النسوية: ما معنى أن تنطلق من مرجعية إسلامية؟
[ad_1]
- سمية نصر
- بي بي سي نيوز عربي
يصادف هذا العام مرور نحو 30 عاما على ظهور مصطلح النسوية الإسلامية للمرة الأولى. وقد رافق المصطلح منذ بدايته الكثير من الجدل والتساؤلات، والاتهامات بالتناقض. فما هي النسوية الإسلامية؟، وكيف نشأت؟، وماذا تقدم للنساء المسلمات؟ وما موقعها من النسوية العالمية؟
قبل الحديث عن النسوية الإسلامية، ربما كان من الأحرى أن نتطرق أولا إلى مفهوم النسوية، وأهدافها كحركة وفكر ورسالة بدأت في الغرب.
النسوية : الظاهرة والمصطلح
يعتبر كثير من الباحثين أن النسوية، التي ظهرت في الغرب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، جاءت كرد فعل على نظام بطريركي أبوي رسخ للثقافات السائدة التي حملت صورة سلبية عن المرأة، الأمر الذي انعكس في واقع اجتماعي محتقن بالتمييز ضد المرأة والتقليل من شأنها وإهدار حقوقها، واقع فاقم منه النظام الرأسمالي وقسوته الاقتصادية.
وفي التأريخ للنسوية يتم الحديث عادة عن عدة موجات متتالية تبدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن.
الموجة الأولى من النسوية ركزت على المطالبة بحقوق قانونية مثل حق المرأة في التصويت، فضلا عن حقها في ظروف عمل عادلة.
وفي حين كانت الموجة الثانية أكثر عمقا في طروحها بتركيزها على قضية النوع الاجتماعي وما يرتبط به من أبنية التمييز ضد المرأة والعنف ضدها في سائر المستويات وعبر المجالين الخاص والعام، الموجة الثالثة كانت وقفة مع النسوية نفسها، وما تعنيه وما قد تعبر عنه من تمايزات داخلية كما اهتمت بفكرة “طبقات الاضطهاد”، بمعنى أن النساء قد يعانين من تمييز بسبب الجنس والعرق والطبقة معا.
الموجة الرابعة امتداد لمنهج التنويع والتحرر من أي قوالب نمطية مسبقة مرتبطة بالفكر النسوي في ذاته. تصف الدكتورة هند مصطفى الشلقاني الباحثة المتخصصة في دراسات المرأة هذه الموجة بأنها “تمعن في المطالبة بحقوق المهمشين والعابرين جنسيا وتتحدث عن حقوق الرجال والأولاد أيضا في تجاوز القوالب المفروضة عليهم وتتحدث عن استخدام التكنولوجيا الحديثة في تحقيق المساواة”.
ولكن الدكتورة هند الشلقاني تضيف أنه “رغم هذا التأصيل التاريخي للنسوية الذي يمتد على مدار نحو قرن ونصف، فإن مصطلح النسوية الذي نعرفه اليوم هو مصطلح حديث ارتبط بتيار بحثي أكاديمي ظهر في الجامعات الغربية منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وعني بإعادة القراءة وإعادة التفكير وإعادة النظر في التاريخ لكشف المركزية الذكورية التي همشت النساء وحرمتهن حقوقهن وأنكرت إسهاماتهن وفعالياتهن، وأيضا كشف الهيمنة الذكورية على عمليات بناء المعرفة والعلوم عبر التاريخ”.
في كتابها “الجنس الآخر” (1949)، تقول الفرنسية سيمون دو بوفوار، الأم الروحية للموجة الثانية من النسوية الغربية والتي ركزت على الجندر: “لا يولد الشخص امرأة. إنه يصبح كذلك”. ربما كشفت هذه المقولة عن الدور الكبير الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية في أن تصبح البنت بنتا، فضلا عن القوانين والشرائع والقيم الأخلاقية وسطوة العادات والتقاليد التي تنظم العلاقات بين الجنسين في المجتمع.
هناك الكثير من التوصيفات لمفهوم النسوية والتيارات المختلفة التي تنضوي تحت لوائها، لكن يبقى المضمون الأساسي للكلمة هو كل الأفكار المتعلقة بقضايا المرأة والتي ترمي إلى إنهاء كافة أشكال اللامساواة والقهر على أساس النوع.
تقول سارة غامبل في كتابها “النسوية وما بعد النسوية” (Feminism and Post-Feminism) إن “تأثير النسوية سواء كانت حركة أم نظرية أم فلسفة امتد إلى ما وراء العالم الغربي ليصل إلى مختلف أرجاء العالم، حيث حاول البعض إخراجها بصورة جديدة تتلاءم مع خصوصيات المجتمعات والثقافات المستقبلة لها”.
لطالما كانت النسوية من أكثر الحركات إثارة للجدل في مختلف أنحاء العالم. وتباينت ردود الفعل عليها في العالم الإسلامي، ما بين مَن أيد الدعوة إلى تحرير المرأة ومَن رفضها تماما. ولم ينقطع الجدل حول ما إذا كانت تتماشى مع مبادئ الإسلام أم لا.
النسوية الإسلامية: النشأة والإرهاصات
يتحدث عدد من الباحثين عن ظهور النسوية الإسلامية في بداية تسعينيات القرن العشرين في أفريقيا الجنوبية كإحدى الأسس الفلسفية والسياسية لحركة الإسلام التقدمي المناهض لنظام الفصل العنصري.
وتزامن ظهور مصطلح النسوية الإسلامية مع صدور مجلة “زنان” (تعني امرأة بالفارسية) في إيران عام 1992، والتي أسستها الصحفية شهلا شركت، التي تعتبر من رائدات حقوق المرأة في طهران.
واستخدم المصطلح من قبل العديد من الباحثات والكاتبات أمثال الأمريكية مارغو بدران، في أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، باعتباره مقابلا للنسوية الغربية.
وبرزت أسماء لامعة محسوبة على تيار النسوية الإسلامية في المهجر، أو “الدياسبورا” الغربي، من أمثال أمينة ودود (من أصول أفريقية) وأسماء برلاس (باكستانية)، حيث برزت رغبة لدى هؤلاء في الاحتفاظ بالمكتسبات النسوية دون الإخلال بحريتهن الدينية.
ورغم ظهور المصطلح في التسعينيات، فإنه ليس جديدا في مضمونه ودلالته. فقد شهدت المجتمعات الإسلامية وعيا وحراكا نسويا منذ القرن التاسع عشر، قادته رائدات من أمثال الكاتبة المصرية عائشة تيمور (1840-1902) التي اتسم خطابها بنسوية ذات طابع إسلامي، والتي تحدثت في كتابها “مرآة التأمل في الأمور” عن أن النظام الإسلامي لا يشجع على التمييز، بل إنه قائم على العدل والإنصاف.
هناك أيضا الرائدة النسوية ملك حفني ناصف (1886-1918) المسماة “باحثة البادية”، والتي تحدثت في كتابها “النسائيات” عن قضايا تحرير المرأة والمطالبة بحقوقها.
النسوية الإسلامية: دواعي الظهور والتعريف
تحدث الباحثون عن أن هناك أسبابا عديدة لظهور النسوية الإسلامية، منها ما يشبه إلى حد كبير أسباب ظهور الحركة النسوية في الغرب – كسيادة الأنظمة الأبوية وتحجيم دور المرأة في المجتمع، وما تتعرض له المرأة من قهر على أساس ديني واجتماعي.
ومنها ما يتعلق بخصوصية المجتمع الإسلامي، والتي ترى الدكتورة هند الشلقاني أن أبرزها “شعور النساء بقلق الحرية/الهوية ضمن نظام فكري يشوبه الاستقطاب بين الخطابات الدينية المتشددة التي لها قراءات متطرفة حول مكانة و أدوار النساء في المجتمع من ناحية، وبين الخطابات الحداثية التي ترى أن الوسيلة الوحيدة لتحرر المرأة هي التحرر من الدين”.
“وقد رأت طائفة من النساء أن هناك طريقا ثالثا يحقق لهن حريتهن كنساء، وحريتهن في الانتماء الثقافي والديني للإسلام”.
في تعريف النسوية الإسلامية، تقول الدكتورة أميمة أبو بكر أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن بجامعة القاهرة، والعضوة المؤسسة بمؤسسة المرأة والذاكرة ومنتدى النسوية الإسلامية، إنها “مشروع بحثي فكري يهدف إلى إنصاف النساء وتحقيق العدالة لهن والمكانة الإنسانية المتساوية، من خلال المرجعية الإسلامية واستلهام أو تفعيل المبادئ الأخلاقية العليا للقرآن والسنة الصحيحة”.
وعن وسائل إنجاز ذلك، تقول دكتورة أماني عبد الرحمن صالح، أستاذة العلوم السياسية المساعدة ورئيسة جمعية دراسات المرأة والحضارة والباحثة في النسوية من منظور إسلامي، إن النسوية الإسلامية تنخرط في المرحلة الحالية في عمليتين: “تأويل النصوص المقدسة (القرآن والسنة) من منظور غير ذكوري وغير معاد للنساء، ونقد التراث (الممثل فيما هو دون القرآن والسنة من علوم إسلامية) لغربلة عناصر الانحياز الموجودة وكشف جذورها الثقافية والتاريخية النسبية، ما يفتح الباب أمام اجتهادات معاصرة تخلو من الانحيازات”.
وبسؤال كل منهما عن موقع النسوية الإسلامية من خارطة الخطابات الراهنة التي تتناول قضايا المرأة في المنطقة العربية – كالتيار الإسلامي والتيار الليبرالي، تتفق الدكتورة أميمة أبو بكر والدكتورة أماني صالح، وكلاهما لها إسهامات بحثية مهمة في هذا المجال، على أن للنسوية الإسلامية فضاءها الخاص الذي تتحرك فيه، “ويصعب إلحاقها كلية أو تصنيفها تحت التيارات الفكرية والسياسية المعروفة بالكامل”، بحسب تعبير الدكتورة أميمة .
وترى رائدات تيار النسوية الإسلامية أنه ليس جزءا من التيارات الإسلامية السائدة “التي تتسم جميعا بنزعتها الماضوية وتبعيتها غير النقدية للتراث، بما في ذلك اتجاهاته الذكورية المستضعفة للمرأة”، على حد وصف الدكتورة أماني صالح.
كما أن ذلك الفكر يختلف مع التيار الليبرالي المنادي بحرية المرأة الذي يتبع التجربة الغربية ولديه من ثم قناعة بأن التحديث “يقتضي الخروج عن الدين أو تقييده في حيز الممارسات الطقوسية الشخصية”.
النسوية الإسلامية: ماذا تقدم للنساء؟
تعتبر النسويات المسلمات أن مشروعهن يقدم “وسيلة للاشتباك النقدي مع ذكورية التراث التفسيري والفقهي بهدف ترشيده وتقويمه وتصحيح مساره ليتناسب أكثر مع المفاهيم والقيم القرآنية والعدل الإلهي”، كما تقول الدكتورة أميمة أبو بكر.
كما يعتبرن أنه يقدم، وفق الدكتورة أماني صالح، إجابة لحاجة أساسية في حياة النساء المسلمات، وهي “كيف يمكن الوصول إلى صيغة تحفظ للمرأة المسلمة هويتيها المتلازمتين: أن تعيش كامرأة إنسانة ذات كرامة وحقوق إنسانية واجتماعية، وأن تحفظ في ذات الوقت هويتها الإسلامية”، أو كما تقول الدكتورة أميمة أبو بكر “ليس بالضرورة أن نرفض الدين والإيمان لنكون نسويات، أو نرفض المنظور النسوي لنكون مؤمنات ملتزمات”.
تناقض في المصطلحات؟
تقول الكاتبة والأكاديمية كريستين أون إنها عندما كانت تقوم هي والكاتبة كاثرين ردفرين بالإعداد لكتابهما “Reclaiming the F Word: The New Feminist Movement” الذي يتناول ما وُصف بانبعاث النسوية من جديد في القرن الحادي والعشرين، إنهما طرحتا بعض الأسئلة على نحو 1300 نسوية بريطانية، كان من بينها سؤال عن آرائهن الدينية، فوجدتا من خلال الإجابة أن تلك النسويات، مقارنة بعامة النساء البريطانيات، أقل إيمانا بالأديان.
وليس سرا أن الكثير من النسويات، قديما وحديثا، وسواء في الغرب أم الشرق، يرين أن الأديان تضطهد المرأة وتعارض حريتها، أو على الأقل استُغلت وفُسرت لتكريس اضطهاد المرأة في إطار مجتمع ذكوري بطريركي.
الكاتبة النسوية المصرية البارزة نوال السعداوي، على سبيل المثال، ترى أن المشكلة في النصوص الدينية وليس في تأويلها، وهي وجهة نظر تتفق معها فيها الكاتبة البنغلاديشية تسليمة ناسرين، التي ترى أنه “ليس هناك دين يعامل المرأة بوصفها كائنا مساويا للرجل”.
ومن ثم، يرى كثيرون من المحسوبين على التيارات الليبرالية العلمانية أن هناك تناقضا في المصطلحات بين النسوية والإسلام.
كما أن التيارات الأصولية الإسلامية ترى أن النسوية تتعارض مع التعاليم الإسلامية، وترفض ما تعتبره تشكيكا في التفسيرات الدينية.
وردا على اتهامات تضارب المصطلحات، تقول دكتورة أماني صالح إن الغاية وراء هذه الاتهامات أيديولوجية: حيث يريد التيار الأصولي ” تخيير النساء إما أن تكوني مسلمة أو تكوني امرأة لها حقوقها المتساوية وفاعلة في المجتمع.. ولكي تكوني مسلمة صالحة وتبقي في حياض الإسلام فعليك أن تقبلي بكل التفسيرات الذكورية للقرآن والسنة وأن تقبلي واقع الخضوع والرضوخ والتبعية للرجال التي قدمها التراث”.
“على الجانب الآخر تسعى التيارات المتغربة على اختلافها …إلى تأكيد هذا التناقض بين الإسلام وحقوق وكرامة النساء لسلخ قطاع آخر من النساء عن قاعدتهن الثقافية بإقناعهن بأن تمكين ومساواة النساء وفاعليتهن لا يمكن أن تتصالح مع الدين وأن سبيلها الوحيد هو تحييد الدين تماما”.
وتضيف أن النسوية الإسلامية تقدم طرحا ثالثا، مفاده “أن النساء يمكن أن يحتللن مكانتهن المتساوية إنسانيا واجتماعيا وثقافيا من داخل الإسلام، بل وبتأصيل إسلامي من خلال إعادة تاويل النصوص وفهمها بعقلية تخلو من الذكورية”.
الموقع على خريطة “النسوية العالمية“
إذا كان إنصاف النساء وتحقيق العدالة والمكانة الإنسانية المتساوية لهن هو هدف مشترك بين الحركات النسوية، فهل يمكن تسكين النسوية الإسلامية داخل حركة نسوية عالمية أعم، وهل يمكن الحديث عن تواصل أو استفادة متبادلة؟
تقول الدكتورة أميمة أبو بكر إنه من الممكن أن يكون هناك تواصل واستفادة متبادلة بين النسوية الإسلامية والنسوية العالمية “غير الكولونيالية أو العنصرية، خاصة الحركات النسوية في الجنوب العولمي ضد سياسات الإفقار والامتيازات والاستغلال والتمييز العنصري. المهم ألا يكون هناك علاقة هيمنة أو استعلاء”.
أما الدكتورة أماني صالح فترى أن ما يسمى بالنسوية العالمية ليس كيانا واحدا، وإن كان أغلبه يقع ضمن سياق الفكر الغربي بتياراته الليبرالية والاشتراكية وما بعد الحداثية.
وتنتقد الدكتورة أماني التيارات النسوية الغربية التي تصفها بأنها “مريضة مرضا ثقافيا بثنائية الأنا والآخر وهي تصنف النسويات الأخرى من موقعها، فهي نسويات ملونة أو إثنية من منطلق الذات الغربية البيضاء العلمانية”.
وتضيف: ” ومع ذلك فالنسوية الإسلامية وبحكم انتمائها لهذا العصر هي نسوية منفتحة، مثلما تنفتح على التراث مع ممارسة النقد وكشف الانحيازات فيه، فهي أيضا تنفتح على الفكر النسوي المعاصر مع ممارسة النقد الشديد له… نعم نأخذ منهم ونترك بوعي، نتحاور إذا أرادوا الحوار دون استعلاء أو فرض أفكار”.
[ad_2]
Source link