أقدام تراخيلوس: هل تغيّر هذه الآثار المثيرة للجدل ما نعرفه عن مكان نشأة الإنسان؟
[ad_1]
- فيرناندو دوارتيه
- بي بي سي
أثارت مجموعة من آثار الأقدام التي تم اكتشافها بالصدفة في جزيرة كريت اليونانية أسئلة كثيرة، وجدلا واسعا حول أصول الجنس البشري.
وقد عُثر على الآثار المعروفة باسم آثار أقدام تراخيلوس، في عام 2002 من قبل عالم الحفريات البولندي جيرارد جيرلينسكي، لكن دراسة جديدة تقول أنها أقدم دليل معروف على أسلاف الإنسان الحالي.
ويخالف البحث، الذي نُشر في 11 أكتوبر/ تشرين الأول في مجلة Scientific Reports من قبل فريق دولي، النظرية المعتمدة على نطاق واسع بأن البشر المعروفين باسم Hominins (المصطلح المستخدم لوصف المجموعة المكونة من الانسان المعاصر وأنواع البشر المنقرضين وجميع أسلافنا المباشرين)، نشأوا وتطوروا في أفريقيا قبل أي مكان آخر.
خارج أفريقيا
يؤيد علماء الحفريات على نطاق واسع الفرضية القائلة إن أفريقيا هي “مهد البشرية”.
ووفقا لهذه النظرية، تطورت البشرية في تلك القارة على وجه التحديد قبل “الهجرة الكبرى” إلى بقية العالم، والتي بدأت قبل أقل من مليوني عام.
لكن فريق الباحثين بقيادة عالم الحفريات السويدي بير أهلبرغ، يشكك في هذا الجدول الزمني، فوفقا لبحثه فإن عمر آثار أقدام تراخيلوس ستة ملايين سنة.
وهذا من شأنه أن يجعلها أقدم بحوالي 2.5 مليون سنة، من تلك التي تعتبر عادة أقدم دليل مباشر على قدم شبيهة بقدم الإنسان الحالي، وهي آثار أقدام ليتولي، التي اكتُشفت في تنزانيا عام 1976.
وقد لعبت الاكتشافات في أفريقيا دورا حاسما في تحديد “شجرة عائلتنا” البشرية.
بالإضافة إلى آثار الأقدام، كانت هناك العديد من الاكتشافات الأحفورية لمرحلة ما قبل الإنسان في إفريقيا في المائة عام الماضية، وشملت جمجمة Sahelanthropus، التي يُقدر أنها تعود لكأئن عاش في أفريقيا قبل سبعة ملايين عام، وهو أقدم كائن شبيه بالبشر الحاليين.
في المقابل، شهدت أوروبا عدداً محدوداً جدا من الاكتشافات الهامة المماثلة.
لمن تعود آثار الأقدام في جزيرة كريت؟
كان البروفيسور بير أهلبرغ أحد أعضاء الفريق الذي نشر في عام 2017 أول ورقة بحثية عن آثار أقدام تراخيلوس، أما دراسة أكتوبر/ تشرين الأول 2021 فهي عبارة عن تحليل جيولوجي لآثار الأقدام تمكن من إرجاعها لتاريخ، وتحديد عمرها بشكل أكثر دقة وهو 6.05 مليون سنة وليس 5.7 مليون سنة.
في الورقة الأصلية خلص أهلبرغ وزملاؤه إلى أن الآثار تشبه آثار أقدام أشباه البشر، خاصة في الطريقة التي بدا عليها إبهام القدم (إصبع القدم الكبير) قريبا من الأصابع الأخرى، بعكس أقدام الغوريلا والشمبانزي.
وقال لبي بي سي: “تبدو آثار أقدام القرود غير البشرية مختلفة للغاية، فالقدم لديها تشبه إلى حد كبير اليد البشرية”.
ويضيف: “بالمقارنة مع سلالات القرود، أصابع قدمنا الكبيرة تتماشى مع المحور الطويل للقدم ولا تبرز إلى الخارج في أي طرف”.
لكن بعض علماء الحفريات قابلوا هذه النتائج بالتشكيك.
بادئ ذي بدء، شكك النقاد في الأساليب المستخدمة لتحليل آثار أقدام تراخيلوس، واعترض البعض على أنها ربما ليست آثار أقدام حقيقية.
وكان خبير البصمة الرائد البروفيسور ماثيو بينيت، من جامعة بورنموث في المملكة المتحدة، أحد أعضاء الفريق الذي يدرس آثار الأقدام في اليونان، لكنه بدا حذرا في تقييمه.
وأوضح البروفيسور بينيت لبي بي سي: “إنها آثار أقدام أحفورية مثيرة للاهتمام للغاية، ربما تركها حيوان ذو قدمين، أو نوع من القرود”.
وأضاف: “لكن البت في مسألة أنها آثار أقدام لسلالة بشرية فهو أمر آخر”.
لفهم تردد بينيت، علينا أن نتذكر مرة أخرى غياب عظام أحافير أشباه البشر في أوروبا.
كما أن الجدول الزمني للتطور البشري بعيد كل البعد عن كونه أمراً بسيطاً.
يعتقد علماء الحفريات أن القردة العليا (العظمى) أي إنسان الغاب، والغوريلا والشمبانزي والبشر، نشأت وتنوعت خلال فترة تعرف باسم العصر الميوسيني، منذ ما يقرب من 23 مليون إلى 5 ملايين سنة.
لكن هناك القليل من الإجماع حول متى “انفصل” البشر عنهم.
وجد العلماء دليلا على وجود قرود عليا غير بشرية تجوب أوروبا، لذلك من الممكن أن تكون قد تركت آثار أقدام في جزيرة كريت، كما يوضح روبن كرومبتون، الأستاذ والخبير في الأنثروبولوجيا البيولوجية بجامعة ليفربول في المملكة المتحدة.
وقال كرومبتون لبي بي سي: “يمكن أن تكون آثار أقدام تراخيلوس لأشباه البشر، وهذا أمر مثير بكل تأكيد. ولكن لا تزال هناك علامة استفهام كبيرة لا يمكن معالجتها إلا بمزيد من الأبحاث والاكتشافات، وبعبارة أخرى، نحتاج إلى العثور على المزيد من العظام وآثار الأقدام في أوروبا”.
ما أهمية آثار أقدام تراخيلوس؟
يقول أهلبرغ إنه لا شك في أن جنسنا البشري، الإنسان العاقل (هوموسابيان)، قد تطور في أفريقيا منذ حوالي 300 ألف عام.
لكنه في الواقع مهتم بمعرفة المزيد عن مرحلة أقدم بكثير من تاريخ الجنس البشري.
يقول: ” أصل الإنسان العاقل الأفريقي موثق جيدا، لكن السؤال هنا هو ما إذا كانت السلالة البشرية بأكملها نشأت في أفريقيا في وقت سابق للذي نعرفه”.
ويمضي للقول: “ربما لم يحدث ذلك حيث تشير أبحاثنا إلى أن أسلاف البشر الأوائل ربما تجولوا في جنوب أوروبا وكذلك شرق أفريقيا”.
وبدلا من مجرد دحض فرضية الخروج من أفريقيا، يقول أهلبرغ إنه يعمل على البحث في إمكانية وجود أسلافنا في أوروبا في وقت أبكر مما نعتقد حاليا: “كل ما نريد قوله هو أن الحيز الذي تجول فيه هؤلاء البشر الأوائل قد يكون أوسع مما اعتاد الناس على التفكير فيه”.
وفي عام 2017 وهو نفس العام الذي نُشرت فيه أول ورقة بحثية عن آثار أقدام تراخيلوس، تصدرت عالمة الحفريات الألمانية مادلين بوهم من جامعة توبنغن عناوين الصحف لكن لسبب آخر.
فقد أعلنت عن اكتشاف “آخر سلف مشترك” للإنسان والشمبانزي، لم يعثر عليه في أفريقيا بل في أوروبا.
وقالت بوهم وفريق من الباحثين أن الكائن، غرايسوبيثيكوس Graecopithecus عاش في منطقة البلقان قبل ما بين 7.18 إلى 7.25 مليون سنة، وبذلك يكون أقدم من ساهيلانثروبوس Sahelanthropus، أقدم سلف بشري يمشي منتصباً.
وكل ما تم العثور عليه من بقايا كائن غرايسوبيثيكوس، عبارة عن سن واحد وعظم فك، وقد عثر على تلك البقايا في اليونان على بعد 250 كم من جزيرة كريت.
وتقول بوهم: “أبحاثنا لا تركز على تاريخ التطور البشري بعد خمسة ملايين سنة، بل تركز على ما حدث قبل ذلك الوقت”.
الشك والعلم
إن الجدل الذي تسبب به اكتشاف آثار أقدام تراخيلوس، يثير تساؤلات حول كيفية تعامل العلماء مع فرضية مستبعدة لا تتوافق مع السائد.
على الرغم من تحفظاته على آثار أقدام تراخيلوس، إلا أن روبين كرومبتون، يصر أيضا على أن استبعاد تلك الفرضية من قبل علماء الحفريات ليس مفيدا على الإطلاق لدراسة أصول البشرية.
وقال “يجب دراسة تلك الفرضية لا استبعادها دون التحقق منها، ينبغي على العلماء أن يكونوا منفتحين”.
توافقه مادلين بوهم الرأي، مشيرة إلى أنه كانت هناك تحولات زلزالية في النظريات حول أصول الجنس البشري.
على سبيل المثال، لم تٌقبل فرضية أفريقيا على نطاق واسع على الفور عندما تم العثور على بقايا رضيع يعرف باسم طفل تونغ الذي عاش قبل 2.8 مليون سنة في جنوب أفريقيا في عام 1924.
وتقول: “كانت هناك لحظات في التاريخ ساد خلالها الاعتقاد أن البشرية قد نشأت في أجزاء مختلفة من العالم بدلا من أفريقيا”.
وتضيف: “العلم الذي لا يخضع للتشكيك بهدف الوصول للحقيقة ليس علما جيدا، لكن الناس بحاجة إلى الانفتاح على الحجج. إننا بحاجة إلى مزيد من البحث والتحقق والمزيد من الاكتشافات، لكن رؤية الزملاء يرفضون النتائج التي توصلنا إليها ببساطة هو أمر آخر”.
يبدو أن أهلبرغ منزعج على وجه التحديد من تلميحات زملائه بأن الفرضية التي قدمها فريقه غير عادية.
ويعتقد أنه “فقط لأن الناس متشبثون بشدة بفكرة الخروج من أفريقيا، يُنظر إلى ما توصلنا إليه على هذا النحو”.
ويمضي للقول “بهذا المعنى لست قلقا بشأن ما سيقوله مجتمع علم الحفريات الآن. لقد قدمنا الأدلة وعرضنا قضيتنا”.
ويختم بالقول “بكل صراحة التصدي لشكوك الناس ليس بالأمر المثير للاهتمام”.
سرقة آثار تراخيلوس
على ما يبدو فإن آثار أقدام تراخيلوس لم تثر فضول العلماء والباحثين فحسب، فالأمر قد تجاوز هؤلاء.
وبعد الإعلان عن اكتشافها عام 2017 بأسابيع قليلة، حفر أحدهم في الصخر وسرق ثمانية من آثار أقدام تراخيلوس.
لكن لحسن الحظ، ألقت الشرطة اليونانية في وقت لاحق القبض على مدرس في مدرسة ثانوية محلية، وتم العثور على الحفريات لديه.
[ad_2]
Source link