الإنتربول: ماذا وراء الحملات ضد ترشيح الإماراتي أحمد الريسي لرئاسة المنظمة الدولية؟
[ad_1]
- نسرين حاطوم
- مراسلة بي بي سي عربي لشؤون الخليج
تعقد الجمعية العمومية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) ومقرها مدينة ليون في فرنسا، اجتماعها التاسع والثمانين في مدينة إسطنبول في تركيا بين الثالث والعشرين والخامس والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث من المنتظر أن يتم انتخاب رئيس جديد للمنظمة الدولية.
المرشح الأوفر حظاً هو اللواء أحمد ناصر الريسي، المفتش العام في وزارة الداخلية الإماراتية منذ عام 2015، وعضو اللجنة التنفيذية للإنتربول ممثلا لقارة آسيا خلال السنوات الثلاث الماضية.
لكن ترشيح الريسي تزامن مع حملة دولية تنظمها جهات حقوقية عربية ودولية ضد ملفه.
وتقول هذه المنظمات إن سبب الحملة هو سجل الريسي الحقوقي؛ إذ أقيمت ضده أكثر من خمس قضايا جنائية في بلدان أوروبية مختلفة على خلفية ملفات تعذيب اتهم بالإشراف عليها.
من بين هذه الشكاوى، دعاوى رفعها ضده المواطنان البريطانيان ماثيو هدجيز وعلي عيسى أحمد.
سُجن الأول لاتهامه بالتجسس لصالح الحكومة البريطانية، في حين يقول الثاني إنه أوقف لارتدائه قميصاً عليه شعار منتخب قطر لكرة القدم.
ماثيو هيدجز… من طالب دكتوراه إلى متهم بالتجسس لصالح بريطانيا
أوقفت السلطات الإماراتية ماثيو هيدجز في مايو/ أيار عام 2018 في مطار دبي ليُسجن لنحو سبعة أشهر في أبو ظبي، إلى أن أُطلق سراحه بعفو رئاسي.
يقول هيدجز لبي بي سي: “عشت في الإمارات لنحو خمس سنوات بينما كانت عائلتي قد أمضت قرابة عشرين عاماً فيها، لذا فإنني أعرف هذه البلاد إلى حد ما”.
حين تم احتجازه، كان ماثيو طالباً في جامعة درهام البريطانية يعد أطروحة الدكتوراه عن القبائل، والسلطة ونظام المحسوبية في الإمارات وعن استراتيجية أمن نظام ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وشبكة التحالفات التي تسعى لدعم نظام الحكم لديه.
“كان من الطبيعي أن أقابل خبراء في الأمن والأمور الاستراتيجية علماً أنني لم أقابل أي أحد يحمل الجنسية الإماراتية ذلك أنني وقعت على تعهد مسبق يمنعني من ذلك”، يوضح ماثيو هيدجز لبي سي سي عربي.
كانت والدة ماثيو برفقته حين تم إيقافه، وقامت على الفور بإبلاغ السفارة البريطانية في أبو ظبي.
اتهم ماثيو بجمع معلومات حسّاسة وسرية عن الإمارات وأمنها وتم سجنه في أبو ظبي في مكان يقول إنه “لا يشبه السجن”.
“كان مكاناً غريباً، هو ليس سجناً، في الأشهر الخمسة الأولى لم يسمحوا لي بالاستحمام سوى مرة واحدة في الشهر، ثم تحسّنت الأحوال. كنت مجبراً على أخذ أدوية كانت تؤثر على أطباعي وجهازي العصبي ونومي وكانوا يفتحون فمي ليتأكدوا أنني أخذتها”.
يقول ماثيو إنه لم يتعرض للتعذيب الجسدي، فهو لم يُصعق بالكهرباء ولم يُضرب، لكنه يعتقد أن السبب وراء عدم تعرّضه للتعذيب الجسدي هو أنه تجاوب معهم بسهولة واعترف تحت الضغط النفسي بجميع التهم الموجّهة إليه مخافة أن تصل الأمور إلى الإساءة الجسدية.
ويضيف: “صحيح أنني لم أتعرض إلى تعذيب جسدي، لكن من الناحية القانونية، يمكن القول إني كنت أتعرض لتعذيب جسدي؛ لأن جميع الأدوية التي كنت مجبراً على ابتلاعها تركت آثارها في جسدي، وما زلت أعاني حتى اليوم ولم أتمكن من ترك بعض هذه الأدوية”.
يقول ماثيو إنه اكتشف منذ مدة “أن السلطات الإماراتية كانت تتجسّس على هاتفي النقّال في لندن قبل أن أسافر إلى الإمارات من خلال برنامج التجسّس الشهير بيغاسوس”، ويعتبر ان “هذا يعني أنني كنت تحت المراقبة قبل سفري إلى الإمارات وقبل إعدادي البحث الجامعي هناك”.
تنفي الإمارات أي تهم لها بالتورط في التجسس على صحفيين ونشطاء باستخدام برنامج بيغاسوس. وتصف التقارير التي تشير إبلى ذلك بـ “المفبركة”.
“من أجل أسياده”
أدين ماثيو بتهمة التجسس في الإمارات لكنه حصل على عفو رئاسي وأطلق سراحه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
حينها، أعلن جابر اللمكي وهو المدير التنفيذي للقطاع الاستراتيجي في المجلس الوطني للإعلام في الإمارات أن ماثيو هيدجز اعترف أثناء التحقيق بأنه كان يعمل كمخبر لجهاز استخبارات أجنبي وأنه جمع معلومات حساسة وسرية عن الإمارات. وفي مؤتمر صحفي عقده حينها، قال اللمكي إن : “الأدلة، سواء كانت إلكترونية أم وثائق هي أدلة غير قابلة للجدل”.
وأضاف اللمكي: “استخدم ماثيو هيدجز هويتين مختلفتين لجمع المعلومات من أهدافه. في إحداها، كان ماثيو هيدجز، طالب الدكتوراه. وفي الثانية، كان ماثيو هيدجز رجل الأعمال. طالب دكتوراه بدوام كامل ورجل أعمال بدوام جزئي، لكنه كان يعمل بنسبة 100 في المئة في الخدمة السرية بدوام كامل”.
وتشير المعلومات الأمنية الإماراتية إلى أن هيدجز، كان يبحث عن معلومات حسّاسة كان يعرف أنه يمكنه الوصول إليها. “لقد كان هناك لسرقة أسرار تتعلق بالأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة من أجل أسياده”، بحسب اللمكي.
لكن ماثيو الذي يصر على براءته، يقول إنه ماضٍ في الضغط لمنع انتخاب اللواء الريسي رئيساً للإنتربول رغم اقتناعه أن الريسي سينال هذا المنصب في نهاية المطاف.
“بالطبع ستتأثر سمعة المنظمة الدولية، كيف يمكن لرئيسها أن يكون سجله حافلاً بقضايا تنتهك حقوق الإنسان وأن يكون مسؤولاً عن تعذيب السجناء والموقوفين؟” يتساءل، ويستطرد ماثيو قائلاً: ” لكن هذا أمر لا يثير استغرابي، فالرئيس السابق للإنتربول الصيني منغ هونغواي موقوف بتهم الفساد والرشوة”.
صحيح أن ماثيو هيدجز لم يقابل اللواء أحمد الريسي خلال فترة سجنه، لكنه يحمّله المسؤولية المباشرة لكل ما تعرّض له أثناء فترة احتجازه ذلك أن اللواء الريسي مسؤول برأيه عن كل ما يجري داخل السجون في دولة الإمارات.
يقول هيدجز في هذا الخصوص: “في نهاية المطاف، هو مسؤول عن كل ما يجري للموقوفين والمسجونين لأنه حين تكون القضية كبيرة وهامة كقضيتي ويتم التعامل معها بطريقة غير رسمية، فإنه من المؤكد أنه كان على علاقة بكل ما حصل لي وعلى دراية تامة بذلك”.
يأمل ماثيو وآخرون أن تنجح المحاكم في الدول التي تم فيها رفع شكاوى جنائية ضد الريسي في توقيفه ما أن تطأ قدماه أراضيها.
ويقول المحامي الدولي المتخصص في شؤون حقوق الإنسان رودني ديكسون إن “هناك الآن شكاوى جنائية في خمس دول مختلفة على الأقل ضد اللواء الريسي بتهمة التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان. إذا صوتت الدول لصالحه لرئاسة الإنتربول وتجاهلت الإجراءات الجنائية ضده، فسيكون ذلك بمثابة سخرية من نظام العدالة الجنائية الدولي بأكمله. لا ينبغي أن يكون المرشح لمنصب رئيس الإنتربول موضع تحقيق بتهم التعذيب”.
منظمات دولية ونوّاب فرنسيون ضد انتخاب الريسي
إضافة إلى ماثيو هيدجز وعلي عيسى أحمد، قدّمت منظمات حقوقية عدة رسالة إلى الإنتربول تطلب من الجمعية العمومية فيها عدم انتخاب اللواء أحمد الريسي.
الرسالة تحمل توقيع المنظمات التالية: الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فرونت لاين ديفندرز، مركز الخليج لحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، الخدمة الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
وتقول هذه المنظمات في الرسالة التي أرسلت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إنه “بالنظر إلى ما يضطلع به اللواء الريسي من دور في الإبقاء على حالة إفلات الجناة في قوات الشرطة والأمن الإماراتية من العقوبة، فإنَّه يتعيَّن على الجمعية العامة أن ترفض ترشيحه”.
وتضيف الرسالة: “إن سعي دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تولي رئاسة الإنتربول هو في نهاية الأمر مدفوع بالرغبة في استخدام وإساءة استخدام المنابر الدولية لتقوية وإدامة سجلها المشين في مجال حقوق الإنسان دون عواقب. ولذا، فإنَّه ينبغي للجمعية العامة أن ترفض رئاسة الريسي لمنع تحول الإنتربول إلى منظمة تعمل لصالح الحكومات الاستبدادية”، على حدّ وصف الرسالة.
خالد ابراهيم وهو المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان قال في مقابلة مع بي بي سي عربي إن الرسالة جاءت بهدف حث الجمعية العمومية للإنتربول على عدم التصويت للواء أحمد ناصر الريسي لأنه مسؤول على حدّ وصفه، عن انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان ولأن شكاوى عدة قدّمت ضده ما يجعله تحت المساءلة القانونية بعد توثيق مسؤوليته عن كل هذه الانتهاكات،وفق تعبير إبراهيم.
ويعبر خالد ابراهيم عن اعتقاد الموقعين على الرسالة أن “اللواء أحمد الريسي غير مؤهل لقيادة الإنتربول، إضافة إلى أن سجل الإمارات السيء في مجال حقوق الإنسان يجعلها غير صالحة لقيادة هذه المنظمة الدولية المهمة”.
وكان خالد إبراهيم شارك قبل أيام في ندوة نظمها النائب هوبرت جوليان لافريير في الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس ضد احتمال انتخاب اللواء أحمد ناصر الريسي لرئاسة الإنتربول.
اللواء الريسي: تاريخ حافل بالإنجازات والجوائز
مقابل كل هذه الحملات، تبدو صورة لامعة للواء أحمد ناصر الريسي في الإمارات العربية المتحدة.
فالرجل الذي يعمل في سلك الشرطة والأمن منذ نحو أربعين عاماً لديه سجل حافل بالإنجازات والجوائز والميداليات.
وبحسب صفحته على الإنترنت يعتبر اللواء الريسي أحد أبرز قادة منظومة إنفاذ القانون في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويضيف الموقع أن الريسي يتمتع بخبرة في مجال إنفاذ القانون، وهو خبير في المجال الأمني والشرطي، والتحول الرقمي، والأدلة الجنائية، والتنسيق الدولي لمكافحة الجريمة.
وبحسب الموقع أيضاً فإن للواء الريسي دوراً أساسياً في تنفيذ عدد من المبادرات في المجال الشرطي في الإمارات، بما في ذلك:
• التكنولوجيا الشرطية والأدلة الجنائية والإدارة والتنسيق الدولي في مجال مكافحة الجريمة
• تطوير ورفع جاهزية وتكامل المنظومة الأمنية الإلكترونية وتعزيزها بأحدث الابتكارات التقنية من خلال مشروع نظام بصمة العين وبصمة الوجه والذي حاز عليه جائزة التميّز في مدينة ميلان الإيطالية عام 2007
• إنشاء واستحداث مركز المعلومات الجغرافية الذي يتيح تنسيق العمليات حسب الموقع الجغرافي
كما أنه لعب على مدى السنوات الماضية دوراً أساسياً في إطلاق العديد من المبادرات الاستراتيجية لتعزيز برامج الحكومة الذكية وتعزيز الشراكة الدولية لوزارة الداخلية الإماراتية، أثمرت بحسب الموقع أعلاه، توقيع مذكرات تفاهم مع أكثر من ثمانين دولة وتشكيل ثماني لجان أمنية مشتركة مع دول أخرى.
كل هذه الإنجازات والتاريخ المهني الحافل بالجوائز والمهارات في مجال الأمن والشرطة هي ما جعلته المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الإنتربول بحسب الأستاذ في العلاقات الدولية د. محمد فراس النائب.
النائب وفي مقابلة مع بي بي سي عربي أكد أن الإمارات أثبتت وجودها المميّز في المحافل الدولية على أكثر من صعيد معتبراً أن الحملات الموجّهة ضد اللواء الريسي ليست سوى جزء من “استراتيجية أعداء النجاح”
يضيف قائلاً: “في كل مرة تتميّز فيها الإمارات، كحين فوزها باستضافة إكسبو 2020 أو حين فازت بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي بدءاً من يناير/ كانون الثاني 2022 تتعرّض لانتقادات وحملة اتهامات للنيل من صورتها وإنجازاتها، إلاً أن الصورة الدولية للإمارات في المحافل الدولية هي في أفضل حالاتها”.
ويقول د. محمد فراس النائب إن على الدول التي تصف نفسها بأنها مهد للديمقراطية (ويقصد فرنسا وبريطانيا والنروج والسويد التي رُفعت فيها شكاوى ضد اللواء رئيسي) أن تؤمن بالمسار الديمقراطي للعملية الانتخابية التي ستتم في ليون والتي من المنتظر أن يُنتخب فيها اللواء أحمد الريسي رئيساً للإنتربول.
لافتاً إلى أن تلك الدول لا يمكنها توقيف الريسي، لأنه في حال انتخب سيكون محصّناً بامتيازات وحصانات من أهم المنظمات الدولية على الإطلاق، وبالتالي لن تسمح هذه الحصانات بأي تجاوز بحقه.
[ad_2]
Source link