أخبار عربيةالعلوم النفسية والتربوية والاجتماعية

العنف ضد المرأة: دور وسائل التواصل الاجتماعي في تطبيعه ونشر أشكال مستحدثة منه

  • أميرة مهذبي
  • BBC عربي

تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء وفتيات في سن 15 عاما أو أكثر، للعنف الجسدي و/أو الجنسي من قبل الشريك أو العنف الجنسي من غير الشريك أو كليهما مرة واحدة على الأقل في حياتهن. هذا ما أحصته الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها. لكن هناك أشكالا من العنف لا تترك أثرا واضحا على الأجساد لا يمكن حصر أعداد ضحاياها.

صدر الصورة، Getty Images

تعرف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة على أنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.”

ويجعل هذا التعريف، العنف ضد المرأة مظلة واسعة تضم تحتها أشكالا مختلفة متنوعة من الممارسات، تتجدد وتستحدث بتطور وسائط التعامل مع المرأة.

وهم الكمال والمثالية

تعد وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من حاضنات العنف المسلط على المرأة وبأشكال مختلفة قد تنجح في إخفاء أوجه العنف فيها تحت مسميات الترفيه والموضة وغيرها من الأنشطة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتشكل في حقيقة الأمر ضغطا على النساء يبلغ درجات العنف النفسي.

كانت الشهرة و”صورة المرأة المثالية” في السابق حكرا على نجمات التلفزيون والسينما الاتي ينتمين إلى عالم بعيدا عن واقع أغلب نساء الأرض.

لكن وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في خلق نسخ كثيرة من “أيقونات الكمال” ومن أوساط اجتماعية مختلفة، وساهمت في ترويجها بشكل واسع.

حتى تشكل شعور لدى كثير من النساء أن الصورة “المثالية” التي كانوا يرونها بعيدة هي في الواقع أكثر شيوعا مما يعتقدن وأسهل منالا.

ويكون تأثير هذا الشعور على النساء مرهقا لهن في كل الحالات ويتحول عنفا نفسيا وجسديا في بعضها.

إذ يخلق إحساسا بالنقص وعدم الثقة في النفس لدى نساء، من الشابات خاصة. وبينما تقنع بعضهن بهذا “النقص” وتسلم به، تحاول أخريات بلوغ تلك الصورة “الكاملة” بغض النظر عن محدودية الإمكانيات وبغير وعي بمدى زيف ذلك الكمال في جل الأحيان.

وتخرج بين الحين والآخر واحدة من أيقونات الجمال والسعادة و”الحياة المثالية” عبر وسائل التواصل الاجتماعي كاشفة عن الوجه الحقيقي لحياتها. مثل ما حدث مؤخرا مع العارضة العالمية بيلا حديد التي ظهرت باكية على انستغرام وقالت إن “وسائل التواصل الاجتماعي ليست حقيقية”.

صدر الصورة، Instagram/ Bella Hadid

لكن ندرة حدوث هذا أمام انتشار هائل لصور ومقاطع تظهر أجسادا مثالية، وحياة عائلية سعيدة ورفاهية معيشة أو تحولا في حياة البعض من الفقر إلى الغنى بفضل الشهرة على مواقع التواصل، قد تجعل فعالية هذه المكاشفات ضعيفة جدا.

وقد لا يعرف الكثيرون أن أغلب تلك المقاطع المصورة تمثيل لهدف ربحي أو أن الأجساد التي تظهر مثالية إنما هي صنع إضافات تقنية على الصورة وليست كذلك في الواقع.

معنِّفون محتمون بالشاشات

أصدرت منظمة العفو الدولية عام 2018 تقريرا بعنوان “تويتر السام” رصدت فيه “فشل الشركة في احترام الحقوق الإنسانية للمرأة بسبب ردها غير الكافي وغير المؤثر على العنف والإساءة”.

وفي سبتمبر أيلول هذا العام نشرت العفو الدولية تقريرا يقول إن “تويتر لا يزال يخذل النساء بخصوص العنف والإساءة عبر الانترنت، رغم الوعود المتكررة يفعل ما يجب لجعل الانترنت مكانا أكثر أمانا للمرأة”.

يقول التقرير إن شركة تويتر حققت بعضا من التقدم في هذا الشأن لكنه غير كاف.

وأقرت “تويتر” بأنها بحاجة لمزيد من الجهد في هذا المجال، لكنها أكدت أنها تتخذ مزيدا من الإجراءات الاستباقية لمواجهة الإساءات عبر شبكتها.

وفي الخامس من أكتوبر تشرين الأول هذا العام أطلقت منظمة “بلان انترناشيونال” (plan international) حملة بعنوان “حرية التواجد على الإنترنت” بعد أن أظهر بحث لها تحدثت فيه إلى 14000 فتاة في 22 بلدا حول العالم، أن أكثر من خمسين بالمئة منهن تعرضن للعنف والتحرش عبر الإنترنت.

ويظهر البحث أن واحدة من كل خمس فتيات أجبرت على تحجيم استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي، جزئيا أو كليا، بسبب هذا العنف.

وحسب تقرير “بلان” فإن هذا النوع من العنف يحدث عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي، لكن موقع فيسبوك هو الحاضنة الأكبر يليه إنستغرام” و”واتساب” و”سناب تشات” ثم “تويتر” و”تيك توك”.

المفارقة هنا هي أن وسائل التواصل الاجتماعي كان من المفترض أن تكون المساحة التي تعطي للمرأة حرية لم تجدها في محيطها الواقعي، وأن تمكنها من التعبير عن رأيها والإسهام في ما يحصل حولها.

لكن كثيرات من النساء وجدن مقابل تعبيرهن عن رأيهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تهديدا وتحرشا وتنمرا وأشكالا مختلفة من العنف.

ونادرا ما تكون وسائل التبليغ التي تتضمنها المواقع الاجتماعية فعالة في مواجهة هذا الأمر.

وكلما زاد اختلاف المرأة عن “السائد” كلما زادت فرص تعرضها للعنف. فنجد النساء من المعارضات والأقليات والتوجهات الجنسية المخالفة “للمقبول اجتماعيا” أكثر عرضة للعنف.

تطبيع مع العنف

صدر الصورة، iSmail Moneer BBC

بينما يكون التهديد والشتم وبعض أنواع التحرش نوعا صريحا من العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هناك نوعا آخر من العنف المبطن لا يقل خطورة.

وهو العنف ضد المرأة المغلف “بالدعابة” و “الإفيه المضحك” والذي تجد بعض النساء أنفسهن تواطأن معه بغير قصد، أو دُفعن إلى ذلك خشية اتهامهن بالحساسية المفرطة و”المبالغة في رد الفعل”.

تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي صفحات هدفها المعلن التسلية والترفيه، لكن محتواها يقوم بالأساس على السخرية من فكرة المرأة القوية المستقلة، والعمل على تصوير هؤلاء النساء في صورة المجبرات على دخول هذه الفئة والنادمات المتمنيات العودة إلى “رفاهية” حياة المرأة التي تعتمد على معيلها، أبا كان أو زوجا أو غيره، دون الحاجة للعمل أو الدراسة حتى!

كثير من “الطرائف” التي تنشرها هذه الصفحات، أيضا تصور الأم العاملة في صورة المرأة العصبية التي لا تجد وقتا، وفي أحيان لا تكترث لأبنائها قدر اهتمامها بعملها وبنفسها.

وليست المرأة العاملة أو المستقلة الهدف الوحيد لمستخدمي هذه الاستراتيجية.

فمحتوى بعض الصفحات مثلا أغلبه سخرية من قدرة المرأة في التحكم في قراراتها واختياراتها وفي “مزاجها” بدعوى “الهرمونات”.

ومحتوى هذه “الطرائف”، كما يرونها، لا علاقة له طبعا بأي وقائع علمية أو بحثية نفسية كانت أو جسدية .هي مجرد تكريس لصورة نمطية عن المرأة التي لا تفكر بعقلها وإنما تتحكم في حياتها ومصيرها “هرمونات” يفرزها جسدها أثناء تغيرات فيزيولوجية أو نفسية.

الخطير في هذا الأمر أن أغلبية لا بأس بها لا ترى فيه ضيرا ولا تصنفه عنفا. وقد يتعرض من يراه كذلك إلى تنمر وعنف، إذا لم يكن قادرا على مجابهته بنفسه قد يعاني زمنا من تبعاته!

لكن وسائل التواصل الاجتماعي ذاتها التي تحتضن مثل هذا العنف، هي أيضا وسائل نشر حملات التوعية بضرورة إنهاء كل أشكال العنف المسلط على المرأة.

وهي التي تضمن وصول هذه الحملات وأنشطتها إلى أكبر عدد ممكن من النساء.

#لوّن_العالم_بُرتقاليًا

بين اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في الخامس والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني واليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر كانون الأول، تمتد فعاليات الحملة الأممية لمناهضة كل أشكال العنف المسلط على المرأة بسبب نوعها الاجتماعي تحت عنوان “اتحدوا ضد العنف”.

هي حملة يقودها الأمين العام للأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة سنويا منذ عام 2008، وهي جزء من مشروع أطلقته الأمم المتحدة قبل سنوات يهدف “لإنهاء العنف المسلط على النساء بحلول عام 2030”.

وبانطلاق الحملة، تضاء مبان ومعالم كثيرة حول العالم باللون البرتقالي وهو اللون الذي اختارته الأمم المتحدة لحملتها هذه، اللون الذي يرمز لمستقبل مشرق خال من العنف.

وترفع الحملة لعام 2021 شعار #لوّن_العالم_بُرتقاليًا: فلننه العنف ضد المرأة الآن ” وتركز على “الطبيعة العالمية للعنف ضد النساء والفتيات والاعتراف بالتحديات العديدة وخاصة المتعلقة بجائحة كورونا وحالات النزاع”، حسب إعلان الأمم المتحدة.

وقالت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحّوث في خطابها هذا العام ، إن العنف ضد المرأة “أزمة عالمية”،وإن هناك نساء وفتيات يعشن في خطر في كل مكان من العالم.

وقالت بحّوث إن “أكثر من 70 في المائة من النساء تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي خلال بعض الأزمات. وفي البلدان، الغنية والفقيرة على حد سواء، أدى التحيز ضد المرأة إلى تأجيج أعمال العنف ضد النساء والفتيات”.

وأكدت على أن “النزاعات والكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ وانعدام الأمن الغذائي وانتهاكات حقوق الإنسان تؤدي إلى تفاقم العنف ضد المرأة في جميع أنحاء العالم.”

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمته بالمناسبة هذا العام إن “العنف ضد النساء والفتيات لا يزال يعد أكثر قضايا حقوق الإنسان انتشارا وإلحاحا في العالم وهو جريمة بغيضة وحالة من حالات الطوارئ الصحية العامة، له عواقب بعيدة المدى على ملايين النساء والفتيات في كل ركن من أركان العالم”.

الوباء و”الوباء الموازي”

ترتبط حملة هذا العام، كما سابقتها، ارتباطا وثيقا بتداعيات وباء كورونا العالمي على وضع المرأة. حيث تسببت التبعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة الوباء بزيادة أعداد النساء ضحايا العنف بشكل ملحوظ.

وقالت المديرة العامة اليونسكو في رسالتها العام الماضي إنه قبل انتشار وباء كورونا، كانت نحو 243 مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي الذي يمارسه أشخاص مقربون، وإن هذه الأعداد تزايدت مع انتشار الجائحة وامتداد تبعاتها إلى مجالات مختلفة.

ووجد استطلاع لعام 2021 أجرته الأمم المتحدة حول العنف ضد النساء والفتيات خلال فترة الوباء في ثلاثة عشر بلدا أن اثنتين من كل ثلاث نساء تعرضتا أو تعرفان امرأة تعرضت للعنف.

ويؤشر هذا الاستطلاع إلى ارتفاع حالات العنف ضد النساء والفتيات خلال فترة وباء كورونا، والحال أن نسب تعرضهن للعنف قبل الوباء كانت بالأساس عالية جدا ومخيفة.

يقول تقرير للأمم المتحدة بشأن العنف المسلط على النساء إن 52 بالمئة فقط من النساء المتزوجات أو المرتبطات يتخذن بحرية قراراتهن بشأن العلاقات الجنسية واستخدام وسائل منع الحمل والرعاية الصحية.

بينما تشكل النساء والفتيات نسبة 72 بالمئة من جميع ضحايا الاتجار بالبشر حول العالم. ويتعرض ثلاثة من بين كل أربعة من هؤلاء للاستغلال الجنسي.

وإن تقدم المنظمات الدولية والمحلية سنويا إحصاءات عن ضحايا العنف من النساء والفتيات فإن حصر أعداد الضحايا فعليا يبقى أمرا مستحيلا لأن النساء لا تبلغ عن العنف في أغلب الأحيان ولأسباب كثيرة أبرزها الخوف من المجتمع والعار الذي يلحقه بالضحية لا الجاني.

وتسكت النساء على العنف أيضا عند انعدام ثقتها في الآليات القانونية الموضوعة بهدف حمايتها من العنف وتكرر حدوثه ومن تبعاته.

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى