المهدي بن بركة: ما الجديد الذي أتت به صحيفة الغارديان عن حياة المعارض المغربي الراحل؟
[ad_1]
في تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية مؤخرا قالت إن وثائق من أرشيف استخبارات دول تابعة للاتحاد السوفيتي السابق أشارت إلى أن المهدي بن بركة المعارض اليساري المغربي البارز الذي قُتل في عام 1965 ومازال جثمانه مختفيا حتى اليوم، ربما عمل جاسوسا لصالح مخابرات تشيكوسلوفاكيا.
وقد ظهركثير من الحقائق على مر السنين حول مقتل المنشق المغربي الذي توفي وهو يبلغ من العمر 46 عاما.
لكن العديد من أنشطة بن بركة قبل مقتله ظلت محاطة بالغموض.
وقد كشفت وثائق جديدة الآن من أرشيف الدول التابعة للاتحاد السوفيتي السابق أن المثقف صاحب الشخصية الكاريزمية ورجل الدعاية والسياسي اليساري ربما كان جاسوسا أيضا، فما هي قصة المهدي بن بركة؟
من هو المهدي بن بركة؟
ولد المهدي بن بركة في عام 1920 في الرباط وتوفي في عام 1965، وقد تسبب اختطافه وقتله في أزمة سياسية لحكومة الرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول، وفي قطع العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والمغرب.
وكان المهدي نجل شرطي مغربي، وقد انضم إلى حزب الاستقلال، وأصبح رئيسا لمجلس الشورى الوطني، ولمع نجمه في الأربعينيات كـأحد رموز المقاومة ضد المستعمر ولاحقا كواحد من أشرس المعارضين والمنتقدين للحكم الملكي في المغرب.
وفي عام 1959 ترك حزب الاستقلال ليؤسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اليساري، وكان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه رئيس محتمل لجمهورية مغربية محتملة.
وعندما خاض المغرب والجزائر حربا قصيرة في عام 1963، انحاز بن بركة إلى الجزائر وذهب إلى المنفى.
وقد اتُهم بعد ذلك بالخيانة العظمى على خلفية مؤامرة مزعومة ضد الملك الحسن الثاني وحُكم عليه غيابيا بالإعدام.
وفي أعقاب ذلك، انتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس وأصبح زعيما في المنفى للمعارضة المغربية، وذاع صيته في الخارج، خاصة في دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية والآسيوية ذات الميول الاشتراكية والشيوعية.
اختطاف بن بركة
في 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1965، كان المهدي بن بركة يستعد للالتحاق بـ”مؤتمر القارات الثلاث” في هافانا، لكنه لم يتمكن من حضور المؤتمر بعد أن اختفى بطريقة غامضة من أمام مقهى في شارع سان جيرمان في قلب باريس، ولم يعثر له على أثر منذ ذلك الحين.
وخلص المحققون إلى أن رجال عصابات حصلوا على أموال مقابل اختطافه وقتله.
كما قيل إن المؤامرة كان يرأسها الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني، والكولونيل أحمد الدليمي الذي بات فيما بعد وزيرا للداخلية في المغرب.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن تحقيقا رسميا ومحاكمة في فرنسا أظهرا أن “المغرب انتهك السيادة الوطنية الفرنسية، والأسوأ من ذلك، أن ضباطا بالشرطة الفرنسية وأعضاء بالمخابرات الفرنسية متورطون في تلك القضية”.
وأشارت التحقيقات في القضية إلى أن شرطيين سريين وضابط مخابرات فرنسيا طلبوا من بن بركة الركوب في سيارتهم. ونُقل بعد ذلك إلى منزل جنوب باريس.
ويُعتقد على نطاق واسع أنه تعرض للتعذيب، إلا أن جثته لم يعثر عليها.
وتشير إحدى الروايات الشائعة آنذاك إلى أن بن بركة عُذب وخُدّر على أيدي ضباط الاستخبارات الفرنسية قبل أن يتسلمه أوفقير ورفاقه جثة هامدة.
وقد جرت محاكمتان في فرنسا بخصوص الاختفاء. وحكم على رجال الشرطة الثلاثة بالسجن بتهمة الاختطاف. كما حكم على 4 آخرين فروا إلى المغرب وعلى الجنرال أوفقير الذي أصبح في ما بعد وزيرا للدفاع والداخلية غيابيا بالسجن مدى الحياة.
وأصدرت فرنسا مذكرة دولية بالقبض على أوفقير، لتتدهور العلاقات بين المغرب وفرنسا.
وقد فند الحسن الثاني التهمة الموجهة لنظامه آنذاك بالتورط في تلك الجريمة.
أما أوفقير الذي كان يزور باريس أثناء اختطاف بن بركة، فقد توفي عام 1972، بعد أن قاد محاولة انقلابية فاشلة.
وفي عام 1982 أمر الرئيس الفرنسي الراحل، فرانسوا ميتران، بإعادة فتح ملف بن بركة، لكن معظم الوثائق المتعلقة بالموضوع ظلت قيد الكتمان.
وفي عام 2009، أعلن الكاتب الفرنسي جورج فلوري لصحيفة، لوجورنال دو ديمانش، الفرنسية أن جثة بن بركة أُحرقت بعد قتله في باريس، مشيرا إلى أن بحوزته تقريرا أمنيا بهذا الشأن.
وذكر التقرير، الذي قالت الصحيفة آنذاك أن بحوزتها نسخة منه، أن لدى الأمن معلومات دقيقة عن الفريق الذي يشتبه في قيامه باغتيال المعارض المغربي.
وقال الكاتب للصحيفة: “في ذلك الملف هناك شخصين يبدو أنهما أحرقا جثة بن بركة في جنوب باريس”.
وكانت الأضواء قد سلطت على قضية بن بركة في 18 سبتمبر/أيلول من عام 2009 مع إصدار الإنتربول مذكرات توقيف قررها قاض فرنسي بحق 4 شخصيات مغربية حينئذ.
وطلبت نيابة باريس في 12 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام تعليق المذكرات الأربع بحجة أن الإنتربول طلب “إيضاحات” إضافية. وقد انتقد القاضي الذي كان ينظر الملف ما اعتبره “عرقلة” تهدف إلى حماية “مصالح سياسية ودبلوماسية”.
وفي عام 2017 قرر الرئيس الفرنسي حينئذ، فرانسوا هولاند، رفع السرية عن عشرات الوثائق المتعلقة بالقضية.
وكان سيريل كابو قاضي التحقيق في القضية قد طلب من اللجنة الاستشارية الفرنسية في مارس/آذار من ذلك العام رفع السرية عن بعض الوثائق لمعرفة هوية المتورطين.
وقد نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية ذلك القرار الذي يتعلق بمجموعة من المراسلات التي جرت بين الأجهزة الأمنية الفرنسية والأجهزة الأمنية المغربية، بالإضافة إلى وثائق وتقارير سرية تتعلق بالتحقيقات التي أجريت حول قضية اختطاف واختفاء المعارض المغربي.
وكان اختطاف بن بركة قد أثار ضجة في فرنسا وتساؤلات عن سبب اختطاف معارض أجنبي بارز من قبل الشرطة الفرنسية. واُعتبر الحادث منذ ذلك الحين قضية مثيرة للجدل تنتظر الحل.
هل كان “جاسوسا”؟
اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على اختفائه، لا تزال قضية المهدي بن بركة تطرح كثيرا من التساؤلات، بينما تستمر عائلة بن بركة إلى اليوم في البحث عن طرف خيط يقودها إلى المتورطين في الجريمة.
وقد تضمن مقال صحيفة الغارديان وثائق وصفت بالسرية عن نشاط المعارض المغربي إبان الحرب الباردة.
وذكرت الغارديان أن الملفات السرية المثيرة للجدل، خرجت إلى العلن من أرشيف دول تابعة للاتحاد السوفيتي السابق.
ورغم الضجة التي أثارتها تلك الوثائق إلا أن القضية ليست جديدة، إذ سبق أن أثيرت قبل نحو 15 عاما، لكنها لم تلق الاهتمام نفسه الذي حظيت به هذه الأيام.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن ملفات سرية سابقة سُربت من العاصمة التشيكية، براغ، تشير إلى وجود علاقات وثيقة بين بن بركة وجهاز الأمن التشيكوسلوفاكي ستاني بيزبيكنوست (إس تي بي) حيث تلقى من الجهاز دفوعات نقدية.
وفي حديثه مع الغارديان، يصف الأستاذ المساعد في جامعة تشارلز في براغ جان كورا، الذي تمكن من الوصول إلى الملف، بن بركة بـ “الانتهازي الذي كان يلعب لعبة خطيرة للغاية”.
وبحسب الملف الذي اطلع عليه جان كورا، فإن علاقة بن بركة مع جهاز الأمن تعود إلى عام 1960، عندما التقى بأهم جواسيس هذا الجهاز في باريس بعد مغادرة المغرب.
وكان جواسيس براغ يأملون أن يقدم هذا الزعيم البارز من أجل استقلال المغرب ومؤسس أول حزب اشتراكي معارض هناك معلومات قيمة ، ليس فقط حول التطورات السياسية في المملكة ولكن أيضا حول تفكير القادة العرب مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وعرضت الغارديان ما وصفته بسلسلة من العمليات الاستخباراتية التي نفذها بن بركة لصالح الجهاز التشيكوسلوفاكي، وأشار ملف جهاز الاستخبارات التشيكوسلوفاكي إلى أن بن بركة كان أيضا شخصية رئيسية في “الحركة المناهضة للإمبريالية للدول الأفريقية والآسيوية”، والتي تضمنت شخصيات مثل مالكولم إكس وتشي غيفارا ونيلسون مانديلا.
وذكرت الوثائق أنه بعد وقت قصير من الاجتماعات الأولى بين مندوبي الاستخبارات التشيكوسلوفاكية وبن بركة تم اعتباره مصدرا لمعلومات “قيمة للغاية” ومنحته استخبارات تشيكوسلوفاكيا اللقب الرمزي “الشيخ”.
وتقول الصحيفة في تقريرها إن “بن بركة تقاضى من جهاز الأمن مبالغ مالية مقابل ما قدمه من معلومات”.
فعلى سبيل المثال، تذكر الصحيفة أن “بن بركة زار العراق للحصول على معلومات حول انقلاب فبراير/شباط 1963، وتلقى مقابل ذلك 250 جنيها استرلينيا”.
ولاحقا اكتشفت الاستخبارات التشيكوسلوفاكية، أن “بن بركة خدعهم وباع لهم معلومات كانت متاحة للجميع”. وقد أثار الشكوك لديهم بأنه “تعاون مع فاعلين آخرين خلال الحرب الباردة” وفقا لما جاء في التقرير.
فقد ورد إلى الاستخبارات التشيكوسلوفاكية من عميل في فرنسا في فبراير/شباط من عام 1962 أن “الشيخ” قد التقى نقابيا أمريكيا في حانة لإليفانت بلانك في باريس وتلقى شيكا بالدولار الأمريكي.
وأدى ذلك إلى مخاوف من أن لبن بركة صلات بوكالة المخابرات المركزية، التي كانت حريصة على دعم الإصلاح الديمقراطي في المغرب وتأمين المملكة للمعسكر الغربي.
ورغم ذلك فقد استمرت العلاقة بين الطرفين، فقد دعت استخبارات تشيكوسلوفاكيا بن بركة لزيارة براغ حيث وافق على المساعدة في التأثير على السياسة والقادة في إفريقيا مقابل 1500 جنيه إسترليني سنويا. بحسب تقرير الغارديان.
ويصف الأستاذ المساعد في جامعة تشارلز في براغ، جان كورا، السياسي المغربي بالرجل الذكي، مضيفا أنه رغم كل المعلومات التي قدمها المهدي بن بركة إلا أن مكتب الاستخبارات التشيكوسلوفاكية لم يصنفه كعميل، بل عده مجرد جهة اتصال سرية تقدم معلومات وتتلقى مقابلها مبلغا ماليا.
كما أن بن بركة لم يتحدث طيلة حياته عن أي علاقة ربطته بأي جهة أجنبية.
ولم يتسن لبي بي سي التأكد من الوثائق التي وردت في تقرير الغارديان.
غير أن الصحفية البريطانية نقلت عن محللين قولهم بأن ما نسب إلى بن بركة من تهم لا يزال محل تمحيص وتدقيق.
وفي أشهره الأخيرة، كان بن بركة مشغولا في تنظيم مؤتمر القارات الثلاثي في كوبا، وهو حدث من شأنه أن يجمع العشرات من حركات التحرير والجماعات الثورية ورعاتها كما سيصبح المؤتمر لحظة حاسمة في تاريخ مناهضة الاستعمار في ستينيات القرن الماضي، و قد أراد الناشط المخضرم أن يرأس الحدث.
لكن السوفييت اشتبهوا في أنه أصبح قريبا جدًا من الصينيين، خصومهم في قيادة اليسار العالمي.
وقال المسؤولون السوفييت لاستخبارات تشيكوسلافاكيا إن بن بركة تلقى 10 آلاف دولار من بكين، وضغطوا عليها من أجل سحب أي دعم أو حماية له.
ومع ذلك، أحضر الجهاز بن بركة إلى براغ للتدريب لمدة أسبوع على الاتصالات والرموز والمراقبة والمراقبة المضادة. بحسب صحيفة الغارديان.
ولكن جاء ذلك بعد فوات الأوان، فبعد أسبوع من طلب مسدس من الاستخبارات التشيكية تم اختطاف وقتل بن بركة.
على الرغم من أنه أمر بإجراء تحقيق، إلا أن الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول نفى أي تورط للمخابرات الفرنسية والشرطة.
ولم تفرج فرنسا والولايات المتحدة عن الوثائق السرية الرئيسية بشأن هذه القضية.
كشفت الوثائق التشيكوسلوفاكية الجديدة أن براغ حاولت إلقاء اللوم على وكالة المخابرات المركزية في اغتيال بن بركة.
وفي وثيقة حصلت عليها صحيفة الأوبزرفر البريطانية بموجب قوانين حرية المعلومات، أثنى دبلوماسيون بريطانيون على “الاعتدال” الذي أبدته باريس في مواجهة الأدلة “الدامغة” على مسؤولية أجهزة المخابرات المغربية.
أمر مثير للجدل
ويُعد ما ورد في تقرير الغارديان أمرا مثيرا للجدل حيث لا يزال بن بركة بطلا بالنسبة للكثير من اليساريين.
ويقول المدافعون عنه إنه كان على استعداد لمناقشة الوضع الدولي مرارا وتكرارا مع المسؤولين التشيكوسلوفاكيين لأن هذه كانت أفضل طريقة للتأثير عليهم.
ويقولون أيضا إنه على الرغم من أن تحليلات بن بركة قد تكون مفيدة الاستخبارات التشيكوسلوفاكية فإن ذلك لا يجعله “عميلا”.
وهم يجادلون أيضا بأن مثل هذا الدور كان سيتعارض مع تفاني بن بركة في الحفاظ على “حركة العالم الثالث متحررة من النفوذ السوفيتي والصيني”.
كما تنفي أسرته بشدة أي اتهامات بأنه متورط في التجسس أو الارتباط بعلاقات وثيقة بأي دولة.
وقد طالبت أسرة بن بركة بالمزيد من التدقيق والتثبت من مضمون تلك الوثائق.
وفي تصريح لصحيفة الأوبزرفر، قال البشير بن بركة، نجل السياسي المغربي الراحل، إن علاقات والده مع الدول الاشتراكية ودول أخرى “كانت متوقعة من أي شخص انخرط في النضال العالمي ضد الإمبريالية و الاستعمار” مضيفا بأن “الوثائق المسربة حديثا أُنتجت وحُررت داخل أجهزة المخابرات وقد تكون محرفة أو غير مكتملة”.
وكانت أسرة بن بركة قد أعربت في يوليو/تموز من عام 1999 عن رغبتها في العودة للمغرب بعد أن ألقى العاهل المغربي، محمد السادس، أول خطاب رسمي له إثر توليه العرش واعتبرت أنه أبدى فيه انفتاحا ملحوظا.
وقد جددت السلطات المغربية في صيف عام 1999 جوازات سفر أفراد عائلة بن بركة لأول مرة منذ عام 1965.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1999 عادت أسرة المعارض المغربي البارز المهدي بن بركة إلى المملكة لأول مرة بعد اختفائه، فقد وصل إلى الرباط البشير بن بركة نجل المهدي، وأرملته، وعدد آخر من أفراد أسرته.
وقد استقبلهم في المطار بعض المسؤولين ومن بينهم وزير العدل المغربي.
وكان البشير بن بركة قد أعرب آنذاك عن أمله في أن عودة أفراد الأسرة سيبعث الحياة مرة أخرى في المساعي الرامية إلى معرفة ما حدث لوالده
وأشار إلى أنه لا يعتقد بوجود سبب يدعو الحكومة إلى وقف محاولات البحث عن الحقيقة.
[ad_2]
Source link