كيف يمكن لبكتريا الأمعاء التي استخدمها القدماء المصريون أن تحسن صحتك؟
[ad_1]
- صوفيا كواغليا
- بي بي سي
منذ أكثر من عقد من الزمان، لم نكن نعرف الكثير عن عدد لا يحصى من الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش بسعادة داخل أجسامنا وعلى أجسادنا، لكن الآن يعتقد الباحثون أن بإمكانهم تغيير مستقبل صحة الإنسان.
في مايو/آيار 2012 بدأت أماندا كاباج، وهي باحثة في طب الأطفال بجامعة مينيسوتا وكانت تبلغ من العمر آنذاك 32 عامًا، تعاني من مشاكل غير عادية في الجهاز الهضمي. وكانت تعاني من أكثر من عشر حركات في الأمعاء في اليوم الواحد وتجد كميات مقلقة من الدم في البراز. بدا الأمر بالنسبة للأطباء وكأنها تعاني من عدوى بكتيرية طفيفة، لذلك وصفوا لها نوعين مختلفين من المضادات الحيوية.
لكن الأعراض ظلت تزداد سوءًا بعد مرور أشهر. وكانت أماندا شابة تتمتع بصحة جيدة ولياقة بدنية جيدة عندما عانت فجأة من آلام مزمنة في البطن، وهو ما أجبرها على التوقف عن تناول الأطعمة الصلبة، كما فقدت تسعة كيلوغرامات من وزنها، وبدأ شعرها يتساقط بكميات كبيرة، وبدأ زملاؤها يلاحظون تغيبها كثيرا عن العمل.
ووصف لها الأطباء العديد من الأدوية، لكن دون جدوى.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، اكتشف الأطباء أنها مصابة بعدوى بكتيرية تعرف باسم “المطثية العسيرة”.
وعلى الرغم من أن هذه البكتيريا يمكن العثور عليها في أحشاء معظم الناس، إلا أنها إذا خرجت عن نطاق السيطرة يمكنها إطلاق السموم التي تدمر الأمعاء وتقتل البكتيريا الأخرى التي تحافظ على عمل الأعضاء.
وغالبًا ما تنشأ العدوى نتيجة تناول مضادات حيوية قوية، وهو الأمر الذي يخل بالنظام البيئي الصحي للأمعاء.
إنها مشكلة شائعة وتسبب الملايين من الإصابات وآلاف الوفيات حول العالم كل عام. وقدرت إحدى المراجعات الحديثة العبء العالمي للمطثية العسيرة بحوالي 323 حالة من بين كل 100 ألف شخص، أو حوالي 25 مليون حالة على مستوى العالم.
لكن نظرًا لعدم وجود علاج يخفف من آلامها، بدأت أماندا في استغلال مهاراتها البحثية لإيجاد حل لتلك المشكلة، فبحثت في الأوراق العلمية وتواصلت شخصيًا مع باحثة بارزة في المطثية العسيرة لسؤالها عما إذا كان بإمكانها المشاركة في تجربة العلاج التجريبي الذي كان فريق هذه الباحثة يعمل عليه والذي ينطوي على زرع ميكروبات الأمعاء من شخص سليم إلى المرضى.
وفي أوائل سبتمبر/أيلول 2013، خضعت أماندا للإجراء المعروف باسم “زرع ميكروبات البراز”، فزُرع البراز المتبرع به والذي يضم مزيجا صحيا من الميكروبات في أمعائها ليحل محل الميكروبات التالفة.
تقول أماندا: “في تلك الليلة، كنت أسمع أصوات قادمة من أحشائي، وكأن الميكروبات الجديدة كانت تنتقل إلى مقرها الجديد وتثبت نفسها في القولون”.
وكان التأثير سريعًا ومذهلًا، فبعد 14 شهرًا من المعاناة، وبعد أسبوعين من علاجها بهذه الطريقة، عادت أماندا إلى طبيعتها، واختفت مشاكل الجهاز الهضمي تمامًا.
ويعد العلاج الذي تلقته تتويجا للإدراك المتزايد بأن الكائنات الحية الدقيقة الموجودة داخل أجسامنا تلعب دورًا مهمًا في صحتنا، وإن لم يكن هذا الأمر يحظى بالاهتمام المناسب إلى حد ما.
لقد ساعد البحث العلمي في الكشف عن العلاقة المعقدة بين صحتنا العامة والكائنات الدقيقة الموجودة على أفواهنا وأنوفنا وداخلها، وكذلك الممرات الهوائية والرئتين والمعدة والقولون والأعضاء التناسلية والجلد. إنها تساعدنا على الهضم، والتمثيل الغذائي، وإنتاج المخاط،، وتشكيل خط الدفاع الأول ضد الكائنات الحية الغريبة التي قد تضر بنا.
وبينما يتكشف فهمنا لهذه العلاقة المعقدة وطويلة الأمد، تتكشف كذلك قدرتنا على تسخيرها لمصلحتنا، وهو ما يجعل العديد من الخبراء يأملون في أننا قد نكون قريبًا على أعتاب حقبة جديدة من الرعاية الصحية التي تعمل على نقل الكائنات الحية الدقيقة من شخص لآخر.
من الأفضل التفكير في الميكروبيوم على أنه مدينة من المجتمعات المختلفة، فهو يتألف من تريليونات من البكتيريا والفطريات والفيروسات المتجاورة، وكلها تتصارع للحصول على مساحة داخل أجسامنا وعلى سطحها، ورغم أنها تؤدي وظائف محددة في مناطقها الخاصة فإنها تلعب أيضا أدوارًا تفيد الجسم ككل.
والميكروبات الصحية هي مجموعة وفيرة ومتنوعة من الميكروبات، وكل شيء بدءا من نظامنا الغذائي إلى بيئتنا يؤثر على كيفية عملها بشكل جيد.
لكن الإفراط في تناول المضادات الحيوية واستهلاك الأطعمة فائقة المعالجة، على سبيل المثال، يقضيان على الميكروبات الموجودة في الأمعاء، وهو ما يجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بالعدوى مثل المطثية العسيرة وأشكال أخرى من الأمراض. لكن أهمية هذه العلاقة بين الميكروبات الموجودة في أجسامنا وصحتنا أصبحت واضحة الآن فقط.
ربما كانت الخطوة الأكثر أهمية هي إدراك أنه يمكننا أيضًا استخدام الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في أجسامنا لمساعدتنا في علاج الأمراض أو حتى الوقاية منها. وأدى ظهور سلالات شديدة الخطورة من المطثية العسيرة إلى زيادة هائلة في حالات الإصابة خلال العشرين عامًا الماضية، كما أن أكثر من 20 في المئة من الحالات تشمل الآن البكتيريا التي أصبحت مقاومة للمضادات الحيوية.
وهذا يعني أن طريقتنا المعتادة في مكافحة هذه العدوى – باستخدام مجموعة من المضادات الحيوية – أصبحت عديمة الفائدة بشكل متزايد. وحتى المضادات الحيوية التي ما زالت تؤدي عملها يجري استخدامها بشكل مقتصد للغاية خوفا من أن ينتج الجسم مقاومة ضدها أيضا.
لكن “زرع ميكروبات البراز” أصبح بديلاً في المعركة ضد أشكال العدوى مثل المطثية العسيرة، فإعادة التوازن الصحي للميكروبات في الأمعاء بشكل فعال يسمح لتلك البكتيريا بإعادة السيطرة على أعداد بكتريا المطثية العسيرة.
يقول ألكسندر خورتس، المدير الطبي لبرنامج علاجات الميكروبيوتا بجامعة مينيسوتا والرائد في مجال زرع ميكروبات البراز: “يمكنك القول إن العقد الماضي كان عقد ظهور زرع ميكروبات البراز في الممارسة السريرية. نحن الآن ندخل فصلاً جديدًا أكثر جدية فيما يتعلق بتطوير المنتجات. لقد كان زرع ميكروبات البراز في الأساس مجرد فصل في قصة من شأنها أن تكمل هذه الحدود الكاملة للعلاجات الطبية”.
ويمكن إرجاع استخدام البراز في العلاجات الطبية إلى القدماء المصريين، الذين استخدموا البراز البشري والحيواني كمكونات فعالة ضد مجموعة متنوعة من الأمراض.
لكن نظرًا لأن الطب الحديث دفع الأطباء إلى تقدير الحاجة إلى النظافة للحفاظ على البيئات المعقمة، فقد توقف استخدام البراز. ولم يعد هذا الأمر إلا في عام 1958، عندما نجح باحث من كولورادو في إثارة اهتمام زملائه فيما يتعلق باستخدام ميكروبات البراز كعلاج.
يقول خورتس: “لقد ذُكر ذلك عندما كنت أذهب إلى كلية الطب في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان الطلاب يضحكون على ذلك إلى حد ما”.
ولم يكن خورتس قادرًا على إجراء أول عملية لزرع ميكروبات البراز إلا في عام 2008، وهي الخطوة التي ساعدت على وضع إجراءات لأخذ عينات من المجتمع الميكروبي للمتبرعين والمتلقين قبل العلاج وبعده. وكان خورتس قادرًا على إظهار أن البكتيريا المزروعة بقيت في أحشاء المتبرعين لأكثر من شهر.
وطور مختبره بعد ذلك بروتوكولًا لتجميد خلطات البراز وتخزينها لفترات طويلة، بحيث لا يضطر الأطباء إلى تحضير خلطات البراز في مكاتبهم. وبدلاً من ذلك، يمكنهم الاعتماد على عينات معدة مسبقًا. إن توحيد العملية بهذا الشكل قد مهد الطريق لجعلها أكثر انتشارًا.
ويمكن للمرضى الآن الحصول على بكتريا البراز من خلال منظار القولون، أو حقنة شرجية، أو عن طريق الفم من خلال كبسولات صغيرة من مادة البراز المجمدة.
وكان خورتس هو الذي عالج أماندا في عام 2013. ففي ذلك العام، وبعد حالة من الشد والجذب بين الأكاديميين والشركات والمنظمات الدولية، جرت الموافقة على زرع بكتريا البراز كعلاج للمطثية العسيرة بموجب قواعد صارمة للغاية، تختلف من دولة إلى دولة في تعريفها لما إذا كان زرع بكتريا البراز يعد زرعا للأنسجة أو يعد عقارا بيولوجيا تجريبيا.
ومنذ ذلك الحين، يُستخدم زرع بكتريا البراز كعلاج لآلاف المرضى في أوروبا والولايات المتحدة كل عام (على الرغم من صعوبة معرفة الأرقام الدقيقة). ويعتقد الباحثون أن هذه الطريقة في العلاج يمكن أن تساعد المزيد من الناس.
ويؤكد الأطباء على ضرورة إجراء اختبار صارم لميكروبات المتبرع بعد اكتشاف انتقال شكل نادر من بكتريا الإشريكية القولونية المقاومة للأدوية إلى مريضين، توفي أحدهما بعد ذلك، خلال تجربة إكلينيكية في مستشفى بالولايات المتحدة. لكن على الرغم من ذلك، لا تزال هناك العديد من الروايات عن أن العلاجات اليدوية أصبحت شائعة على نطاق واسع.
[ad_2]
Source link