الزواج: ما المشاكل التي تواجه السوريين في المهجر لبناء أسرة؟
[ad_1]
- ندى منزلجي
- بي بي سي نيوز عربي
لا يمكن أن نتوقع أن السوريين الذين وصلوا خلال العقد الأخير إلى أوروبا في أكبر موجة هجرة قسرية عرفها البلد، يعيشون اليوم ظروفا حياتية ونفسية عادية بكل تفاصيلها. قد تختلف الدرجة بالتأكيد، لكن الاستثناء شبه مستحيل، وبالتالي كيف لنا أن نتوقع أن تكون قصصهم في الخطبة والزواج عادية؟
ملايين الأشخاص وجدوا أنفسهم وسط محيط ثقافي وجغرافي وإنساني مغاير تماما لما ألفوه، بينما في العمق لا يزال الكثير منهم أسرى- وربما راغبين ومتمسكين بتصميم- لنفس الأفكار والعادات والممارسات السابقة، وكأنها هوية يخشون فقدانها.
لغط كثير حول موضوع الخطبة والزواج أثير في الآونة الأخيرة في أوساط اللاجئين السوريين الذين أصبحوا فجأة كأنهم كتلة اجتماعية واحدة رغم اختلاف بيئاتهم في الأساس.
شباب حانقون من شروط الأهل، التي يعتبرونها تعجيزية، ويهددون بأنهم سيتركون بنات البلد المتدللات لمصيرهن مع عزوبية أبدية، ويتزوجون أجنبيات لا يرهقنهم بطلبات المهر والشبكة والعرس، لكنهم في نفس الوقت لا يرضون بعلاقة ندية مع زوجة سورية.
وعلى المقلب الآخر، عائلات تعتبر الأمان المادي ضمانا لمستقبل بناتها، وفتيات يعتبرن الرجل ملزما بتلبية كافة الطلبات، وتساهل الفتاة معه يقلل قيمتها في نظره. في المقابل هناك أيضا شابات يبحثن عن توافق ثقافي واجتماعي في شراكة حقيقية حين يحين أوانها، وشباب لا يريدون شراء زوجة، وإنما يرغبون بشريكة، ولا يعرفون كيف يمكن لهم التعرف عليها.
وبين الجميع، هناك وسطاء بأشكال عدة، من الخاطبة التي عادت بحلة جديدة، إلى المواقع والصفحات الخاصة بالزواج على وسائل التواصل، إلى “أهل الخير” الذين يسعون للمساعدة وتعريف الراغبين بالزواج على من يعتقدون أنهم مناسبون لهم.
نحاول هنا فهم هذه الملابسات المتعلقة بالزواج التقليدي، الذي يعرف أيضا بزواج الصالونات، تحديدا بين اللاجئين السوريين، لأن علاقات الحب بالأساس لا تخضع لشرط الظاهرة العامة.
ولنتمكن من تسليط الضوء على كافة جوانب الموضوع تواصلنا مع نماذج من كل الفئات التي ذكرناها سابقا تقريبا. البعض وافق على ذكر اسمه الصريح، والبعض الآخر آثر عدم الكشف عنه.
نظرة عامة
تبدو المغالاة في الشروط والطلبات والتوقعات من قبل الطرفين العائق الأول أمام الباحثين عن نصفهم الآخر، وهو أمر اتفق عليه كل الذين التقيناهم، وقد أكد معظمهم عدم وجود تنازل من الطرفين، الأمر الثاني هو وجود فروقات اجتماعية وثقافية بالأساس، لم تلبث أن برزت على السطح ولم تستطع حالة اللجوء العامة إزالتها كما تصور البعض، وكذلك تغير الأولويات الواضح بين الجنسين.
كما تلعب المناطقية دورا مهما، فمن هو من الريف لا يرغب بالارتباط بفتاة المدينة، والعكس صحيح، وحتى داخل مدينة واحدة كدمشق مثلا، هناك تصنيف “داخل السور، وخارج السور” كناية عن الأصل الدمشقي القديم، أو الإقامة الحديثة نسبيا في العاصمة السورية.
وقد اتفق الجميع تقريبا أيضا على ارتفاع نسبة الفشل والطلاق بين المتزوجين الجدد، خلال فترة قصيرة من الارتباط قد لا تزيد عن سنتين.
دليلي الأول للتعرف على تعقيدات الوضع كانت دينا أبو الحسن، وهي إعلامية سورية مقيمة في برلين، ومؤسسة صفحة “قلبي قلبك” على فيسبوك والمخصصة لمناقشة الآراء وطرح المشاكل والحصول على الدعم والنصيحة بشكل متبادل بين الأعضاء، وقد تفرع عنها صفحة باسم “زواج قلبي قلبك” خاصة بالتعارف بقصد الزواج.
تقول دينا “الحياة في أوروبا لا تسمح بالمهر الغالي وفتح البيت الجاهز. والمفروض أن يتزوج الشاب امرأة ندا ونصيرا له، ولكن إن كان لا يرضى بذلك، فعليه دفع المطلوب”.
وتضيف “الشاب يقول أحيانا لا أريد مطلقة، لكنه يقبل في الأوروبية ما يرفضه في العربية خشية أن يقول له شخص ما أنا كنت على علاقة بزوجتك”.
وتكشف لنا دينا أن الأمور وصلت إلى أن “بعض الشباب أصبحوا يذهبون إلى الريف في أوكرانيا أو صربيا بحثا عن زوجات”.
وعدا عن تعقيدات الارتباط بين شاب موجود في أوروبا وفتاة موجودة في سوريا، وفترة انتظار لم الشمل الطويلة، وعدم إمكانية تعارف كاف بين الطرفين، تقول دينا أيضا “من الممكن أحيانا أن تقبل الفتاة الارتباط بشاب، وتكون متفقة مع شخص آخر في أوروبا، أو لأنها تبحث عن عذر للخروج من سوريا”.
مراقب غير حيادي تماما
ولمعرفة وجهة نظر الشباب من موقع حيادي تقريبا، تواصلت مع كرم، وهو شاب مقيم في لندن منذ عام 2012 وحاصل على ماجستير، يقول “مجرد كوني في الخامسة والثلاثين من عمري ولم أتزوج يبدو غريبا”. وهو على اطلاع على الموضوع عبر مشاهداته وصداقاته رغم أنه لم يدخل “متاهة” البحث عن عروس، لكن لو كان في سوريا قبل الحرب “كان وضعي سيكون مختلفا، وطبيعي أن أكون متزوجا”، كما يقول.
وكما يرى كرم أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الزواج، ما عدا حالات قليلة “خرج عن إطار بناء شراكة حقيقية، وأصبح عبارة عن تحقيق بنود على قائمة شروط من الجهتين”.
كما أن الشاب الذي ليست لديه جنسية أوروبية، يتم رفضه تلقائيا حين يطلب فتاة تملك الجنسية، لأن عائلتها تخشى أن يتركها بعد تجنيسه، والشاب الذي يحمل إقامة لاجئ لا يُقبل أيضا، وهذا يترك الشاب أمام اختيار فتاة من عائلة لاجئة جديدة مثله، أو التوجه إلى الخليج أو تركيا حيث توجد جالية سورية كبيرة، خصوصا أنه منذ عام 2019، بعد أن أصبح جليا أن العودة إلى سوريا غير ممكنة، أصبحت العائلات هناك تتساهل إلى حد ما، كما يقول كرم.
وبحسب كرم فإن “البنت وأهلها يريدون حقوق العربية والأجنبية معا، أما الواجبات فغير موجودة، في حين أن الشاب يريد أن يقيم علاقات ويقوم بمغامرات ثم يتزوج وفق اختيار أمه، أو حسب الشروط التي نشأ عليها، وعبر علاقات واقتراحات عائلية واجتماعية”.
ويخبرني كرم بحالة أصبحت تتكرر أحيانا في الفترة الأخيرة، وهذا ما أكدته مصادر أخرى أيضا، وهي أن بعض العائلات بعد التعارف وطلب الزواج والموافقة، تعمد يوم عقد القران إلى الاتصال بالشاب وطلب لقائه قبل حضور الشيخ بوقت قصير، ليقول والد العروس للشاب إن ما اتفقا عليه، تغير، وإن هناك شروطا جديدة، و”يمكن أن يخرج له قائمة شروط مطبوعة بالكومبيوتر”.
ومن القصص اللافتة التي حصلت مع أحد أصدقاء كرم أن الشاب حين تقدم لفتاة اشترط الأب أن تبقى ابنته من دون عمل لمدة معينة بعد الزواج، وأن تعطيه المساعدات التي تحصل عليها خلال تلك الفترة، والمبرر هو “رحلتها إلى بريطانيا كلفتني الكثير”.
ولكن ماذا عن الاختيار المتبادل بين شخصين يمتلكان الوعي وراغبين بالزواج؟ يجيبني كرم أن هذا يحصل، وقد حدث بالفعل مع بعض أصدقائه، لكنه “محصور ضمن طبقة اجتماعية أقل تقليدية من المتعلمين والمثقفين”.
وعن رأيه بالزواج من أوروبيات أو مسلمات من جنسيات غير عربية، يقول “تجارب الزواج من أوروبيات غير ناجحة بشكل عام، وخصوصا في الجيل الأقدم، مما لا يشجع الشباب على اتخاذ هذه الخطوة. كما أن انطباع الأوروبيات عن الشباب العرب بشكل عام أيضا غير جيد أو مشجع”، ويضيف “هناك نظرة فوقية تجاه الباكستانيين من قبل السوريين وليس العكس”.
شباب نيتهم “ستر” البنات وأهل يحققون معهم
ومن المطلعين عن كثب على أحوال الجالية السورية في بريطانيا لينا أمير براق، وهي ناشطة في المجتمع المدني والجالية السورية ومشرفة على صفحات سورية، ومقيمة في مدينة نوتنغهام منذ نحو 30 عاما.
السبب الأساسي للمشكلة كما تراه لينا، هو أن الشباب الذين وصلوا إلى بريطانيا كانت ظروفهم صعبة جدا ويعانون من الوحدة، وتوقعوا أن العائلات السورية ستحتويهم وتقبل تزويجهم بناتها. في المقابل تعاملت العائلات معهم بحذر، ورفعت سقف الضمانات في غياب أي معرفة سابقة بالشاب أو بأهله، فشعر الشباب بإجحاف وبأنهم يتعرضون لتحقيق.
كما أن أهالي البنات لم يكونوا يعرفون أن ضمان الزوجة في بريطانيا ليس بالمهر، وإنما بتسجيل الزواج رسميا، وبالقانون الذي يضمن لها حقوقها بحالة الانفصال.
كما تلاحظ لينا وجود فروقات بين الجنسين في التعامل مع المتغيرات الجديدة، فكثير من الشباب ظلوا محتفظين بعقلية قديمة، معتبرين أن الشاب حين يتقدم لخطبة فتاة سورية فهو “يستر عليها”، رغم أن وضعه غير مستقر. بالمقابل كثيرات من الصبايا لم يعد الزواج من أولياتهن، وقررن إكمال الدراسة أولا والاستفادة من الفرص الجديدة التي أتيحت لهن.
وتقول كان الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و26 عاما يطلبون فتيات أعمارهن 16 و17 عاما، فيرفض الطلب لأن البنات يتابعن الدراسة.
كما حصلت صدامات بسبب حالة المزج بين أطياف سورية مختلفة في وقت لم تكن فيه مستعدة لذلك، لكن هذه الحدة، خفت مع مرور الزمن، كما بدأ الشباب يتعرفون على البلد بشكل أفضل، وأدركوا أن الرواتب التي حسبوها في البداية بالعملة السورية، واعتبروها ضخمة، بالكاد تكفي هنا، كما تقول لينا.
وترى لينا إن خطبات كثيرة تحصل اليوم، كانت مستبعدة سابقا.
الخوف من عدم الزواج لدى الشابات موجود أيضا، لكنه وفقا للينا أكثر احتمالا بين الشابات اللواتي جئن لدراسة الدكتوراه، ونسبة منهن تزوجن من أجانب أو من مسلمين من جنسيات أخرى، والبعض منهن عبر مواقع التعارف الخاصة بالزواج، كما أن بعض الشباب اقتنعوا بالزواج من فتيات بأعمار مقاربة لهم، أو حتى أكبر بقليل.
ولكن بشكل عام لا تزال التقسيمات واضحة في أوساط الجالية السورية. فجيل المهاجرين القدامى، نشأ أولادهم في ظروف مختلفة، وهم عادة يزوجون بناتهم لشباب ينتمون إلى نفسط الوسط، وفقا للينا.
وفي محاولة لخلق بيئة مناسبة للتعارف، تقول لينا “حاولنا جمع الشباب من الجيل الثاني مع الشباب الجدد وتنظيم نشاطات مشتركة وإيجاد قواسم مشتركة خصوصا عبر منظمة ” SCAN UK، “ذا سيريان تشاريتيز أسوسيشسن أند نيتورك إن ذا يونايتد كيندوم” وهي مظلة تضم عدة جمعيات سورية.
زواج بعد معاناة طويلة
وللاطلاع على جوانب المعاناة من قبل من جربها، تواصلت مع عمر، وهو مهندس عمره 42 عاما ومقيم في مانشيستر.
جاء عمر إلى بريطانيا عام 1999 ودرس في جامعاتها. وبعد التخرج والعمل، بدأ مسيرة البحث عن شريكة المستقبل.
يقول عمر “في ذلك الوقت (عام 2010 )، كان وضع الشاب الذي ليست لديه علاقات مع عائلات، صعبا، ولا تفتح له الأبواب، وكانت العائلات السورية تتوجس من مساعدة الشباب الذين لا تعرفهم، سواء بتزويجهم، أو تقديمهم إلى عائلات الفتيات”، لذلك كان كثيرون يحاولون الزواج من سوريا، رغم الشروط القانونية الصعبة لإحضار الزوجة.
وعلاوة على ذلك كان الوضع المادي عائقا كبيرا، فالعائلات المستقرة هنا أوضاعها المادية جيدة، ولا تزوج بناتها إلا لشباب أوضاعهم مشابهة، كما يقول عمر.
وطوال عدة سنوات حاول عمر دون جدوى العثور على الفتاة المناسبة، ولم تساعده محدودية العلاقات وقلة عدد السوريين.
في الثلاثين من عمره تعرف عن طريق العائلة على شابة سورية مبتعثة إلى بريطانيا، وكانت عائلتها محافظة للغاية، وعندما سافر إلى سوريا ليلتقيها، لم يتح لهما التعارف بشكل جيد، وكان هناك ضغط من الأهل، الذين أرادوا تزويج ابنتهم قبل سفرها.
ويقول بعد الزواج حصلت مشاكل كثيرة، ولم يكن هناك أي انسجام أو توافق، وبعد حوالي سنة ونصف، حصل الطلاق.
وعاد عمر إلى نقطة الصفر. لكنه بعد فترة تعرف عن طريق فيسبوك على فتاة موجودة في سوريا، وقاد الحديث بينهما إلى إعجاب تطور إلى حب، وطلبها للزواج. لكن كانت أمامه مشكلة معقدة أخرى، وهي الأوراق ومعاملة إحضارها، ونتيجة خطأ، حصل تأخر إضافي، واستغرقت العملية أكثر من سنتين.
يقول عمر “لقد عانيت جدا، وأتمنى أن تكون معناة الشباب اليوم أقل، وأن يتم تسهيل التواصل بين الشباب والفتيات عبر جمعيات ولقاءات ضمن إطار اجتماعي، ما يساعد على التعارف وانفتاح العقلية”.
بريطانية ولكن!
قبل مدة قرأت على فيسبوك منشورا لشاب سوري يعيش في ألمانيا، ويقول إنه سيتزوج بريطانية مسلمة ولم يعد مضطرا للبحث عن زوجة سورية، تتدلل هي وأهلها عليه، وترهقه بالطلبات.
تواصلت مع الشاب، الذي أخبرني أنها مطلقة ولديها ولدان. لكن هذا لا يعني شيئا بالنسبة له، فهو يحبها.
بداية لم تكن هناك أي طلبات. وبسبب روادع دينية قرر الشاب عقد قران إسلامي أولا بسبب تعقيدات تسجيل الزواج رسميا. لكن قبل عقد القران أخبرته أنها تريد ضمان حقها بمهر قدره 40 ألف جنيه استرليني، وفي النهاية وبعد مفاوضات تدخلت فيها العواطف، تم الاتفاق على مبلغ 3 آلاف.
أسأله، ألا تعرف البريطانية أن الزواج الرسمي يعني اقتسام الممتلكات إن حصل الانفصال؟ فيجيبني “لكنها تعلم أيضا أنني أعمل، ولدي دخل مقبول، لكن ليس لدي أي ممتلكات”.
لا يزال الشاب يعيش في ألمانيا مؤقتا بانتظار حصوله القريب على الجنسية قبل الانتقال إلى بريطانيا. أما الزوجة فتلاحقه بأعذار مختلفة لطلب مبالغ مالية، رغم أنها تعيش في سكن مجاني عن طريق الدولة ولديها دخل خاص، كما يقول.
تعارف ولقاءات عبر الدول
وللشابات تجارب أخرى. خلود الغانم، سورية مقيمة في شفيلد، وهي زوجة وأم لطفل. لكن لتصل إلى حيث هي اليوم كان عليها قطع عدة حدود، والإقامة لمدة سنة ونصف في ألمانيا.
تقول خلود إنها كانت في سوريا حين تعرفت على زوجها الطبيب المقيم في بريطانيا عن طريق فيسبوك، وسرعان ما أدركت أن الشاب خلوق وجدي، وتطور الأمر إلى حب واتفاق على الزواج.
وبسبب الظروف كان اللقاء الأول في مصر عام 2013 ، و”تأكدت أنه فعلا الشخص الذي أبحث عنه، وكانت بيننا أشياء كثيرة مشتركة، وتمت الخطوبة هناك”.
بعد تقديم الأوراق، جاء الرد بالرفض، وشكل ذلك صدمة كبيرة للإثنين. كما تغيرت الأوضاع، ومنعت مصر السوريين من دخول أراضيها، فقررا الإثنان أن يلتقيا في الأردن حيث تقيم خالة خلود.
حزمت خلود كل أشياءها، وودعت عائلتها، وسافرت إلى الأردن، لكن بعد 14 ساعة على الطريق من دمشق إلى الحدود الأردنية، لم يسمح لها بالدخول.
وتقول خلود “عوملت بفظاظة شديدة، وجروني جرا إلى الباص لأعود إلى الحدود السورية، وكانت الساعة تجاوزت الثانية ليلا، وكان علي أن أبقى في العراء إلى أن تفتح الحدود في الصباح”.
بالنهاية خرجت خلود إلى ألمانيا بتأشيرة دخول دراسية، بعد أن حصلت على قبول في إحدى الجامعات، وهناك تقول “عقدنا قراننا لدى شيخ بانتظار إكمال إجراءات الزواج الرسمي والاوراق الصعبة جدا. وبقيت في ألمانيا سنة ونصف ودرست خلالها، وحصلت على ماجستير”.
أريد أن أتعلم وأستقل ماديا
فيان كل حسين، شابة كردية سورية من مدينة عفرين عمرها 22 عاما، وتعيش مع عائلتها في مدينة ليفربول، وتدرس التصميم الداخلي، وتستعد لدخول الجامعة العام المقبل.
الزواج ليس أولوية بالنسبة لفيان كما تقول، وتضيف أنها طُلبت للزواج مثل أية فتاة بعمرها، لكنها “لا يمكن أن توافق على شخص ليس لديه هدف ولا يدرس، ولا يعمل، أو لديه عمل لا يصنع مستقبلا”، وأهلها يوافقونها الرأي ولا يتدخلون في قراراتها.
وتؤكد فيان أنها تريد أن تتعرف على الشاب الذي سترتبط به في المستقبل، وأن يكون قرارهما مشتركا، ومن دون تدخل الآخرين، والشاب المناسب برأيها “يجب أن يكون متعلما ومثقفا ومندمجا ضمن المجتمع الأوروبي، وهذا لا يعني أنه متخل تماما عن جذوره وأصله”.
وتقول إن عددا من صديقاتها تزوجن، وتطلقن، والسبب هو الأهل، لأن الزواج حصل من دون تعارف حقيقي.
وهي ترى أن طلب أهل الفتاة مهرا “يصل إلى 10 آلاف أو 15 ألف جنيه استرليني، نتائجه سيئة، وقد يولد لدى الشاب رد فعل عكسي ويضعه تحت ضغوط مادية، ويجعله لا يعامل البنت كشريك حقيقي، والعلاقة لا تكون مبنية على فكرة التفاهم والحب”.
وتقول إن بعض الشباب حين يتم رفضهم، “يسخرون من البنات، ويقولون إنهن أصبحن فجأة عاشقات للعلم”.
وبحسب فيان، فإن نسبة قليلة من الأكراد يتزوجون من خارج مجتمعهم، كما تخبرني بأن الشروط التي تضعها عائلات البنات في الأوساط الكردية تصل إلى اختيار المغني الذي سيحي حفلة العرس.
أما السن المناسب للزواج برأيها فهو حين تكون الفتاة واعية ومتعلمة ومستقلة ماديا، وهذا يختلف حسب التجربة والوعي الشخصي.
نصائح الخالة
تواصلت أيضا مع الخالة أم ياسر كما يدعوها الجميع، وهي مقيمة في شفيلد منذ سنوات طويلة، ولا تبخل في مساعدة الشباب والفتيات في العثور على من يناسبهم، ولوجه الله، ولكنها لا تتدخل في التفاصيل ولا تقدم ضمانات، كما تقول.
تخبرني الخالة أم ياسر أن متوسط المهر في بريطانيا هو 5000 جنيه استرليني، لكن الأهم في نظرها هو أن يكون الشاب حسن الخلق، فهذا هو الضمان الأهم، والمرأة حين تعيش مع رجل لا يُحتمل، تضطر في النهاية إلى خلعه والتنازل عن كافة حقوقها، بل وقد تضطر أحيانا إلى أن تدفع له مبلغا ماليا ليطلقها.
ونصيحتها الأخرى، هي توخي الحذر من الطرفين عندما يتم التعارف عن طريق وسائل التواصل، بعد أن حصلت قصص خداع كثيرة، كما تقول إن بعض الشباب مثلا يطلبون عدة فتيات للخطبة في مدن مختلفة في الوقت نفسه، لذلك تؤكد على ضرورة التقصي جيدا قبل الموافقة على الزواج.
وتخبرني الخالة أم ياسر أيضا عن تجارة جديدة تنتعش من تزويج الراغبين، ومن ضمنها الخاطبات. وتتقاضى الخاطبة من 25 إلى 50 جنيها استرلينيا لكي تبدأ بالبحث عن المواصفات المطلوبة، وإذا تمت الخطبة قد يصل ما تطلبه إلى 500 جنيه.
عدا عن مجموعات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي تتقاضى اشتراكا سنويا، وتشترط دفع 500 جنيه قبل عقد القران بيوم، كما تقول.
نجاح وفشل
اخبرتني خلود بقصة صديقة لها تعرفت على شخص عن طريق النت، قال إنه طبيب، ويعيش في بريطانيا، وتزوجا في بيروت. لكنها حين لحقت به إلى بريطانيا اكتشفت أنه ليس طبيبا كما ادعى، وأنه يعيش في بيت يؤجر بقية غرفه لفتيات، ويتركها في البيت ويخرج للسهر، إضافة إلى التعنيف الجسدي واللفظي. بالنهاية تركته وعادت إلى سوريا، وهناك أجهضت حملها لأنها لا تريد ما يربطها به.
سمير كردي الأصل من مدينة حلب، كان يعيش في مدينة كولن في ألمانيا وعمره 30 عاما، حاول أن يتزوج هناك بالطريقة التقليدية، وفي كل مرة كان الأهل يطلبون مهرا كبيرا وعرسا فخما.
وهو يقول “كنت لاجئا أدرس ولدي عمل بسيط، وهذه الطلبات خيالية بالنسبة لي”. في النهاية تعرف على شابة فرنسية، وأحبا بعضهما، وتزوجا. وهو الآن يعيش مع زوجته في مدينة روان حيث يعمل مهندس صيانة في إحدى الشركات.
السؤال المستحق
ولتوضيح أسباب هذه الظاهرة وأسباب تمسك السوريين بأساليب وممارسات في الزواج غير ملائمة للظروف الجديدة، تواصلت مع الاستشارية النفسية والاجتماعية روعة السمان المقيمة في برلين.
تقول روعة إن الانتقال إلى مكان جديد والاقتلاع من الجذور يفرض عملية تغيير وتكيف، وتعود درجة ذلك إلى مرونة الشخص. هناك أشخاص لديهم قدرة على غربلة العادات والتقاليد والاحتفاظ بما هو مناسب منها فقط. وهناك أشخاص عندهم خوف من المجهول، ومن الذوبان في ثقافة أخرى. وعندما يتغربون يصبحون أكثر تشبثا بعاداتهم، وبدينهم أيضا، رغم أنهم قد لا يكونون ملتزمين في مجتمعاتهم الأصلية.
وهذا يمكن إسقاطه على العادات المتعلقة بالزواج، والطلبات التعجيزية من قبل الفتيات وأهاليهن، والتي يعود جزء منها إلى اعتبار الشرط المادي نوعا من التعويض والأمان بالنسبة لأشخاص خسروا كل شيء في بلدهم، كما تقول روعة.
وتشير روعة إلى وجود نموذجين رئيسيين بما يتعلق بالزواج. الأول يكون بحاجة إلى ماسة للاستقرار، وإعادة بناء عائلة نظرا لافتقاده الشديد لعائلته التي ابتعد عنها. هذا بالنسبة للعامل الداخلي وهو قوي وملح، أما العامل الخارجي فهو ضغط الأهل الذين يريدونه أن يتزوج ويستقر، لكي يطمئنوا عليه.
أما النموذج الثاني فهو الشخص الذي مر بتجربة صعبة، لكنه تأقلم، ولم يعد البعد عن أهله مضنيا، وهو رغم رغبته بتكوين عائلة، يتعامل مع الموضوع بتمهل، ولا مانع لديه من انتظار الشريك المناسب في الوقت المناسب.
كما تقول روعة إنها لاحظت فرقا بين الجنسين في التكيف مع المعطيات الجديدة، وإن الفتيات بشكل عام في بلاد اللجوء اتجهن إلى التركيز على بناء أنفسهن والدراسة وإيجاد عمل، خصوصا في حالة غياب دعم الأسرة، في حين ما زال جزء كبير من الشباب يعتقد أن مسؤوليته تقتصر على العمل خارج البيت وتأمين الدخل، وهو حتى حين يعتمد على نفسه في المنزل يكون مجبورا، ويطمح إلى أن تأتي زوجة، وتحمل عنه هذا العبء.
ومرد ذلك كما ترى الأخصائية النفسية هو أن الأنثى بطبيعتها أكثر مرونة وقدرة على البوح بمشاعرها. بينما يصعب هذا على الشاب، الذي قد يتجه إلى الإدمان، وربما الانتحار، ولا يلجأ إلى العلاج النفسي.
الضغط المجتمعي
سألت روعة عن سبب تمسك بعض الفتيات بشروط صعبة وطلبات لا منطقية للموافقة على الزواج؟ فكان ردها “توجد في ثقافتنا فكرة أن الشاب عليه أن يبذل جهدا ليحصل على الفتاة، وأيضا بشكل عام عندما يتزوج من أجنبية يحترمها، لكنه لا يتعامل بنفس الشكل مع بنت شرقية لا تترفع عليه”.
وتضيف أن هذا يضاف إليه الضغط المجتمعي الذي تواجهه الفتاة إذا قبلت بمهر بسيط أو رمزي، وماذا ستقول لأقربائها؟ بعض الفتيات ليست لديهن جرأة رفض هذه الفكرة، والخوف من مواجهة المجتمع الذي هن جزء منه حتى وإن كن في أوروبا فالتواصل مستمر، والجميع محاط بضغوطات.
وبما أن كثيرين من الأزواج الجدد يعانون من مشاكل، سألت روعة إذا كانوا يطلبون مشورتها النفسية. تقول “تأتيني زوجات فقط للأسف، فالرجل عموما غير منفتح لطلب المساعدة، ويعتبر أن المرأة هي التي يجب أن تبذل جهدا وترضيه”.
لكن روعة مع هذا واثقة من أن التغيير في مفهوم الزواج سيحدث عاجلا أم آجلا، “لأن التشبث بما هو غير ملائم من عاداتنا، سيزيد من حجم التحديات التي فرضتها البيئة الجديدة، وهذا يعني المزيد من المعاناة، وهذا بالتحديد سيدفعنا لتعلم سلوك جديد”.
وتقول روعة “نحن الآن تحت الصفر، في طور فصل أنفسنا عما هو غير صالح أو مفيد في الموروث”.
وتضيف أنه مع مرور الزمن ستتأثر قرارات الارتباط واختيار الشكل المناسب منه. وسيتغير الناس ويدركون أن القانون هو الذي يحمي حقوق المرأة.
[ad_2]
Source link