كيف تتغلب تحويلات السوريين على العقوبات الدولية والقيود المحلية لتصل إلى عائلاتهم؟
[ad_1]
رسالة من رقم غريب على تطبيق واتساب تقول “ليك أمانة عندنا” دون مزيد من التفاصيل.. بعدها يقرر المرسل المكان والزمان اللازمين لتسليم “الامانة” للمرسل إليه.
يلتقي الطرفان في شارع عام ، يسيران معا في حيطة وحذر، ليخرج المرسل كيسا أسود ملفوفا ويطلب من المستلم أن يفتح حقيبته ليضع الكيس الأسود بداخلها بسرعة، ومن بعدها يفترق الشخصان في رمشة عين.
هكذا يستلم كثير من السوريون الأموال التي حولها لهم ذووهم بالخارج عبر السوق السوداء. وتتميز هذه العملية بسرية تامة ومحاولات للتخفي عن أنظار السلطات السورية؛ تفاديا للسجن والعقوبات المفروضة على المتعاملين بتحويل الأموال في السوق السوداء.
لكن الخطورة في هذه العملية لا تكمن فيما يمكن أن تجلبه من عقوبات في داخل سوريا فقط، فالسوريون في الخارج معرضون أيضا للملاحقة القانونية إذا ما ضبطوا وهم يحولون الأموال بهذه الطريقة… فكيف يلتف السوريون حول العقوبات الدولية والرقابة الحكومية والإجراءات المشددة التي تكتنف عملية تحويل الأموال هذه؟
الأزمة الاقتصادية
عشر سنوات من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، جرفت الاقتصاد السوري إلى الحضيض، كما تأزمت الأوضاع المعيشية بعد سنوات من الحرب التي دمرت البنى التحتية وخلفت البلاد في حالة يرثى لها.
وقد تدهورت القدرة الشرائية لمعظم السوريين تحت وطأة الارتفاع المتسارع في معدلات التضخم والتدهور في سعر تصريف الليرة السورية التي وقفت عاجزة أمام الدولار وأسعار البضائع المختلفة.
غالبية السوريين تعتمد على الحوالات المالية التي يرسلها ذووهم بالخارج إلى البلد الأم المتعثر اقتصاديا. وأصبحت مكاتب الصرافة المكتظة والطوابير الطويلة على أبوابها، مشهدا متكررا في كافة مناطق سوريا. فهذه الحوالات المالية هي السبيل الوحيد للحياة بالنسبة لكثيرين.
وقال أحد المصطفين على أبواب مكاتب الصرافة في دمشق لبي بي سي، “إن الحوالات المالية هذه هي التي تعيل الناس اليوم، ومن ليس لديها قريب في الخارج يساعده ماديا يشحذ الملح”. بينما أشار شخص آخر إلى أن عمله بدوامين مختلفين ليلا ونهارا لا يكفيان لسداد حاجته ومتطلبات أسرته وأطفاله.
وفقا للمكتب المركزي للإحصاء في سوريا، ارتفعت نسبة التضخم خلال سنة 2020 وحدها، نحو 200٪ مقارنة بعام 2019؛ مما ضيق الخناق على الشعب السوري الذي يقبض راتبه بالليرة السورية المتدهورة بينما يشتري البضائع من الأسواق تبعا لسعر تصريف الدولار.
وقبل عام 2011، كان سعر الدولار الأمريكي يساوي نحو 50 ليرة سورية فقط. بينما يساوي الدولار اليوم نحو 2500 ليرة سورية بحسب سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي . أما في السوق السوداء فيساوي الدولار الواحد نحو 3500 ليرة سورية.
لماذا السوق السوداء؟
الاختلاف الواضح في سعر صرف الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء هو أحد أهم الأسباب التي تدفع السوريين إلى إرسال الحوالات المالية لذويهم بطرق غير رسمية. فالسوريون بالداخل يستلمون الأموال بالليرة السورية مقابل المبلغ الذي يتم تحويله بالدولار من الخارج، ولهذا يلجأ السوريون إلى السوق السوداء التي تضمن تحويلها بسعر صرف الدولار بالسوق السوداء؛ تفاديا لأي خسارة.
ووفقا لعبدالله وهو اسم مستعار لأحد العاملين بتحويل الأموال إلى سوريا عبر السوق السوداء من بريطانيا، فإن عملية التحويل بهذه الطريقة ليست سهلة كما يتخيل بعضهم.
يقول عبدالله إن “الأمر يتم عبر شبكة كبيرة من الأشخاص؛ تضم نحو 50 شخصا في مختلف بلدان العالم وهناك رأس للمجموعة يتم التواصل والتنظيم بين الجميع من خلاله. كما يتم التواصل عبر تطبيق واتساب حصرا لأنه مشفر وتصعب مراقبته”. وعندما تتجمع الأموال هنا في بريطانيا مثلا أو أي بلد آخر، تخرج عن طريق التجار.
“فعندما يأتي التاجر إلى بلد ما لشراء بضاعة أو شحنة، لا يضطر لإحضار الأموال معه والتعرض لأي مساءلة قانونية من السلطات؛ حيث نسلمه نحن هنا الأموال التي تجمعت لدينا من حوالات الناس بالجنيه الإسترليني، ليشتري بضائعه، ويزودنا هو بالمال في سوريا مقابل ذلك”، يضيف عبدالله.
يشتري التاجر بضائعه من الخارج بلا أي عناء في حمل الأموال معه خلال السفر، ويقوم بدوره بتسليم الأموال للسوريين في الداخل بالليرة السورية بقيمة تعادل ما أرسله لهم ذويهم بالعملة البريطانية أو الدولار أو غيرها.
ويحرص التاجر على تسليم الحوالات باليد، ولكن ذلك قد يكون صعبا أحيانا عندما يوجد المستلم في مدينة لا يتوفر فيها أحد التجار أو العاملين ضمن الشبكة، فيضطر التاجر إلى تحويل الأموال من مدينة سورية إلى أخرى بالعملة السورية عبر مكاتب الصرافة الرسمية. ولكن هذه العملية محفوفة بالخطر أيضا.
وفقا لعبدالله فإن “التاجر لا يستخدم بطاقته الشخصية عند كل عملية تحويل، بل يستخدم هوية شخص مختلف كل مرة؛ حيث يعمل لديه قرابة الأربعين شخصا وتحول الأموال باسم أحدهم كل مرة حتى لا تشعر السلطات السورية بأي شيء وتلقي القبض على التاجر”.
فخلال الفترة الأخيرة شددت السلطات السورية الإجراءات وضيقت الخناق على السوق السوداء والتعاملات المالية عبره فألقت القبض على الكثير من المتعاملين بالدولار والتجار في السوق السوداء، كما أغلقت العديد من مكاتب الصرافة التي تتعامل بتحويل الأموال عبر طرق غير رسمية. هذا التشديد دفع كثيرين للحذر والتزام السرية والتكتم خلال العملية وأخذ الحيطة من الأشخاص الذين يتعاملون معهم خوفا من أن يبلغوا السلطات الرسمية.
العقوبات الدولية
بعيدا عن الاختلاف في سعر صرف الدولار بين السوق الرسمي والسوداء، إلا أن هناك أسبابا أخرى تقف وراء لجوء السوريين في الخارج إلى إرسال الحوالات بطرق غير رسمية.
فالعقوبات الدولية على سوريا تمثل عائقا أمام الراغبين بإرسال الأموال من الخارج إلى عائلاتهم بطرق رسمية، بحسب الخبراء والاقتصاديين السوريين.
ووفقا لأستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور عابد فضلية فإن “سوريا محاصرة بعقوبات أمريكية وأوروبية ودولية، كما أن التحويلات المالية من وإلى سوريا، ممنوعة. فعدم التحويل عبر القنوات الرسمية سببه في الحقيقة هذه العقوبات”.
ويضيف الدكتور فضلية “أن الحكومة السورية تحاول بشتى الطرق تشجيع الناس على اعتماد الطرق ومكاتب الصرافة الرسمية” ولكنه يرى أن “العائق الأساسي هو العقوبات والحصار الاقتصادي الذي استهدف البنك المركزي السوري على وجه خاص ويعيق عملية تحويل السوريين للأموال من الخارج بطرق رسمية”.
كما أشار الدكتور فضلية إلى أن حيازة القطع الأجنبي مسموحة في الداخل السوري، إنما التعامل بالدولار بغرض التجارة أو لتغطية صفقة تجارية ممنوع وقد تصل عقوبة تجاوز القانون إلى 7 سنوات من السجن وفرض غرامة مالية.
أما عن الاختلاف في سعر التصريف بين السوقين، فيشير الدكتور فضلية إلى أن الحكومة السورية رفعت سعر تصريف الدولار في السوق الرسمية ليصبح قريبا من سعر صرفه بالسوق السوداء، ولكن “رفع سعر الصرف كل حين وآخر ليس بالأمر السهل، فهذا يعني الحاجة إلى زيادة الرواتب بعدها وارتفاع الأسعار أيضا وهكذا دواليك”.
قد يرى البعض أن إرسال الحوالات المالية عبر السوق السوداء يلحق أضرارا بالاقتصاد السوري، إلا أن هذه الحوالات باتت تمثل سبيلا تعتمد عليه العديد من العائلات السورية في البلد المدمر اقتصاديا في ظل الارتفاع الحاد بالأسعار والشلل في العجلة الاقتصادية.
[ad_2]
Source link