الأمهات العزباوات: نساء”خارقات للعادة” تحدَّين ظلم المجتمع وغَلَبَهن إيثار الأبناء
[ad_1]
- سلمى عمارة
- بي بي سي نيوز عربي
يقول المثل الإفريقي إن تربية طفل “تتطلب قرية بأكملها”، غير أن واقع ملايين الأمهات العزباوات حول العالم ينطق بما يخالف ذلك؛ إذ تشير تقديرات مؤسسة غالوب العالمية للتحليلات إلى أن أكثر من 13 في المئة من نساء العالم بين عمر 18 و 60 عاما، يضطلعن بمسؤوليات تربية وإعالة أبنائهن دون شريك.
وهو الأمر الذي يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بأمراض نفسية، من بينها الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم، بحسب مسح أجراه المركز الوطني للإحصاءات الصحية في الولايات المتحدة، ودراسة نشرتها مجلة Affective Disorders المعنية بالاضطرابات النفسية.
ومع ارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة الأمهات العزباوات، ضمن الفئة العمرية نفسها، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لما يتجاوز 15 في المئة من النساء، فما طبيعة التحديات التي تواجهها تلك الفئة من النساء؟
ضغوط كثيرة ولا معين
تلمع عينا التونسية ربيعة بن أحمد (47 عاما) كلما أتتْ على ذكر طفليها، رغم ما وشت به تفاصيل البيت، الذي تقطنه في العاصمة التونسية، حول وعورة الطريق التي قطعتها لتصل بهما إلى برِّ الأمان.
وتلخِّص ربيعة، التي تعمل بائعة بأحد المحال التجارية، معاناتها بالقول إنها اضطُرت لاصطحاب طفليها معها إلى العمل، لسنوات، قبل أن يبلغا مرحلة التعليم الثانوي، وإن أكثر ما أثقل على نفسها هو شعورها المتكرر بأن طفليها “يحتاجان إلى الكثير مما لا تستطيع توفيره بسبب ضيق ذات اليد”، فكل “ما راكمته على مدى سنين من إرهاق ومعاناة يذوب تماما حين ترى الابتسامة تعلو وجهيهما”.
وتضيف أن المعاناة كانت تتفاقم خلال فصل الشتاء؛ “فبيتنا متواضع وتفيض علينا الماء في الشتاء”، كما تعبر عن شعورها بالوحدة في خضم تلك الضغوط النفسية بالقول إن الظروف الاقتصادية الصعبة غيّبت عنها دعم محيطها الاجتماعي، “فكل واحد لاهي بداره ومعاناته وماتلقاش اللي يعاونك.. كما أن الجيران ينتقدونني لأني مطلّقة”.
تأنيث الفقر
لم تسترسل ربيعة كثيرا في الحديث عن الوصمة الاجتماعية التي لحقت بها إثر الطلاق؛ إذ بدا العبء الاقتصادي لإعالة طفليها التحدي الأكبر المهيمن على تفكيرها، ولعلنا نجد في ما تشير إليه أرقام المعهد الوطني للإحصاء حول أعداد المطلقات التي بلغت قرابة 385 ألفا، وأعداد الأرامل التي تجاوزت 219 ألفا في تونس، تفسيرا لذلك؛ فالنساء التونسيات يمثلن نصف سكان البلاد، إذ يتجاوز عددهن 5 ملايين امرأة، يساهمن بنسبة 68 في المئة من الدخل القومي الخام، ويُأمِّن نحو 90 في المئة من إنتاج الخضر والغلال، وهو ما يجعل من تونس إحدى الدول التي تعاني مما بات يُعرف بتأنيث الفقر، والتي تسهم فيها زيادة أعداد الأسر التي تعولها النساء بشكل مباشر.
كملايين غيرها، حرمت صعوبة الظروف الاقتصادية ربيعة من اللجوء لطبيب نفسي حينما شعرت بشبح الاكتئاب يثقل كاهلها، لكنها لم تعدم الوعي بأهمية الصحة النفسية، فهي تنصح الأمهات اللواتي يربين أبناءهن بمفردهن بألا يتركن أنفسهن نهباً للإجهاد اليومي والضغوط النفسية وأن يلجأن لمختص نفسي، إذا كانت ظروفهن المادية تسمح بذلك، محذرةَ إياهن من أن “المشاكل النفسية تحطّم العبد”.
امرأة قوية “غير مستقلة”
استهلّت الكاتبة المصرية، عزة سلطان، حديثها عن معاناتها، بوصفها أمَّا لطفل هو محور حياتها، بالتأكيد على أنها اختارت الطلاق عن وعي بطبيعة التحديات التي تنتظرها على طريق الاضطلاع بمسؤولية إعالة وتربية طفلها، غير أنها تقرّ بأن كُلفة اختيارها تجاوزت ما لجأت إليه من حيل دفاعية للتعامل مع القلق والاكتئاب واضطراب النوم.
وتوضح عزة أن الأعباء المادية لإعالة ابنها وتعليمه منعتها من التردد على طبيب نفسي؛ “فكُلفة العلاج النفسي باهظة جدا وأنا أرى أن عبء تعليم ولدي وتكوينه أكثر استحقاقا لكل جنيه أكسبه”.
وتلخّص عزة ما أسمته ب”الحيل الدفاعية للتغلب على القلق والاكتئاب” بالقول إنها كانت تلجأ أحيانا للمبالغة في تنظيف المنزل أو لخبز الحلوى؛ في مسعى للتشاغل عن تيار القلق والأفكار الذي يجتاح عقلها، غير أن الأرق ظلّ التحدي الأكبر ضمن ما تعانيه من ضغوط نفسية.
وتضيف أن التزامها بمنح الأولوية لحياة ابنها ومستقبله التعليمي أخذ القدر الأكبر من شعورها بالاستقلالية؛ فهي “لا تمتلك الوقت الكافي لتحظى بحياة اجتماعية غنية، أو لتنخرط في ما ترغب من فعاليات أدبية وفنية”؛ إذ كان عليها أن تتحمل عبء اصطحاب طفلها معها إلى العمل حتى بلغ الثانية عشرة من عمره، كما أن “أول مرة اختبرت متعة الخروج بمفردها للسمر مع أصدقائها كانت حينما بلغ ابنها تلك السن”.
إذا كانت غالبية النساء في العالم العربي يعانين من التهميش والتمييز ووصاية المجتمع الأبوي عليهن، فإن الأمهات العزباوات يختبرن أشكالا أكبر من الوصاية المجتمعية، ويتعرضن للوم والانتقاد بسبب طريقة تربيتهن لأبنائهن.
وتشير عزة سلطان إلى أن تعرضها للوم والانتقاد، والحاجة المستمرة للدفاع عن نفسها وتقديم تبريرات للقاصي والداني حول طريقة تربيتها لطفلها، فاقم بشكل كبير من معاناتها النفسية، فهي “مضطرة طيلة الوقت للدفاع عن نفسها إزاء اتهامات المقربين والأصدقاء لها بأنها أمّ مقصّرة أو مبالِغة في إسباغ الحماية على ولدها”، ما أثار لديها خوفا مضاعفا ليس فقط من وصمها بالإهمال وإنما من وصم ولدها بأنه “ابن أمه”، وهي تهمة جاهزة غالبا ما تواجهها الأمهات اللواتي يربين أبناءهن بمفردهن في المجتمعات العربية.
وفي معرض ردِّها على سؤال حول ما إذا كانت قد فضّلت تكريس حياتها لولدها عن الزواج مرة ثانية، تقول عزّة إن “الفقر الاجتماعي الذي فرضته عليها كثرة الأعباء والمسؤوليات أضعف فرصها في الالتقاء بشخص مناسب للزواج” وتوضح أنها تشعر وكأنها باتت “تفتقر اللياقة اللازمة للاستمتاع بالحياة والانخراط في المناسبات الاجتماعية، حتى بعدما شب الولد عن الطوق؛ إذ اعتادت على أن حياتها وأحلامها مؤجَّلة إلى حين غير مسمى”.
“محارب لا يضع سلاحه”
تشبّه الطبيبة والمعالجة النفسية، د.سحر طلعت، الأمهات العزباوات بأنهن يعشن “كالمحارب الذي لا يمتلك إلا أن يرفع سلاحه طيلة الوقت”، فالضغوط النفسية والتعرض للانتقاد والاضطلاع بما يفوق قدرتهن على التحمل من مسؤوليات تجعل منهن “كائنات قلقة تفتقر للرعاية الذاتية والدعم اللازم”.
وتلفت د.سحر إلى أن الأمهات العزباوات في المجتمعات العربية يجدن أنفسهن مضطرات “لتغييب الجانب الأنثوي فيهن” ليس فقط بسبب ما يهددهن من وصم اجتماعي إثر الطلاق، وما يعقبه في كثير من الأحيان “من مشكلات عالقة مع الأب وعائلته أو أزمات تتعلق بغياب حقوق الولاية على الأبناء بسبب المنظومة القانونية والثقافية السائدة في المجتمعات العربية”، وإنما أيضاً لأن “الخوف من الفشل في تربية الأبناء وتقويم سلوكهم في غياب الأب يجبرهن على انتحال قدر، قد لا تتسم به شخصياتهن، من القوة والصلابة” .
وتتابع: “الوقوع في فخ التظاهر بأنهن أمهات (سوبر) أو خارقات للعادة يؤدي إلى فقدان التوازن النفسي، فكل إنسان يحمل طاقة أنثوية وذكورية إن جاز التعبير؛ والجانب العاطفي بداخلنا يستحق أن يُشبَع بنفس القدر الذي يستحق به الجانب العقلاني أن يتحقق ويُشبع”.
وتنصح د.سحر الأمهات العازبات بتخصيص وقت يومي للرعاية الذاتية، والتوقف عن التظاهر بالقوة وقمع حاجاتهن النفسية والعاطفية في سبيل تلبية احتياجات الأبناء؛ إذ أن “التضحية باحتياجاتهن الإنسانية المشروعة، وإيثار أبنائهن على أنفسهن لا يمكن أن يعود بالنفع لا عليهن ولا على الأبناء، ومن الطبيعي أن يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية”.
[ad_2]
Source link