الحكومة التونسية الجديدة: نقطة بارزة في مسيرة طويلة لتمكين المرأة التونسية
[ad_1]
بعد تعيين نجلاء بودن رمضان رئيسة للوزراء في تونس، خرجت تشكيلة الحكومة الجديدة لتضم 9 وزيرات، تحمل بعض منهن حقائب حساسة مثل المالية والصناعة والتجارة والعدل. فهل حققت المرأة التونسية المكاسب السياسية التي تصبو إليها، وهل هناك مبررات لمن يقول بأن المكاسب تطفو على السطح ولا تعكس تغيرا حقيقيا في تمكين المرأة سياسيا؟
مهما اختلفت الآراء حول كواليس الحكومة الجديدة، سواء تشكيلتها أم رئيستها أم الوضع السياسي الاستثنائي الذي جاءت فيه، فالأمر الذي لا خلاف عليه هو أن الحراك النسائي التونسي حقق إنجازات سباقة في العالم العربي، من منع تعدد الزوجات إلى رئاسة الوزراء، في مسيرة حقوقية سياسية تعود إلى ما قبل إعلان الجمهورية التونسية عام 1957.
وبينما يشير كثيرون إلى صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 بإرادة سياسية من الرئيس الحبيب بورقيبة كنقطة بارزة منحت المرأة التونسية كثيرا من الحقوق التي كانت نظيراتها في العالم العربي محرومات منها، فإنه لا يمكن اعتبار هذه المحطة نقطة البدء في المسيرة الطويلة لنيل حقوق المرأة التونسية.
عقود من النضال
تقول الدكتورة فتحية السعيدي أستاذة علم الاجتماع والناشطة النسوية التونسية “لا يمكن التغافل عن النضالات النسائية منذ الاستعمار وفترة الاستقلال وبعدها، أي خلال كامل مسار الدولة التونسية، وصولا الى اليوم. فحضور النساء في مواقع القرار، ومشاركتهن في الحياة العامة والسياسية، هو فعل تراكم مستمر، كانت وراءه ولا تزال مطالبات الحركات النسوية في تونس. وهو يتغذى من فكر إصلاحي ظهر في بلادنا منذ القرن التاسع عشر”.
وتضيف الدكتورة السعيدي “إن مشاركة النساء في البرلمان وفي الحكومات المتعاقبة في تونس، هي تطوّر تدريجي، انطلق في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، مرورا بزمن زين العابدين بن علي، ووصولا إلى هذه اللحظة التاريخية”.
اليوم، بلغت نسبة المشاركة النسائية في الحكومة التونسية 38.46 في المئة، وهي أعلى نسبة عرفتها تونس منذ الاستقلال. في حين أنها كانت 1.1 في المئة سنة 1957، حسب الدكتورة السعيدي.
وترى الدكتورة السعيدي أنه إضافة إلى الأرقام التي تؤكد ارتفاعا مستمرا في مشاركة النساء في البرلمان والحكومة التونسيين، فإن “مؤشرات الكيفية لا تقل أهمية”.
وتضيف: “بكلمة وجيزة، نسق تطور مشاركة النساء في تطوّر مستمر منذ دولة الاستقلال إلى اليوم، ولا يمكن بأي حال أن يتوقف مهما كان الحاكم الذي يحكم، لوجود إرث نضالي ومنظومة قانونية تترسخ وتتطور بفعل نضالات نسائية لن تهدأ”.
مكاسب الثورة
شاركت المرأة التونسية بقوة في ثورة 2011 ، فما هي أبرز المكاسب السياسية التي حققتها خلال عشر سنوات على الثورة” وهل جاءت بحجم التوقعات؟
المكسب الأبرز هو “التناصف في الترشحات للهياكل النيابية، والتنصيص على المساواة بين المواطنات والمواطنين في الحريات العامة والفردية، ومبدأ تكافؤ الفرص الذي جاء في صلب دستور الجمهورية الثانية الصادر في 27 يناير/كانون الثاني 2014″، كما تقول يسرى فراوس، ممثلة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وتضيف “من المهم هنا الإشارة إلى المكسب الذي حقق مؤخرا، وهو القانون الذي ينظم العمل المنزلي ويوفر حماية للمشتغلين بالقطاع وأغلبهم نساء”.
لكن هذا التطور التشريعي لم ينعكس حتى الآن على واقع النساء برأي فراوس، “فالتمييز ضدهن متواصل في جوانب عديدة، كاعتبار الزوج رأس العائلة، وموضوع المهر، وتواصل التمييز في الإرث، وقواعد منح الجنسية التونسية”، كما تقول.
وترى فراوس أن هذه المكتسبات “بحاجة للتطوير من خلال تنقية التشريعات من التمييز، خاصة في مجال الأحوال الشخصية والعمل، وكذلك من خلال سياسات عامة تسهل وصول النساء إلى الموارد وإلى مواقع القرار، وتقضي على العنف والتفقير”.
“مسحوق تجميل”
استقبلت الحكومة التونسية الجديدة بشيء من التفاؤل الحذر، ويبدو أن قطاعاً عريضا من الشعب التونسي وطيفاً واسعاً من الطبقة السياسية رحب بالحكومة وبرمزية تمكين المرأة في مواقع القرار من حيث المبدأ.
وإذا كان الرئيس قيس سعيد قال في تصريح له في أغسطس/آب إنه “لن يترك المرأة التونسية مسحوق تجميل”، فما مدى تطبيق هذه العبارة على أرض الواقع؟
يقول الدكتور محمد صالح عمري، وهو معلق سياسي تونسي، وأستاذ الأدب العربي المقارن في جامعة أوكسفورد البريطانية، “مواقف الرئيس التونسي تجاه المرأة معقدة نسبيا. فهو من ناحية يقف ضد المساواة التامة، في مسألة الميراث مثلا. ومن ناحية أخرى سيدخل التاريخ المحلي، والعربي كأول رئيس يعين امرأة في موقع رئاسة الوزراء إلى جانب عدة نساء في الوزارات. هذا إلى جانب تعيينه إمرأة رئيسة لديوانه منذ توليه الحكم”.
وتضم تشكيلة الحكومة الجديدة 9 نساء، هن ليلى جفّال وزيرة العدل، وسهام البوغديري نمصية وزيرة المالية، ونائلة نويرة القنجي وزيرة الصناعة، وفضيلة الرابحي بن حمزة وزيرة التجارة، وسارة زعفراني زنزري وزيرة التجهيز والإسكان، وليلى الشّيخاوي وزيرة البيئة، وأمال بن الحاج وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، وحياة قطاط القرمازي وزيرة الشؤون الثقافية، وعائدة حمدي وزيرة الدولة المكلفة بالتعاون الدولي.
يقول الدكتور عمري “النساء المعينات ذوات خبرة عالية وشهادات علمية مرموقة، أي أنهن يمثلن كفاءات عالية. وهي إشارة إلى احترام المرأة لعلمها وكفاءتها. وهنا يوجد تناسق في موقف الرئيس بخصوص تثمين الكفاءة بغض النظر عن الجندر”.
تفاؤل حذر
ورغم الإيجابية النسبية العامة في استقبال الحكومة الجديدة، فهناك بين معارضي الرئيس التونسي من لا يستبعد أن الأمر يأتي في إطار مناورة سياسية من قبل سعيد المدرك لأهمية رمزية تمكين النساء في مواقع قيادية عليا.
يقول الدكتور عمري “يرى مناهضو الرئيس، أنه إما يناور للفوز بأصوات النساء، أو يستغل قوة الحضور النسوي في الحياة العامة التونسية لمزيد من الدعم لشعبيته. كما أن هناك من يرى في هذا نوعا من التوظيف للمسألة النسوية من طرف السلطة السياسية”.
أما الرأي الأعم “فهو الترحيب بهذا التوجه باعتباره يعكس واقع تونس من ناحية، ويخالف الصورة النمطية للسياسيين والتي يسعى الرئيس لتغييرها، بدأ بشخصه ودائرته الضيقة”، كما يضيف الدكتور عمري.
لكن يسرى فراوس التي ترحب بالحكومة من حيث المبدأ، تقول “عموما يوجد تفاؤل تجاه عدد النساء في الحكومة الجديدة، وإن لم تحقق تفعيل مبدأ التناصف بشكل كاف”.
ولا تخفي فراوس تحفظها حيال الظروف “الاستثنائية غير الدستورية” التي شكلت بها، “مما يضعف مشروعيتها سياسيا”.
وتقول “لا يوجد أمل كبير في أن تحقق الحكومة ما ينتظر منها في القضاء على التمييز ضد النساء رغم عدد النساء فيها، نظرا إلى أن رئيس الجمهورية هو الذي يضبط توجهاتها، وقد أبدى منذ استلامه الحكم مواقف رجعية جدا تجاه عدد من القضايا مثل المساواة في الميراث”.
لكن يبقى أداء الحكومة هو المهم والحكم، خارج قضية الجندر برأي فراوس، التي تقول “هناك أسئلة جدية مطروحة اليوم حول برنامج وسياسات الحكومة، وخاصة مع ارتفاع سقف التوقعات المواطنية بالنسبة لملفات ساخنة مثل مكافحة الفساد والمحاسبة والخروج من الأزمة الاقتصادية”.
[ad_2]
Source link