التعليم: كيف يمكن أن تتطور اقتصادات الدول عند إتقان الأطفال اللغة العربية؟
[ad_1]
- ألمى حسون
- بي بي سي عربي -لندن
في مجموعة قصصية قديمة للصغار اسمها “حكايات عبر الهاتف” لا تغفو البطلة الصغيرة ليلا إلا بعد أن يتصل بها والدها المسافر من هاتف عمومي، يضع فيه قطعة نقود معدنية، ويحكي لها قصة قصيرة تستمر حتى ينقطع الخط مع انتهاء مفعول قطعة النقود. ووفقا للراوي، كان موظفو السنترال يتوقفون كل ليلة عن عملهم ليستمعوا لحكايات الأب لصغيرته.
تخطر على البال هذه القصص عند قراءة إحدى توصيات تقرير للبنك الدولي التي تؤكد على ضرورة أن يقرأ الأهالي القصص لأطفالهم في سن مبكّرة، كإحدى طرق تطوير تعلّم اللغة العربية في الدول العربية – بعد ملاحظة غياب كتب الأطفال عن كثير من البيوت، وعدم انتشار عادة قراءة الأهل لأولادهم.
وبالنسبة لغالبية سكان الدول العربية، المرهقين جدا بسبب الأزمات الاقتصادية ومشاكل ساستهم وانعكاساتها عليهم وتبعات الصراعات المسلّحة والحروب على حياتهم اليومية، تبدو قراءة قصص للأطفال بعد دوام المدرسة أمرا غير وارد بالنسبة للآباء والأمهات.
لكن الأرقام الواردة في تقرير البنك الدوليّ مخيفة فعلا؛ أحدها يكشف أن نحو 60 في المئة من الأطفال بعمر العاشرة (في الصف الرابع الإبتدائي) في الدول العربية لا يستطيعون قراءة أو فهم نص بالعربية مكتوب بلغة مناسبة لأعمارهم.
هذه الظاهرة سُميت بـ “فقر التعلم”.
وتأتي معدلات فقر التعلّم في الدول العربية في المرتبة الثانية عالميا بعد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
وهذه المشكلة أكبر من كونها “مشكلة عاطفية” تُحزن الأهل لعدم إتقان أولادهم وبناتهم لغتهم العربية الأم، ففقر التعلم يقلل فرص الأطفال في الحياة وبالتالي يؤخّر نماء الدول العربية وتطورها اقتصاديا.
تقول الدكتورة أميرة كاظم، إحدى المسؤولات عن إعداد تقرير البنك الدولي، إن الأرقام “المخيفة” في التقرير “غير مفاجئة”، موضّحة أن “أكثر ما فاجأني في التقرير هو عدم وجود كتب أطفال في البيوت وعدم انتشار عادة القراءة لدى أولياء الأمور”.
لكنها ترفض أن تعتبر أن قراءة الأهل لأولادهم “رفاهية” متاحة لطبقة اجتماعية دون أخرى، وتسرد عليّ بسرعة قصتين سَمِعَت بهما، لتوضّح فكرتها بـأن “قراءة الكتب ليست محدودة بشعب أو آخر، لكن هناك حاجة للتوعية. فعندما نزيد توعية الأهل ونقيم علاقات واضحة بين القدرة على القراءة (في الصغر) وزيادة فرص الأولاد في الحياة وليس فقط سوق العمل، يمكن (للأهل) اتخاذ قرارات أفضل”.
القصة الأولى تقول إن شابا فقيرا جدا في بلد عربيّ (لم تسمّه) باع كل ما يملك العام الماضي ليتمكن من شراء جهاز كومبيوتر لأولاده ليتمكنوا من التعلم عن بعد بسبب الظروف التي فرضها وباء كورونا.
أما الثانية فهي عن امرأة فقيرة جدا، من بلد عربي فقير جدا (أيضا رفضت تسميته)، تعيش في منطقة جبليّة وتدفع كل ما تملكه لتحصل ابنتها على أفضل تعليم ممكن وهي بالكاد قادرة على تأمين طعام للبيت. وهي مؤمنة أن قرارها صحيح لأن ابنتها عندما ستدرس وتكبر وتعمل فلن يكون حالها كحال أمها.
علما أن فقر الدخل في الدول العربية هذا العام، وفقا لأرقام الأمم المتحدة، سيتراوح بين 88 في المئة (كما هو الحال في سوريا) وسيفوق 40 في المئة في بلدان عربية أخرى، أما في الدول العربية متوسطة الدخل، فمن المتوقع أن تكون النسبة 19 في المئة.
لا يحمّل التقرير – طبعا – الأهل مسؤولية عدم إتقان أولادهم القراءة بالعربيّة وهم في سن العاشرة بل يضع المسؤولية الأساسية على الحكومات ويدعو لوضع استراتيجيات وطنية لتطوير المناهج وتطوير المعلّمين مهنيا وتوفير مواد تعليمية جيدة وحديثة.
فالأهل لا يتوقّع منهم الكلام بالفصحى مع أولادهم، خاصة بسبب “الازدواجية” في اللغة العربيّة، التي تحدّث عنها التقرير، فالعربيّة تتسع للفصحى وللهجات العامية المتعددة وحتى لما أصبح يعرف بالـ”أرابيزي” – وهي لغة تحوي رموزا وأحرفا من أكثر من لغة يستخدمها الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام.
توضّح الأستاذة هنادا طه تامير، الأستاذة في جامعة زايد، أنه ليس مطلوبا من الأهل إتقان الفصحى ولا الحديث بها مع الأطفال إن كانوا لا يجيدونها، بل المطلوب هو “الكلام بأي لهجة” مع الأطفال “فالمهم أن يسمع الأطفال كلاما ويتناقشوا مع أهلهم بالعربيّة. فالأهالي هم أولياء أمور وليسوا مدرّسين”.
لكن.. ما علاقة فهم نص عربي لطلاب الصف الرابع باقتصاد الدول؟
تشرح أميرة كاظم، التي تشغل منصب مسؤول أول عمليات التعليم في البنك الدولي، أنه وفقا لمؤشر التنمية البشرية، فإن الطفل الذي يولد اليوم سيكون قادرا على تقديم 56 في المئة فقط من إنتاجيته عندما يبلغ 18 عاما، مقارنة بدول تستثمر في البشر وتقدم خدمات طبية وتعليمية بمستوى أعلى: “أغلب التغاير في قيم مؤشر التمنية البشرية في كل دول العالم سببه الاختلافات في التعلم”، كما تقول.
“فبدون المهارات التأسيسية (ومنها القدرة على القراءة وفهم ما يُقرأ) لا يستطيع الأطفال والشباب عادة الازدهار في سنوات الدراسة ولا في مكان العمل وبالتالي لن يكونوا مواطنين فاعلين ولن يقدروا على دعم اقتصاد بلادهم”.
الغريب هو أن نسبة ذهاب الأطفال للمدارس “عالية”، فمثلا نسبة التسرّب المدرسي في تونس هي صفر في المئة، وفي مصر 1 في المئة، وفي الجزائر 4 في المئة، وفي المغرب 5 في المئة، وفقا لأرقام البنك الدولي.
لكن المشكلة لا تتعلق بمعدّل الذهاب للمدرسة بل بجودة التعليم الذي يتلقاه الطلاب في المدارس.
توضّح الدكتورة هنادا طه تامير، التي شاركت أيضا في كتابة تقرير البنك الدولي المعنون “النهوض بتعليم اللغة العربية وتعلُّمها”، أنه رغم “نسبة التمدرس العالية جدا” إلا أن الطالب الذي يمضي 12 عاما في المدرسة هو في الواقع يحصّل ما يعادل 8 سنوات تعليم – أي أن هناك خسارة فرص تعلّم حقيقية تتراوح ما بين 2-5 سنوات بالنسبة لكل طالب.
وتلفت الأستاذة النظر لنتيجة أخرى هي أن وضع الفتيان أسوأ من وضع الفتيات من ذات العمر بخصوص إتقان العربية، لأسباب كثيرة.
تعد الفجوة بين الجنسين في مجال “فقر التعلّم” الأكبر من بين جميع المناطق حيث يزداد احتمال فقر التعليم بشكل أكبر بين الفتيان (تبلغ النسبة 66 في المئة بين الفتيان مقابل 56 في المئة بين الفتيات)، وأكبر الفروق بين الجنسين توجد في دول مجلس التعاون الخليجي، كما تزداد الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، وفقا للتقرير.
ولماذا اللغة العربية الفصيحة هي المؤشّر؟
لأن اللغة العربية هي “لغة التمدرس في غالبية منطقتنا العربية”، كما توضّح د.هنادا.
وتقول: “في المدارس الحكوميّة اللغة العربية هي لغة باقي المواد كالرياضيات والعلوم والاجتماعيات وغيرها، فهي إذاً تكوّن المادة الأساس والأهم التي يجب أن نوليها الاهتمام خاصة في المراحل المبكّرة، الأطفال يتعلمون القراءة وحين يصلوا إلى الصف الرابع والخامس الابتدائي يكونوا قادرين على تعلّم وفهم باقي المواد، ولذلك هي المعيار”.
كما توضّح أنه لا يوجد تنافر بين إتقان اللغة العربية الفصيحة وبين متطلبات سوق العمل – الذي يركّز على توظيف متحدثي اللغات الأجنبيّة وخاصة الإنكليزية: “المطلوب اليوم إتقان اللغتين أو أكثر، ولابد من وجود قاعدة متينة للعلوم العربية واللغة العربية والثقافة العربية طبعا (..) وأيضا ما يحتاجه العالم التجاري من لغات أخرى”.
[ad_2]
Source link