كيف تعاملت مذيعة مع حالة فقدان السمع عقب الولادة؟
[ad_1]
قبل ثلاث سنوات، تلقت المذيعة في بي بي سي هيلينا ميريمان نتيجة تشخيص لحالتها الصحية، وأصابها الأمر بصدمة كبيرة، وضعتها أمام تغير كبير في حياتها، ما دفعها إلى استكشاف كيفية تعامل الناس مع حالات عدم اليقين والمحن التي تواجههم في لحظة تحمل معها تغيرات جذرية في حياتهم.
إنها الرابعة صباحا، يبدو أن ثمة خطأ ما. شيء ما ليس على ما يرام، والمكان الذي يحتله زوجي من السرير عادة فارغ. جهاز مراقبة الأطفال يرسل وميضا. وها هو زوجي يقف هناك حاملا سام، طفلنا الذي يبلغ عمره أربعة أشهر.
استغربت الأمر وشعرت بارتباك، فأنا عادة من يسمع بكاء سام أولا. ثم تكررت الحالة نفسها خلال الأسابيع القليلة التالية، كنت أتابع استغراقي في النوم رغم صرخات سام وبكائه ليلا.
ثم بدأت ألاحظ خلال النهار، أنني أعاني لكي أتمكن من سماع أشياء أخرى أيضا. وحين أكون مع أصدقائي أجد نفسي أحدق في شفاههم، لأستوعب ما يقولونه.
أحالني الطبيب العام إلى عيادة خاصة بمشاكل السمع، وبعد سلسلة من الفحوصات، أخبرت بأنني فقدت نسبة كبيرة من قدرتي على السمع في أذني اليمنى. قيل لي: “لا تقلقي، ربما يكون مجرد احتقان، كأثر متبق من نزلة برد. إذا لم تتحسن الأمور في غضون ستة أسابيع، عودي مرة أخرى”.
بعد ستة أسابيع، وفي يوم حار من شهر أغسطس/آب، عدت إلى العيادة. تم استدعائي إلى الغرفة رقم 5، وهي غرفة بيضاء بجدران عارية. وقال لي طبيب استشاري إنه يعتقد بناء على الأعراض التي أعاني منها، أن لدي شيئا يسمى تصلب الأذن الوسطى، وأضاف “إنها حالة سمعية تنكسية”، شيء وراثي. ولا يوجد له علاج.
في تلك الليلة، استلقيت على السرير وأنا أفكر في الأسئلة التي لم أطرحها. متى سأفقد سمعي؟ هل يمكن أن أصاب بالصمم؟ إذا كانت الحالة وراثية، فهل نقلتها إلى أطفالي؟ وأتذكر كيف بدأ هوسي بالأصوات عندما كنت طفلة. أتذكر أشرطة التسجيلات التي ما زلت أحتفظ بها في الدرج – صوت جدي وهو يتكلم، خرخرة قطتي، موسيقى الأكورديون، تسجيلات طويلة لصوت البحر. أتذكر أنني تعلمت العزف على البيانو عندما كنت صغيرة، ولحظة أصبحت قادرة على تسمية النغمة الموسيقية ما أن أسمعها، وكيف أصبح العالم بالنسبة لي أوركسترا. أفكر في تلك الأصوات وهي تتلاشى وأصاب بالرعب.
تصلب الأذن الوسطى مرض شائع نسبيا، نحو 1 إلى 2 في المئة من الأشخاص مصابون به. لكنه يؤثر على فئة معينة أكثر من غيرها – النساء اللواتي مررن بتجربة الإنجاب حديثا. وهذا بسبب تأثير هرمونات الحمل التي تسرع مسار المرض، وهذا يفسر ملاحظتي لتراجع السمع بعد الولادة مباشرة.
خلال الأشهر القليلة التالية، تجاهلت تشخيص حالتي. لا أريد أن أقولها بصوت عال لكي لا أجعلها حقيقية. ولم أكن قادرة على إخبار الزملاء في العمل بحالتي، فعملي كمذيعة وصانعة أفلام وثائقية يعتمد بشكل مباشر على قدرتي على السمع.
قرأت الكثير عن تصلب الأذن الوسطى، واكتشفت لماذا أجد صعوبة في السمع. تخيل أنك تقف عند الشاطئ وتراقب البحر. الأصوات التي يمكنك سماعها تتذبذب كموجات في الهواء باتجاهك، تموجات قصيرة للأصوات عالية الحدة مثل صراخ النوارس، أو تموجات كبيرة لدمدمة البحر العميقة.
عندما تضرب هذه الموجات الصوتية غشاء طبلة الأذن، يهتز، ويتم إرسال هذا الاهتزاز خلف طبلة الأذن إلى ثلاث عظام صغيرة – المطرقة، والسندان، والركاب وهو أصغر عظمة في جسم الإنسان. ثم ترسل هذه العظيمات الاهتزازات إلى قوقعة الأذن، وهي عبارة عن تجويف كأنه متاهة من العظام يقع في أعماق الأذن (الأذن الداخلية). وهذه هي اللحظة السحرية، عندما تحول قوقعة الأذن الموجات الميكانيكية إلى موجات كهربائية يستطيع عقلك معالجتها، وهكذا تسمع الأصوات.
إذا كنت مصابا بتصلب الأذن الوسطى، فعندما تصل الاهتزازات إلى عظم الركاب، لا يهتز. إذ أن تصلب الأذن الوسطى مرض يصيب العظام التي تحيط بالركاب.
وعلى الرغم من عدم وجود علاج، اكتشفت أن هناك عملية يمكن أن تصلح سمعي. ولكن هناك مخاطر، ففي حالات نادرة قد تتسبب العملية بشلل في الوجه، أو تؤدي إلى الإصابة بالدوار بشكل دائم، أو قد تسفر عن الإصابة بالصمم في الأذن التي خضعت للعملية الجراحية.
أقلّب القرار في عقلي، وأتصارع معه، كنت في منتصف العمل على سلسلة حلقات إذاعية بعنوان “النفق 29″، حول الهروب من تحت جدار برلين. تبدو فكرة فقداني السمع في إحدى أذني مخاطرة كبيرة، وقررت عدم إجراء العملية.
كانت الأشهر القليلة التالية صعبة. حاولت استخدام سماعات خاصة، ولكني كنت أجد صعوبة في التفريق بين الكلام وبين الأصوات الموجودة في الخلفية. ثم بعد أن أظهر اختبار آخر أنني فقدت قدرا أكبر من السمع في أذني اليمنى، قررت المضي قدما وإجراء العملية.
إنه صباح بارد من أيام شهر مارس/آذار، وأنا مستلقية في غرفة العمليات في المستشفى الملكي لأمراض الأنف والأذن والحنجرة. سيكون على جيريمي لافي، جراح الأذن الذي يجري عمليتي، أن يصل بطريقة ما إلى عظم الركاب في أعماق أذني. يثني طبلة الأذن للأمام، ثم يلتقط جهاز ليزر صغيرا، ويوجهه إلى العظم الصغير، وهذه هي اللحظة الحاسمة. إذا تحركت يده بمقدار ميليمتر، فقد يصاب وجهي بالشلل، أو قد أفقد حاسة السمع بالكامل في أذني.
شغّل جهاز الليزر. تحررت عظمة الركاب، ثم أخذ عظمة ركاب صناعية صغيرة، ودفعها عبر قناة أذني، وألصقها بالعظم. فجأة، أصبحت أستطيع أن أسمع من أذني اليمنى. موسيقى خفيفة، الأحاديث المنخفضة بين الطاقم الطبي، والصوت المعدني لارتطام الأدوات الجراحية بالصواني. يبدو الأمر وكأنه معجزة صغيرة.
ثم بعد ساعتين، بينما كنت أستريح في عنبر المرضى سمعت فجأة ضوضاء في أذني اليمنى، كانت عالية بشكل لا يصدق، وتبدو كأنها صفير غلاية الماء. تذكرني ممرضة بأنه من الممكن سماع أصوات غريبة بعد العملية، ولكن في تلك الليلة، استمرت الضوضاء، صوت جديد غريب لا يشبه طنين الأذن المعتاد، الذي أعاني منه منذ سنوات.
وخلال الفحص الطبي بعد أسبوعين، أوضح لي جيريمي لافي أن العملية في 90 في المئة من الحالات، تقلل طنين الأذن أو تزيله. لكن 10 في المئة من الأشخاص، لا تتحسن مشكلة الطنين لديهم، أو قد يزداد الأمر سوءا. والسبب غير معروف.
يستمر صوت صفير الغلاية العالي بحيث يصعب علي التفكير في أي شيء آخر. أصبحت أعشق الضوضاء. أصبح مترو أنفاق لندن مكاني المفضل حيث يضيع صوت الصفير في هدير القطارات. ذات مساء كنت في المنزل مع الطفلين. كنا نقلب صفحات كتاب مصور، وابنتي ماتيلدا تساعد سام في كلماته الأولى. وبينما كان يتلعثم بكلمتي “قطة” و”بطة”، كنت أتمنى أن أسمعه من دون صفير.
في تلك الليلة عثرت في الإنترنت على منتدى خاص بطنين الأذن. نشرت رسالة هناك، ورد الناس بنصائح – التوقف عن شرب الكحول، وأخذ قسط أكبر من النوم، وممارسة تمارين رياضية، وعدم الذهاب إلى أي مكان فيه ضوضاء. خلال الأسابيع اللاحقة، فعلت كل ما اقترحوه – ما يعني أنني نادرا ما كنت أخرج. كان ذلك مساعدا، وكانت بعض الليالي أكثر هدوءا والصفير أقل، لكنني شعرت بالعزلة.
قد يبدو هذا مألوفا. فنحو واحد من بين كل ثمانية أشخاص يعيش مع طنين مستمر في الأذن. يمكن أن يكون بشكل رنين أو أزيز أو تشويش أو طنين أو دمدمة، ثم هناك طنين نابض، وهو يترافق مع تواتر النبض. في المنتديات الخاصة بالذين يعانون من طنين الأذن، هناك نصيحة واحدة يرددها الجميع: لا تفكر في طنين الأذن. إنني أحاول. لكن الأمر يشبه قول أحدهم، “لا تفكر في القرد”، ولكن القرد موجود، وأنت تفكر به.
وبينما أحاول إيجاد طريقة للتعايش مع هذه الضوضاء الجديدة، بدأت في التحدث عنها إلى مزيد من الأشخاص، وبعد أن أخبرهم عن الجزء المعطوب من جسمي، كانوا يخبرونني عن الأجزاء المعطوبة لديهم.
لست وحدك
كانت الأحاديث استثنائية. سمعت خلالها عن محاولات تشخيص حالات مرضية استغرقت عقودا، وظروف صحية لم أكن أعرف قبلا بوجودها، وعلاجات لم أكن أعتقد أنها ممكنة. لكن أكثر ما كان يهمني هو الشفاء – بعد التشخيص والعلاج، كيف يمكن يمكنك تمالك نفسك واستعادتها من جديد؟ وبدأت في التفكير في مدى ضآلة ما نشاركه عن تلك اللحظات. نعم، قد نخبر أصدقاء في الحانة او المقهى عن مرض أو عملية جراحية، لكننا غالبا ما نتناول الأمر بشكل عابر. من الصعب نقل التفاصيل العميقة – الهلوسة، والخوف الشديد عندما تكون جالسا في غرفة على وشك سماع نتيجة التشخيص، والراحة المذهلة عندما تجد طريقة للتعامل مع شيء كنت تعتقد أنك لا تستطيع التعايش معه.
ومن هنا أتت فكرة سلسلة الحلقات الإذاعية (البودكاست) الجديدة التي تحمل اسم “الغرفة 5”.
بدأت في تسجيل المقابلات: أخبرتني بيكس (طالبة جامعية) عن قلقها وهلوساتها والتي أدت إلى تشخيص حالتها. وأخبرني جون، وهو رجل أعمال، عن حكة غريبة في قضيبه بدأت في حديقة ألعاب، كما حكت لي سيرينا عن قرار صعب كان عليها اتخاذه بعد التشخيص، وأخبرتني جافاندرا كيف توصلت إلى التصالح مع صدمة تعرضت لها في الطفولة، وكذلك أخبرني جويل عن حالته النادرة التي طورت فهمنا للتقمص.
لقد مر عامان على خضوعي للجراحة في أذني. كانت هناك أوقات ندمت فيها على إجرائها، عندما كنت اعتقد أنني لن أتعلم أبدا العيش مع صفير الغلاية المستمر. لكنني مثل أشخاص كثيرين يعانون من طنين الأذن المستمر، وجدت طرقا للتأقلم. الآن، لم أعد نادمة على الإطلاق. بل على العكس، أشعر أنني محظوظة لأنني أعيش في وقت يمكن فيه لجراح ماهر أن يعيد إلي السمع.
قد لا تكون العملية أسفرت عن إصلاح كامل خال من التعقيدات، ولكن غالبا هذا ما يكون عليه الأمر. تذهب إلى غرفة الفحص، يتم تشخيص إصابتك بحالة ما، وتتلقى العلاج، ودائما ما يبرز شيء ما غير متوقع، وقد تتغير إلى الأبد.
هناك اختصاصيون يقدمون لك الدعم خلال فترة التعافي، الأطباء، والمعالجون الفيزيائيون، والمختصون بإعادة التأهيل. ولكن في النهاية ستكون وحدك، وعليك أن تجد الإجابات غير الموجودة في كتب الطب.
سيجلس كثيرون منا يوما في غرفة الفحص، وستعطى لهم نتيجة تشخيص حالتهم. بالنسبة لي، كانت تلك الغرفة ذات الرقم 5. بالنسبة لك، ربما كان رقمها مختلفا. أو ربما لم يحدث ذلك بعد. ولكن إن حدث ذلك، آمل أن تساهم القصص الموجودة في الغرفة 5 في إرشادك للسير على الدرب خلال كل ما قد يأتي.
[ad_2]
Source link