التغير المناخي: كيف تغيرت حياتكم مع إرتفاع درجة الحرارة؟
[ad_1]
- مها القاضي
- بي بي سي
عادة ما يبدأ الناس حديثهم بمناقشة الطقس ودرجات الحرارة، لكن الأمر لم يعد مجرد حديث عابر لكسر الجليد أو كمدخل للتعارف، فالتغير المناخي أصبح خطرا يهدد الحياة على الأرض بالفعل، وليس مجرد وجهة نظر.
ويشعر المواطن المغربي كريم بن علال بالفعل بهذا التغيير في مدينته طنجة، “فمنذ الصغر كنا نشعر بتبدل الطقس في الفصول الأربعة، لكن الآن أصبحت الأيام تتكرر، فالخريف الآن لا يبدو كالخريف. وكنا نشعر بنسائم البحر ونشم رائحته من فوق أسطح بيوتنا، لكن الآن لا نشعر بهذه الأشياء ما لم نكن على الممشى الموازي للمحيط.”
ويعي كريم كلفة التغير المناخي على بلده المغرب “فمؤخرا، اكتشفت من مطالعتي للوثائقيات أن بلدي مهدد بندرة المياه رغم جهود الدولة المستمرة لتنظيم وبناء السدود. وأن جنوب البلاد يواجه خطر التصحر.”
وارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار 1.18 درجة مئوية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وفقا لما رصدته وكالة ناسا الأمريكية. وحدث الجزء الأكبر من هذا الارتفاع خلال السنوات الأربعين الماضية، وكان العامان 2016 و2020 هما الأشد حرارة في تاريخ الأرض بزيادة سنوية في درجات الحرارة أكثر قليلا من درجة مئوية.
ويرجع هذا الارتفاع في درجات الحرارة إلى الزيادة المستمرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، التي تشهد زيادة مستمرة منذ منتصف القرن العشرين، من حوالي 300 جزء في المليون عام 1950 إلى مستواها الحالي الذي يقترب من 420 جزء في المليون.
وتقول الدكتورة مها الصباغ، الأستاذ المشارك في سياسات الطاقة وتغير المناخ ونائب العميد للدراسات التقنية بجامعة الخليج العربي، إن دول العالم كلها ليست بمنأى عن التحديات البيئية، لكن “ينبغي التمييز ما بين التحديات البيئية الوطنية أو الإقليمية، والتحديات البيئية العالمية” في إشارة إلى خصوصية كل منطقة في العالم من حيث المشاكل البيئية التي تواجهها وطرق معالجتها.
وبالفعل يواجه العالم العربي مخاطر بيئية قد تختلف عن غيره من مناطق العالم، مثل أخطار التصحر وتآكل المناطق الساحلية في دول الخليج، أو خطر الغرق الذي تواجهه سواحل شمال أفريقيا المطلة على البحر المتوسط، أو قضايا جودة الماء والهواء والحفاظ على التنوع الأحيائي.
ويشعر بن علال بكل هذه المخاطر بالفعل في بلده، إذ ضرب مثلا ببحيرة “ضاية عوا” في وسط المغرب، التي كانت واحدة من بقاع التنوع الأحيائي في البلاد ومحطات هجرة الطيور، ومقصدا سياحيا للراغبين في مشاهدة الطبيعة. وتواجه البحيرة في السنوات الأخيرة خطر الجفاف بسبب تغير الظروف المناخية، ما أثر تباعا على الحياة البرية في المنطقة.
وذكر مقال نُشر على موقع المركز العربي في العاصمة الأمريكية واشنطن أنه من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في العالم العربي بمقدار أربع درجات مئوية بنهاية القرن الحادي والعشرين، وهذه زيادة يشعر بها المواطن العربي بالفعل في حياته اليومية.
“أكثر مكان غير مريح”
ووفقا للدكتورة مها الصباغ، فإن أنماط الاستهلاك والأنشطة الاقتصادية والتقنيات المستخدمة هي العامل الأبرز في التأثير على قضايا البيئة، وليست مجرد الزيادة السكانية. “وبحسب عدد من الدراسات، فإن التقدم في الجانب التقني يُمَكّن الدول من الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، غير أن التقنيات وحدها لا يمكنها تحقيق الأهداف المرجوة ما لم يصاحبها وعي المستهلكين ووضعهم لهدف الاستدامة البيئية نصب أعينهم.”
وأضافت: “نمط استهلاك الفرد وخيارات الشراء التي يتخذها هي ما يؤثر في بصمته البيئية، وبالتالي الاسهام في تفاقم المشاكل البيئية.”
وهذا الوعي الاستهلاكي لا يتقصر على خيارات بسيطة مثل شراء منتجات وسلع بعينها أو اختيار وسيلة نقل صديقة للبيئة أو بذل الجهد لدعم إعادة التدوير، بل قد يمتد إلى أن يؤذي الإنسان نفسه بخيارات كبرى مثل السكن غير الملائم لطبيعة المناخ حيث يعيش.
“يتجدد هذا الجدل كل عام، خاصة في فصل الصيف. فالبيت هو أكثر مكان نقضي في الوقت، وأكثر مكان غير مريح” هكذا استهلت المهندسة المعمارية هبة شامة حديثها عن أنماط بناء البيوت التي تشكو الأسر من طبيعتها التي تزيد من شعورهم بالحرارة والبرودة.
وترى شامة، وهي متخصصة في التطوير العمراني وتوثيق التراث الشعبي، أن المشكلة بدأت مع سيطرة فكرة “نمط واحد مناسب للجميع” على البناء، دون الالتفات لملائمته لطبيعة البيئة المحلية أو احتياجات الأسرة.
ويشبه بن علال هذا النمط في البناء بـ “الصناديق”، فيقول: “البناء الآن يحبس الحرارة والبرودة ويزيد من شعورنا بهما. الشتاء أصبح باردا جدا، وفي الصيف كذلك يشتد الحر علينا، رغم أننا قديما لم نكن بحاجة إلى تكييفات كالآن.”
وأضاف: “البناء في العقدين الأخيرين لم يعد يلائم حسابات المناخ وتغيرات المناخ. الأجداد كانت لهم بيوت بسيطة لكن كانت تحسب حساب التهوية والفضاءات وحلقات دخول الشمس والهواء. والعمران الآن له دور كبير في التأثير على شعورنا بالحرارة.”
وغالبا ما يكون نمط البناء المسيطر غربيا، أو يهدف لإثبات مكانة اجتماعية معينة “وقديما، كان المعماري أو البنّاء شخصا ذا خبرة، يفكر في اتجاهات الشمس والرياح، وتصميم الشبابيك والمداخل تباعا. لكن الآن، تحول البناء إلى عمل تجاري يهدف صاحبه إلى بناء وحدات متشابهة والتوفير في البناء، وغالبا ما يكون بالطوب الأحمر/الحراري” على حد قول شامة.
وعادة ما كانت تختلف مواد البناء من منطقة لأخرى وفقا للظروف البيئية المحيطة، فيستخدم الحجر مثلا للبناء في البيئة الصحراوية، والطوب المصنوع من الطمي في البيئات الزراعية، وتستخدم عناصر معمارية مثل القباب والمشربيات والقبو لغرض ضبط التهوية والإضاءة والصوت وفقا لطبيعة المكان.
سياسات الاستدامة
لكن شامة ترى أن فكرة النمط الموحد والبحث عن البذخ أو الشكل فقط أضرت بعملية البناء وبحياة الناس في بيوتهم تباعا، “فمثلا المباني الزجاجية ليست ملائمة لمناطق معينة لأنها تكون بمثابة صوبة زجاجية عملاقة. وقد تتحول القبة المبنية بالطوب الحراري في غير محلها لمجرد قبة لتجميع الحرارة بدلا من التهوية. فهذه العناصر المعمارية ليست مجرد شكل، بل تؤدي وظيفة تهدف إلى الخروج بأفضل وضع مناسب للمقيمين في المكان.”
وتابعت: “لذلك مثلا يحافظ أهل الريف على بيوتهم القديمة المبنية بالطمي رغم بناءهم بيوتا متعددة الطوابق بالطوب، وذلك لإدراكم لقيمة البيت القديم وملائمته للبيئة، فيكون رطبا في الصيف ودافئا في الشتاء.”
وتعد أنشطة البناء من بين الأنشطة الاقتصادية الأكثر تأثيرا على المناخ، لارتباطها بمستويات عالية من انبعاثات الملوثات والمخلفات الخطرة وغير القابلة لإعادة التدوير في كثير من الحالات. وكذلك معدلات كبيرة من استهلاك الطاقة.
ويرى بن علال أن “مواجهة الجشع العمراني ولوبي العقارات” ضرورة للتصدي لتبعات التوسع الحضري المبالغ فيه وغير المبرر أحيانا، كقطع الأشجار والتأثير على الحياة البرية. “فالتطور الحضاري شيء جميل، لكن لا يجب أن يكون على حساب البيئة وصحتنا.”
وتسبب التوسع العمراني في طنجة في شيء أخطر يتعلق بمكبات النفايات “التي غالبا ما تكون خارج المدينة، لكنها أصبحت مجاورة لنا بسبب التمدد العمراني. وعندما تحرق النفايات، يصل الدخان وترسبات المواد المحروقة إلى داخل المدينة،” على حد وصف بن علال.
وترصد شامة وجود مبادرات تعمل بالفعل على إيجاد بدائل أكثر استدامة لمواد البناء، وتكنولوجيا أكثر حرصا على الكفاءة في استخدام الطاقة، مثل مشروع “مدينة مصدر” في الإمارات القائم على استخدام الطاقة الشمسية والمتجددة.
كذلك أشارت إلى مشروعات صيانة المباني التراثية التي تبدو متهالكة بحيث تصبح آمنة وقابلة للاستخدام، مثل تجربة مؤسسة أغا خان في منطقة الدرب الأحمر في القاهرة، وكذلك مبادرات إحياء العناصر المعمارية القديمة مثل المشربيات والقباب وملاقف الهواء بعناصر ومواد تلائم طبيعة الحياة الحديثة.
“لكنها تظل مبادرات فردية، ولا توجد مساحة كافية للتجريب. وقد يرفض بعض الأفراد استخدام هذه البدائل فقط لأنها غير مألوفة.”
وفي المقابل، تقول الصباغ أن هناك بالفعل أطرا من السياسات التي تدعم التحول لأنشطة أكثر استدامة “فقد تضمن اتفاق باريس، وما سبقه من اتفاقيات، بنوداً تنص على تقديم الدعم المالي إلى الدول النامية، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا وبناء القدرات. كما يوفر صندوق المناخ الأخضر التمويل اللازم للمشروعات المتعلقة بخفض انبعاث غازات الدفيئة والتكيف مع الآثار المترتبة على تغير المناخ.”
وأضافت الصباغ أن دول الخليج انتقلت بالفعل من مرحلة التوقيع على الاتفاقيات والبروتوكولات إلى تطبيق سياسات تخاطب مشكلات البيئة “ففيما يتعلق بتغير المناخ مثلاً، تم وضع أهداف تتعلق بالطاقة المستدامة لخفض انبعاث الغازات الدفيئة. وكذا الحال بالنسبة لجودة الهواء، فنرى المشروعات المتعلقة بالنقل الجماعي ووضع المواصفات الفنية المتعلقة بالسيارات الكهربائية والحوافز التي تشجع على استخدامها”.
وأشارت الصباغ كذلك إلى العديد من مشروعات إنتاج الكهرباء وتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية وتحسين كفاءة استهلاكهما، ومبادرات تعزيز مصارف الكربون مثل التشجير والحفاظ على الأراضي الرطبة، واستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه.
ويشعر بن علال بالمسؤولية الفردية نحو قضايا البيئة، ويرى أن المواطن عليه الأخذ بزمام المبادرة نحو أسلوب حياة أكثر استدامة. “ولا نحتاج لأحد كي يوصينا بالأشجار والنباتات والحفاظ على البيئة، فنحن لدينا في ثقافتنا ما يعزز هذا السلوك.”
وتضم منطقة الشرق الأوسط 70 في المئة من الدول المهددة بأزمات المياه عالميا، ويخشى خبراء أنه مع الارتفاع المستمر في درجات الحرارة وتفاقم أزمات شح المياه والتصحر وتراجع خصوبة التربة، قد تتراجع الحاصلات الزراعية التي تنتجها المنطقة، ما يهدد الأمن الغذائي تباعا.
شاركونا الرأي
كيف ترصدون تأثير التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة على حياتكم اليومية؟
هل تشعرون بأن جودة حياتكم تغيرت خلال السنوات الماضية بسبب المناخ؟
ما الجهود التي تبذلونها بشكل فردي للحفاظ على البيئة في محيطكم؟
هل يدعم بلدكم ما يكفي من السياسات والأنشطة للحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة؟
لماذا برأيكم يتضائل اهتمام المجتمعات بقضايا البيئة مقارنة بغيرها من القضايا؟
ما درجة استعدادكم الشخصي لتغيير نمط حياتكم من أجل قضايا المناخ والبيئة؟
[ad_2]
Source link