سلسلة الأحاجي والألعاب التي تقدمها للمشتركين في خدماتها الرقمية.
وبحسب بيان صادر عن الشركة، فإنها سوف تستخدم اللعبة لزيادة عدد مشتركيها، إذ تسعى إلى بلوغ سقف 10 مليون مشترك بحلول عام 2025.
ولم يعلن عن الثمن الذي دفعته الشركة لقاء اللعبة، ولكن تقارير إعلامية أشارت إلى أنه مبلغ من سبعة أرقام (أي يفوق مليون دولار).
وقد أكدت الشركة أن اللعبة ستكون “مجانية للمشتركين الحاليين بها”.
ما هي لعبة ووردل؟
اللعبة بسيطة، تجمع بين مبدأ الكلمات المتقاطعة وبين لعبة “سكرابل” الهادفة إلى تركيب كلمات من سبعة أحرف.
لكي تفوز في “ووردل”، عليك أن تحزر كلمة من خمسة أحرف، بست محاولات فقط.
يمكن أن تبدأ بكتابة كلمة عشوائية. وفي حال كانت هذه الكلمة تتضمن حرفاً من أحرف الكلمة السرية، في موقعه الصحيح، تتلون خانة الحرف بالأخضر. أما إن كان في موقع مغاير لموقعه الحقيقي، تتلون خانة الحرف بالأصفر. وإن كان الحرف غير موجود في الكلمة الأحجية، تتلون خانته بالرمادي.
عند انتهاء المحاولات الست، تتيح اللعبة لك مشاركة النتيجة عبر حسابك على تويتر، سواء فزت أم لم تفز، من خلال إظهار جدول مربعاتك الخضراء والصفراء والرمادية، وعدد المحاولات التي قمت بها قبل معرفة الكلمة.
في حديث مع “بي بي سي راديو 4” مطلع الشهر الحالي، قال مطوّر اللعبة جوش واردل إن السبب في انتشار اللعبة يعود إلى بساطتها، إلى جانب كونها تقدم شيئاً هو عكس المتوقع من الألعاب الالكترونية، بمعنى أنها لا تستعطي انتباه اللاعبين، ولا تلاحقهم بالتنبيهات والإشعارات، ولا يمكن أن تلعبها ساعة تشاء، بل مرة واحدة في اليوم.
حققت اللعبة نجاحاً ساحقاً، وباتت أشبه بميم أو ترند على الانترنت، إذ ابتكر عدد من المطورين نسخاً بلغات أخرى، من بينها “الوِرد” بالعربية، فيما ابتكر بعضهم نسخاً ساخرة، من بينها أحجية للألفاظ النابية والشتائم فقط.
لكن أبرز ما يميّز “ووردل” هو أن المشاركين في كلّ أنحاء العالم، يبحثون عن كلمة واحدة فقط، خلال فترة 24 ساعة.
صحيح أنهم يلعبون منفردين، كلّ على هاتفه أو جهاز الكومبيوتر الخاص به، ولكنهم يشاركون في تجربة جماعية ضخمة، ويتبادلون النتائج عبر مواقع التواصل، كتلاميذ، يعرضون على بعضهم البعض الواجبات المدرسية، لمقارنتها.
ما سبب هذا الهوس الجماعي باللعبة؟
تقول بيني بيكسمان، أستاذة علم النفس في جامعة كالاغاري، في مقالة نشرت على موقع “ذا كونفرسايشن” الأكاديمي، إن للأحاجي والكلمات المتقاطعة هواة كثر، ولكنها فعلياً لا تستهوي كل البشر.
هناك فئة محددة منا، تجد متعة في التحفيز الذهني والإدراكي، من خلال ألعاب مثل السكرابل والشطرنج، ولكن هناك فئة أخرى لا يعنيها الأمر بتاتاً.
بحسب بيكسمان، فإنّ سبب نجاح لعبة “ووردل” يكمن في كونها تخلق فرصة لتبادل تجربة مشتركة في وقت يشعر كثيرون أنهم منقطعون عن العالم. تكتب: “قد لا تجعلك هذه اللعبة أذكى، وقد لا تساعدك على مقاومة شيخوخة الدماغ، لكنها تمنحك جرعة يومية من التحدي الذهني الممزوج بالتفاعل الاجتماعي، ما يعدّ أمراً جيداً جداً”.
هذا الرابط بين التجربة الفردية المنعزلة، والتجربة الجماعية العامة، دفع البعض إلى التفكير بالبعد الطقوسي أو الشعائري الذي خلقته لعبة “ووردل”.
هذا ما ذهبت إليه الصحافية سارة بوليام بايلي، في تقرير أعدته لصحيفة “واشنطن بوست”، تحدثت فيه مع علماء أنتروبولوجيا وعلماء نفس، حول الأبعاد الطقوسية في لعبة “ووردل”.
يعرّف قاموس كامبريدج الطقس أو الشعيرة بأنها “طريقة للقيام بشيء من خلال تكرار الخطوات نفسها في كل مرة”. ويعرفها قاموس أكسفورد بأنها “سلسلة أفعال تؤدى دوماً بذات الطريقة، خصوصاً في الاحتفالات الدينية”.
في حالة “ووردل”، يكرر اللاعبون الخطوات ذاتها، في فترة زمنية محددة. يحلونها مثلاً في طريقهم إلى العمل، أو مساء بعد الانتهاء من المهام اليومية، ثم يشاركون النتيجة، مع اتفاق ضمني بألا يكشفوا اللغز للآخرين.
كذلك فإنّ اللعبة ممارسة فردية، ولكنها ذات بعد جماعي، تماماً كأداء فرائض الصلاة في المنزل مثلاً، مع معرفة أن الملايين حول العالم يفعلون الأمر ذاته في التوقيت ذاته.
وذهب بعض الكتاب إلى استخلاص عبر أخلاقية من اللعبة، إذ تكتب أستاذة الأخلاقيات المسيحية نيكول سيموندز في “ناشونال كاثوليك ريبورتر” إن اللعبة تذكير “بفضائل الصبر، وضبط النفس، والاستمتاع باعتدال”، وذلك ما يعدّ عاملاً مشتركاً بين الممارسات الدينية كافة.
ولكن لماذا يكتسب هذا التكرار أهمية بالنسبة لنا؟
تقول الاستشارية النفسية هيذر سترينغر لصحيفة “واشنطن بوست” إن الشعائر والطقوس مهمة جداً في حياة كثيرين، لأنها تمنحهم فرصة لتوجيه اهتمامهم نحو موضوع هادف، لتخصيص وقت ومكان محددين للفصل عن الأنماط اليومية المعتادة، من خلال نشاط ذهني أو جسدي ما.
بالنسبة لكثر، يمكن لشرب فنجان القهوة الصباحي أن يكون طقساً، لأنه محطتهم الصباحية مع الذات، للتفكير بمسار يومهم أو للتأمل وسماع الموسيقى.
ويعتقد الاستشاريون النفسيون أن الطقوس والشعائر، سواء كانت ذات غرض ديني أم لا، فإنها تساعد على تشتيت الدماغ عن القلق، أو تخفيف الضغط.
يمكن أن نفكر هنا بأمثلة كثيرة، عن شعائر دينية شائعة، مثل استخدام المسبحة لتعداد أسماء الله الحسنى عند المسلمين، أو تلاوة مسبحة الوردية عند المسيحيين. هناك أيضاً حركات السجود والقيام خلال الصلاة، أو روتين التنفس خلال ممارسة اليوغا أو التأمل، أو حركة الجسم الدائرية في رقصة المولوية لدى الدراويش.
تقول سترينغر إنها تضمِّن تقنياتها العلاجية، خلق شعائر مصممة على قياس زبائنها، مثل حياكة عقد صوفية لمساعدة امرأة على تعداد مخاوفها، أو حثّ امرأة أخرى على إحاطة جسدها بدائرة من الحصى، لكي تتعلم أن ترسم مساحتها الشخصية بعد خروجها من علاقة مؤذية. كذلك تلجأ سترينغر إلى النصوص الدينية والصلوات إن كان من تعالجهم متدينين.
يقول الباحث في الأنتربولوجيا وعلوم الإدراك في جامعة كونتيكت ديميتريس إيغالاتاس لصحيفة “واشنطن بوست” إن دماغ الإنسان “يتوق إلى الانتظام، لأنه من الوسائل الأساسية التي نحارب بها القلق”.
ويشير الباحث المختص بدراسة الشعائر، أن الدماغ البشري مصمّم للبحث عن أنماط، تساعده لفهم العالم من حوله. وحين يصعب على البشر إيجاد أنماط ثابتة، يشعرون بالضغط والقلق. لذلك فإن أنشطة يومية بسيطة مثل لعبة “ووردل”، تساعد الناس على خلق إحساس بالانتظام والسيطرة.
الصلاة مثلاً، في مواعيد محددة، أو ممارسة التأمل، تساعد في نظم اليوم على أساس إيقاع واضح، وهي من التقنيات الروحانية المعتمدة منذ القدم.
العزل الاجتماعي والعمل من المنزل وتعطيل الدراسة وتوقف الشعائر الدينية خلال فترة الوباء، كلها عوامل ساهمت في نسف إيقاع الحياة المعتاد لدى ملايين البشر، لذلك شهدنا ما يمكن تسميته بولادة شعائر جديدة، لا علاقة لها بالروحانيات بالضرورة، أو بالمعتقدات الإيمانية، ولكنها قد تساعد الناس في ضبط يومياتهم حول أساس ما.
ويقول الأستاذ في مدرسة هارفرد للاقتصاد مايكل نورتن، والذي يدرس الشعائر والطقوس أيضاً، إن البشر يبتكرون دوماً شعائر جديدة، حين تفشل القديمة في أداء المرجو منها. “من أسباب ذهابنا لمشاهدة أحداث رياضية، أنها تعطينا تجربة جماعية مشتركة. يمكننا أن نصرخ بطريقة غير متاحة لنا في العادة”، يضيف.
أما مؤلف كتائب “شعائر للاجتماعات الافتراضية” كورسات أوزنك فيرى أن الشعائر يمكن أن تمنح الناس الطاقة، وتعطيهم شعوراً بالنشاط، لأنها تجعل الفرد يرتبط بشيء أكبر منه.
قد يكون الهوس المستجد بلعبة “ووردل” طقساً جماعياً لم نكن نعرف أننا نحتاجه، فبدل أن يقتصر تواصل ملايين البشر على تبادل صور الكوارث الطبيعية، وأخبار الفساد السياسي والحروب وتطورات الوباء واللقاحات، ها هم يجدون “شعيرة” افتراضية، شيفرة من مربعات صفراء وخضراء، يشتتون بها ذهنهم عن القلق ولو لدقائق قليلة.
[ad_2]
Source link