هل الاستبداد السياسي هو السبب الأول للفساد في الدول العربية؟
[ad_1]
أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي حول مؤشر مدركات الفساد في العالم، الذي يقيس درجة الفساد في القطاع العام والحكومي في 180 دولة حول العالم، وفق مؤشر درجات من مئة درجة.
ويضم التقرير فصلا خاصا عن العالم العربي، تبين منه أن إجمالي مؤشر الفساد في المنطقة ظل ثابتا عند 34 من أصل مئة درجة للعام الرابع على التوالي، ولم تحقق أي من دول المنطقة تقدما في أوضاع الفساد خلال العقد الماضي.
وتقول كندة حتّر، المستشارة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الشفافية الدولية، إن هذا الجمود على المؤشر وعدم التغير هو رسالة بحد ذاته. “فهناك مشكلة حقيقة في أنه مهما التزمت الدول سطحيا بسطر قوانين وقواعد، لن يحدث شيء طالما لا يوجد تغيير حقيقي في المنظومة والثقافة السائدة.”
ويقيس المؤشر كفاءة الدولة في التصدي للفساد في القطاع العام والحكومي، ولا يضم القطاع الخاص، بحيث تكون درجة صفر فاسد جدا، ودرجة مئة نظيف جدا.
وتتصدر الإمارات العربية المتحدة وقطر نتائج المؤشر في المنطقة، إذ حققت الإمارات 69 من أصل مئة درجة، لتحل في المركز 24 عالميا، تليها قطر بـ 63 من مئة درجة في المركز الحادي والثلاثين عالميا.
وفي ذيل القائمة عربيا وعالميا تأتي سوريا بمعدل 13 نقطة، ليكون ترتيبها 179 عالميا. وتتقدم عنها قليلا اليمن لتحقق 16 درجة، وليبيا محققة 17 درجة.
ورغم قوة تأثير الحرب على تراجع مكافحة الفساد، إلا أنها قد لا تكون السبب الوحيد، فوفقا لحتّر، يظل الفساد الداخلي هو العامل الأكبر.
“الدول التي سقطت في حرب أهلية كانت قائمة على نظم هشة سمحت بالانهيار السريع. والحروب عموما تجلب التدخلات سواء الإقليمية أو الدولية. ولا يوجد نظام في العالم لا يستفيد من وجود نظام فاسد آخر بجانبه. وهذا ما رأيناه من سقوطهم كالدومينو في الربيع العربي. حتى جهود إعادة الإعمار بها فساد بسبب تداخل الاستثمارات في القرار السياسي، وغياب القرار الداخلي والقيادات الحقيقية الساعية لإنهاء الصراع.”
الفساد والديمقراطية
وتكمن خصوصية تقرير هذا العام في أنه يتتبع أوضاع الفساد في العالم خلال السنوات العشرة الماضية، وكذلك الرابط بين مؤشرات الفساد وبين ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتقول حتّر إنه رغم مرور عقد كامل على الربيع العربي، لم يحدث تغيير فعلي في مكافحة الفساد، حتى في الدول التي قدمت وعودا بالتغيير. “وبالتالي لم يتحقق تقدم ملحوظ في المؤشر، حتى إذا حققت دولة تقدما في ناحية، يحدث تراجع أخرى.”
وأضافت حتّر أن الفساد السياسي هو الأوسع في المنطقة، “فالأمر لا يتعلق فقط بسجن الفاسدين، لكن هناك خوف من وجود كبش فداء في النهاية، بدلا من تغيير النظام الذي يسمح بوجود الفاسدين، والسلسلة التي تعيد إنتاج فاسدين جدد من الأساس.”
وذكر التقرير أن “الفساد السياسي الممنهج يعيق التقدم في المنطقة، ويزيد من تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان”، وأن الربيع العربي فشل في تحقيق أي من الوعود الطموحة بالتغيير، حتى في الدول التي نجحت في إقامة أنظمة جديدة، والتي يستمر تراجع الديمقراطية فيها كذلك.
وتؤثر بعض القضايا والمشاكل المشتركة على أداء الدول العربية بشكل عام، فمثلا تعد الوساطة والرشوة والتمييز بأشكاله المختلفة أحد أبرز المشاكل التي تؤسس لعدم العدالة في القطاع العام، سواء في فرص العمل أو الخدمات. ويضطر واحد من بين كل خمسة مواطنين في الدول العربية لدفع رشى مقابل تلقي خدمات أساسية كالصحة والتعليم.
وفي العراق، الذي حصل على 21 نقطة، يزيد التجاذب الطائفي من غياب العدالة في التوظيف في القطاع العام، إذ تتكدس أعداد كبيرة من الموظفين في المؤسسات الحكومية دون مؤهل سوى انتمائهم الطائفي. وتتعسر معالجة هذه الأوضاع في ظل غياب محاسبة حقيقية بعيدة عن التقسيم الطائفي ذاته.
وتقول حتّر إن العراق تحديدا بحاجة لشوط كبير – ربما هو الأطول في المنطقة – نحو الإصلاح بسبب الحروب المتعاقبة التي قوضت مؤسسات الدولة.
وتمتد نفس هذه الأزمة إلى دول أخرى في المنطقة، على رأسها لبنان الذي حقق 24 نقطة، ويتعرض لأزمات متتالية بسبب الفساد السياسي المؤسسي القائم على المحاصصة الطائفية.
ويعيش لبنان حتى الآن تبعات أزمات متلاحقة خلال العامين الماضيين، منذ انفجار مرفأ بيروت، وعدم وجود حكومة لأكثر من عام، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتراجع سعر صرف الليرة بشكل كبير أمام الدولار، والاحتجاجات المتتالية المطالبة بتغيير النخب السياسية المسؤولة عن كل هذه الأزمات.
وترى حتّى أن لبنان هو المثال الأوضح الآن على تبعات تداخل السياسة والمال. “فنحن الآن نرى نتائج منظومة الفساد السياسي وتداخل عواملها. ولا يقدر اللبنانيون على بناء الدولة لوجود أسس صعب تجاوزها تعيق المسائلة وتعيد إنتاج النظام الموجود.”
ويعد تعامل قوات الأمن العنيف والقمعي مع هذه الاحتجاجات سببا وراء تراجع لبنان في مؤشر مدركات الفساد، ودليلا على الرابط بين مستويات الفساد والقمع السياسي والحقوقي.
“تونس مثال مؤسف”
وبالتوازي، كان هذا التراجع السياسي سببا في تراجع تونس، التي حققت 44 نقطة، إذ تسبب تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وغيرها من الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في زيادة حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي في البلاد.
ويشير التقرير إلى تونس على أنها “مثال مؤسف” لإمكانية فقد المكتسبات الديمقراطية، خاصة نبعد أن أضعفت الإجراءات السياسية الأخيرة من أنظمة الرقابة والمحاسبة، وزادت تباعا مخاوف الجمهور من التبليغ عن الفساد.
ويضيف تراجع الحريات الشخصية والمدنية بشكل عام إلى أزمة الفساد في المنطقة. فمثلا في مصر (التي حصلت على 33 نقطة)، يتسمر اعتقال الصحفيين والمعارضين السياسيين والنشطاء، ويستمر كذلك منع أي تجمعات وحجت منصات حرية التعبير.
وفي المغرب كذلك (الذي حصل على 39 نقطة)، صدر قانون الطوارئ الصحية الذي يمنع الناس من التجمع والتعبير عن الرأي بحجة مواجهة جائجة كورونا، والذي يعتبره المعارضون غطاء قانوني لاستهداف المعارضين السياسيين ومنع الناس من انتقاد إدارة الدولة في مواجهة الأزمة الصحية.
ووفقا لحتّر، يجب الاستثمار في المجتمع المدني كونه “الشعلة التي تدفع بفكرة المسائلة”. وأضافت: “هناك نشطاء ومؤسسات مجتمع مدني وأشخاص يريدون التغيير، حتى وإن كانوا أصحاب الصوت الأضعف أو الأغلبية الصامتة. هذا موجود في بلادنا ويجب أن نبني عليه. ويجب أن تكون هناك جهود ليبقى هذا الصوت.”
وتتشابه هذه الأوضاع إلى حد كبير في الأدرن الذي حصل على 49 نقطة، وترى الشفافية الدولية أنه استغل جائحة كورونا كذلك لفرض إجراءات من شأنها استهداف المعارضين.
وواجه الأردن حالة من عدم الاستقرار السياسي تمثلت في أربعة تعديلات وزارية في عام 2021 وحده، وكذلك التضييق على منظمات المجتمع المدني، وعدم تحقيق فصل مناسب للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وإقرار قانون الأمن السيبراني (الإلكتروني) الذي يحد من حرية المواطنين في الوصول إلى المعلومات.
عوامل متشابهة لانتشار الفساد
وتتشابه الكثير من العوامل التي تؤدي إلى تراجع الدول العربية في مواجهة الفساد، لعل أبرزها غياب الفصل بين السلطات بشكل يضمن المحاسبة والشفافية.
“فالسلطة التنفيذية تسيطر على التشريعية وتضغط وتتدخل في القضائية. هنا يغيب طريق واضح للمسائلة ومكافحة الفساد، فالسلطة التشريعية غير قادرة على محاسبة السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية غير مستقلة بشكل كافٍ لتحاسب الفاسدين،” وفقا لحتّر.
وهذه الهيمنة الحكومية وغياب الشفافية كان عائقا أمام مواجهة الفساد في بعض الملفات، لعل من بينها ملف الأموال المنهوبة في الخارج بعد الربيع العربي. “فحتى إذا ردت الأموال، هناك أسئلة حول أين ستذهب؟ هل يعاد نهبها؟ في غياب المراقبة والشفافية. الشعب لا يستطيع المسائلة عن الصرف والموازنة العاملة في ظل تقييد الحصول على المعلومات. هناك الكثير من القوانين الرائعة الخاصة بالحصول على المعلومات، لكن كلها مقيدة ببند أسرار الدولة والأمن العالم.”
ويلعب ضعف قوانين حماية المبلغين دورا كبيرا في تراجع مكافحة الفساد، إذ يضعف المشاركة المجتمعية ويدحر الأفراد عن المقاومة والتبليغ.
وهذه الثقافة المجتمعية رسخت قبولا شعبيا لأشكال من الفساد، كالوساطة والرشوة، وتحول دون إجراء انتخابات تعددية حقيقية بعيدا عن شراء الأصوات والعشائرية والطائفية وغيرها من الأمور التي تعيق المشاركة السياسية الحقيقية القادرة على مسائلة السلطة التنفيذية.
ما الحل؟
وهناك عدد من الحلول التي أشارت إليها الشفافية الدولية لتحسين جهود مكافحة الفساد في المنطقة، أبرزها الفصل الحقيقي بين السلطات في النظم السياسية في المنطقة بشكل يضمن المحاسبة والشفافية. ووجود مؤسسات مستقلة لمكافحة الفساد، إداريا وماليا وسياسيا، بحيث تقوم بالدور الرقابي الفعلي لمحاسبة الأشخاص دون التعدي على صلاحياتها.
كما يجب إرساء احترام سيادة القانون، وبالتالي احترام الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدول العربية ومنها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وتتضمن حماية المبلغين وإرساء النزاهة والشفافية وحرية الإعلام والمجتمع المدني، وضمان استقلال القضاء كالجهة الفاصلة في قضايا الفساد.
وأضافت حتّر أنه يجب إحداث ثورة في التربية والتعليم لتغيير القبول الشعبي للفساد، بحيث نرى أثره في الأجيال القادمة. “فاستمرار الثقافة الحالية يولد شعوبا غير قادرة على إدارة عملية سياسية لاحقا. وهو دليل على أن الخلل في الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن يهدم كل شيء في لحظة.”
وأضافت: “الدول العربية مثلا لم تهتز من نشر وثائق مثل بنما وباندورا رغم صداها العالمي. لكن المنطقة العربية استلمت الفضائح كأنها خبر عابر.”
وبشكل عام، لعبت وثائق باندورا دورا كبيرا في تراجع المنطقة على مؤشر مدركات الفساد، إذ طالت شخصيات سياسية بارزة من بينها ملك الأردن عبدالله الثاني، والأسرة الحاكمة في قطر، وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، ورئيس وزراء لبنان الحالي نجيب ميقاتي، وسلفه حسان دياب، وغيرهم من الشخصيات السياسية البارزة.
وأصدرت منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد لأول مرة عام 1995، ويعتمد على 13 مصدرا خارجيا للبيانات. ويدرس مؤشرات الفساد الحكومي في 180 دولة. وحققت 70 في المئة من الدول العربية أقل من 50 نقطة على المؤشر هذا العام.
برأيكم
لم تتعسر مواجهة الفساد في العالم العربي؟
ما الرابط بين فساد القطاع العام والحريات والديمقراطية؟
هل يمكن القضاء على الفساد في ظل استمرار السياسات القمعية؟
ما حدود قدرة المواطن على مواجهة الفساد؟
كيف يمكن تحسين أداء الدول والحكومات العربية في مواجهة الفساد؟
سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الجمعة 28 يناير/كانون الأول.
خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442038752989.
إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message
كما يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج من خلال هذا الرابط على موقع يوتيوب
[ad_2]
Source link