دبي: كيف تنجح المدينة العربية في تحويل الصحراء التي تهددها إلى أرض زراعية؟
[ad_1]
- جوزيف فيلان
- بي بي سي
التصحر يهدد الإمدادات الغذائية في دبي. فهل يمكن لقطاع التكنولوجيا الخضراء الناشئ أن يساعد في القضاء على زحف الرمال؟
لم تكن الصحراء يوما ما بعيدة عن دبي. فلا تزال المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في الإمارات العربية المتحدة، والتي تعد الآن مركزا ماليا حديثا لحوالي ثلاثة ملايين شخص، محاطة من جانب واحد بالبحر، لكنها محاطة من الجانب الآخر ببساط من الرمال لا نهاية له على ما يبدو.
وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، أصبحت المدينة قصة نجاح يحتذى بها، إذ تحولت من ميناء صيد خامل إلى مدينة حضرية مشرقة. لكن على الرغم من ثراء هذه المدينة، فإنها تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في زحف الصحاري التي تهدد الأراضي الخصبة المتبقية في الإمارة.
تبلغ مساحة دولة الإمارات العربية المتحدة نفس مساحة البرتغال تقريبا، لكن حوالي 80 في المئة من مساحة الأراضي الإماراتية عبارة عن صحراء بالفعل. إن نظامها البيئي هش، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التصحر، إذ تتعرض معظم أراضيها الجيدة لضغوط متزايدة.
وذكر تقرير حكومي نُشر في عام 2019 أنه “مع زيادة عدد السكان وأنظمة استهلاك الغذاء، أصبح تدهور الأراضي والتصحر أكثر انتشارا”. وأصبح إيجاد حلول فعالة يمثل أولوية لهذا البلد. ولا يتمثل الهدف في غزو الصحراء، لكنه يتمثل في استعادة مناطق من الأراضي التي لم تعد منتجة.
وتتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها في وضع جيد مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى المتأثرة بالتصحر، فلديها القوة المالية التي تمكنها من تمويل الأفكار والابتكارات. وتؤكد دبي دائما على عزمها الاستثمار بكثافة في دعم الشركات الناشئة الخضراء والمؤسسات التعليمية التي تقودها التكنولوجيا ذات الاتجاه البيئي.
إن وجود دبي ذاته هو شهادة على ما يمكن تحقيقه عندما يُدعم الطموح والتركيز مالياً. ويجري الآن تسخير العقلية التي ساعدت في بناء مدينة على الرمال، لمحاربة زحف الصحراء. وإذا نجحت الحلول التي اتبعت هنا فسيكون لها تأثير كبير على مستوى العالم ككل.
يذكر أن التصحر هو نوع من تدهور الأراضي يجعل الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة في المناطق القاحلة أو شبه القاحلة غير منتجة. ويحدث هذا عادةً عندما يكون هناك نقص في الموارد الطبيعية، مثل الماء والتربة الصالحة للزراعة، وهو ما يجعل الأرض أقل قدرة على دعم الغطاء النباتي.
ورغم أن التصحر قد يحدث بشكل طبيعي، إلا أنه ينتشر بشكل متزايد في الإمارات العربية المتحدة وعلى المستوى العالمي بسبب الأنشطة البشرية، مثل الرعي الجائر والزراعة المكثفة وتطوير البنية التحتية.
يقول ويليام إتش سكليسينغر، عالم الكيمياء الحيوية والرئيس الفخري لمعهد كاري لدراسات النظم البيئية في نيويورك: “يحدث التصحر عندما تتعرض الأرض والغطاء النباتي، عادةً على حدود الصحاري، للإجهاد”. ويضيف سكليسينغر، الذي يدرس الصحارى منذ أكثر من 30 عامًا: “وتكون النتيجة هي انخفاض إنتاجية الغطاء النباتي، والانتقال في أغلب الأحيان إلى أنواع نباتية أقل فائدة للأنشطة البشرية”.
ويُفقد ما يقرب من 12 مليون هكتار (46 ألف ميل مربع) حول العالم كل عام كنتيجة مباشرة للجفاف والتصحر، وهو ما يعادل 2000 ملعب كرة قدم أمريكي كل ساعة. ولوضع هذا الأمر في إطاره الصحيح، يجب أن نعرف أنه إذا وضعنا هذه الملاعب بجوار بعضها بعضا، فسيتعين عليك قيادة السيارة بسرعة 130 ميلاً في الساعة (210 كم في الساعة) لتواكب السرعة التي ينتشر بها التصحر.
وفي السنوات العشرين الماضية، كانت خسارة الإمارات العربية المتحدة للأراضي الثمينة كبيرة جدا. ووفقًا للبنك الدولي، كان لدى الإمارات 75 ألف هكتار (290 ميلًا مربعًا) من الأراضي الصالحة للزراعة في عام 2002، لكن بحلول عام 2018 كان لديها 42,300 هكتار فقط (163 ميلًا مربعًا). كما أشارت البيانات، في نفس الإطار الزمني، إلى انخفاض نسبة الأراضي الزراعية في الإمارات من 7.97 في المئة إلى 5.38 في المئة.
وخلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أدى استخدام الإمارات لاحتياطياتها النفطية الهائلة إلى فترة لا تُصدق من النمو والازدهار المالي، لكن هذا حدث إلى حد كبير دون مراعاة البيئة. وفي عام 2008، صنف الصندوق العالمي للطبيعة الإمارات العربية المتحدة على أنها الدولة ذات البصمة البيئية الأسوأ لكل شخص.
يقول دون شاتي، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة أكسفورد: “لقد تطلب تطور الإمارات العربية المتحدة على مدى الأربعين عامًا الماضية نهجًا غير صديق للبيئة فيما يتعلق بالتعامل مع موارد الأرض. وللتراجع عن ذلك سيتطلب الأمر جهدًا ماليًا جادًا، بالإضافة إلى تحول اجتماعي”.
وكنتيجة جزئية لهذا الضغط السلبي، تعهدت الإمارات – ودبي على وجه الخصوص، التي كانت الجاني الأساسي – بالتصرف بشكل أفضل. وفي عام 2012، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، عن استراتيجية الإمارات للنمو الأخضر “للحفاظ على بيئة مستدامة لدعم النمو الاقتصادي طويل الأجل” وبناء الاقتصاد الأخضر في البلاد.
تقول ناتالي كوتش، المتخصصة في الجغرافيا السياسية بجامعة سيراكيوز في نيويورك: “يدرك القادة السياسيون ورجال الأعمال في الإمارات العربية المتحدة أن صقل المؤهلات البيئية مهم للغاية لتقديم الدولة والمدن مثل دبي على أنها حديثة”.
ويهتم صناع القرار في الإمارات أيضًا بكيفية الحفاظ على ثروتهم الحالية عندما تجف موارد النفط أو تصبح أقل قيمة، كما تقول غوكتشي غونيل، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة رايس في تكساس ومؤلفة كتاب “سفينة فضاء في الصحراء”، وهو كتاب عن الطاقة وتغير المناخ والتصميم الحضري في أبو ظبي.
وتقول: “كان هناك بالتأكيد دافع لجذب الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا إلى المنطقة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كجزء من تحول دبي إلى اقتصاد قائم على المعرفة. في هذا السياق، فإن الاستثمارات في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة، أو على نطاق أوسع في الاستدامة، تعمل أيضًا كوسيلة للتنويع الاقتصادي”.
وهناك بالفعل مجموعة من المبادرات تتمحور حول دبي. وتحدد استراتيجية دبي الصناعية لعام 2030 خطة المدينة “لتعزيز التصنيع الصديق للبيئة والموفر للطاقة”، في حين أن مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي يقع على بُعد 30 ميلاً (50 كم) جنوب دبي، يعد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، بقدرة إنتاجية تصل إلى واحد غيغاوات (مليار وات).
لكن القضايا البيئية في دبي ما زالت بعيدة عن الحل، لا سيما فيما يتعلق بالتصحر. ولا تزال المدينة تواجه بعض المخاطر مثل الجفاف، والإفراط في استخدام الموارد الطبيعية، والتنمية الحضرية السريعة، وزيادة ملوحة التربة.
إن الفشل في معالجة هذه القضايا بشكل مناسب يهدد كل شيء، بدءا من الخسارة الدائمة للأراضي الصالحة للزراعة وصولا إلى انقراض الأنواع المحلية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لاعتماد دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير على الواردات لمواجهة ارتفاع عدد سكانها، فهناك حاجة ماسة لزيادة مستويات الإنتاج الغذائي الداخلي لجعل المنطقة أكثر اكتفاءً ذاتيًا، وبالتالي أكثر استدامة.
وفي مايو/آيار 2021، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروع “وادي تكنولوجيا الغذاء”، وهو بمثابة حاضنة للبحث والابتكار تهدف إلى مضاعفة إنتاج الغذاء في الإمارات بمقدار ثلاثة أضعاف. ولتحقيق ذلك، ستحتاج الإمارات العربية المتحدة إلى مبادرات فعالة لمكافحة التصحر.
وهناك اتجاه يوصف منذ فترة طويلة بأنه محوري في هذه الجهود وهو الحل البيئي القديم المتمثل في زراعة المزيد من الأشجار. تقول آنا تينغبيرغ، الأستاذة في مركز جامعة لوند لدراسات الاستدامة في السويد: “الأشجار تربط التربة، وتحبس الكربون، وتحسن خصوبة التربة، وتحسن أيضًا تسرب وإعادة المياه الجوفية”.
ويدرك صناع القرار في دبي جيدًا التأثير المحتمل الذي يمكن أن توفره الأشجار في مكافحة التصحر. وفي عام 2010، أطلق الشيخ محمد مبادرة المليون شجرة، التي تهدف إلى زراعة مليون شجرة في محاولة لزيادة المساحات الخضراء في المدينة ووقف التصحر.
لكن حمزة نزال، ممثل شركة “غرين لاند” التي طورت المشروع بالشراكة مع مؤسسة زايد الدولية للبيئة المدعومة من الحكومة، يقول إن “الأشجار كلها ماتت وفشلت المبادرة بالكامل”.
ويقول حمزة إن المشروع “جرى التخلي عنه” بعد أن أعلنت شركة دبي القابضة، وهي شركة استثمارية مملوكة للحكومة، عن تطوير العديد من المشروعات العقارية على نفس الأرض، على الرغم من أن هذه المشروعات لم تُشيد في نهاية المطاف.
ويضيف: “من الواضح أن المشروع جرى استخدامه لأغراض الدعاية والعلاقات العامة والإعلام ولإظهار المبادرات المصممة لتعزيز الاستدامة. إذا كانوا مهتمين حقًا بالبيئة، كان يتعين عليهم محاولة إنقاذ مليون شجرة كانت تحتضر أمامهم”.
يقول كريستيان هندرسون، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة لايدن في هولندا، إنه من “المشكوك فيه” أن يكون الهدف الحقيقي للمشروع هو الاستدامة الحقيقية، مشيرًا إلى أن المكانة السياسية وصورة البيئة كانا سببين مهمين على ما يبدو.
ويضيف: “من الناحية البيئية، يعود فشل هذا المشروع إلى حقيقة أن بعض الأشجار لم تكن مناسبة لبيئة الإمارات”.
وتواصلت بي بي سي مع شركة دبي القابضة وبلدية دبي بشأن هذه المبادرة، لكنها لم تتلق أي رد حتى الآن.
ويُعد اختيار الأنواع الصحيحة – ويفضل أن تكون محلية – أمرًا بالغ الأهمية لمشروعات غرس الأشجار، كما يجب مراعاة تباعد الأشجار عند الزراعة في المناطق الجافة والنظر في الفوائد التي تعود على السكان المحليين.
وعلى الرغم من فشل المبادرة، لا يزال يُنظر إلى زراعة الأشجار على أنها جزء أساسي من استراتيجية دبي لمكافحة التصحر، كما هو الحال في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. وأعلنت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، مؤخرًا عن عزمها زراعة 10 مليارات شجرة خلال العقود المقبلة كجزء من مبادرة السعودية الخضراء.
بالطبع، لكي ينجح أي مشروع في منطقة جافة، فإن فهم كيفية استخدام موارد المياه الضئيلة بذكاء للحفاظ على الأشجار حية وصحية أمر بالغ الأهمية. لقد استثمرت دبي، بالإضافة إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، في العديد من مشروعات “الاستمطار السحابي” التي تهدف إلى التسبب في سقوط الأمطار بشكل مصطنع، لكن العديد من هذه المشروعات مثير للجدل، في ظل صعوبة قياس مدى النجاح، وفي ظل إشارة البعض إلى أنها تؤدي إلى حدوث فيضانات، في حين يرى البعض الآخر أن المواد المستخدمة، مثل يوديد الفضة، يمكن أن تكون ضارة.
[ad_2]
Source link