حماس: عزلة الحركة في تزايد بعد القرار البريطاني بحظرها
[ad_1]
- فراس كيلاني
- بي بي سي نيوز عربي
أثار قرار الحكومة البريطانية إضافة الجناح السياسي لحركة حماس لقائمة التنظيمات الإرهابية جدلاً كبيراً، وذلك بالنظر إلى التبعات المحتملة لهذا القرار سواء سياسيا أو إنسانيا.
فعلى المستوى السياسي يتعلق الأمر بالدور البريطاني في عملية السلام وخيارات حماس والسلطة الفلسطينية التي تضيق نتيجة المتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، أما إنسانيا فيتعلق الأمر بالمساعدات التي تقدمها المملكة المتحدة لقطاع غزة والتي لا يمكن إيصالها بدون التنسيق مع حماس التي تسيطر على القطاع، بالإضافة إلى القيود التي قد يضعها القرار على الجالية الفلسطينية في بريطانيا، خاصة وأن الحركة تتمتع بتأييدٍ كبيرٍ في قطاع غزة الذي ينحدر منه جزء كبير من أبناء الجالية في بريطانيا.
وتعد لندن إحدى أكثر المدن الغربية التي تشهد نشاطاً وحراكاً داعماً للقضية الفلسطينية خاصة خلال فترات الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، ويعود جزء كبير من أسباب ذلك إلى ما يصفه الفلسطينيون بالمسؤولية الأخلاقية التي تتحملها بريطانيا عن مأساتهم منذ التزامها “بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين” بحسب ما نص عليه إعلان وزير الخارجية أرثر جيمس بلفور الصادر عام 1917.
لكن هذه الأنشطة ستكون محل تدقيق ورقابة، وأي مظهر يرتبط بحركة حماس، حتى لو اقتصر على رفع رايتها الخضراء، سيعرض أصحابه لعقوبات كبيرة قد تصل للسجن مدة قد تصل لعشرة أعوام.
إذ صٌنف الجناح السياسي للحركة على قوائم الإرهاب البريطانية بعد أن تقدمت وزيرة الداخلية، بريتي باتيل، بمذكرة بهذا الخصوص، أقرها مجلسا العموم واللوردات، علماً أن لندن تصنف الجناح العسكري لحماس المعروف باسم “كتائب عز الدين القسام” تنظيما إرهابياً منذ أعوام.
وتقول باتيل في معرض تبريرها للقرار إن “الحركة معادية للسامية بشكل جوهري وشرس” و”الشعب اليهودي يشعر دوماً بعدم الأمان في المدرسة والشارع وخلال الصلاة وفي المنزل وعلى الإنترنت”.
النشأة ومعاداة السامية
منذ ولادتها في نهاية عام 1986 من رحم الفرع الفلسطيني لتنظيم الإخوان المسلمين سعت حركة “المقاومة الإسلامية” لإعادة تعريف الصراع مع إسرائيل وإعادته للمربع الأول، لكن ببعده الإسلامي وليس الوطني، إذ نص ميثاقها على أن “فلسطين التاريخية التي تشمل إسرائيل الحالية هي أرض للمسلمين”، ودعت لتدمير دولة إسرائيل، ما دفع لاتهامها مبكراً بمعاداة السامية.
وبالفعل اتبعت حماس نهجاً راديكالياً منذ ذاك الحين، إذ عارضت بشدة اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 الذي عاد بموجبه ياسر عرفات إلى غزة في العام التالي، ورفضت الحركة الانخراط في الحياة السياسية واتبعت نهج العمليات الانتحارية.
وتصاعدت تلك العمليات في فبراير/شباط ومارس/آذار عام 1996، مما أسفر عن مقتل 60 إسرائيليا، وذلك ردا على اغتيال صانع القنابل في حماس يحي عياش في ديسمبر/كانون أول عام 1995.
وأدى ذلك بالإضافة للحرب التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله في العام ذاته لخسارة حزب العمل برئاسة شمعون بيريز الانتخابات لصالح الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، المعارض أيضاً لاتفاقات أوسلو، ليتخذ مسار التسوية منعطفاً جديداً منذ ذاك الوقت.
ورغم محاولات الرئيس الأميركي آنذاك، بيل كلينتون، لإحياء مفاوضات السلام، إلا أن فشل قمة كامب ديفيد عام 2000 واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أديا لازدياد نفوذ حماس وعملها على توسيع أنشطتها الاجتماعية لخدمة الفلسطينيين الذين شعروا بالخذلان من عجز وفساد السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح.
ورغم إدانة السلطة ورئيسها ياسر عرفات، رحب العديد من الفلسطينيين بموجة الهجمات الانتحارية التي شنتها حماس في السنوات الأولى للانتفاضة الثانية، إذ اعتبروها عمليات “استشهادية” انتقاما لخسائرهم ولقيام إسرائيل ببناء مستوطنات في الضفة الغربية التي يريدها الفلسطينيون كجزء من دولتهم.
وتصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في تلك الفترة لتشمل كامل الضفة الغربية، وأعادت الحكومة الإسرائيلية بقيادة أرييل شارون احتلال المدن الفلسطينية التي كانت انسحبت منها وحاصرت الرئيس الفلسطيني في مقر إقامته في رام الله.
وبعد وفاة عرفات في عام 2004 تولى رئاسة السلطة محمود عباس الذي زاد وتيرة انتقاداته لحماس لتشمل هجماتها الصاروخية ضد إسرائيل من قطاع غزة، وقال إنها تأتي بنتائج عكسية حيث لا تسبب سوى خسائر محدودة لإسرائيل في حين تؤدي إلى رد فعل عنيف من قبل الجيش الإسرائيلي.
وفي العام 2005 طبقت إسرائيل ما يعرف بخطة فك الارتباط الاتحادية وانسحبت من قطاع غزة بعد إخلائها المستوطنات وتفكيكها قواعد الجيش التي أقيمت هناك منذ احتلال القطاع عام 1967.
وهو ما دفع حماس في عام 2006 للدخول في الانتخابات للمرة الأولى، إذ استطاعت تحقيق فوز كاسح وتشكيل حكومة جديدة، لكن التوتر ازداد في مواجهة السيطرة الأمنية لحركة فتح، ما أدى لنزاع دموي مع في العام التالي، أدى لهزيمة فتح وفرض حماس سيطرتها المطلقة على القطاع منذ ذلك التاريخ.
حماس في الحكم
بعد فوز الحركة في الانتخابات تعرضت حكومة حماس لعقوبات سياسية واقتصادية من قبل إسرائيل وحلفائها من الغرب، وعقب إطاحة حماس بوجود حركة فتح في غزة شددت إسرائيل ومصر حصارها على القطاع، إلا أن وصول الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي لحكم مصر أدى لفتح معبر رفح وتخفيف الضغوط الاقتصادية على الحركة.
وحاولت حماس بمساعدة من سوريا وإيران وقطر المزاوجة بين حكم القطاع واستمرار عملياتها ضد إسرائيل، لكنها أوقفت العمليات الانتحارية واكتفت بإطلاق الصواريخ التي تؤدي في أغلب الأحيان لمقتل مدنيين إسرائيليين.
وهو ما دفع إسرائيل لشن أربع عمليات عسكرية رئيسية في أعوام 2008 و2013 و2014 و2021، ومثلت تلك العمليات ذروة التصعيد عبر الحدود من خلال هجمات صاروخية من غزة وغارات جوية إسرائيلية.
وشهدت الجولة الأكثر دموية في 2014 مقتل ما لا يقل عن2251 فلسطينيا بينهم 1463 مدنيا خلال 50 يوما من القتال. وفي الجانب الإسرائيلي قُتل 57 جنديا و6 مدنيين.
وجاءت الحرب في ظروف اقتصادية صعبة كان يئن تحتها سكان القطاع بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي في يوليو/تموز عام 2013 وإغلاق معبر رفح مجدداً، ما دفع حماس لمحاولة التفاوض على هدنة يتم بموجبها وقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.
لكن التوتر عاد مجدداً على خلفية قرار الحكومة الإسرائيلية إخلاء منازل فلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس عام، لتندلع مواجهة جديدة استمرت 11 يوما في مايو/أيار من عام 2021 إلى مقتل ما لا يقل عن 256 شخصا في غزة و13 في إسرائيل قبل أن تنتهي بهدنة بوساطة مصرية.
وفي عام 2017 وفي مؤتمر صحفي في الدوحة حيث يقيم عدد من قيادة الحركة بعد انتقالهم إليها من دمشق، أعلنت الحركة تعديل ميثاقها، وقالت إنها تقبل بدولة فلسطينية على حدود العام 1967، دون أن تعلن الاعتراف بإسرائيل أو تتنازل عن حقها فيما تصفه بفلسطين التاريخية، كما حُذفت الإشارة إلى أي ارتباط تنظيمي بالإخوان المسلمين.
وبعدها بأشهر، أجرت الحركة انتخابات فاز فيها إسماعيل هنية برئاسة المكتب السياسي ليحل محل خالد مشعل الذي رأس المكتب منذ اغتيال إسرائيل لأحمد ياسين مؤسس الحركة، وخليفته عبد العزيز الرنتيسي عام 2004.
ويقيم هنية مع مجموعة كبيرة من قيادات الحركة حالياً في الدوحة، فيما يدير رجل حماس القوي يحيى السنوار الوضع في قطاع غزة، وهي ترتيبات يتوقع أن تستمر لأجل غير مسمى بالنظر لفشل المحاولات المتكررة للمصالحة بين حماس وفتح، فيما يستمر تدهور الوضع الإنساني لمليوني فلسطيني في غزة حيث انهار اقتصاد القطاع الذي يعاني من نقص الماء والكهرباء والدواء.
حماس تنظيم إرهابي
وجاءت الخطوة البريطانية بإضافة الجناح السياسي لحركة حماس لقائمة التنظيمات الإرهابية بعد أشهر قليلة على استكمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يصنف حماس بالكامل تنظيماً إرهابياً، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية أيضاً.
وبموجب قانون الإرهاب لعام 2000، فإنه يحق لوزيرة الداخلية أن تحظر منظمة إذا ما اعتقدت أنها على علاقة بالإرهاب، لكن ليس قبل الحصول على موافقة مجلس العموم واللوردات.
وقالت باتيل في إعلانها عن الخطوة على تويتر إن حماس “تملك قدرات إرهابية هائلة، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى أسلحة كثيرة ومتطورة، بالإضافة إلى منشآت للتدريب الإرهابي.”
وبينما رحب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بالقرار ووصف حماس بأنها “منظمة متطرفة تستهدف الإسرائيليين الأبرياء وتسعى لتدمير إسرائيل”، بدا المشهد الفلسطيني موحداً برفض القرار، رغم الانقسام المستمر بين حركتي فتح وحماس منذ عام 2007.
وأدانت السلطة الفلسطينية في بيان صدر عن سفارتها في لندن قرار الحكومة البريطانية، واعتبرت أنه ” شكل انحيازاً صارخاً لدولة الاحتلال وخرقاً للقانون الدولي ومسؤولية بريطانيا التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، والذي يُفقد بريطانيا أي دور إيجابي في المنطقة.”
ووصفت حركة حماس في بيان القرار البريطاني بأنه “مناصرة للمعتدين على حساب الضحايا” وطالبت المجتمع الدولي بما فيه بريطانيا “بالكف عن ازدواجية المعايير وانتهاك القانون الدولي”.
ورغم عدم الحاجة إلى التصويت في مجلس العموم البريطاني على القرار بالنظر لعدم طلب أي نائب بذلك، إلا أن بعض النواب بمن فيهم المحافظ، كريسن بلانت، أثاروا مخاوف بشأن تبعات القرار على أكثر من صعيد.
وقال بلانت إن القانون سيكون له “تأثير مخيف على الوضع الإنساني في غزة، وازدواجية المعايير لدى الموقف الغربي ستكون أكثر وضوحاً قبل أي وقت مضى، كما سيكون ذلك بمثابة نهاية لحل الدولتين” متسائلاً “كيف سيكون الوضع الذي يدار من قبل منظمة نعتبرها إرهابية، سيصبح الوضع كارثياً”.
“أموات بلا قبور”
ويعيش في قطاع غزة أكثر من مليوني فلسطيني، نحو ثلثيهما من اللاجئين الذين يتحدرون من أراض أقيمت عليها دولة إسرائيل عام 1984. ويخضع لحصار منذ انتخاب حركة حماس وتشكليها الحكومة الفلسطينية عام 2006، وما تلاه من إطاحة حماس بحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفرض سيطرتها المطلقة على القطاع عام 2007.
ومنذ ذلك التاريخ تعرض القطاع لأربعة حروب إسرائيلية لضرب قدرات حماس الصاروخية، أدت لمقتل المئات وتدمير كبير في البنية التحتية، وهروب الآلاف بحثاً عن حياة آمنة.
وتوجد جالية فلسطينية كبيرة في المملكة المتحدة، اتجاهاتها السياسية تمتد بين مؤيدين لتيارات الإسلام السياسي بما فيها حركة حماس وأخرى معادية لها. لكن غالبية من تحدثت إليهم بي بي سي نيوز عربي يعارضون قرار الحكومة البريطانية إضافة الجناح السياسي لحركة حماس لقائمة التنظيمات الإرهابية، ويخشون من تبعاته، ليس سياسياً فحسب وإنما إنسانيا أيضاً..
عطا زويدي ناشط في الجالية الفلسطينية في بريطانيا، هرب من غزة إلى لندن قبل أكثر من عشرة أعوام، يقول إن القرار قد يحرم آلاف الفلسطينيين من القدرة على مساعدة عائلاتهم في قطاع غزة.
ورغم اعتقاله قبل هربه من قبل حركة حماس لأسباب سياسية، إلا أنه يعتقد أن القرار “لم يأخذ الوقت الكافي ليراعي ظروف سكان القطاع” ويضيف أن الوضع في القطاع كارثي ويصف حال سكانه بأنهم “أموات بلا قبور”.
ولا تتوقف المخاوف عن مسألة التحويلات المالية والمساعدات فقط، إذ يقول عطا إن الأمر قد يشمل حتى مسألة التواصل الإنساني، إذ ثمة خوف في أوساط الجالية الفلسطينية من الاتصال بأهلها في القطاع إن كان ضمن أفراد العائلة أحد المنتمين لحركة حماس، ما قد يعرض المتصل لتبعات قانونية بحسب القانون الجديد”.
وليس من الواضح إن كان دخول القرار حيز التنفيذ سيعني اتخاذ إجراءات فعلية مباشرة تجاه أفراد أو مؤسسات يشتبه بارتباطها بحماس في المملكة المتحدة، أو إن كان هذا التحرك سيشمل الأراضي البريطانية فقط أم أن من الممكن استخدام القانون لاستصدار مذكرات اعتقال دولية، لكن المؤكد أن القرار سيحد من قدرة أي منظمات بريطانية حكومية أو غير حكومية على التواصل أو العمل في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس بيد من حديد.
ويعتبر القانون البريطاني الانتماء لمنظمة محظورة أو حشد التأييد لها أو ارتداء ملابس يمكن أن تعبر عن الدعم لها جريمة جنائية، وتصل عقوبة هذه الجريمة إلى السجن عشرة أعوام كحد أقصى ودفع غرامة مالية أو إحدى العقوبتين.
مستقبل التسوية
وتحظى حركة حماس بتأييد جزء كبير من المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وبدرجة أقل في الضفة الغربية ومخيمات اللجوء الفلسطيني في الدول المجاورة.
وتنكر حماس أي نشاط رسمي لها في المملكة المتحدة، لكن إسرائيل اتهمت عدة مؤسسات إعلامية ومراكز بحثية بأنها تتبع للحركة، ومن بينها مركز العودة الفلسطيني في لندن والذي يديره طارق حمود.
وينفي حمود أي علاقة بين المركز وحماس، ويعارض بشدة قرار الحكومة البريطانية بتصنيف الجناح السياسي للحركة على قائمة التنظيمات الإرهابية، ويقول في حديث لبي بي سي إن “حماس غير معنية بشكل كبير بهذا القرار، لأنها غير موجودة أصلاً في بريطانيا، لكنها بكل تأكيد ستعيد التفكير في كثير من الأشياء، ومنها المرونة السياسية التي أبدتها حماس في الفترة الأخيرة، خاصة موضوع قبول دولة في أراضي العام 1967.
ورغم أن أكثر من مسؤول في حماس حاول التخفيف من آثار القرار، إلا أن تزامنه مع التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة بعد انفتاح دول عربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وحقائق الجغرافيا التي بات معها الخيار العسكري لهزيمة إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مستحيلاً، يفترض أن تدفع الحركة لمراجعات كبيرة وإن وراء أبواب مغلقة.
[ad_2]
Source link