تغير المناخ: ما الذي نعرفه عن “مدن البحار” الملوّنة التي يهددها الموت؟
[ad_1]
- ألمى حسون
- بي بي سي عربي -لندن
أثناء استماعي لأجوبة منتصر الحمادي حول الشعاب المرجانية، التي أمضى 17 عاما من حياته بدراستها، دُهشت عند معرفة كمية الإرهاق التي يمرّ بها هذا الكائن البحريّ الملوّن الذي نتشارك معه الكوكب – دون علم كثيرين منّا بهذه المعاناة.
فإلى جانب أعدائه الطبيعيين المنافسين له، كقنفذ البحر ونجم البحر الشوكي، تؤثر كثير من أنشطتنا – نحن البشر – على هذا المخلوق الذي “يعاني أساسا، ونحن مش سايبينه في حاله بل نحن نزيد من معاناته”، كما يعلّق الأستاذ الجامعي.
قد لا يكون المرجان ومعاناته موضع اهتمام كثيرين، إذا لم يكونوا من محبي الغوص أو من نشطاء البيئة ومحبيها أو من المختصين في علم البحار، لكن وجوده مهم جدا في مناحٍ كثيرة من حياتنا اقتصاديا وبيئيا.
وهو – حتما – موضع اهتمام الدكتور منتصر، الذي يقول إن “علاقة حب” تجمعه بشعاب المرجان منذ عام 2000 عندما تدرب على الغطس، ومن ثمّ بدأ تخصصه الأكاديمي بدراسة الشعاب فأعد رسالة الماجستير عنها وبعدها مشروع الدكتوراه، ووضع 35 بحثا متخصصا في الشعاب المرجانية ليصبح أستاذا مساعدا يعمل في المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد في مدينة الإسكندرية الساحلية.
كل التفاصيل المتعلّقة بحياة هذا الكائن مثيرة للانتباه، بداية من نوعه: هل هو نبات أم حيوان؟
يوضّح د.الحمادي أن العلماء احتاجوا زمنا ليحسموا الجدل حتى توصّل العلم الحديث إلى أن الشعاب المرجانية نبات (طحلب يعطي هذا الكائن لونه) وهو يعيش داخل حيوان (الهيكل).
فوائد شعاب المرجان
يشرح الخبير لبي بي سي عربي نيوز أن هذا الكائن الضعيف جدا له كثير من الفوائد؛ فإلى جانب أهميته التاريخية، إذ أنه موجود “منذ أكتر من 5000 سنة”، له أهمية بيئية كبيرة لأنه قادر على حماية السواحل من العواصف والأمواج، كما تشكّل الشعاب مأوى لعديد من الكائنات الموجودة في البحر فتسهم في التنوّع البيئي – ومن هنا جاءت تسميتها “مدن البحار”.
يقول الأستاذ منتصر “أكثرُ من 30 في المئة من الكائنات المعرّفة والموجودة في البحر الأحمر تسكن داخل الشعاب المرجانية”.
كما أنها قادرة على تخليص الكوكب من جزء كبير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
كيف؟
يشرح د.منتصر أن الشعاب تعتبر مخزنا كبيرا لثاني أكسيد الكربون؛ فهذا المركّب الموجود في الهواء ينزل إلى البحار والمحيطات على شكل أمطار حمضية، وبمجرد نزوله يتفاعل مع الماء فينتج حمض الكربونيك الذي يذوب فتأخذه الشعاب، ومع الكالسيوم الموجود في الماء يتكوّن الهيكل الصلب للمرجان الذي نراه.
وللمرجان – كما هو معروف – أهميّة اقتصادية بفضل السياحة الترفهية؛ إذ يأتي السيّاح من كلأنحاء العالم لمشاهدة المرجان، كما أن له أهمية طبية؛ إذ استخرجت من هذه الشعاب عدّة مركبات تدخل في الصناعات الطبية، وفقا للأستاذ الجامعي.
أسباب موت “مدن البحار”
تدهور وضع الشعاب كثيرا خلال السنوات الماضية، إذ خسر كوكبنا بين عامَي 2009 و2018 نحو 14 في المئة من شعاب المرجان، كما جاء في تقرير جديد نشرته الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية.
وكانت الأمم المتحدة قد حذّرت عام 2016 من أن 70 في المئة من الشعاب المرجانية في العالم معرضة للتهديد: “20 في المئة قد دمرّت بالفعل دون أمل في نموها من جديد، و 24 في المئة معرضة لخطر الموت الوشيك، و 26 في المئة إضافية معرضة لخطر التهديدات على المدى الأبعد”.
وبهدف فهم الوضع الحالي لهذه الشعاب، أصدرت “الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية” بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تقريرا جديدا “لتزويد صنّاع القرارات بأفضل المعلومات العلمية المتوافرة عن أوضاع النظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية واتجاهاتها من أجل الحفاظ عليها وإدارتها”.
وهذا التقرير هو حصيلة عمل أكثر من 300 عالِم وعالمة درسوا بيانات جُمعت من 73 بلداً. وأثارت أبرز نتائجه المتعلقة بخسارة 14 في المئة من الشعاب المرجانية خلال تسع سنوات قلق المختصين.
وحذّر التقرير من أن الشعاب المرجانية في مختلف أنحاء العالم، تتعرض لضغوط شديدة ومستمرة بسبب ظاهرتين تعرفان باسم: الاحترار والتحمُّض وهما ناجمتان عن التغير المناخي.
ما معنى هاتين الظاهرتين؟
يشرح الدكتور منتصر الحمادي الظاهرة الأولى: “التغير المناخي من أخطر العوامل التي تدمّر الشعاب المرجانية؛ فارتفاع درجة حرارة المياه درجة مئوية واحدة يتسبب بظاهرة ابيضاض الشعاب. فالطحلب الذي يعيش علاقة تكافلية مع هياكل الشعاب والذي يمنحها لونها، ينفصل عنها عندما ترتفع درجة الحرارة، وعندما يترك الطحلب الشعاب تضطر الهياكل للمقاومة وحدها. تستمر المقاومة حتى – للأسف – تموت الشعاب المرجانية”.
أما تحمّض المحيطات فيتسبب بها ثاني أكسيد الكربون “فعندما ينزل في الماء تحدث تفاعلات معقدة. ويتسبب بظاهرة تحمض المحيطات وهذه الظاهرة تمنع تكوين الهياكل بل على العكس تذوب هذه الهياكل. وللبشر دور في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.
كما ينزعج الباحثون من تصرفات البشر تجاه هذا الكائن، كأنشطة الغوص من قبل أشخاص غير مدربين “فالشعاب كائنات هشة وتتعرض للتدمير بسهولة”، كما قال الدكتور منتصر.
ويذكّر أنه رغم الأهمية السياحية لعدة مدن، إلى أن عمليات الردم عند السواحل غيّرت البيئة الموجود وزادت عكارة المياه وبالتالي تختنق الشعاب وتموت، كما يحذّر من خطر عمليات الصيد في مواقع الشعاب و – طبعا – من التلوث البترولي.
رغم هذه المعركة الصعبة التي يخوضها المرجان من أجل البقاء، ورغم ارتفاع معدّل تراجع الشعاب المرجانية إلا أن هناك مؤشرات بأن بعضها قادر على التعافي في حال أُبعِدت عنها التأثيرات السلبية. لذلك يؤكد تقرير الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية أن اتخاذ إجراءات فورية وجذرية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يمكن له أن يساهم في تعافي مزيد من الشعاب المرجانية واستمراريتها في المستقبل.
أما بالنسبة لما يحاول الدكتور منتصر وطلابه القيام به فهو مشروع بدأه هو عام 2005 عندما كان يعدّ مشروع رسالة الماجستير الخاصة به وابتكر نموذجا لإعادة إحياء الشعاب المرجانية المدمرة.
واليوم، بعد 15 عاما، يستمر المشروع الذي يحمل اسم “أهرامات الشعاب المرجانية” – لكنه لا يزال قيد التجربة – لمحاولة إعادة إحياء الشعاب حيث تستزرع الأنواع المهددة بالانقراض بعد توفير بيئات مناسبة – بعيدا عن أنشطة البشر.
[ad_2]
Source link