أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةمقالات

صمام الصحة النفسية في الطفولة المبكرة (العلاقة الإيجابية مع الطفل) … بقلم الأستاذة هناء البلوي

إيسايكو: صمام الصحة النفسية في الطفولة المبكرة (العلاقة الإيجابية مع الطفل) … بقلم الأستاذة هناء البلوي

إنّ أغلب مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية منبعها ومسببها الرئيس علاقتنا بهم، ونوع العلاقة، هل هي علاقة ثقة؟ علاقة عميقة؟ علاقة آمنة؟ علاقة داعمة؟
أم باردة سطحية؟ أم علاقة تسلّطية؟

كما أن الاستراتيجيات التي يتبناها الوالدين – للأسف – حتى الآن لحل هذه المشكلات هي استراتيجيات أقرب وصف لها أنها تربك العلاقة أكثر، خصوصاً من ناحية الطفل، فهي إما أن تكون:
عقاباً، أو تجاهلاً، أو رفض بالكلام لسلوك الطفل، أو محاولة إيقافه عن سلوك معين بطريقة ما، دون محاولة لفهم السبب وراء السلوك أو للرسالة التي يريد أن يوصلها الطفل من غير أن يشعر لأنه لم يفهمها أصلاً وقد تكون أحياناً حاجة لم تشبع…

مساعدة الأطفال على فهم شعورهم وعلى التعبير عن المشاعر بطرق سهلة وإيجابية، يخفف من ظهور المشكلات السلوكية، وقد يعالجها من جذورها أيضًا؛ لأنّ أغلب المشكلات السلوكية يكون وراءها أما شعور بالإحباط، أو بخيبة أمل، أو استعراض العجز، أو الشعور بالذنب أو الانتقام (في كثير من المراجع العربية والاجنبية).

إنّ تأنيب الطفل أو معاقبته على أفعاله السلوكية الخاطئة تشعره بأنه طفل سيء، بالتالي يسلك وفق هذا التصور عن نفسه، وكأن ما يدور في عقل ذلك الطفل هو التالي:
(والدي يعاقبني لأنه لا يحبني أو لا يحترمني، إذًا أنا شخص لا أستحق الاحترام بالتالي لن أحترم أحد ما دمت شخص غير محترم). قد يتساءل البعض هل يفهم الطفل هذه المعادلة؟ الطفل يسلك من دون وعي كامل لهذا الشعور في أغلب الأحيان، بمعنى أنّ الطفل لم يفهم شعوره الذي دفعه للقيام لهذا السلوك.
ففي مثال آخر: (تتجاهل الأم طفلها عندما يصرخ، وهو قد وصل للصراخ أصلًا لأنها لم تستمع له حينما تحدث بهدوء ولاحظ أنها تستجيب للصراخ أكثر وحينما تعمدت تجاهله ليترك الصراخ، ترك الصراخ ليدخل بنوبة غضب حادة أصبحت الأم فيما بعد لا تعرف سببها وتطلب المساعدة بهذه العبارة ” طفلي تأتيه نوبات غضب بدون سبب” والسبب الحقيقي وراءها إحباط وحالة يأس من التواصل الجيد السوي.
ومثل هذه الاستراتيجيات أيضًا: كالوقت المستقطع، كرسي العقاب، وكرسي التفكير جميعها فكرة واحدة، وهي عزل الطفل مع نفسه التي لم يفهمها بعد، ويحتاج إلى دعم للتخفيف من حدة هذه المشاعر التي أدت إلى السلوك المشكل، بالتالي مزيداً من المشكلات السلوكية سواء بالعدد أو الكم، فيزول سلوك سيء ليحل محله سلوك أسوء للأسف. إذًا مادامت هذه الاستراتيجيات غير نافعة، فالحل ببساطة مساعدة الطفل على فهم شعوره بالتالي تعزيز الثقة بنفسه ليسلك وفق الفطرة (السلوك المتعاون الذي يرضاه لنفسه) أو (السلوك المقبول الذي يخوله لبناء علاقات إيجابية بطرق جيدة) وكلها أهداف تولد أفكار جيدة إيجابية بالتالي تؤدي إلى سلوكيات جيدة.

كيف يفهم الطفل شعوره أو كيف أساعده على فهم شعوره؟
أن أعكس شعوره ليسمعني، أعبر عنه حتى يفهمه هو، فعكس الشعور يتطلب أن أستمع له أكثر، وأن أنصت للكلمات، وما وراء الكلمات.
هناك استراتيجية ذهبية تسمى (الاستماع النشط) حينما يُدرب الوالدين عليها وعلى طرق تطبيقها سيلاحظون فرق في تطور علاقتهم مع أبناءهم ومع كل من تربطهم فيه علاقة تبادلية من البالغين المحيطين بهم.
إنّ الاستماع النشط يوصف: بأنه تعاطف مع الشخص المقابل حتى وإن كان هذا الشخص مخطئ وكأننا نتعامل بالمبدأ الرباني، في قوله تعالى: ” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” أو بالحديث النبوي (التمس لأخيك سبعين عذراً) وهي بمثابة الأداة البسيطة لإعادة أي علاقة هُدِمت أو تصدعت للبناء مجددًا أو الترميم لتصبح) تحت الإنشاء) وصفتها بهذه العبارة؛ لأنها غير مُكتملة تحتاج لإعادة بناء وستأخذ وقت في ذلك.
تقوم قاعدة الاستماع النشط على: أنت + تشعر + وصف دقيق للشعور + لأنه…
مثال:
-أنت تشعر بالإحباط لأنك لم تستطع إكمال اللعبة.
-أنت تصرخ لأنني لم أرد عليك حاول الانتظار لحين انتهائي.

إن مساعدة الأطفال للتنفيس من مشاعرهم السلبية ومحاولة فهمها وفق هذه الاستراتيجية تضمن سرعة استجابة المربي وعدم حاجته للتجاهل وعدم حاجته كذلك لتلبية طلبات الطفل بطرق غير صحيحة.
أما من ناحية الطفل فهي تحقق له ما يلي: الحاجة للاحترام والتقدير، والحاجة للتعبير عن المشاعر والاعتراف بها، وعند تلبية هذه الاحتياجات من البديهي أن يكون الطفل أكثر ثقة بنفسه متكيفاً معها ومع من حوله وأكثر تعاون مع المربي.
ويلي هذا الاستماع المتعاطف استراتيجيات لا تخفى على أي مربي مُطلّع يسعى لخلق العلاقة الإيجابية مع أبنائه على سبيل المثال لا الحصر:
● قضاء وقت نوعي مع الطفل بأنشطة يحبها وتبقى ذكرى سارة.
● إظهار الحب غير المشروط في كل وقت.
● تشجيع النجاحات والإنجازات الصغيرة لتصبح كبيرة.
● تجاهل السلوكيات السلبية والتركيز على الإيجابية.
● البعد عن كل ما يعوق التواصل: اللوم، التوبيخ، الاستنكار، كثرة الأسئلة التقريرية والتحقيق، أو المبالغة في تقييم الطفل ما يعرف ولا مالا يعرف، والعقاب بكل أشكاله.

أخيراً: تذكر عزيزي المربي أنك بحاجة لهذه العلاقة الجيدة، فهي بمثابة الشجرة التي إن أحسنت غرسها قطفت ثمارها وتفيئت ظلالها حينما تشتد بك حرارة الأيام.
جعل الله ذرياتنا وإياكم قرة أعين ورزقنا وإياهم تمام الصحة والسلامة النفسية.

أ. هناء بنت سليمان البلوي
ماجستير طفولة مبكرة – جامعة الملك سعود
مدرب وعضو في الحوار الوطني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى