حزب الله اللبناني: الجذور ومنابع النفوذ
[ad_1]
حزب الله كيان سياسي، وعسكري، واجتماعي يتمتع بقاعدة جماهيرية ونفوذ كبير بين أوساط الطائفة الشيعية في لبنان.
تأسس الحزب الذي يحظى بدعم إيران في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين وبرز إلى واجهة الأحداث أثناء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982. إلا أن جذوره الفكرية تعود إلى ما يعرف “الصحوة الإسلامية الشيعية” في لبنان في الستينيات والسبعينيات التي شهدت ظهور نشاط شيعي ومرجعيات دينية في جنوب لبنان كمرجعية الشيخ حسين فضل الله.
بيد أن حزب الله لا يخفي في أدبياته التزامه بنظرية ولاية الفقيه التي وضع اساسها آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، رفض حزب الله الرضوخ لمطالب نزع السلاح، واستمر في تقوية جناحه العسكري الذي يميل لتسميته بـ “المقاومة الإسلامية”. وباتت قدرات الحزب العسكرية تفوق الجيش اللبناني، وهي القوة التي استخدمها ضد إسرائيل في حرب عام 2006.
ومع الوقت، أصبح الحزب قوة مؤثرة ولاعبا أساسيا في النظام السياسي اللبناني، وأصبح له ثقل في اتخاذ القرارات داخل الحكومة.
واتُهم حزب الله مرارا بشن مجموعة من التفجيرات والهجمات ضد أهداف إسرائيلية. وتصنفه الدول الغربية، وإسرائيل، ودول خليجية، وجامعة الدول العربية، كمنظمة إرهابية.
“مقاومة”
ويصعب تحديد نقطة بداية حزب الله بالتحديد، لكن ظهوره يرجع لمرحلة اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان إثر هجمات شنها مسلحون فلسطينيون عام 1982، فنزع القادة الشيعة في المنطقة إلى الرد العسكري، واختلفوا مع حركة أمل التي كانت تهيمن على التمثيل الشيعي في تلك المرحلة.
ونشأت منظمة جديدة تحمل اسم “الأمل الإسلامي”، وحصلت على دعم عسكري وتنظيمي كبير من عناصر الحرس الثوري الإيراني في سهل البقاع. وأصبحت بذلك الميليشيا الشيعية الأكبر والأكثر تأثيرا، لتتحول لاحقا تحت مسمى “حزب الله”.
وشنت الميليشيا الشيعية، هجمات على الجيش الإسرائيلي وحلفائه كجيش جنوب لبنان، وعلى قوى أجنبية أخرى في لبنان، ويعتقد أنها كانت وراء تفجيرات السفارة الأمريكية ومقر قوات البحرية الأمريكية عام 1983، التي راح ضحيتها 258 أمريكيا و58 فرنسيا من العاملين في المنشأتين، وأدت إلى انسحاب قوات حفظ السلام الغربية من المنطقة.
وفي عام 1985، أُعلن تأسيس حزب الله رسميا، بنشر “خطاب مفتوح” وصف الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعدوي الإسلام الرئيسيين، ودعا إلى تدمير إسرائيل التي وصفها بأنها تحتل أراضي المسلمين.
كما دعا الخطاب إلى “تبني نظام إسلامي يقوم على الاختيار الحر والمباشر من الجماهير، وليس على أساس الإكراه”.
وبعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، الذي وضع نهاية للحرب الأهلية في لبنان، وطالب بنزع السلاح عن الميليشيات، اتجه حزب الله لإعادة تقديم جناحه العسكري على أنه قوة “مقاومة إسلامية” تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبلاد، ما سمح له بالإبقاء على تسليحه.
وبعد أن فرض الجيش السوري التهدئة ووقف الاقتتال في لبنان عام 1990، واصل حزب الله حرب العصابات في جنوب لبنان ضد القوات الإسرائيلية ،كما دشن وجوده في الحياة السياسية اللبنانية. وفي عام 1992، استطاع حزب الله المشاركة في الانتخابات العامة في البلاد لأول مرة.
وبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، نُسب الفضل إلى حزب الله في طرد القوات الإسرائيلية. ومجددا، قاوم الحزب الضغوط المطالبة بنزع سلاحه، واستمر وجوده العسكري في جنوب لبنان بدعوى استمرار الوجود الإسرائيلي في مزارع شبعا وغيرها من المناطق المتنازع عليها.
وفي عام 2006، شن مسلحو حزب الله هجوما عبر الحدود مع إسرائيل، أدى إلى مقتل ثمانية جنود إسرائيليين، وخطف اثنين آخرين، الأمر الذي أجج رد عسكري واسع النطاق من جانب الجيش الإسرائيلي.
وقصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع حزب الله في جنوب لبنان وجنوب بيروت، في حين أطلق حزب الله أربعة آلاف صاروخ تجاه إسرائيل. وقُتل أكثر من 1125 لبنانيا في هذه الحرب التي استمرت لمدة 34 يوما، وكان أغلبهم من المدنيين. وبلغت الخسائر على الجانب الإسرائيلي 119 جنديا و45 مدنيا.
وتمكن حزب الله من الصمود في هذه الحرب وخرج منها أكثر قوة وجرأة، واستمر في عمليات تطوير وتعزيز ترسانته أسلحته، وتجنيد المزيد من المقاتلين، بيد أنه لم تشهد المنطقة الحدودية مع إسرائيل تصعيدا عسكريا كبيرا، خاصة في وجود دوريات من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والجيش اللبناني.
الرؤية السياسية
في عام 2008، حاولت الحكومة اللبنانية (المدعومة من الغرب) إغلاق شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، وإقالة رئيس أمن مطار بيروت لعلاقته بالحزب. ورد حزب الله بالسيطرة على أجزاء كبيرة من العاصمة بيروت، والاشتباك مع جماعات سنية منافسة له.
وتسببت هذه المواجهات الطائفية في مقتل 81 شخصا، ووضعت لبنان على شفا حرب أهلية جديدة، فاضطرت الحكومة للتراجع، وتوصلت لاتفاق تقاسم سلطة مع حزب الله وحلفائه أعطاهم نسبة الثلث المعطل الذي يمكن أن يشكل حق نقض “فيتو” يوقف أي قرار حكومي.
وكان نفوذ الحزب في الحياة السياسية اللبنانية قد بدأ في أعقاب مرحلة اتفاق الطائف لحل الأزمة السياسية اللبنانية، إذ أيده الحزب مع التحفظ على بعض بنوده.
وقد شارك الحزب للمرة الأولى في انتخابات عام 1992 في لبنان ليحقق مكسبا كبيرا بحصوله على 12 مقعدا نيابيا.
وفي انتخابات عام 2009، فاز حزب الله بعشرة مقاعد في البرلمان، وبقي في حكومة الوحدة الوطنية في لبنان.
وأصدر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في لاحق في العام نفسه ميثاقا سياسيا جديدا للحزب، يهدف إلى تحديد “الرؤية السياسية” للتنظيم.
ولم يرد في هذا الميثاق أي ذكر لإقامة “جمهورية إسلامية”، الذي كان أحد النقاط الواردة في ميثاق عام 1985. لكنه احتفظ بنفس الموقف المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، وأكد على حق حزب الله في الاحتفاظ بأسلحته.
وفي عام 2011، أسقط حزب الله وحلفاؤه حكومة الوحدة الوطنية بقيادة سعد الحريري، رئيس الوزراء السني المدعوم من السعودية. وحذر حزب الله من أنه لن يقف صامتا أمام اتهام أربعة من أعضائه بالتورط في اغتيال رفيق الحريري (رئيس الوزراء السابق ووالد سعد الحريري ) عام 2005.
واستمر وجود حزب الله وحلفائه في الحكومات المتتابعة، التي تمتعوا فيها بنفوذ ملحوظ بإطراد.
ومع تصاعد الحرب في سوريا، قاتل الآلاف من عناصر حزب الله في صفوف قوات الرئيس بشار الأسد، وقدموا دعما أساسيا للقوات الموالية للحكومة في استعادة الأراضي التي فقدتها لصالح المعارضة المسلحة، بشكل خاص المناطق القريبة من الحدود اللبنانية.
بيد أن تدخل حزب الله في سوريا أجج التوتر الطائفي في لبنان، إذ نفذت ميليشيات سنية سلسلة من التفجيرات طالت مواقع خاصة بحزب الله.
كما تسبب دعم حزب الله لبشار الأسد وتحالفه مع إيران في تجذير الخلاف مع دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، التي تعد المنافس الأكبر لإيران في المنطقة.
ودفع هذا الخلاف السعودية إلى قيادة تحرك في الجامعة العربية عام 2016 لإعلان حزب الله “منظمة إرهابية” متهمة إياه بالقيام بـ “أفعال عدائية”.
ضغوط متزايدة
وواجه حزب الله في السنوات الأخيرة ضغوطا متزايدة بعد تصنيف دول متعددة له بأنه منظمة إرهابية واتهامه بإدارة شبكة عالمية للحصول على التمويل وتجنيد الأتباع.
وتتهم واشنطن الحزب بالمسؤولية عن هجمات إرهابية واحتجاز رهائن طالت أهدافا أمريكية، من بينها تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983، وتفجير مقر قوات المارينز في لبنان في العام نفسه الذي أودى بحياة 258 أمريكيا حينها.
وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية في شهر ابريل/ نيسان 2020 حظر الحزب وتصنيفه “منظمة إرهابية”، وترافق ذلك مع حملة دهم شنتها الشرطة الألمانية لاعتقال من يشتبه بأنهم أعضاء في الجماعة.
وانظمت ألمانيا بذلك الى مجموعة الدول التي تربط بين الحزب والإرهاب، من أمثال الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وهولندا وإسرائيل وكوسوفو فضلا عن مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية التي صنفت في اجتماعها في القاهرة في أذار-مارس 2016 الحزب كمنظمة إرهابية.وفي
وفي أيلول،/ سبتمبر 2019، وضعت وزارة الخزانة البريطانية الحزب وجناحه العسكري تحت تصنيف المنظمات الإرهابية وأصدرت قراراً بتجميد أرصدتهما.
كما انضم عدد من الدول في أمريكا الاتينية، الارجنتين وكولومبيا وهندوراس وغواتيمالا، إلى الدول التي تتهم الحزب بالإرهاب، حيث تشير تقارير إلى تنامي أنشطة الحزب في أمريكا اللاتينية، خاصة فيما يتعلق بالشؤون المالية وتمويل أنشطة الحزب.
وتتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها الحزب بممارسة أنشطة غير قانونية في دول أمريكا اللاتينية وبناء شبكة لتمويل نشاطاته تستثمر في تجارة المخدرات وتسهم في زعزعة استقرار في القارة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو التقى مطلع عام 2020 بنحو 25 ممثلا من دول القارة لحضهم على محاصرة نشاطات الحزب “التي تمثل خطرا على الأمن القومي الأمريكي ودول أمريكا الجنوبية” بحسب تعبيره.
وكان مسؤولون أرجنتنيون اتهموا حزب الله بالوقوف وراء عملية اغتيال المدعي العام الأرجنتيني السابق، ألبرتو نيسمان، الذي كلف بالتحقيق في الهجوم الذي استهدف المركز اليهودي في بوينس أيرس العام 1994، وكان نيسمان قد اتهم آنذاك الحكومة الإيرانية بالوقوف وراء التفجير وقيام حزب الله بتنفيذه.
التطورات الأخيرة
في يوليو/تموز من عام 2020 قالت إسرائيل إنها أطلقت النار على مقاتلين لحزب الله تسللوا عبر الحدود اللبنانية.
لكن حزب الله نفى الرواية الإسرائيلية وقال في بيان رسمي: “إن كل ما تدعيه وسائل إعلام العدو عن إحباط عملية تسلل من الأراضي اللبنانية إلى داخل فلسطين المحتلة و كذلك الحديث عن سقوط شهداء وجرحى للمقاومة في عمليات القصف التي جرت في محيط مواقع الاحتلال في مزارع شبعا هو غير صحيح على الإطلاق، وهو محاولة لاختراع انتصارات وهمية كاذبة”.
وكان الجيش الإسرائيلي قد قال إن حوالي أربعة مسلحين عبروا الحدود في منطقة مزارع شبعا، في مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وفي 4 أغسطس/آب من عام 2020 وقع انفجار كبير في ميناء بيروت، واتهم البعض حزب الله بالتسبب في ذلك الانفجار.
ومن جانبه، نفى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أي علاقة للحزب بأسلحة مخزنة في مرفأ بيروت ودعا إلى تحقيق عادل وشفاف في الانفجار.
وقال نصر الله في خطاب متلفز “نحن لا ندير ولا نسيطر على المرفأ ولا نتدخل فيه ولا نعرف ماذا يجري أو ما يوجد فيه”.
كما أكد الأمين العام لحزب الله أن الانفجار الضخم في مستودع المرفأ والذي هز بيروت كان حدثا استثنائيا في تاريخ لبنان الحديث وأنه يتطلب وحدة داخلية وهدوءا، ولا ينبغي تسييسه.
وفي الشهر ذاته جاء قرار المحكمة الدولية باتهام سليم عياش العضو في حزب الله باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و21 شخصا آخرين في 14 فبراير/ شباط 2005، والذي على إثره خرجت القوات السورية من لبنان.
وبرأت المحكمة المتهمين الثلاثة الآخرين، وهم حسين عنيسي، وحسن حبيب مرعي، وأسد صبرا. كما سحب اسم القائد العسكري بحزب الله مصطفى أمين بدر الدين، من لائحة الاتهام بعد مقتله في سوريا عام 2016.
ومن جانبه، تعهد نجل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بأنه لن يستكين حتى معاقبة قتلة أبيه، بعد أن أدانت محكمة تدعمها الأمم المتحدة يوم الثلاثاء عضوا في حزب الله بالتورط في اغتيال 2005.
وعبّر بعض اللبنانيين، بمن فيهم ضحايا الهجوم الذين انتظروا 15 عاما لصدور الحكم، عن عدم تصديقهم تبرئة ثلاثة آخرين من أعضاء حزب الله. وقالت المحكمة أيضا إنها لم تجد دليلا على تورط قيادة حزب الله أو سوريا.
كما شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري اشتباكات أثناء مظاهرات، نظمتها حركة أمل وجماعة حزب الله احتجاجا على القاضي المكلف بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت العام الماضي.
وقد أسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل 6 أشخاص على الأقل وإصابة عشرات.
وقالت جماعة حزب الله إن قناصة على أسطح بنايات أطلقوا النار على المتظاهرين.
واتهمت حركة أمل وجماعة حزب الله الشيعيتان حزب “القوات اللبنانية” بإطلاق النار. لكن الحزب، ذي الجذور المسيحية، نفى ضلوعه.
وتصاعد التوتر في البلاد بشأن التحقيق في انفجار الميناء، الذي أسفر عن مقتل 219 شخصا، في أغسطس/ آب 2020.
[ad_2]
Source link