السعودية: السباق بين تحولات الطاقة العالمية وجهود تغيير بنية الاقتصاد
[ad_1]
- رامي رحيّم
- بي بي سي عربي
هل دخلنا في عصر ما بعد النفط؟ هل وصلنا الى تلك المرحلة المفصلية التي يصل فيها الطلب العالمي على النفط إلى ذروته ثم يأخذ بالانحدار الى غير رجعة، فتهتز دول تعتاش من الذهب الأسود؟
التغيير المناخي ووعود الحياد الكربوني والمركبات الكهربائية، ظواهر وتقنيات وسياسات تتنافس على تسديد الضربة القاضية إلى النفط، أو هكذا يبدو.
فهل يحدث هذا؟ وما مصير الدول المصدرة للنفط، المعتمدة عليه في ميزانياتها ومعيشة مواطنيها، وعلى رأسها دول الخليج، وأبرزها السعودية، إذا تم بالفعل التحول إلى عالم جديد يفقد فيه النفط مكانته؟
الصفر الإجمالي
غالبا ما يحكى عن أفول عصر النفط بسبب مكافحة التغيير المناخي والتحول الكبير في مصادر الطاقة.
فقد استنتجت إحدى الدراسات التي نشرت حديثا في مجلة نايتشر أننا إذا أردنا تفادي أسوأ عواقب التغيير المناخي، فإن معظم ما تبقى من نفط وغاز وفحم على كوكبنا ينبغي أن يبقى تحت الأرض.
هناك اتجاه عالمي لإعلان الدول عن مواعيد لبلوغ هدف الصفر الإجمالي لانبعاثاتها الكربونية. وقد كانت الإمارات الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي التي أعلنت قبيل قمة المناخ هذا العام في غلاسكو عن سعيها للوصول إلى هذا الهدف بحلول عام 2050، ولحقت بها السعودية بإعلان نيتها تحقيق ذلك مع حلول عام 2060.
لكن هذا الاتجاه يشكل هاجسا بالنسبة لدول تعتمد اقتصاداتها على قطاعات تساهم في الانبعاثات الكربونية وهذا ما يظهر في محاولات هذه الدول التخفيف من الاندفاعة باتجاه استهداف هذه القطاعات تحت عنوان مكافحة التغيير المناخي.
على سبيل المثال، تحاول البرازيل والأرجنتين التخفيف من استهداف قطاع اللحوم، وتحاول أستراليا فرملة الاندفاعة باتجاه شطب الفحم كليا من إنتاج الطاقة. أما السعودية فهاجسها النفط.
ففي مقابل أبحاث كتلك التي نشرت في نايتشر، تظهر رغبة سعودية عبّر عنها وزير الطاقة في المملكة عبد العزيز بن سلمان حين قال إن السعودية تريد استخراج كل نقطة من النفط موجودة داخل أرضها.
كيف إذا تعالج هذه المعضلة؟
إضافة الى مشاريع الطاقة المتجددة والاستثمارات في الهيدروجين الأخضر الذي تأمل المملكة أن يكون له سوق كبير مستقبلا، تعمل السعودية جاهدة لبلورة رؤية خاصة حول الحياد الكربوني بحيث تحفظ لنفسها إمكانية استخدام ما تبقى لديها من نفط في العصر الجديد المنتظر.
لهذا فإن سياستها المناخية تختصر بثلاث كلمات: الاقتصاد الدائري للكربون.
الأساس هنا هو في التقاط وإعادة استخدام وتدوير أو تخزين الكربون، ما يتيح الاستمرار في استخدامه، دون أن تخرج انبعاثاته الى الغلاف الجوي.
غير أن كل هذا ليس هو مصدر التهديد الأساس للنفط. إذ يقول الدكتور أنس الحجي، مستشار التحرير في منصة الطاقة والخبير في أسواق الطاقة، إن كمية الكهرباء المولدة الآن من النفط في كل أنحاء العالم لا تتعدى 5 في المئة من إجمالي الطلب العالمي على النفط، وأنه في موضوع الطاقة المتجددة، مهما كانت السياسات المناخية راديكالية فان التأثير على النفط سيكون محدودا جدا.
إذا ما هو مصدر التأثير؟
مسألة وقت؟
تظهر أمامك في الصورة عينة صغيرة مما قد يوجه الضربة القاضية للنفط. إنها بطارية أيون الليثيوم، التي يعمل عليها هاتفك الذكي أو اللابتوب الذي تظهر على شاشته كلمات هذا المقال.
التكنولوجيا التي تعمل هذه البطارية بموجبها هي نفسها المستخدمة في المركبات الكهربائية، وإن كان حجم وتكلفة البطارية المستخدمة في المركبات أكبر بكثير من تلك التي تشغل أجهزتنا الإلكترونية اليومية.
لكن وفقا لبلومبرغ، فإن كلفة هذه البطاريات تنخفض مع زيادة الإنتاج، إذ تشير المجلة المختصة في عالم الاقتصاد إلى أنه في كل مرة يتضاعف فيها العرض العالمي للبطاريات، تنخفض كلفة إنتاجها بحوالي 18 في المئة.
اللحظة المنتظرة إذا هي تلك التي تصبح فيها المركبات الكهربائية قادرة على المنافسة الفعلية للمركبات التي تعمل بالوقود التقليدي (أي مركبات محرك الاحتراق الداخلي)، من حيث التكلفة والديمومة والمسافة التي يمكنها اجتيازها قبل الحاجة إلى إعادة الشحن.
وإذا خلعت المركبات الكهربائية تلك التقليدية عن عرشها، فإن الأثر على قطاع النفط في العالم قد يكون مدويا. وفقا لبلومبرغ يستهلك قطاع النقل أكثر من نصف النفط في العالم، ويتركز ثلاثة أرباع هذا الاستهلاك في مجال النقل البري.
بالنسبة لبعض المراقبين، فإنها مسألة وقت.
“احذروا العرافين”
يشير تقرير نشره معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة عام 2018 بشيء من السخرية إلى تباري المحللين والخبراء على تحديد تاريخ الذروة النفطية. هل هو في 2025، 2023، 2040؟ لكل من هؤلاء توقعه مرفقا بحسابات وأطر تحليلية وبيانات تكاد لا تنتهي.
بالنسبة إلى معدي التقرير، لا يمكن احتساب التاريخ الذي سيشهد ذروة الطلب على النفط، فهذا التاريخ، وفقا للتقرير، هو ببساطة غير معروف، لأن أي تعديل بسيط بالمدخلات أو الافتراضات الأولية سيؤدي إلى اختلاف كبير في التقديرات والتوقعات.
احذروا العرافين الذين يدعون معرفة من هذا النوع، يقول معدا التقرير.
ثم يضيفان أن هذا التاريخ غير مهم أصلا، لأن ما سيأتي بعد الذروة النفطية لن يكون انهيارا مدويا لقطاع النفط، بل يبدو السيناريو الأكثر ترجيحا هو استمرار الطلب العالمي الكبير على النفط لعقود بعد الوصول إلى الذروة ليكون انحداره تدريجيا.
مفهوم الذروة بين عصرين
تكمن أهمية مفهوم ذروة النفط، وفقا للكاتبيْن، في التغيير الذي طرأ على هذا المفهوم، وما قد يعنيه بالنسبة للسوق العالمية وسلوك المنتجين.
في السابق، كان مفهوم “ذروة النفط” يشير إلى الاعقتاد بأن احتياطات النفط ستنتهي في لحظة ما، وعندئذ سيكون العالم أمام أزمة نقل كبيرة. لكن تقنيات التنقيب الجديدة كشفت أن كمية النفط الموجودة أكبر بكثير مما ظننا، فضلا عن إمكانية استخراج النفط من بين الصخور والرمال ومن أعماق البحار والمحيطات.
ثم بدأ الحديث عن ذروة في الطلب، وليس في العرض أو الإنتاج. وعندها لم تعد الذروة تشير إلى الخشية من أن ينضب النفط، بل إلى فكرة أننا قد تصبح بغير حاجة إليه. هو إذا، يقول التقرير، انتقال من عصر الندرة (المتخيلة) إلى عصر الوفرة، وما قد يفضي إليه ذلك من تبعات كبيرة على السوق.
يشرح التقرير أن السوق لم يكن “طبيعيا” خلال عصر الندرة (أو الندرة المتخيلة). ففي عصر الندرة، كان الاعتقاد السائد هو أن قيمة النفط ستزداد مع الوقت. لهذا امتنع المنتجون منخفضو التكلفة عن إنتاج كل ما في وسعهم إنتاجه حفاظا على مواردهم للمستقبل، وتاليا لم يخرج المنتجون مرتفعو التكلفة من السوق.
في العصر الجديد، سيكون هناك حافز لمن يمكنه إنتاج نفط منخفض التكلفة لاستخدام هذه الميزة لإخراج المنتجين مرتفعي الكلفة من السوق، كما في أي سوق تنافسي.
قد يقول قائل إن المسألة بسيطة إذا: في وضع كهذا، ستنتج كبرى الدول النفطية كالسعودية وروسيا كل ما في وسعها إنتاجه، وسيخرج النفط الصخري الأمريكي وكل نفط مرتفع التكلفة من المعادلة.
لكن الحساب ليس بهذه البساطة، خصوصا بالنسبة إلى دول تعتمد على النفط في عائداتها، وترتبط به معيشة مواطنيها، وهذه حال دول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص.
فاستراتيجية إغراق السوق ستسرع سقوط الأسعار ثم استقرارها على انخفاض، في حين أن هذه الدول بحاجة إلى الإبقاء على الأسعار ضمن حدود معينة، لتفادي حدوث عجز في ميزانياتها قد يضطرها إلى تقليص الخدمات الاجتماعية المقدمة لمواطنيها بشكل قد يمس استقرارها الاجتماعي والسياسي.
خلاصة القول أن السوق ستكون في ظل سيناريو كهذا أكثر تركيزا في أيدي دول كالسعودية وروسيا، بعد خروج المنافسة، لكن هذه الدول ستواجه معضلة الحفاظ على السعر في حدود مناسبة، وستعتمد السياسة التي تتبناها في هذا الصدد على عدة عوامل من بينها سرعة تحول اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط، فضلا عن سلوك الدول الأخرى.
توقعات خائبة
في سبتمبر/أيلول 2020 في لحظة سوريالية وسط وباء كورونا، وحين كانت ذكرى وصول النفط لأسعار سالبة ماثلة في الأذهان، أصدرت بي بي، شركة النفط البريطانية العملاقة التوقع التالي: لحظة الذروة أصبحت وراءنا، لأن الطلب على النفط قد لا يعود يوما إلى ما كان عليه قبل الوباء.
وها هي الآن، قبل شهرين، تتراجع عن ذلك، وتقول إن الطلب العالمي قد تجاوز حاجز 100 مليون برميل يوميا، وهو المستوى الذي شهدناه قبل الوباء.
للتوقعات الخائبة في مجال النفط تاريخ طويل، وهذا أول ما ذكره لي أنس الحجي حين سألته عن موجة التوقعات الجديدة حول ذروة النفط، إذ أشار إلى أنه “تم حفر أول حقل نفط في بنسلفانيا عام 1859، ليأتي أول كلام عن نهاية النفط بعد عام فقط، أي سنة 1860”.
ثم انطلق الحجي في تعداد ما يراه ثغرات في رؤية بعض المتنبئين بأن المركبات الكهربائية توشك على الإطاحة بالمركبات التقليدية.
يقول إن هؤلاء يبالغون في أرقامهم، ويخطئون في حساباتهم، كما يشير إلى أن المعادن التي تدخل في صناعة البطاريات تشهد ارتفاعا في أسعارها، ما يعني أن الانخفاض في تكاليف إنتاج البطاريات ليس مستمرا أو حتميا، ويضيف أن البطاريات هذه مليئة بمواد سامة، ولا توجد بعد طريقة آمنة وسليمة ورخيصة لتدويرها.
وأخيرا، يقول، لا تزال كثير من دول العالم غير قادرة أو مستعدة للاعتماد على المركبات الكهربائية لعدم توفر الكهرباء بشكل كاف حتى للاستخدام العادي، ناهيك عن توفرها لمد قطاع النقل.
لا ينفي الحجي أن يكون للمركبات الكهربائية أثر على الطلب على النفط، لكنه يرى أن هذا الأثر سيكون محصورا بخفض نمو الطلب على الذهب الأسود، وليس بالتسبب بالوصول إلى ذروة هذا الطلب ثم انحداره.
يؤكد: “حسب النماذج الرياضية التي أعمل عليها، سيستمر النمو حتى نهاية فترة الاستشراف (للسوق النفطية) 2050″، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن النمو سيتوقف بعد هذا التاريخ.
تحول الطاقة وتحول الاقتصاد
يبدو مجال النفط مفعما بالمجهول والافتراضات غير الثابتة، وبكل ما يخطر في البال من أنواع الأخطاء في التوقعات والتحليلات. وهو حقل كلما غصنا فيه أكثر، ازداد منسوب ما نجهله عنه.
البعض الآن يتحدث عن ذروة الليثيوم (الذي يدخل في صناعة البطاريات)، مثلا، ليقابل بذلك الكلام عن ذروة النفط.
كذلك، فإننا حتى إذا سلمنا بفرضية ذروة الطلب على النفط، نبقى أمام اختلاف التحليلات والتوقعات بشأن سلوك الدول المنتجة للنفط. يشير الحجي مثلا إلى أنه في زمن انخفاض الطلب (الذي لا يراه ماثلا في الأفق أصلا)، هناك احتمال أن تزداد مجموعة أوبك بلاس تراصا، وأن تعمل جماعيا للحفاظ على أسعار عالية لبرميل النفط.
ثم إن العوامل المؤثرة في النفط تفعل فعلها في أطر زمنية مختلفة؛ بعضها يؤثر ببطء وعلى مدى عقود، كتطور البطاريات، فيما يضرب بعضها الآخر بقوة لكن بشكل آني قد يختفي بسرعة، كالوباء مثلا.
هذه التموجات تشوش الرؤيا. فالعام الماضي وصلت الأسعار إلى ما دون الصفر وبات السؤال هو كيف يمكن التخلص من كل هذا النفط، أما هذا العام، وصل الأمر بالولايات المتحدة إلى اللجوء إلى احتياطها الاستراتيجي، بعد فشلها في إقناع أوبك بلاس بضخ المزيد من النفط في السوق. ثم جاء متحور أوميكرون فأعاد خلط الأورق مرة أخرى.
لكن التغيير الكبير في السوق هو ما يعنينا هنا، فهو الذي قد يحول اقتصادات الخليج، وقد يمس استقرارها السياسي المبني، طوال عقود، على النفط وعائداته.
من الواضح أن السعودية لا ترى نهاية وشيكة وسريعة للنفط، لكنها في الوقت نفسه تعمل على أساس انها بحاجة إلى واردات غير نفطية مستدامة. وهي أيضا بحاجة إلى النفط وعائداته لإنجاز تحولها الكبير هذا، تحت عنوان رؤية 2030. لكن تحولات كهذه – حتى في حال نجاحها- تستغرق الكثير من الوقت؛ والوقت قد يكون جوهر المسألة.
هو سباق إذا بين تحولات الطاقة العالمية، وبين مسعى السعودية لتغيير بنية اقتصادها قبل فوات الأوان.
[ad_2]
Source link