أونغ سان سو تشي: إيقونة الديمقراطية الضائعة في ميانمار بين حصار الجنرالات وأزمة الروهينغا
[ad_1]
حُكم على الزعيمة المدنية السابقة لميانمار أونغ سان سو تشي الإثنين بالسجن أربع سنوات في إطار إحدى القضايا الكثيرة الملاحقة في إطارها والتي قد تتعرّض في ختامها لعقوبة السجن لعقود.
تخضع سو تشي للإقامة الجبريّة منذ انقلاب الأول من شباط/فبراير 2021، وقد أُدينت بتهمة استيراد أجهزة اتصال لاسلكيّة بشكل غير قانوني.
وسبق أن حُكم عليها في كانون الأول/ديسمبر بالسجن لمدة أربع سنوات لخرقها القيود المفروضة على فيروس كورونا، وهو حكم خفّضه المجلس العسكري لاحقاً إلى عامين.
وتمضي أونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام، هذه العقوبة الأولى في المكان المحتجزة فيه من دون أي اتصال بالعالم الخارجي منذ توقيفها قبل سنة تقريباً.
وفي رد على الحكم، قالت اللجنة النروجية المانحة لجوائز نوبل “إنه حكم سياسي” معربة عن “قلق عميق إزاء وضعها”.
فمن هي أونغ سان سو تشي؟
كان يُنظر لها على أنها علم من أعلام حقوق الإنسان؛ ناشطة ذات مبادئ، تخلت عن حريتها لتتحدى جنرالات جيش قساة حكموا ميانمار لعقود طويلة.
مُنحت أونغ سان سو تشي عام 1991 جائزة نوبل للسلام عندما كانت لا تزال قيد الإقامة الجبرية في منزلها، ووصفت بأنها “مثال بارز على قوة من لا حول ولا قوة لهم”.
لكن استجابتها لأزمة الروهينغا منذ أن أصبحت الزعيمة الفعلية لميانمار سرّع في سقوطها من ذلك النعيم – وهو أمر لم تتوقعه سوى قلّة.
الطريق نحو السلطة
أمضت سو تشي نحو 15 عاما في السجن وذلك بين عامي 1989 و2010. وأصبحت رمزا عالميا للمقاومة السلمية بفضل نضالها على الصعيد الشخصي لتجلب الديمقراطية لميانمار التي كانت في قبضة العسكر (البلد الذي يعرف أيضا ببورما).
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015 قادت حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية إلى نصر ساحق في أول انتخابات يتم التنافس فيها علنا منذ 25 عاما.
لكن دستور ميانمار منعها من أن تصبح رئيسة لأن ابنيها يحملان جنسية أجنبيّة. لكن تعد سو تشي، البالغة من العمر 75 عاما، الزعيمة الفعلية للبلاد رغم أن لقبها الرسمي هو مستشارة الدولة. ويعد رئيس البلاد، وين منت، حليفا قويا لها.
تاريخ سياسي
سو تشي هي ابنة بطل الاستقلال في ميانمار، الجنرال أونغ سان، الذي كان قد أغتيل عندما كانت في عمر الثانية، وحصل ذلك قبيل أن تفوز ميانمار باستقلالها عن المستعمر البريطاني عام 1948.
ذهبت عام 1960 إلى الهند مع أمها التي كانت قد عُيّنت سفيرة البلاد في دلهي. وبعدها بأربع سنوات ذهبت إلى بريطانيا للدراسة في جامعة أكسفورد حيث تعلمت الفلسفة والسياسة والاقتصاد، والتقت بزوجها المستقبلي الأكاديمي مايكل آريس.
استقرا في المملكة المتحدة لتربية الصغيرين، ألكسندر وكيم، لكن ميانمار لم تفارق مخيلتها.
عندما عادت إلى بلدها عام 1988 – لترعى والدتها التي كانت في وضع صحيّ حرج – كانت ميانمار تمر بفوضى سياسية كبيرة؛ إذ تظاهر آلاف الطلاب والموظفين والرهبان مطالبين بإصلاح ديمقراطي.
تقول في خطاب يوم 26 أغسطس/آب 1988، عندما خرجت لتقود تلك الانتفاضة بوجه الدكتاتور في ذلك الوقت، الجنرال ني ون: “لكوني ابنة أبي، لم أستطع أن أبقى غير مبالية بما كان يجري”.
إقامة جبرية
تأثرت سو تشي بالحملات السلمية لقائد حراك الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، مارتن لوثر كينغ، وبمهاتما غاندي في الهند، فنظمت تجمعات وسافرت في أنحاء البلاد داعية لإصلاح ديمقراطي بشكل سلميّ ولانتخابات حرة.
لكن تلك المظاهرات قمعت بوحشية من قبل الجيش، الذي كان قد استولى على السلطة في انقلاب 18 سبتمبر/أيلول 1988، ووضعت سو تشي قيد الإقامة الجبرية في العام التالي.
نظّمت الحكومة العسكرية انتخابات وطنية في أيار/مايو عام 1990، وفاز فيها حزب سو تشي – لكن المجلس العسكري رفض تسليم السلطة وبقيت هي قيد الإقامة الجبرية لست سنوات حتى أفرج عنها في يوليو/تموز 1995.
وضعت مرة ثانية قيد الإقامة الجبرية في سبتمبر/أيلول من عام 2000 عندما حاولت السفر إلى مدينة ماندالي في تحدٍ لمنعها من السفر. وأفرج عنها عام 2002، لكن بعد عام تقريبا سُجنت بعد صدام بين داعميها وبين مجموعة تدعمها الحكومة.
وبعدها سمح لها بالعودة إلى بيتها ومجددا وضعت قيد الإقامة الجبرية.
وكانت في تلك الأثناء قادرة على أن تلتقي بمسؤولين من حزبها وبعدد من الدبلوماسيين، ولكن في أولى سنوات الإقامة الجبرية كانت غالبا موضوعة في عزلة تامة ولم يكن يسمح لها برؤية ولديها ولا حتى زوجها الذي توفي بالسرطان عام 1999.
وكانت السلطات العسكرية قد عرضت عليها السماح لها بالذهاب إلى بريطانيا لترى زوجها الذي كان يحتضر، لكنها شعرت بضرورة رفض العرض خشية ألا يسمح لها بالعودة إلى بلدها.
العودة إلى السياسة
أُبعدت سو تشي عن أول انتخابات تجرى منذ عقدين من الزمن يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010، لكنه أفرج عنها من الإقامة الجبرية بعد ذلك بستة أيام. سمح لابنها كيم أن يزورها لأول مرة منذ عقد كامل من الزمن.
وما أن بدأت الحكومة الجديدة عملية الإصلاح، حتى انضمت لها سو تشي وحزبها وفازوا بـ43 مقعدا من أصل المقاعد الـ45 في انتخابات أبريل/نيسان 2012 الفرعية، في تأكيد حاسم على الدعم الذي حظيوا به. وأصبحت سو كي رئيسة الوزراء وزعيمة المعارضة.
وفي أيار/مايو التالي، غادرت نيانمار لأول مرة منذ 24 عاما في إشارة واضحة إلى ثقتها بأن الزعماء الجدد سيسمحون لها بالعودة.
أزمة الروهينغا
ومنذ أن أصبحت مستشارة الدولة في ميانمار، أصبحت العيون على طريقة تعاملها مع أقلية الروهينجا المسلمة في البلاد.
عام 2017، هرب مئات الآلاف من الروهينغا إلى بنغلادش المجاورة بسبب قمع الجيش لهم إثر هجمات دامية على مراكز الشرطة في ولاية راخين.
وتواجه ميانمار الآن دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية تحقق في مزاعم ارتكاب البلد جرائم ضد الإنسانية.
واتهمها داعموها الدوليون السابقون بعدم القيام بأي فعل لأيقاف عمليات الاغتصاب والقتل والإبادة الجماعية المحتملة بسبب رفضها إدانة الجيش القوي والاعتراف بعدد من فظائع الحرب.
في البداية، قال بعضهم إنها سياسية براغماتية، تحاول أن تحكم بلدا فيه خليط من الأعراق وله تاريخ معقّد، غير أن دفاعها الشخصي في محكمة العدل الدولية العام الماضي عن الأفعال التي قام بها الجيش، سرّع في انهيار ما بقي لها من سمعة دوليّة.
وفي بلدها، لا تزال “السيدة” كما تعرف سو تشي، تحظى بشعبية كبيرة بين الغالبية البوذية التي لا تحمل إلا القليل من الشفقة تجاه الروهينجا.
إصلاحات متوقفة
منذ أن وصلت إلى السلطة، تواجه سو تشي وحكومتها التي يقودها حزبها، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، انتقادات بسبب ملاحقة الصحفيين والنشاط بناء على قوانين تعود للفترة الاستعمارية.
وتم إحراز تقدم في بعض الجوانب، ولكن استمرت سيطرة الجيش على ربع المقاعد البرلمانية وعلى حقائب وزارية مهمة، من ضمنها الدفاع والداخلية وشؤون الحدود.
وفي أغسطس/آب من عام 2018 وصفت سو تشي الجنرالات في حكومتها بأنهم “لطفاء”.
وقال محللون إن الانتقال نحو الديمقراطية في ميانمار يبدو كأنه معطّل.
وتواجه الدولة الآن واحدة من أسوأ موجات فيروس كورونا في منطقة جنوب شرق آسيا، ما يضع كثير من العراقيل على نظام الصحة الذي يعد هشا بالأساس.
ورغم كل ذلك، لا تزال سو تشي تحظى بالشعبية؛ ففي مسح أجري عام 2020 من قبل مجموعة مراقبة انتخابات تسمى (People’s Alliance for Credible Elections)، كانت النتيجة أن 79 بالمئة من الناس يثقون بها – في حين كانت النسبة 70 بالمئة العام الماضي.
وفي حديث مع بي بي سي، قال ديريك ميتشل، وهو سفير أمريكي سابق في ميانمار: “إن قصة سو تشي هي قصتنا مثل ما هي قصتها. ربما هي لم تتغير. ربما لطالما كانت هكذا. وربما نحن من لم يعرف كل التعقيد في شخصيتها. علينا أن نتعلم ألا نمنح الأشخاص صورة الأيقونة – فهذه الصورة تفوق طاقة الإنسان”.
[ad_2]
Source link