أين ذهبت الاسطوانات العربية القديمة ومن هم مقتنوها الجدد؟
[ad_1]
- عمر عبد الرازق
- بي بي سي عربي
على مهل وبحذر شديد يرتب خالد علي مقتنياته من الأسطوانات في متجر “شيري” بضاحية الزمالك بالقاهرة، وهو يدرك أن بضاعته من الأسطوانات العربية ثروة مالية وثقافية.
على رفوف المتجر تصطف شواهد تاريخية على النهضة الموسيقية العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر وخلال العقود الستة الأولى من القرن العشرين؛ أسطوانات مصنوعة من السيراميك (وتعرف باسم الحجر) وأخرى من البلاستيك (وتسمّى الفينيل) وتأتي بأحجام صغيرة وكبيرة.
خُطب الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد، تجاور أسطوانات المطربة أم كلثوم التي أنتجتها شركة “صوت القاهرة”، إضافة إلى عشرات من أجهزة التشغيل التي يعمل بعضها يدويا “مانفلة” في حين يشتغل عدد منها بالكهرباء.
التحق خالد بـ”بيزنس” بيع الأسطوانات الموسيقية مبكرا لسبب شخصي؛ فوالدته كانت قد درست الموسيقى الشرقية واللغة العبرية في جامعة الأزهر، وافتتحت متجرا للأسطوانات في عام 2007، “وكان معظم زبائنها من الخواجات (أي من الأجانب)”، كما يقول.
وعندما طالبها مالك المحل بإنهاء عقد الإيجار، عرض عليها خالد مشاركتها بمدخراته، فدعمها للانتقال إلى محل جديد، ودخل معها هذا العالم.
العصر الذهبي
كانت مصر بوابة دخول الأسطوانات السمعية إلى العالم العربي في عام 1890 تقريبا، وقد ساهم ظهورها في ذيوع أسماء كبيرة في عالم الطرب والتلاوة، مثل عبده الحامولي، ومحمد عثمان، وعبد الحي حلمي، والشيخ يوسف المنيلاوي، ولاحقا منيرة المهدية، والآنسة أم كلثوم.
لكن امتلاك جهاز الأسطوانات وما تصدره المطابع من أسطوانات، ظل مقتصرا على النخبة من سكان المدن وكبار ملاك الأراضي الزارعية، حسبما يقول المستعرب الفرنسي، فريدريك لاغرانج، أستاذ الدراسات العربية والعبرية في جامعة السوربون ومؤلف كتاب “الشعر والموسيقى في مصر في عصر النهضة”.
لم تسجل الأسطوانة صعودا متواصلا منذ دخولها العالم العربي، فقد تسبب الركود الاقتصادي (في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي) في تراجع مبيعاتها وطباعتها في بلد مثل مصر، لكنها عادت وازدهرت مع ظهور الفينيل في الخمسينيات، حتى جاءت الضربة القاصمة للأسطوانة في العالم العربي مع ظهور الكاسيت وأشرطته، فدخلت في طي النسيان.
لكن السنوات القليلة الماضية شهدت بروز سوق واعدة للاسطوانات العربية وارتفاعا في أسعارها مع تزايد إقبال الجيل الشاب على اقتنائها وبحث كثير من الهواة عنها، فأسطوانة لفيروز (12 بوصة مثلا)، لن يقل سعرها في القاهرة عن 65 دولارا، أما سعر أسطوانات أم كلثوم من نفس الحجم فربما يصل إلى 40 دولارا في حال توفرها.
وليس مقتنو تلك القطع النادرة حصرا من العرب أو متحدثي العربية، بل هم في الغالب تجار متخصصون يعرفون قيمة ما بحوزتهم ويسعون للحصول على أعلى سعر له؛ فأحد المتاجر الإسرائيلية على الإنترنت يعرض عددا من الأسطوانات التي تعود لبداية القرن العشرين بـ 250 دولارا للواحدة دون تكاليف الشحن والتغليف.
أين ذهبت تلك الأسطوانات؟
يقول خالد علي إن الأسطوانة لم تختف إطلاقا في البلدان الغربية، لكنها اختفت تماما في العالم العربي “فشريط كاسيت بحجم كف اليد، وجهاز صغير لتشغيله، أبعد الأسطوانة عن الساحة. أغلبها ألقي في سلة المهملات أو كُسر” والبقية القليلة هي ما تتداوله الأيدي حاليا.
تفسر ندرة الأسطوانات العربية سبب التسابق على اقتنائها، فقد أصبحت مثل اللوحات الفنية النادرة بالنسبة لجامعيها، وكلما كانت الأسطوانة نادرة وبغلاف جيد و مستوى عال من الجودة السمعية، كلما ارتفعت قيمتها السوقية.
وبمرور الوقت قد تتحول هذه الهواية إلى هوس؛ فالبحث يبدأ عادة من مواقع الإنترنت المتخصصة، مرورا بمتاجر المناطق الراقية، وانتهاء بباعة الأشياء القديمة “الروبابكيا” كما يلقبون في مصر.
لكن خالد علي يقول إن مجال بحث الهواة عن الأسطوانات القديمة يضيق.
فمع شيوع المعرفة بقيمة الأسطوانات العربية وتزايد المقتنين، عقدت اتفاقات بين باعة “الروبابكيا” والمتاجر الراقية، التي تعمد إلى شراء كل ما لديهم جملة واحدة.
يتفق حمادة مزيكا، مدير متجر “مزيكا زمان” بالقاهرة على ندرة الأسطوانات العربية، مضيفا أن العثور عليها مهمة صعبة، لكنه عادة ما يجدها في “صالات المزادات ومحلات التحف، وفي بيوت قديمة وبيوت قيد الهدم، وأخرى تعود لأشخاص هاجروا من مصر”.
يؤكد حمادة مزيكا على ارتفاع سعر الأسطوانات العربية قياسا بالأسطوانات الغربية؛ فالمتاح من الموسيقى الغربية كثير وبنسبة عشرة إلى واحد مقارنة بالأسطوانات العربية. ويشير إلى أن التزايد في إقبال الجيل الشاب على البحث عن الأسطوانات العربية وشرائها هو أمر جديد، لم يشهده سوى في السنوات الأخيرة رغم عمله في هذا المجال منذ الثمانينيات.
هواية المقتدرين ماليا
في لندن التقيت الصحفي السوري، حمادة اللاذقاني، الذي تضم مكتبته حوالي ألف أسطوانة معظمها من الطرب العربي من المحيط إلى الخليج، والتلاوات القرآنية والتواشيح.
ورغم أنه في مطلع الثلاثينيات من عمره، إلا أنه لا يزال يتذكر موقفا مر به أثناء دراسته الثانوية، عندما مر على متجر لبيع الأسطوانات في دمشق وسأل البائع بثقة عن سعر أسطوانة “رق الحبيب” لأم كلثوم، فما كان من البائع إلا أن أخذ الأسطوانة منه وقال له: “هَي مو للبيع عمو”.
كانت هذه الحادثة العالقة في ذاكرة اللاذقاني أول ما أوحى إليه بأهمية عالم الاسطوانات، وبداية لشغف يتملكه منذ سنين.
كان اللاذقاني أول من أرشدني إلى عالم الأسطوانات العربية القديمة لكبار المغنين والقراء، لكنه حذرني وقتها من أنها هواية تصعب مقاومتها حينما تتملك منك. ويرى أنها “هواية المقتدرين” ماليا، فبمرور الوقت وبعد فترة من “الجمع العشوائي” للأسطوانات، سيصبح المرء قادرا على انتقاء ما يريد، وكلما ندرت الأسطوانة كلما ارتفع ثمنها.
وقد تستغرق فترة الجمع العشوائي عاما أو يزيد، وهي شهور الاندفاع التي قد تشتري فيها أشياء بأكثر من قيمتها الحقيقية.
ويرى اللاذقاني أن الأسطوانات الأكثر ندرة يجب أن توضع في المتاحف والمكتبات العامة لأنها ” أكبر قيمة من أن يمتلكها شخص واحد؛ فهي جزء من التاريخ والذاكرة”.
لكن البروفيسور لاغرانج يختلف مع هذه الرؤية بعض الشيء،
فبالنظر إلى الضياع أو التلف الذي لحق بكثير من الاسطوانات التي آلت إلى السجل العام، يرى لاغرانج، الذي عكف على دراسة مجموعات يمتلكها هواة مصريون، أن الهواة هم من حافظوا على هذه الأسطوانات من الضياع، خاصة وأن المؤسسات الرسمية فشلت في القيام بذلك.
[ad_2]
Source link