الفأس السوداء: أسرار “الطائفة” العنيفة التي غدت عصابة مافيا عالمية
[ad_1]
- عين أفريقيا
- بي بي سي العالمية
كشف تحقيق أجرته بي بي سي على مدار سنتين عن جماعة “الفأس السوداء” – وهي جمعية طلابية نيجيرية تطوّرت لتصبح عصابة مافيا مخيفة – عن أدلة جديدة تشير إلى اختراقها للحياة السياسية وإلى ضلوعها في جرائم قتل واحتيال تشمل العالم بأسره.
تحذير: المقال يحتوي على روايات مفصلة تتسم العنف
في لحظات السكينة، بعد انتهاء محاضرات اليوم، تعود ذكريات الماضي لتقض مضجع الدكتور جون ستون. ليس منظر الدماء ودوي إطلاق النار ما يؤرقه، بل التوسّل: أي الطريقة التي يتوسل بها الناس إلى الرب طالبين الرحمة قبل أن يموتوا.
يقول، وهو يهز رأسه مرتعدا، “إنه أمر مؤلم جدا. أسر الموتى تلعنك. ستكون ملعونا ما حييت.” .
يدرّس د. ستون العلوم السياسية في جامعة بينين جنوبي نيجيريا. ولكنه كان، ولعقود عدة، عضوا بارزا في جماعة الفأس السوداء – وهي عصابة نيجيرية على غرار عصابات المافيا ضالعة في جرائم تهريب البشر والاحتيال عبر الإنترنت والقتل. يشار إلى “الفأس السوداء” محليا في نيجيريا على أنها “طائفة”، وذلك نظرا لطقوس الانضمام السرية التي تعتمدها والولاء الاستثنائي الذي يتميز به أعضاؤها. كما نالت الجماعة شهرة نظرا لاستخدامها العنف المفرط. فصور أولئك الذين يتصدون لها أو يقفون في وجهها، وهي صور لجثث مشوهة أو تبدو عليها علامات التعذيب، تنشر بشكل دوري في مواقع التواصل الاجتماعي النيجيرية.
يقرّ د. ستون بالمشاركة في ارتكاب فظائع في السنوات التي قضاها مع الفؤوس. وأثناء اللقاء الذي أجريناه معه، شكّل يده على شكل مسدس ودسّها في جبهة منتجنا. كان د. ستون يعرف في مدينة بينين بأنه “جزّار”.
شوّه العنف الذي اتسمت به تلك السنوات حياته د. ستون، واليوم يشعر بالندم لما اقترفه وأصبح منتقدا لاذعا للعصابة التي خدمها في الماضي. وهو واحد من 12 من طائفة الفأس السوداء قرروا كسر قسم الولاء الذي أدوه للجماعة وكشف أسرارهم لبي بي سي في أول اتصال لهم مع الاعلام العالمي.
اثناء تحقيقنا في موضوع الفأس السوداء جرى كشف آلاف الوثائق السريّة التي سرّبت من اتصالات العصابة الخاصة. وتشير هذه الأدلة إلى أن الفأس السوداء اصبحت في العقد الأخير واحدة من أخطر عصابات الجريمة المنظمة وأكثرها انتشارا في العالم. فهناك “رجال فؤوس” يقيمون بيننا في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية. وقد تجد رسالة ألكترونية بعثوا بها في صندوق بريدك. .
بدأ تحقيقنا بتهديد بالقتل ورد في رسالة مكتوبة بخط اليد أرسلت إلى صحفي في بي بي سي في عام 2018 بواسطة رجل كان يستقل دراجة نارية قام بالصاقها على الزجاجة الأمامية لسيارة الصحفي. وكان هذا الصحفي قد حقق قبل ذلك بأسابيع في تجارة المواد الأفيونية غير الشرعية في نيجيريا والتقى في سياق تحقيقاته مع عدد من أعضاء الفأس السوداء وجها لوجه. وسلمّت رسالة ثانية مماثلة إلى أسرة الصحفي في وقت لاحق. كان أحدهم يتتبعه وتوصل إلى عنوان مسكنه.
هل كانت الفأس السوداء هي مصدر التهديد؟ كم تبلغ قوة هذه الشبكة الإجرامية، ومن الذي يقف ورائها؟
أوصلنا البحث عن أجوبة لهذه التساؤلات إلى رجل ادعى بأنه تمكن من اختراق وقرصنة عشرات الآلاف من وثائق الفأس السوداء السرية مصدرها المئات من أعضائها. وتشمل الوثائق، التي يعود تاريخها الى الفترة من 2009 إلى 2019، مراسلات تتعلق بجرائم القتل وتهريب المخدرات. وتشرح الرسائل الإلكترونية بالتفصيل عمليات احتيال عبر الانترنت تتسم بالإتقان والربحية المرتفعة. كما تتطرق بعض الرسائل إلى توسع الجماعة عالميا. كانت هذه الوثائق عبارة عن فسيفساء لنشاطات الفأس السوداء الإجرامية التي تمتد عبر أربع قارات. .
يدّعي مصدر الاختراق والقرصنة بأن الفأس السوداء تريد قتله. ولذلك رفض البوح باسمه الحقيقي، واستخدم اسم “أوشي توبياس” عوضا عن ذلك.
جاء في احدى رسائل التهديد التي استلمها عبر الانترنت ما يأتي: “أنت قيد المطاردة. والفأس سوف تخترق جمجمتك… سألعق دمك وأمضغ عينيك.”
قضت بي بي سي عدة شهور في تحليل الوثائق التي حصل عليها توبياس. وتمكنا من التحقق من أجزاء رئيسية من المعلومات المتعلقة بهويات الأشخاص المذكورة أسماؤهم وعدد من الجرائم المذكورة في الوثائق. كان الكثير مما احتوته الوثائق المسربة مروعا جدا ولا يمكن نشره. كان “رجال الفؤوس” يستخدمون منتديات سرية ومواقع إلكترونية لا يمكن الوصول إليها دون استخدام كلمات سر لتبادل صور جرائم القتل. وفي احدى المداخلات التي حملت عنوان “ضربة”، ظهرت صورة رجل ملقى على الأرض وفي رأسه أربعة جروح بليغة. وكان قميصه مخضبا بدمه وكان على ظهره أثر حذاء أحمر اللون.
تخوض “الفأس السوداء” صراعا من أجل السيادة والهيمنة مع العديد من “الطوائف” المنافسه لها داخل نيجيريا – وهي عصابات اجرامية تحمل اسماء مثل “الآي” و”القراصنة” و”المافيويين”. وتظهر مكتوبة باللغة الانجليزية المبسطة المستخدمة في غرب أفريقيا كيف يقوم رجال الفؤوس بتوثيق جرائم القتل التي يرتكبونها بحق أفراد العصابات المنافسة ويسجلون أعداد هذه الجرائم كما تسجل نتائج مباريات كرة القدم.
جاء في احدى المراسلات “النتيجة الآن 15-2 الحرب في بينين”، بينما جاء في رسالة أخرى “ضربة في ولاية أنامبرا. النتيجة رجال الفؤوس 4 والقراصنة 2”.
لكن مصدر الدخل الرئيسي للعصابة يتمثل في الاحتيال الإلكتروني وليس القتل. وتشمل الوثائق التي اطلعت عليها بي بي سي فواتير وتحويلات مصرفية وآلاف الرسائل الألكترونية التي تبيّن تعاون أعضاء الفأس السوداء في ما بينهم في عمليات احتيال عبر الانترنت حول العالم. ويتبادل أعضاء العصابة نماذج لكيفية القيام بعمليات الاحتيال هذه.
وتشمل الخيارات عمليات احتيال تستغل العلاقات العاطفية وأخرى تتعلق بالإرث والأملاك والأعمال التجارية يفتح من أجلها المجرمون حسابات بريدية تبدو وكأنها تعود إلى محامي أو محاسبي الضحايا من أجل اعتراض المدفوعات المالية والاستحواذ عليها. .
ليست عمليات الاحتيال هذه محدودة النطاق يقوم بها شخص واحد باستخدام حاسوب لابتوب، بل هي عمليات منظمة وتعاونية ومربحة للغاية يشارك في بعضها عشرات العناصر يعملون بالتنسيق عبر عدة قارات.
واكتشفت بي بي سي ضمن الرسائل المسربة قضية رجل في ولاية كاليفورنيا الأمريكية استهدفته شبكة تعود لمن يشتبه بأنهم من رجال الفؤوس في عام 2010 من نيجيريا وإيطاليا. وقال الرجل إنه خسر 3 ملايين دولارا في عملية الاحتيال تلك.
“وجاء في رسالة بعث بها الضحية إلى أحد المحتالين لحظة اكتشافه بأن أمواله قد اختفت، “المصرف الذي اتعامل معه لا يبدو له وجود؟؟؟” الجواب: “هل أستطيع أن أكون أكثر وضوحا؟؟ يبدو أن المصرف السويسري مزور.”
وتظهر الرسائل الإلكترونية أن افراد الفأس السوداء يستخدمون أسماء من جوازات سفر مسروقة أو مزورة في عمليات الاحتيال التي يقومون بها. ويشيرون إلى ضحاياهم بالـ “موغو” أو الـ “مايي” – وهي عبارات نيجيرية دارجة تعني “الحمقى”.
من المحتمل جدا أن تكون شبكة الجريمة السيبرانية التي تقودها الفأس السوداء تعود بأرباح تقدر بمليارات الدولارات لأفراد العصابة. ففي عام 2017، أعلنت السلطات الكندية أنها فككت مخططا لتبييض الأموال يعود للعصابة تتجاوز قيمته 5 مليارات دولار. ولا يعلم أحد عدد المخططات المشابهة التي تشرف عليها الفأس السوداء والتي ما زالت ناشطة إلى اليوم. وتبيّن الوثائق المسرّبة الاتصالات التي يقوم بها أفراد العصابة بين نيجيريا وبريطانيا وماليزيا ودول الخليج و12 دولة أخرى.
قال لنا مصدر التسريبات إن الأمر “منتشر في كل أرجاء العالم”. ويقول إنه يعمل محققا في قضايا الاحتيال والتزوير وبدأ في تعقب الفأس السوداء بعد تعرفه على عدد من ضحاياها.
ويقول، “حسب تقديري، يتجاوز عدد أفراد العصابة الـ 30 ألفا”.
ومما لا شك فيه أن توسع الفأس السوداء عالميا تم بموجب خطة وضعت بعناية فائقة. فالمراسلات تظهر أن رجال الفؤوس يقسمون المناطق الجغرافية إلى “قواطع” ويعينون رؤساء محليين لكل منها. ويقوم رؤساء القواطع هؤلاء بجمع رسوم من العاملين في المناطق التي تقع تحت إمرتهم – أشبه ما تكون ببدلات الإشتراك – قبل إرسالها إلى زعماء العصابة في معقلهم في مدينة بينين النيجيرية.
“قال لنا توبياس مصدر التسريبات “إن الأمر منتشر في كل أرجاء العالم”. ويقول إنه يعمل محققا في قضايا الاحتيال والتزوير وبدأ في تعقب الفأس السوداء بعد تعرفه على عدد من ضحاياها.
ويقول، “حسب تقديري، يتجاوز عدد أفراد العصابة الـ 30 ألف”.
وتتخذ الولايات المتحدة نهجا أكثر حزما في التعامل مع الفأس السوداء. فقد شن مكتب التحقيقات الفيدرالي عمليات تستهدف العصابة في تشرين الثاني / نوفمبر 2019 وأيلول / سبتمبر 2021 مما أسفر عن توجيه تهم إلى 35 من أفرادها بارتكاب جرائم احتيال إلكتروني تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات. وشنت الاستخبارات السرية الأمريكية بالتعاون مع الشرطة الدولية الإنتربول بين شهري أيلول / سبتمبر وكانون الأول / ديسمبر من هذه السنة عملية على نطاق دولي من أجل اعتقال 9 آخرين من أعضاء الفأس السوداء في جنوب أفريقيا.
ويقول سكوت آوغنباوم، وهو من الموظفين السابقين لدى مكتب التحقيقات الإاتحادي وخبير في الأمن السيبراني، “إن الجريمة السيبرانية صناعة تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، وهي خارج نطاق السيطرة.”
ويقول إنه تعامل مع المئات من ضحايا الفأس السوداء في فترة السنوات الـ 30 التي عمل فيها في قسم الجرائم السيبرانية التابع لمكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي، والتي كان يحقق خلالها في قضايا تزوير واحتيال مشابهة لتلك التي كشفت عنها الوثائق المسرّبة.
وقال، “رأيت أرواحا تدمر وشركات تعلن إفلاسها وضياع كل ما ادخره الناس طيلة أعمارهم. هذه الجرائم تؤثر على الجميع.”
رغم امتداداتها الدولية، فإن جذور عصابة الفأس السوداء غارزة بقوة في نيجيريا. وكانت العصابة قد تأسست قبل 40 عاما في مدينة بينين في ولاية إيدو النيجيرية.
وينحدر معظم رجال الفؤوس من هذه المنطقة، وقد يكون لهذا الإنتماء دور في توسع العصابة على الصعيد العالمي. فحسب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ينتمي 70 في المئة من النيجيريين الذين يهاجرون إلى الخارج إلى ولاية إيدو. وتقول التقارير إن الفأس السوداء تلعب دورا محوريا في تهريب المهاجرين غير الشرعيين إذ تنقلهم من قواعدها في مدينة بينين إلى الشمال الأفريقي وجنوبي إيطاليا.
ويعدّ خريجو الجامعات الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 16 والـ 23 الشريحة الأهم التي يستهدفها مُجَنِدو العصابة. وتشتهر طقوس التعميد السرية التي تتبعها الفأس السوداء (والمعروفة بالـ “بامينغ”) بوحشيتها الاستثنائية.
جاء في مداخلة نشرها أحد افراد العصابة في منتدى سري في عام 2016، ووصف فيها ما مر به، “لم أعرف بأني سأتعرض للبامنغ ذلك اليوم”. ويقول إنه أقتيد من كليته معتقدا أنه سيحضر حفلا خاصا. ويشرح كيف أخذ إلى غابة كان ينتظره فيها عدد من الرجال. قام هؤلاء بتجريده من ملابسه وأجبروه على الاستلقاء على بطنه في الطين. ثم أخذوا واحدا تلو الآخر بضربه بعصي من الخيزران حتى كاد أن يفقد الوعي. وصرخ أحدهم بأنه سيغتصب صديقته، وعندما ينتهي من ذلك سيعاود الكرة.
ويقول في مداخلته، “اعتقدت بأن ذلك سيكون يوم هلاكي”.
ولكن الضرب توقف في النهاية، لتتبعه سلسلة من الطقوس منها الزحف بين سيقان معذبيه – وهو تقليد يطلق عليه “ممر الشيطان” – ثم شرب دم أخرج من جرح في ابهامه ومضغ جوزة كولا- وهو جوز يحتوي على مادة الكافين وينتشر في غرب أفريقيا. ثم، ووسط غناء وترديد هتافات، عانقه نفس الرجال الذين فرغوا للتو من تعذيبه. فقد وُلد ثانية بصفة جديدة يطلقون عليها “رجل فؤوس مطيع”.
هناك العديد من الأسباب التي تدفع الشباب على الإنضمام إلى عصابة الفأس السوداء. فبعض الذين يجندون يجبرون على ذلك بينما ينضم آخرون طوعا.
في ماكوكو، مدينة العشوائيات الكبيرة المشيدة على عيدان خشبية مغروزة في خليج لاغوس، تحدثنا مع مجموعة من رجال الفؤوس قال البعض منهم إنهم جندوا رغم أنوفهم. ولكن بالرغم من ذلك عبروا عن ولاء لا يتزعزع للعصابة عززته الأواصر الروحية التي خلقتها طقوس الإنتماء المذكورة.
وقال زعيم المجموعة، وهو جالس في مبنى خشبي صغير ويحيط به جمع من رجال الفؤوس،”نعبد الإله كوروفو، الاله غير المرأي، وهو كان دليلنا دائما.”
وقال إنه “فخور بانتمائه إلى الفأس السوداء رغم اصراره على أنه جند قسرا من قبل ضابط شرطة. وادعى عضو آخر بأنه انتمى إلى العصابة بعد أن قتل افراد في عصابة منافسه والده.
ولكن مهما كانت أسباب انتماء أعضاء العصابة وكيفية انتمائهم، يدعي كثيرون منهم أن للعضوية منافع.
قال لنا أحد المنتمين متفاخرا في لقاء آخر أجريناه في لاغوس في نيسان / أبريل 2021 سألناه فيه عن سبب انضمامه إلى الفأس السوداء، “السريّة والإنضباط والأخوة “. وادعى هذا أنه يتقاضى أموالا أكثر من خلال نشاطات العصابة الإجرامية مما كان سيتقاضاه لو عمل موظفا في أحد المصارف.
ويقول د. ستون إن العديد من رجال الفؤوس ينضمون إلى العصابة فقط من أجل شبكات التواصل هذه. فلنيجيريا ثاني أعلى معدل بطالة في العالم، وفي خضم هذه البيئة القاسية، يقول ستون إن الانضمام إلى الفأس السوداء قد يضمن للفرد الحماية ويفتح بوجهه فرص ولوج المجال التجاري. ويقول إنه ليس كل المنتمين إلى العصابة مجرمون.
ويمضي للقول، “هناك بين الأعضاء أفراد في الجيش والبحرية والقوة الجوية، وأكاديميون وحتى كهنة ورجال دين.”
كان هذا التآزر والدعم المتبادل من العناصر الرئيسية لتأسيس الفأس السوداء. فقد نمت الجماعة من جمعية طلابية كانت تسمى الحركة السوداء الأفريقية الجديدة. أسست هذه الجمعية في جامعة بينين في سبعينيات القرن الماضي، وكان شعارها عبارة عن فأس سوداء تحطم قيودا. وقال مؤسسوها إن الهدف منها هو محاربة الظلم والقمع.
كان النضال ضد الفصل العنصري في جنوب افريقيا مصدر الهام للحركة الأفريقية السوداء الجديدة، ولكن هيكليتها وسريتها والتعاضد الأخوي الذي تبنته، كل هذه تعد تقليدا لتنظيمات أخرى ولا سيما الماسونية التي كان لها وجود في نيجيريا إبان حقبة الاستعمار البريطاني.
وما زالت الحركة الأفريقية السوداء الجديدة قائمة اليوم، وهي شركة مسجلة قانونيا لدى مفوضية الشؤون التجارية النيجيرية. وتقول إن عدد اعضائها حول العالم يبلغ 3 ملايين عضو، وهي تعلن بشكل دوري عن النشاطات الخيرية التي تساهم فيها، ومنها جمع التبرعات لملاجئ الأيتام والمدارس والشرطة في نيجيريا وخارجها. وتقيم الحركة مؤتمرات سنوية حضرت بعضها وجوه بارزة من عالمي السياسة والفن.
ويقول زعماء الحركة الأفريقية السوداء الجديدة إن الفأس السوداء عبارة عن جماعة مارقة، وينأون بأنفسهم عنها علنا ويصرون على أن حركتهم تعارض كل النشاطات الإجرامية.
وقال أولوروغون إيسي كاكور، زعيم الحركة الحالي، في مقابلة أجرتها معه بي بي سي في تموز / يوليو 2021، إن ” الحركة الأفريقية السوداء الجديدة ليست الفأس السوداء. فليس للحركة أي علاقة بالجريمة. الحركة الأفريقية السوداء الجديدة منظمة تسعى إلى الترويج للعظمة في أنحاء العالم.”
وأكد لنا محامو الحركة الأفريقية السوداء الجديدة إن أي عضو فيها يظهر بأنه من المنتمين إلى الفأس السوداء سيطرد فورا وأن الحركة لا تتسامح أبدا مع الجريمة.
ولكن السلطات القضائية الدولية لها رأي مخالف. فوزارة العدل الأمريكية قالت في معرض مقاضاتها لمنتمين إلى عصابة الفأس السوداء منذ عام 2018، إن الحركة الأفريقية السوداء الجديدة “منظمة إجرامية” وهي “جزء من الفأس السوداء”. وعبرت السلطات الكندية عن آراء مماثلة، إذ قالت إن الحركة الأفريقية السوداء الجديدة والفأس السوداء وجهان لعملة واحدة.
كما تؤكد الوثائق التي اطلعت بي بي سي عليها وجود علاقات وروابط بين بعض من أفراد الفأس السوداء و الحركة الأفريقية السوداء الجديدة.
وكان العديد من الوثائق قد استقيت من حساب بريدي ألكتروني يعود لأوغوستوس بيميغو-أيوييبو، الذي تزعم الحركة الأفريقية السوداء الجديدة بين عامي 2012 و2016. وتبيّن هذه الوثائق أن بيميغو، وهو مستثمر ومالك فنادق ناجح في نيجيريا، متورط في عمليات تزوير واسعة النطاق عبر الانترنت. وتحققت بي بي سي من صحة قضيتين رئيسيتين من القضايا التي تورط فيها بيميغو وهي قضايا تتعلق بتزوير واحتيال لسرقة إراث مواطنين بريطانيين وأمريكيين. وقال لنا ضحايا عمليات الاحتيال هذه إنهم خسروا أكثر من 3,3 ملايين دولار.
“لقد أزلنا عنه ما يقرب من المليون دولار”. هذا ما جاء في رسالة تشير إلى أحد الضحايا أرسلت إلى بيميغو من قبل أحد المتورطين معه. وتحتوي الرسالة على اسم الضحية الكامل وعنوان بريده الإلكتروني ورقم هاتفه، مع تعليمات حول كيفية المضي قدما في عملية الاحتيال.
ووفقا للوثائق، قام بيميغو بإرسال خطط خاصة بعمليات احتيال إلى شبكة من المتعاونين معه في 50 مناسبة على الأقل. وجاء في واحدة من الرسائل التي بحث فيها موضوع توسيع الحركة الأفريقية السوداء الجديدة، أنه طلب من أعضاء الحركة تأسيس منظمات غير حكومية في شتى أرجاء العالم من أجل “شفط الملايين.”
وكان بيميغو يخاطب أعضاء الحركة الأفريقية السوداء الجديدة في مراسلاته بـ “رجال الفؤوس المطيعين”. وفي أحد الردود، ارسل إلى بيميغو عبر تطبيق المراسلة التابع لفيسبوك، خاطبه المرسل بوصفه “شيخ الفأس السوداء الوطني”.
وجهت السلطات البريطانية إلى شقيقة زوجة بيميغو تهمة غسيل أموال تبلغ قيمتها مليون جنيه استرليني في عام 2019. وأشار مكتب الإدعاء الملكي البريطاني، في بيان صحفي نشر على نطاق واسع، إلى بيميغو على أنه “زعيم الفأس السوداء” في حينه.
وعندما عرضت بي بي سي هذه الأدلة على زعماء الحركة الأفريقية السوداء الجديدة، قالوا إنهم سيتحققون من الأمر، وأن أي شخص تثبت مخالفته لقواعد السلوك المعمول بها في الحركة سيطرد. ولم يدل بيميغو بأي رد على هذه الادعاءات عندما اتصلت به بي بي سي.
ويدّعي ستون أن الفأس السوداء و الحركة الأفريقية السوداء الجديدة هما في الحقيقة منظمة واحدة. ويتحدث د. ستون عن خبرة وتجربة. فلم يكن عضوا في الفأس السوداء فحسب، بل كان أيضا مسؤولا رفيعا في الحركة الأفريقية السوداء الجديدة في معقل الفأس السوداء، مدينة بينين.
“ويقول، “إنها نفس المنظمة، ولكنه أصبح من الأمور الشكلية الفصل بينهما لأجل التعمية. إنها عملة ذات وجهين.”
وحسب ما يقول توبياس، فإن الحركة الأفريقية السوداء الجديدة لعبت دورا بارزا في الانتشار السري للفأس السوداء حول العالم،” ويضيف “أن الحركة الأفريقية السوداء الجديدة كمنظمة عبارة عن تمثيلية، إنها واجهة فقط، إنها الوجه العلني للفأس السوداء.”
ويدعي بأن “الهدف النهائي” للحركة الأفريقية السوداء الجديدة يتمثل في “تقويض وإفساد الرأي العام” من أجل اخفاء “الحقيقة، وهي أنها عصابة مافيا.”
يذكر أن العديد من المنظمات العاملة تحت اسم الحركة الأفريقية السوداء الجديدة مسجلة في دول شتى منها بريطانيا وكندا. وهناك 50 حسابا على الأقل في فيسبوك ويوتيوب وانستغرام تحمل أسماء قريبة من اسم الحركة، علاوة على قنوات التواصل الاجتماعي الرسمية التابعة لها. ولبعض هذه الحسابات أكثر من مئة ألف متابع. وتشمل مواقع أخرى إشارات واضحة للفأس السوداء مثل الكاريكاتيرات وصور لأشخاص يحملون فؤوس وبنادق وحتى تحتوي في بعض الأحيان على الهتاف المميز للعصابة “رجال الفؤوس المطيعون”.
لقد نجحت الحركة الأفريقية السوداء الجديدة في إثبات وجودها كعلامة تجارية عالمية في العديد من الدول. أما في نيجيريا نفسها، يقول د. ستون إن نفوذها يمتد ليشمل الفضاء السياسي.
وقال: “العديد من أفراد العصابة نواب في البرلمان، وحتى في الحكومة. هذه حقيقة الفأس السوداء. هذا ما تدعو له الفأس السوداء: الاستحواذ على أي منصب أو موقع ممكن”.
كان أوغوستوس بيميغو، الزعيم السابق للحركة الأفريقية السوداء الجديدة، الذي وُصف في ملفات القضاء البريطاني بأنه الزعيم السابق للفأس السوداء، قد رشّح نفسه لعضوية مجلس النواب النيجيري في عام 2019 وذلك على قائمة حزب المؤتمر التقدمي (APC).
ويقول الناشط كورتيس أوغبيبور إن الحياة السياسية في ولاية إيدو مزدحمة بأعضاء الفأس السوداء، ويضيف، “السياسة في نيجيريا تشبه المافيا. فسياسيونا وحكومتنا في كل درجاتها تشجع شبابنا على الانتماء إلى الطوائف والعصابات.”
ويزعم أوغبيبور أن السياسيين النيجيريين الطامحين يستأجرون أعضاء في الفأس السوداء لتخويف منافسيهم وحراسة صناديق الاقتراع وإجبار الناس على التصويت. وما أن يفوز هؤلاء السياسيون بمناصب في الدولة حتى يكافئون الفؤوس بمنحهم وظائف في الحكومة.
ويقول، “يسلحونهم ويغدقون عليهم الأموال أثناء الانتخابات، ويعدونهم بتعيينات ومناصب سياسية”.
وتوحي وثيقتان، يبدو إنهما سربتا من الاتصالات الداخلية للحركة الأفريقية السوداء الجديدة، بأن مبلغا قدره 35 مليون نايرا (أكثر من 64 ألف من الجنيهات الإسترلينية) قد حوّلت إلى الحركة في مدينة بينين من أجل “حماية الأصوات” وضمان التأييد في انتخابات حاكمية الولاية في عام 2012. ولقاء هذا الإسناد، جاء في الملفات أن “80 موقعا وظيفيا خصصت للحركة الأفريقية السوداء الجديدة فرع بينين للتعيين الفوري في حكومة الولاية. ويقال إن هذه الأموال وزعت بشكل مباشر بواسطة رئيس ديوان الولاية آنذاك سام إيريديا الذي توفي لاحقا.
وخلال لقاءات مع كبار زعماء الحركة الأفريقية السوداء الجديدة في لاغوس، أكد محاميهم بأن عددا من السياسيين هم أعضاء في الحركة مشيرا إلى نائب حاكم ولاية إيدو، فيليب شايبو كمثال على ذلك.
وقال عليو هوب، أحد محامي الحركة الأفريقية السوداء الجديدة، “هناك العديد من الناس في عداد منظمتنا، ولا داع لاخفاء ذلك.”
ولكن عضوا سابقا في حكومة ولاية إيدو، وهو يتحدث إلى الاعلام الدولي للمرة الأولى، تبرع بكشف خبايا تعاون حكومة ولاية إيدو مع عصابات الجريمة المنظمة.
قضى توني كاباكا، العضو في الحركة الأفريقية السوداء الجديدة، عدة سنوات لغاية 2019 في خدمة حكومة الولاية في بينين. وخلال تلك الفترة، من خلال شركة أكوغبي فينتشرز التي يملكها، عيّن أكثر من 7 آلاف من محصلي الضرائب مما عاد بالمليارات للولاية.
ومنذ تركه الحياة السياسية، تعرض كاباكا لعدة محاولات اغتيال، وبيته الفاره المليء بثقوب الطلقات النارية شاهد على ذلك.
ويقول، “إذا أجلستني وسألتني هل تتمكن من التعرف على وجود الفأس السوداء في الحكومة؟ سأرد بالإيجاب. فمعظم السياسيين متورطون.”
ويزعم كاباكا إنه طُلِبَ منه أن يحشد مجموعات العصابات من أجل المساعدة في الفوز في الانتخابات. ولكنه ينفي أن يكون قد تورط شخصيا في أي أعمال عنف.
وقال، “إذا كانت الحكومة ترغب في إعادة انتخابها، فهي ستكون بحاجة إلى هؤلاء. إن هذه العصابات ما زالت موجودة لأن الحكومة ضالعة وهذه هي الحقيقة.”
شددنا الرحال إلى مدينة بينين في تموز / يوليو 2021 لاجراء مقابلة مع نائب الحاكم فيليب شايبو، ولكنه لم يحضر في الموعد المحدد مرتين. وعندما بعثنا بادعاءاتنا إلى حكومة ولاية إيدو ولشايبو شخصيا، لم نتلق أي رد.
يعتقد د. ستون بأن سلطات الأمن النيجيرية والسياسيين النيجيريين متداخلون مع الفأس السوداء إلى حد لا يستطيعون عنده مكافحتها بشكل فعّال. ويقول إن حل مشكلة العنف يكمن داخل العصابة ذاتها. د. ستون ليس العضو السابق الوحيد الذي يشعر بأن العصابة اصبحت مصدر خطر كبير.
وجاء في مداخلة كتبها أحد اعضاء منبر سرّي سربت لبي بي سي أن “السبب الذي دفع ببعض منا للانضمام للحركة الأفريقية السوداء الجديدة هو المشاركة في مقارعة الظلم والقهر. ولكن الآن، يجري توصيفنا كمجرمين بوجود أدلة على ذلك.”
تمتلئ الاتصالات الداخلية للفأس السوداء بشكاوى مماثلة من أعضائها. جاء في مداخلة أخرى ما يأتي: “لم أصبح رجل فؤوس من أجل أخذ الأرواح. أصبحت رجل فؤوس في محاولة للتآخي. أرجوكم، كفوا عن القتل.”
وتقول قيادة الحركة الأفريقية السوداء الجديدة إنها ملتزمة بضمان استمرار سير الحركة على نهج المبادئ التي أسست بموجبها وبالترويج للسلم. وقال زعيم الحركة الحالي أولوروغون إيسي كاكور لبي بي سي إنه انتخب من أجل تطهير الحركة من المجرمين المتسللين اليها وإن هؤلاء يسببون أذى كبيرا للحركة.
وفي محاولة لاستثمار هذا الاندفاع من أجل التغيير، شكّل د. ستون ما يطلق عليه “إئتلاف قوس قزح” – وهي جماعة تضم أعضاء سابقين في العصابات ومواطنين نيجيريين متنفذين وأساتذة. ويحاول أعضاء هذا الإئتلاف نزع فتيل التوتر عندما تصطدم العصابات ببعضها ويحاولون أيضا توجيه دفة الفأس السوداء نحو مستقبل أكثر سلمية وأقل عنفا.
ويقول، “المساهمة التي يقدمها الإئتلاف للمجتمع تتمثل في تقليص الجريمة، وخفض نسبة القتل في أوساط الشباب، وتقليل عدد الأرامل والأيتام.”
من جانبه، يريد مؤسس الإئتلاف المشارك تشوكووكا أوميسا من عناصر الفأس السوداء أن يعيدوا النظر في المجتمع الذي يريدون إيجاده.
ويقول، “كل شخص له ضمير. قد تنفي ذلك أمام الكاميرات وفي العلن، ولكنك لا تستطيع نفيه عندما تكون لوحدك فسوف يؤرقك.”
يعرف د. ستون تمام المعرفة بأن محاولة دفع الفأس السوداء نحو الإصلاح مهمة محفوفة بالمخاطر. ويعرف أيضا أن رفاقه القدامى قد يأتون ليقتلوه في يوم من الأيام. ولكنه مستعد لهم إذا فعلوا ذلك. فستون يحتفظ بسيف يبلغ طوله ثلاثة أقدام في سيارته وببندقية مرخصة في مسكنه.
يقول مبتسما، “إنها من أجل السلامة الشخصية. إذا جاؤوا لقتلي، ألا يحق لي أن أفعل الشيء ذاته بهم؟”
أجرى التحقيق كل من تشارلي نورثكوت وسام جودا وبيتر ماكجوب.
[ad_2]
Source link