تركيا والإمارات: مصالحة أم تقارب فرضته المصالح؟
[ad_1]
- شهدي الكاشف
- مراسل بي بي سي عربي – اسطنبول
استقبال رسمي مهيب، ذلك الذي حظي به ولي عهد أبوظبي، لدى وصوله إلى القصر الرئاسي في العاصمة التركية أنقرة. فرغم هطول الامطار بشدة، إلا أن ذلك لم يمنع أنقرة، من أن تستقبل موكب محمد بن زايد بثلة من الخيالة، وصولا إلى بوابة القصر الرئاسي، حيث كان الرئيس التركي ينتظر ضيفه، ليصافحه دون تردد، رغم حرصه على عدم مصافحة ضيوفه منذ تفشي جائحة كورونا
الزيارة تأتي بعد نحو عقد من القطيعة السياسية بين البلدين وصلت حد تهديد الرئيس التركي بسحب سفيره لدى أبوظبي في العام الماضي، بعد توقيع اتفاقية السلام بين الامارات العربية المتحدة واسرائيل.
سنوات الخلاف مرت بمراحل عدة، زاد من توترها منعطفات ما عرف بالربيع العربي، واحتضان تركيا لأحزاب الإسلام السياسي، واتهام أنقرة للإمارات بمساندة المحاولة الانقلابية الفاشلة على رئيسها في صيف عام 2016، وبعدها اصطفاف أنقرة إلى جانب قطر في خلافها السياسي مع دول خليجية أخرى.
متغيرات كثيرة
لكن متغيرات إقليمية كثيرة، دفعت الطرفين لإعادة حساباتهما، فجاءت الزيارة تتويجا لاتصالات امتدت على مدى أشهر طويلة، بدأت باتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين، ثم بزيارة لم تكن متوقعة، لمستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد إلى أنقرة ولقائه بأردوغان منتصف شهر أغسطس/آب الماضي.
وتلا ذلك اتصال هاتفي بين محمد بن زايد وأردوغان في أواخر الشهر نفسه، ليخرج بعدها أردوغان مادحا الإمارات وواصفا إياها بـ”الدولة المحورية، وكاشفا عن اتصالات مكثفة جرت على أكثر من صعيد بين البلدين لاسيما على مستوى أجهزة الاستخبارات، ومؤكدا بأن لقاءا لابد سيعقد بينه وبين ولي عهد أبوظبي.
المفارقة هي أن العملة التركية شهدت تحسنا ملحوظا فور هبوط طائرة ولي العهد الاماراتي في مطار العاصمة أنقرة، الأمر الذي اعتبر مؤشرا على ارتياح الاسواق لخطوة التقارب بين البلدين.
الإمارات أعلنت عن تأسيس صندوق لدعم الاستثمارات في تركيا بقيمة عشرة مليارات دولار امريكي.
جاء ذلك الإعلان على لسان محمد حسن السويدي، رئيس مجلس ادارة شركة أبو ظبي التنموية القابضة، والذي رافق محمد بن زايد في زيارته.
وقد شهد أردوغان وبن زايد مراسم التوقيع على 10 اتفاقيات تتعلق بمجالات الطاقة والمصارف والنقل والتكنولوجيا والبيئة.
ووصف ولي عهد أبوظبي في تغريدة له محادثاته مع أردوغان بالمثمرة، معربا عن أمله في فتح أفاق جديدة للتعاون والعمل المشترك بين البلدين.
“سوريا واليمن وليبيا وغاز المتوسط”
العودة إلى طاولة الحوار بين أنقرة وأبوظبي، سبقتها خطوات تقارب تجلت بتخفيف حدة الخطاب الإعلامي بين الطرفين، ونزع فتيل ملفات أمنية عكرت الأجواء في السنوات الاخيرة.
فقدت شهدت الفترة الأخيرة صمتا مفاجئا لزعيم المافيا التركية سادات بكير، والذي هرب من بلاده ولجأ الى إمارة دبي ليطلق من هناك وعبر موقع يوتيوب سلسلة حلقات تلفزيونية تتضمن اتهامات بالفساد لشخصيات بارزة ومقربة من الرئيس التركي.
وفي المقابل أوقفت أنقرة محاكمة فلسطيني يحمل الجنسية الأردنية، بعد 400 يوم من اعتقاله في ولاية سقاريا التركية، بتهم تتعلق بالتجسس لصالح جهاز المخابرات الإماراتي، وقررت الإفراج عنه في انتظار الحكم في جلسة مقبلة يعتقد كثيرون أنها ستشهد حكما بالبراءة.
غير أن مراقبين، يرون أن التقارب بين البلدين، سينعكس إيجابا على ملفات كثيرة في المنطقة، من بينها الأزمة السورية والخلافات في شرق المتوسط وليبيا.
فتركيا تتهم الإمارات بمساندة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية في شمال شرق سوريا بالمال والسلاح والتعاون الاستخباراتي، كما تتهمها بالتحالف مع اليونان وقبرص ضد توجهات أنقرة في البحر المتوسط، كما تدعم قوات القائد العسكري خليفة حفتر في شرق ليبيا.
الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى كمال اندمول، قال إن أنقرة تريد من الإمارات دعما اقتصاديا وتريد أيضا أن توقف أبوظبي دعمها للمسلحين الأكراد في سوريا، وأن تساند الإمارات تركيا في مطالبها بالحصول على حصة من كعكعة الغاز ومصادر الطاقة في شرق المتوسط، وأن تتوصلا إلى تفاهمات حول ملفات شائكة في ليبيا واليمن.
ولكن ما هو المقابل الذي ستقدمه تركيا؟
“امتيازات اقتصادية”
ويرى البعض من المراقبين أن الإجابة على السؤال تكمن في النظر إلى الامتيازات التي حظيت بها قطر خلال السنوات الاخيرة في تركيا
فالدوحة استحوذت على 10 في المائة من أسهم بورصة إسطنبول، ومعها ميناء انطاليا وأكبر مراكز التسوق في إسطنبول، ومشاريع تطوير خليج القرن الذهبي في الجانب الأوروبي من المدينة السياحية.
ويبدو أن كل هذه الاستثمارات فتحت شهية أبوظبي على شراء حصص هي الأخرى في مشاريع تركية وإنشاء شراكات استراتيجية، لاسيما في مشروع قناة إسطنبول الجديدة والذي سيربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود، وشراء بنوك وحصص في البورصة التركية، وكذلك إبداء رغبة في تأسيس شراكات قوية تدعم قطاع الصناعات الدفاعية التركية، الذي شهد نموا كبيرا في السنوات الأخيرة، تحديدا في قطاع تصنيع الطائرات المسيرة.
مصادر إعلامية تركية كانت تحدثت قبل عام عن رغبة أبوظبي في الحصول على صفقة لشراء طائرات تركية من طراز اكنجي المسيرة، غير أن أنقرة أبدت تحفظا في ذلك الحين بحسب مراقبين، خوفا من استخدامها في حرب اليمن.
إلا أن هناك من المراقبين الاقتصاديين من رجحوا أن يوافق الرئيس التركي على منح محمد بن زايد امتيازات اقتصادية كبيرة في تركيا، طالما أن ذلك سيصب في النهاية في صالح دعم الاقتصاد التركي والعملة التركية المحلية والتي فقدت نحو 40 في المائة من قيمتها خلال العام الحالي فقط، وباتت تؤرق أردوغان وتهدد فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في حزيران من 2023.
“ثقة”
غير أن الحبل الذي ألقته أبو ظبي فجأة لإخراج تركيا من أزمتها الاقتصادية بحاجة إلى ثقة لا يزال من المبكر الحديث عن مدى قوتها ومتانتها قبل خضوعها للاختبار.
وبينما تعقد الجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) مؤتمرها السنوي في إسطنبول، تتطلع أبوظبي لدعم تركي يبدو في المتناول بعد زيارة ولي عهدها الى تركيا، طمعا في حصول اللواء أحمد ابراهيم الريسي المفتش العام لوزارة الداخلية الإماراتية على منصب رئيس المنظمة الدولية، رغم اعتراضات وجدل واسع أثارته منظمات حقوقية دولية من خلال بيان وقعته 19 منظمة اتهمت فيها الريسي بارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان.
كذلك يبدو أن فتور العلاقات الخليجية الامريكية في ظل إدارة جو بايدن، وتوجهات واشنطن الواضحة للانسحاب من المنطقة، بجانب التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها دول الخليج في ظل ما تراه تلك الدول “تهديدا إيرانيا متصاعدا”، ورفض شركات السلاح الأوروبية إبرام صفقات جيدة مع أبوظبي بسبب تورطها في حرب اليمن، جعل من تركيا وسيطا يمكن الاستناد عليه في التوصل إلى مقاربات تخفف من خطر وقوع مواجهة مع طهران.
وهكذا فسر البعض تسريب أنقرة لنبأ التوصل إلى اتفاق لفتح طريق بري يصل بين ميناء الشارقة مرورا بإيران ومنها إلى تركيا لنقل المنتجات الاماراتية إلى تركيا خلال ستة ايام ومنها الى أوروبا على أنه تجسيد لهذه المقاربة السياسية الجديدة.
ويرى كثيرون أن أبوظبي قررت أن تتجه إلى الشق الاقتصادي لحل خلافاتها مع خصومها بعد أن عجزت الحلول السياسية عن إيجاد مخرج لما تمر به المنطقة من أزمات.
فهل سيقود التقارب الإماراتي التركي إلى مصالحة حقيقية أم أن لدى الطرفين رغبة في إعطاء فرصة لاختبار نظرية “متصالحون رغم الاختلاف”، وهي نظرية يطبقها أردوغان في علاقاته حتى مع موسكو التي يختلف مع سياستها في سوريا وأوكرانيا، ومع واشنطن التي تفرض عليه عقوبات رغم أنه ثاني أكبر حليف لها في حلف الناتو..
[ad_2]
Source link