مقتدى الصدر: رجل الدين الشيعي والرقم الصعب في المعادلة السياسية في العراق
[ad_1]
يبدو أن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لا يزال يشكل الرقم الصعب في المعادلة السياسية في العراق، فقد أظهرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية المبكرة، فوز الكتلة الصدرية بأكبر عدد من المقاعد..
وبعد وقت قصير من إعلان النتائج، وصف مقتدى الصدر الانتخابات بأنها “يوم النصر على الميليشيات”، قائلا إن الأوان قد آن لحل هذه الميليشيات وحصر السلاح في يد الدولة، كما دعا “الشعب أن يحتفل بهذا النصر بالكتلة الأكبر، لكن بدون مظاهر مسلحة”.
وفي كل استحقاق سياسي أو أزمة تعصف بالعراق، تتجه الأنظار إلى الصدر الذي يحظى بشعبية عارمة، فما السر وراء هذه الشعبية منقطعة النظير؟
من هو مقتدى الصدر؟
يتمتع الصدر المنحدر من أسرة دينية عريقة بنفوذ كبير في العراق وهو ما بدا جليا عقب الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، حيث تميزت مواقفه بمعارضة الوجود العسكري الأمريكي.
وقد دعا الصدر يوما ما إلى ثورة وطنية ضد القوات الأجنبية، وأرسل ميليشياته المسلحة لمواجهة “الغزاة” وفي أوقات أخرى، بدا أكثر اعتدالا في إطار سعيه للعب دور سياسي ضمن العراق الجديد.
والصدر البالغ من العمر 47 عاما يعتبر شابا مقارنة بغيره من رجال الدين الشيعة المتنفذين في العراق. وهو في نظر أنصاره صاحب حكمة تفوق أعوامه كثيرا. أما معارضوه فيرون أنه يفتقر إلى الخبرة السياسية والدينية، ويعتبرونه متشددا يهدف إلى السيطرة على المؤسسة الدينية الشيعية في العراق.
ويمزج الصدر بين نزعة وطنية عراقية وتوجهات دينية، وهو ما جعله محبوبا لدى الكثير من فقراء وبسطاء الشيعة في العراق.
إرث كبير
مقتدى الصدر هو الأبن الأصغر لآية الله محمد صادق الصدر، وهو مرجع شيعي ومؤسس حزب الدعوة، قتله نظام صدام حسين.
وكشف انهيار نظام صدام حسين عام 2003 عن مكامن قوة التيار الصدري، التي تتمثل في شبكة من المؤسسات الخيرية التي أسسها والده.
وفي الأسابيع الأولى التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق انتشر أنصاره في شوارع الأحياء الشيعية الفقيرة من العاصمة بغداد وقاموا بتوزيع الغذاء.
كما تم تغيير اسم أكبر حي شيعي في العاصمة بغداد من “مدينة صدام” إلى “مدينة الصدر”.
سليل مرجعيات عريقة
صحيح أن الصدر كان مغموراً حينما بدأ الغزو الأمريكي للعراق، ولكن لم يكد وقت طويل يمضي على بدء الغزو حتى برز الرجل على الساحة العراقية. فبمجرد أن خفَّت قبضة صدام حسين، شرع الصدر في تفعيل الشبكات والمعارف التي ورثها عن والده، آية الله العظمى محمد صادق الصدر، الذي كان يحظى باحترام بالغ في الأحياء الشعبية المهمَّشة في بغداد ومدن الجنوب.
وربما يستحيل فهم جاذبية وشعبية مقتدى الصدر المُثبتة من دون الرجوع إلى خلفية عائلته الدينية البارزة؛ إذ كان والده محمد صادق الصدر وحموه، آية الله العظمى محمد باقر الصدر، شخصيتين دينيتين موقَّرتين، قاما برعاية شبكات رعاية اجتماعية قوية بين فقراء الشيعة، مثيرين سخط صدام حسين.
ولقي كل منهما ميتة عنيفة؛ ففي حين أُعدم محمد باقر الصدر وشقيقته، آمنة الصدر على يد النظام عام 1980، اغتيل محمد صادق الصدر واثنان من أشقاء مقتدى الصدر، عام 1999، في هجوم بالرصاص شنه مسلحون يُعتقد أنهم عملاء لصدام حسين.
إذاً فقيم التضحية والاستشهاد والخدمة الاجتماعية كانت جزءا لا يتجزأ من الإرث الذي حمله الشاب مقتدى الصدر، الذي كان في الثلاثين من عمره وقت الغزو الأمريكي.
وغالبا ما كان مقتدى يظهر في الصور متوسطا هذين المرجعين البارزين، يعتمر ثلاثتهم عمامات سوداء، للدلالة على انحدار سلالتهم من نسل عائلة النبي محمد.
وفي بعض الأحيان، كان مقتدى يرتدى كفنا أبيض للإشارة لاستعداده للاستشهاد، مقدِّما صورة قوية بالغة التأثير للجماهير الشيعية المخلصة.
حظر “الحوزة الناطقة”
في يونيو 2003 قام الصدر بتأسيس ميليشا أطلق عليها اسم “جيش المهدي” لمناهضة سيطرة قوات التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لغزو العراق.
كما أعلن عن تأسيس حكومة منافسة لمجلس الحكم العراقي المعين من جانب الولايات المتحدة. غير أن الخطوة باءت بالفشل.
وأنشأ الصدر صحيفة “الحوزة الناطقة” الأسبوعية. وقد أعلنت قوات التحالف في 28 مارس/ آذار 2003 حظر صدور الصحيفة لمدة 60 يوما متهمة إياها بتشجيع أعمال العنف ضد الولايات المتحدة.
وبعكس الزعماء الشيعة المعتدلين من أمثال آية الله على السيستاني، فإن الصدر طالب بأن يلعب الزعماء الشيعة دورا في تشكيل الحياة السياسية في العراق.
وقال متحدث باسم الصدر في أواخر عام 2003، إنه يخطط لإنشاء حزب سياسي لخوض أول انتخابات عامة كان من المزمع إجراؤها في يناير/كانون الثاني 2004.
لكن الصدر عاد ليهاجم إياد علاوي، رئيس وزراء الحكومة العراقية المؤقتة حينها، وقال إنه مجرد استمرار للاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة.
ورفض مؤيدو الصدر المشاركة في مؤتمر وطني، والذي تأجل عقده حتى منتصف أغسطس/آب 2004، لاختيار مجلس وطني. وقال مؤيدوه إن تخصيص مقعد واحد لا يكفي للاعتراف بمنظمة تضم آلاف الأعضاء.
مذكرة اعتقال
وفي أبريل/ نيسان 2003، بعد يومين فقط من سقوط بغداد، اتُهم أنصار الصدر بقتل عبد المجيد الخوئي، وهو زعيم شيعي معتدل، تعاون مع الحكومتين الأمريكية والبريطانية من المنفى، كما أصدر قاض عراقي مذكرة اعتقال بحق الصدر. غير أن الأخير نفى علاقته بتلك الجريمة.
كما اشتبك أنصار الصدر مع أنصار آية الله السيستاني، الذي صعد نجمه في معرض التحضير لتسليم السلطة للعراقيين في 30 من يونيو/حزيران عام 2003.
وأدان الصدر الهجوم على مقر الأمم المتحدة في بغداد في أغسطس/ آب 2003. كما زار إيران المجاورة واجتمع مع مسؤولين كبار في طهران.
وتعود شعبية مقتدى الصدر إلى القبول الذي يحظى به بين الفقراء والمهمشين الشيعة. لكن بعض العراقيين يرون فيه أيضا رمزا لمقاومة الاحتلال الأجنبي.
معارك ضد الأمريكيين
أثار القتال بين القوات الأمريكية وجيش المهدي في مدينتي النجف وكربلاء، غضب العديد من زعماء الشيعة المعتدلين.
وكان جيش المهدي قد خاض معارك ضد القوات الأمريكية، في النجف والكوت وغيرها من المدن العراقية.
كما اتُهم جيش المهدي بعمليات اختطاف وقتل وتعذيب، أثناء المواجهات الطائفية التي شهدها العراق، والتي بلغت ذروتها في عامي 2006 و2007.
وتوارى الصدر فترة عن الأنظار في عام 2006 بعد سفره إلى إيران إثر صدور مذكرة اعتقال ضده في ذلك العام.
وكان الصدر قد أمر بحل جيش المهدي في أغسطس/ آب 2008، بعد أن قاد رئيس الوزراء حينئذ نوري المالكي، حملة عسكرية ضد الميليشيا اختتمت في البصرة في مارس/ آذار 2008.
ولكن الصدر تصالح مع المالكي في ما بعد، وكان له الفضل في حصول المالكي على فترة ولاية ثانية في عام 2010.
وشارك التيار الصدري في حكومة المالكي، وحصل على حقائب وزارية عدة عقب انتخابات 2010.
وبعد خروج مظاهرات في محافظة الأنبار غربي العراق ضد حكومة نوري المالكي في 2013، دعا الصدر أنصاره إلى تأييد الاحتجاجات ضد المالكي ما دامت سلمية.
علاقة ملتبسة مع إيران
والصدر واحد من بين القلائل من القادة الشيعة العراقيين الذين أبقوا مسافة بينهم وبين إيران، فقد انتقدها في كثير من الأحيان، لتدخُّلها في كل من سوريا والعراق. بل وزار المملكة العربية السعودية، المنافس الإقليمي لإيران، عام 2017.
كما دعا الرئيس السوري، بشار الأسد حليف إيران إلى “اتخاذ قرار تاريخي بطولي” بالتنحي عن السلطة، ليجنب بلاده المزيد من سفك الدماء.
ومع ذلك، فقد تردد الصدر، خلال الفترة ما بين عامي 2007 و 2011، على إيران، حيث درس في حوزة قم، في مسعى لتطوير أوراق اعتماده الدينية.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، ظهر الصدر جالساً إلى جانب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وعلى يساره، العقل المدبر للمد الإقليمي لإيران، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني. وهي صورة أثارت جدلا كبيرا في معظم أنحاء العراق.
لكن الكاتب باتريك كوكبورن، مؤلف سيرة مقتدى الصدر، لا يرى تناقضا حقيقيا في ذلك كلّه: “لقد اتبع مقتدى ووالده نهجا ثابتا إلى حد كبير باعتبارهم قادة دينيين شعبويين في إطار السياسة العراقية المحكومة بمراكز قوى متعددة في الداخل والخارج، وهو ما يعني أنه لا يوجد عدو دائم أو صديق دائم”.
وفي انتخابات عام 2018، منع الصدر أياً من نوابه الـ 34 من الترشح للبرلمان مجدداً، وتزعَّم قائمة ناجحة، كانت مذهلة بالنسبة لما يفترض أنه كيان شيعي قوامه رجال دين، فضمّت شيوعيين وعلمانيين وسُنَّة، ويعد هذا التحالف سابقة لم يعهدها العراق.
ويورد كوكبورن، في كتابه، أن صديقا لرئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، كان قد حذَّره من الصدر، في وقت مبكر من عام 2003، حين كان عبد المهدي سياسياً شيعيا طموحا، بالقول: “احذر من مقتدى، فهو يمتلك الشارع”.
وبعد مرور كل تلك السنوات، تبقى هذه هي الحال.
[ad_2]
Source link