باندورا: ما قصتها؟ وما علاقة صندوقها بالتسريبات الأخيرة حول زعماء العالم؟
[ad_1]
طغت عبارة “وثائق باندورا” على عناوين الأخبار في الأيام الماضية، مع تسريب أكثر من 12 مليون مستند يكشف عن ثروات سرية وتهرب ضريبي وأحيانا غسيل أموال لبعض من رؤساء الدول والأثرياء حول العالم.
وبعيداً عن التسريبات الأخيرة، فإننا كثيراً ما نسمع عبارة “صندوق باندورا”، كما أن الكلمة ترتبط باسم علامة مجوهرات شهيرة.
ولكن من تكون باندورا هذه؟ وماذا يحتوي صندوقها؟ وما علاقتها بمحتوى الوثائق السرية؟ وما دخل الأساطير الإغريقية بالتهرب الضريبي؟
المرأة الأولى
بحسب الأساطير الإغريقية، باندورا هي المرأة الأولى على الأرض، وورد ذكرها في قصيدتي “أنساب الآلهة” و”الأعمال والأيام”، للشاعر هسيودوس، في القرن السابع قبل الميلاد.
تعني كلمة باندورا في اللغة اليونانية القديمة “الهدية” و”صاحبة العطايا”، لأنها منحت كهدية من الإله زيوس إلى الإنسان.
يمكن القول إن باندورا عند اليونانيين القدماء، هي صنو لحواء زوجة آدم في المعتقدات اليهودية والمسيحية والإسلامية.
ولكي نفهم مكانة باندورا ورمزيتها، لا بد أن نتعرّف إلى الأحداث التي سبقت ولادتها حسب الأسطورة.
حرب الآلهة
تخبرنا الأسطورة أنه قبل ولادة الجنس البشري، ساد على الأرض عصر ذهبي، حكم خلاله كرونوس الكون، وكان كرونوس من نسل الجبابرة.
انتفض زيوس وأخوته على والدهم كرونوس، ونشبت حرب بين الآلهة بزعامة زيوس والجبابرة بزعامة كرونوس، كانت فيها الغلبة للآلهة الأولمبيين الذين سجنوا الجبابرة في باطن الأرض.
بقي من نسل الجبابرة اثنان هما بروميثوس، وشقيقه إبيمثيوس، أوكل زيوس إليهما مهمة ترميم الأرض. إذ كلّف بروميثيوس بمهمة خلق الإنسان، وإبيمثيوس بمهمة خلق الحيوانات، ومنحهما موارد غنية لإتقان صنعتهما.
انهمك برومثيوس في تشكيل الانسان بإتقان وعناية، واستغرق في ذلك وقتاً طويلاً. في هذه الأثناء، كان إبيميثيوس قد أنهى تشكيل الحيوانات، فمنحها كل عطايا زيوس، من السرعة، والقوة، إلى حدة السمع والبصر، والقرون، والأنياب، والفرو.
لم يبق شيء من تلك المواهب للبشر، فجاؤوا جنساً ضعيفاً، لا يقدر على حماية نفسه في مواجهة الوحوش، ما جعل برومثيوس يشفق عليهم، ويمنحهم معارف ومهارات تحميهم مثل البناء والإبحار، والحدادة، والأبجدية، وغيرها.
لم يكتف بروميثيوس بذلك، بل سرق نار الآلهة من جبل الأوليمبوس، وأعطاها للإنسان، فبات البشر أسياداً على الأرض والحيوانات، ما أغضب زيوس غضباً شديداً.
عاقب زيوس بروميثيوس على فعلته، فأمر بربطه إلى صخرة، وكان يرسل إليه كل يوم نسراً عملاقاً ليلتهم كبده، ويعود الكبد للنمو من جديد، لكي يأكله الطائر مرة تلو الأخرى.
هدية ملغومة
لم تقتصر نقمة سيد الآلهة ورغبته بالانتقام على معاقبة بروميثيوس، بل أراد أن يعاقب البشر جميعاً، من خلال منحهم هدية تخرّب عليهم كلّ المنح والمواهب التي أعطيت لهم بخلاف إرادته. عندها قرر أن يخلق المرأة الأولى، وهي باندورا.
هكذا، طلب من إله الحدادة والنار والبراكين هيفيستوس أن يجبل المرأة، وطلب من كلّ واحد وواحدة من الآلهة أن يقدّم لها هبة؛ منحتها أثينا هبة الحياكة، وأفروديت هبة الجاذبية، وهيرميس القدرة على الكلام المعسول والخادع، ومنحتها هيرا صفة الفضول.
وبعدما زينها الآلهة بأبهى حلل، ومنحوها اسم “صاحبة العطايا”، أرسلوها إلى الأرض كهدية لإبيميثيوس الذي قرّر أن يتزوجها على الفور، بالرغم من تحذير بروميثيوس له بألا يقبل هدايا من زيوس.
وبمناسبة الزفاف، قدم زيوس هدية للعروس، وهي جرة أو صندوق (تختلف العبارة بحسب اختلاف الترجمات)، ولكنه طلب منها ألا تفتحها أبداً.
الفضول القاتل
لم تكن باندورا تعرف محتوى الجرة، ولكن هبة الفضول التي منحتها إياها هيرا، نغصت عليها حياتها. وبحسب الأسطورة، فقد حاولت أن تتجاهل الجرة، وأن تتريث في فتحها، ولكن كيف يمكن أن تمنح أحداً هدية وتطلب منه ألا يكشف محتواها؟
رغم إلحاح زوجها بأن تنسى الهدية، سيطر الفضول على عقل باندورا، وباتت تسمع أصواتاً تناديها من داخل الجرة، لكي تفتحها.
وفي النهاية، قررت أن تفتحها لثوانٍ معدودة فقط، لكي تعرف ما فيها، ثم تغلقها من جديد. وما أن رفعت الغطاء، حتى شمت رائحة كريهة، وسمعت أصوات ضوضاء.
كان صندوق باندورا يحتوي على كل شرور وأمراض العالم: الموت، الحروب، الأوبئة، الجشع، الكراهية، وكل ما يمكن أن يسمّم حياة الإنسان.
خافت باندورا وأعادت إغلاق الجرة، ولكن الأوان كان قد فات، وانتشرت الشرور بين البشر، وانتهى ما يسميه هسيودوسبالعصر الذهبي للبشرية، حين كان الناس كلهم ذكوراً، يعيشون بسعادة واتزان.
هكذا، وبحسب الأسطورة الإغريقية، عاقب زيوس البشر على تميزهم ومواهبهم، بخلق المرأة!
من يعيد قراءة الأسطورة اليوم، يرى أن العقل الإغريقي القديم نسب إلى المرأة الأولى كل العلل والشرور والخداع، تماماً كما في النصوص الدينية القديمة التي تحمّل حواء مسؤولية طرد الإنسان من الجنة.
ويمكن لتلك النصوص القديمة أن تعطينا تصوراً عن نشأة كراهية النساء في المجتمعات القديمة، وتأسّسها على معتقدات تشيطنهن، ما تزال سائدة حتى اليوم، عبر تنميط الإناث بصفات سلبية، منها الفضول، والتلاعب، والغواية، والتسبّب بالمشاكل.
الأمل الخادع
لا تنتهي الحكاية في قصيدة هسيودوس عند فتح صندوق باندورا وانفلات الشرور منه، بل هناك تتمة. فحين أعادت باندورا الغطاء إلى مكانه، احتجزت فيه هبة أخيرة، وضعها زيوس للبشرية، ونستها في الداخل.
بعد مدة، رأت باندورا نوراً ينبعث من الجرة، فأعادت فتحها، وخرج منها شيء جميل، فشعرت بالدفء والسعادة. لم تكن تلك العطية الأخيرة إلا الأمل.
تختلف التفسيرات لنهاية الأسطورة، إذ يعتقد بعضهم أن زيوس لم يرد أن يقسو في عقابه على الإنسان، وأرسل له الأمل كي يكون أداة ليتغلّب فيها على الشرور والمصائب. فحتى في أشد اللحظات صعوبة، يكون الأمل حافزاً للبشر على الكفاح والاستمرار.
ويرى آخرون أن الأمل ما هو إلا وسيلة أخرى من زيوس لخداع البشرية والانتقام منها، لأن ما يمنحه من دفء واطمئنان، لا يعدو كونه وهماً، لا ينفع أمام قسوة الحياة وعدميتها. وكما قال الفيلسوف نيتشه في تحليله للأسطورة فإنّ “الأمل هو الأسوأ بين كلّ الشرور لأنه يطيل من عذاب الإنسان”.
ما صلة كلّ هذه الأقصوصة بوثائق باندورا؟
تحوّل صندوق باندورا مع الوقت إلى مصدر إلهام للأدب والفن، وباتت العبارة بحد ذاتها استعارة ترمز إلى سيل المفاجآت غير السارة التي تأتينا من المجهول.
يبدو الاسم مناسباً لما كشفت عنه المستندات السرية من تهرب ضريبي، وتحايل على القانون، وطمع بعض الأثرياء والنافذين، واتساع هوة اللامساواة في العالم بين مالكي الثروات، ودافعي الضرائب من مواطنين حول العالم.
ولكن، بخلاف الأسطورة، بالنسبة لكثيرين، لا يبدو هناك أي أثر للأمل، خلف ما تكشفه وثائق باندورا.
[ad_2]
Source link