انقلاب السودان: لماذا غاب “حميدتي” عن المشهد السياسي؟
[ad_1]
- سمية نصر
- بي بي سي نيوز عربي
وسط الضغوط الداخلية والخارجية التي يواجهها الفريق أول عبد الفتاح البرهان لتسليم السلطة لحكومة مدنية، برزت تساؤلات حول قائد عسكري آخر لعب دوراً بارزاً منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، هذا القائد هو الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع. فلماذا غاب عن المشهد منذ الانقلاب؟ وما طبيعة العلاقة بينه وبين البرهان؟
في 13 أبريل/نيسان عام 2019، رقي الفريق محمد حمدان دقلو إلى رتبة فريق أول، وتم تعيينه نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي ترأسه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وذلك في أعقاب عزل الرئيس السوداني عمر البشير في 11 أبريل/نيسان. جاء ذلك بعد ساعات من إعلان حميدتي رفضه المشاركة في المجلس، “إلى حين الاستجابة لمتطلبات الشعب والبدء فيها”.
قبل يوم من من اعتقال عدد من الوزراء والمسؤولين المدنيين في السودان من بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وإعلان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء، وفرض حالة الطوارئ في البلاد، وتعليق العمل بمواد من الوثيقة الدستورية، كان مجلس السيادة، على لسان النائب الأول لرئيسه، حميدتي، يؤكد على دعم عملية الانتقال الديمقراطية، وصولاً للانتخابات العامة في البلاد.
كان البرهان هو وجه الانقلاب، وشخصيته الوحيدة، بينما توارى حميدتي عن الأنظار.
دور غير معلن في الانقلاب
تحدث مواطنون عبر مختلف أنحاء السودان عن رؤية عناصر من قوات الدعم السريع في الشوارع، جنباً إلى جنب مع قوات الأمن خلال المظاهرات التي تلت الانقلاب. وتقول المحللة السودانية المقيمة في الخرطوم خلود خير إنه “يرجح أن يكون لحميدتي وقيادة الدعم السريع دور في الانقلاب”.
المعروف أن حميدتي أصبح لاعباً أمنياً رئيسياً في السياسة السودانية منذ مجيئه إلى الخرطوم في 2013، فقد أضفى البشير شرعية على الميلشيات التي كان يتزعمها حميدتي في إقليم دارفور، وكانت تحارب المتمردين من أصول أفريقية هناك، حيث أطلق عليها اسم “قوات الدعم السريع”.
الانقلاب الأخير تضمن “عنصراً أمنياً ضخماً، بما في ذلك احتجاز النشطاء والسياسيين والصحفيين”، برأي خلود خير، التي ترجح أن حميدتي، بوصفه أيضاً نائباً لرئيس مجلس السيادة المنحل، كان له دور كبير في الانقلاب، “حتى ولو لم يعلن عنه”.
وقد اتُهمت قوات الدعم السريع بالاشتراك فيما عرف إعلامياً بـ “مجزرة القيادة العامة” عندما قامت قوات مسلحة، قيل إنها تابعة للمجلس العسكري وقوات الدعم، بفض اعتصام سلمي في 3 يونيو/ حزيران عام 2019، ما أسفر عن مقتل أكثر من 120 شخصا، وألقي العديد من القتلى حينها في نهر النيل.
وربما لعبت تلك الاتهامات، التي يعتبرها حميدتي ظالمة، دوراً في قراره الاختفاء من المشهد السياسي السوداني في الوقت الحالي. التحقيق الجاري في تلك المجزرة لم يحدد بعد المسؤولين، ولكنه “أدين في محكمة الرأي العام” على حد تعبير خير، كما أنه يحرص في الوقت ذاته على ألا يفعل شيئاً قد يعرض مستقبله السياسي للخطر.
العلاقة بين حميدتي والبرهان
يرى كثير من المراقبين أن العلاقة بين حميدتي والبرهان تتسم بالتعقيد. فرغم أنهما ينتميان إلى الكيان العسكري المسيطر على مقاليد السلطة في السودان، إلا أن خلفياتهما ومصادر نفوذهما مختلفة.
فحميدتي ينحدر من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان. وقد ترك الدراسة في عمر مبكر وعمل في العشرينات من عمره في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد بشكل رئيسي، فضلا عن حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته.
جنى حميدتي ثروة كبيرة من عمله هذا في التسعينيات، مما مكنه من تشكيل ميليشيا قبلية خاصة به تنافست مع ميلشيات قبلية أخرى، وعند اكتشاف الذهب في جبل عامر سيطرت ميليشياته على مناجمه.
أما البرهان، فتعود جذوره إلى ولاية نهر النيل الواقعة إلى الشمال من العاصمة الخرطوم، وقد ولد في قرية قندتو في أسرة دينية تتبع الطريقة الختمية، وهي إحدى الطرق الصوفية الكبرى في السودان، وكان لها دورها في الحياة السياسية السودانية ممثلة بالحزب الاتحادي الديمقراطي، المنافس التقليدي لحزب الأمة.
وتخرج البرهان من الكلية الحربية، وعمل ضابطا في قوات المشاة، وغيرها من وحدات الجيش. وشارك في حرب دارفور، وكذلك المعارك التي سبقت انفصال جنوب السودان عن شماله.
ومنذ تعين حميدتي نائباً للبرهان في المجلس العسكري، ثم عضواً في مجلس السيادة الانتقالي الذي يترأسه البرهان، تظهر تقارير إعلامية بين الحين والآخر تتحدث عن وجود خلافات بين الرجلين.
ورغم العديد من البيانات الصادرة عن المجلس، للتأكيد على عدم وجود صراع، وتأكيد البرهان نفسه على أن القوات المسلحة (التي يشغل البرهان منصب قائدها العام) وقوات الدعم السريع (بزعامة حميدتي) “على قلب رجل واحد”، ترددت أصداء خلافات بينهما حول عدد من القضايا، من بينها حركة وانتشار قوات الدعم في الخرطوم وولايات أخرى، فضلاً عما تردد عن محاولة الدعم السريع عقد صفقات ذات طابع اقتصادي، مع عدد من الشركات الدولية دون علم الدولة.
كما تحدثت تقارير إعلامية نقلاً عن مصادر عسكرية، عن أن الصراع يتركز بالأساس حول النفوذ الشخصي، أكثر من كونه صراعاً بين القوات المسلحة والدعم السريع.
ولكن يبدو أن الاثنين نجحا حتى الآن في تنحية خلافاتهما جانباً، نظراً لوجود الكثير من الأهداف المشتركة بينهما. فالرجلان لم يخفيا طموحاتهما في البقاء في السلطة، وانتقدا بشكل كبير في الفترة التي سبقت الانقلاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
كما أنهما يخشيان من التعرض للمسائلة حول انتهاكات حقوقية ومالية في حال استتبت الأمور لحكومة مدنية في البلاد. تتعلق تلك الانتهاكات بالنزاع في دارفور، و”مجزرة القيادة العامة”، والإمبراطوريات التجارية التي يُزعم أن جنرالات كبار بالجيش يمتلكونها.
ولتحقيق أهدافهما المشتركة المتمثلة في تفادي المسائلة القانونية والبقاء في السلطة والمحافظة على مصالحهما الاقتصادية، تحالف القائدان العسكريان القويان.
كما أن البرهان يواجه تحدياً كبيراً، يتمثل في الحفاظ على السلام الهش مع عدة حركات تمرد مسلحة في إقليم دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فضلاً عن تهديدات محتملة بالانفصال في شرق السودان. ومن ثم، فإنه بحاجة إلى الإبقاء على تحالفه مع حميدتي وقواته، للمحافظة على السلام مع الحركات المسلحة، لا سيما وأن القوات المسلحة السودانية تعاني من تشرذم وانشقاقات برأي كثيرين داخل السودان، ومن بينهم حمدوك.
ولكن المحللة السياسية خلود خير ترى أنه من غير الواضح إلى أي مدى سيصمد ذلك التحالف، “نظراً لأن الانقلاب يبدو الآن متعثراً بسبب رفضه دولياً، وأيضاً والأهم، رفضه داخلياً”.
العلاقات مع القوى الإقليمية
لطالما تحدثت تقارير إعلامية عن العلاقات الوطيدة بين حميدتي وكل من الإمارات والسعودية. وقد زود حميدتي التحالف الذي تتزعمه السعودية في اليمن بمرتزقة من قواته. كما تردد أن حميدتي وفر وحدات للمساعدة في حراسة الحدود السعودية مع اليمن.
ورغم أن البرهان أصبح يشكل أهمية متزايدة لهاتين الدولتين في الفترة الأخيرة، فضلاً عن كونه حليفاً لمصر تربطه صداقة برئيسها عبد الفتاح السيسي، ترى خير أنه إذا تواصل نمو الضغط الشعبي على البرهان للتنحي، ربما يبرز حميدتي كحليف أفضل لبعض القوى الإقليمية.
“لا أحد يثق في صمت حميدتي، وهناك من يقولون إنه ربما يفعل بالبرهان ما فعله بالبشير عام 2019، ولكن أحداً لن يتعاطف معه في هذه الحالة…ونظراً للديناميكيات العرقية في السودان، من غير المرجح أن رجلاً صغير السن نسبياً لم يكمل تعليمه وينحدر من إقليم دارفور سيحظى بقبول النخب السياسية والاجتماعية في الخرطوم”.
[ad_2]
Source link