عثمان علي خان: الرجل الذي كان يحيك جواربه ولا يغير عمامته رغم أنه كان الأغنى في العالم
[ad_1]
في سبتمبر/ أيلول من عام 1948 قامت الهند، وبعد أكثر من عام من استقلالها عن بريطانيا، بضم إمارة حيدر آباد التي كانت تحيط بها الأراضي الهندية من كل الجوانب.
وقد ظل حاكم تلك الإمارة عثمان علي خان يقاوم الخضوع للسيادة الهندية طوال تلك الفترة، فمن هو؟ وما هي قصة حيدر آباد؟
تأسست مدينة حيدر آباد عام 1591، واشتهرت بتقدم الطب فيها وسقطت في أيدي المغول عام 1685.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن نظام الملك (آصف شاه) ، الذي كان نائبا للملك في الهند تحت حكم أباطرة المغول من عام 1713 إلى عام 1721 هو من حول المدينة إلى دولة مستقلة.
فقد أصبح آصف شاه مستقلا فعليا عن إمبراطورية المغول، وأسس سلالة (حكام) أسرة نظام الملك في حيدر أباد منذ عام 1742. وقد شارك البريطانيون والفرنسيون في حروب الخلافة التي أعقبت وفاته عام 1748.
وبعد انحياز مؤقت إلى حيدر علي، حاكم إمارة ميسور (ولاية كارناتاكا الآن) ، قبل نظام علي في عام 1767 الهيمنة البريطانية على حيدر أباد بموجب معاهدة ماسوليباتام المبرمة في عام 1768.
وتواجدت منذ عام 1778 قوة بريطانية في هذه المنطقة.
وقد أجبر البريطانيون نظام علي خان في عام 1798 على الدخول في اتفاقية وضعت بلاده تحت الحماية البريطانية، ليصبح أول أمير هندي يفعل ذلك.
ومع ذلك، تم تأكيد استقلاليته في الشؤون الداخلية. وكان نظام ناصر الدولة والكتيبة العسكرية لحيدر أباد موالين للبريطانيين أثناء التمرد الهندي (1857-1858).
ولكن من هو حاكم حيدر آباد الذي قاوم السيادة الهندية؟
هو عثمان علي خان الذي اشتهر بأنه أغنى رجل في العالم.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن عثمان علي خان وُلد في 6 أبريل/نيسان من عام 1886 في حيدر آباد، وتوفي في 24 فبراير/شباط من عام 1967 في حيدر آباد أيضا.
وكان حاكما لهذه الدولة الإمارة الواقعة في وسط جنوب الهند في الفترة بين عامي 1911 و1948 ثم رئيسا دستوريا لها حتى عام 1956.
وكان عثمان علي خان أغنى رجل في العالم ، وقد حكم دولة بحجم إيطاليا أو بحجم انجلترا واسكتلندا معا.
وبعد تعليمه الخاص، خلف عثمان علي والده محبوب علي خان، النظام السادس، في 29 أغسطس/آب من عام 1911.
وبتشجيعه للإصلاح المالي، قاد دولة حيدر أباد إلى وضع ائتماني تحسد عليه حيث أصدرت عملاتها الورقية والمعدنية الخاصة بها وباتت تمتلك شبكة سكك حديدية رئيسية.
وفي عام 1918 رعى تأسيس الجامعة العثمانية في حيدر أباد.
وعلى عكس بعض الأمراء المجاورين، حافظ على الطابع الإقطاعي لولايته ولم يبد اهتماما يذكر بصوت الأغلبية الهندوسية المتزايد بين شعبه على الرغم من أنه أنفق مبالغ كبيرة لتحسين ظروفهم المعيشية.
وفي عام 1937، وضعت مجلة تايم الأمريكية صورته على غلافها باعتباره أغنى شخص في العالم.
وقد اشتهر بتناقضاته، ففي الوقت الذي قدم فيه تبرعات سخية لجهات عديدة ووظف 38 عاملا لإزالة الغبار عن ثريات القصر، كان يقوم أيضا بحياكة جواربه وارتداء نفس الملابس لأشهر والحصول على سجائر من ضيوفه.
وكانت العمامة المجعدة التي يرتديها دائما تتناقض بشكل صارخ مع ألماسة بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني بحجم بيضة النعام والتي استخدمها كثقالة للورق.
ولم تكن تلك الماسة سوى قطرة في بحر ثروته التي كانت تقدر في أربعينيات القرن الماضي بـ 100 مليون جنيه إسترليني من الذهب والفضة و 400 مليون جنيه إسترليني من المجوهرات. وفي عام 2018 أطلقت الشرطة في مدينة حيدر أباد جنوب الهند تحقيقا في سرقة صندوق غداء ذهبي مرصع بالألماس كان مملوكا لعثمان علي خان.
كما سرق اللصوص فنجان شاي من الياقوت والذهب وصحناً وملعقة صغيرة يبلغ وزنهم 3 كيلوغرامات وتقدر قيمة المسروقات بحوالي 7 ملايين دولار.
وفي الحرب العالمية الثانية، قدمت دولته سفنا بحرية وسربين من الطائرات لسلاح الجو الملكي، وقد حصل في عام 1946 على الوسام الملكي الفيكتوري.
وبدعم من مجلس اتحاد المسلمين ومن جيشه الخاص، الراكارس، رفض عثمان علي الخضوع للسيادة الهندية في عام 1947 عندما انسحبت بريطانيا من الهند بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وطرح عثمان علي خان قضيته من أجل الاستقلال الكامل لدولته أمام الأمم المتحدة مناشدا المنظمة الدولية مساعدة حيدر آباد في ذلك، ومستندا إلى تحالفه مع بريطانيا.
وقد رفض الإنذار الهندي بالتنازل عن سلطته، لكنه اضطر في سبتمبر/أيلول من عام 1948 إلى الاستسلام للقوات الهندية.
وقد تم تعيينه رئيسا لحيدر آباد التي صارت ولاية هندية في عام 1950، ولكن كان عليه قبول مشورة أعضاء مجلس الوزراء المسؤولين أمام هيئة تشريعية منتخبة حتى تم استيعاب ولايته من قبل الولايات المجاورة في إعادة التنظيم العام للحدود عام 1956.
وألغت الحكومة الهندية ألقابه في عام 1974. وتشير التقارير إلى أنه كانت لديه 86 محظية و 100 من الأبناء غير الشرعيين.
لكن كيف تطورت الأمور لتصل إلى هذه الدرجة؟
في 14 أغسطس/ آب من عام 1947 احتفلت باكستان باستقلالها عن بريطانيا، وفي اليوم التالي احتفلت الهند بالاستقلال أيضا عن التاج البريطاني وذلك بعد أن انسحبت بريطانيا من بلد كانت تعتبره درة تاجها الامبراطوري، وخلفت وراءها دولتين مستقلتين هما الهند العلمانية ذات الغالبية الهندوسية وباكستان الإسلامية.
ولم يكن البريطانيون قبل الحرب العالمية الثانية على استعداد لمنح الهند استقلالها، ولم يدعم كثير من المسلمين والسيخ وغيرهم رؤية الزعيم الهندي غاندي الخاصة بالهند كبلد موحد، ولم يؤمنوا أنه يتحدث نيابة عن جميع الهنود.
وقدم غاندي بعد ذلك استقالته من حزب المؤتمر واعتزل الحياة السياسة، لكنه واصل حملته من أجل المساواة الاجتماعية لصالح “الداليت”، وهي الطبقة المعروفة باسم “المنبوذين”.
وأجبرت قدرته على تعبئة الجماهير ونهجه السلمي الثابت، السلطات البريطانية على التفاوض.
تحققت أهداف غاندي عندما أضعفت الحرب العالمية الثانية قبضة بريطانيا على إمبراطوريتها، والتي قررت إنهاء وجودها في شبه القارة الهندية وتسليم السلطة إلى إدارة هندية.
ولكن كانت الخلافات مهيمنة آنذاك بين أكبر قيادتين سياسيتين في البلاد، وهما جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح.
وكان نهرو، زعيم حزب المؤتمر وأول رئيس وزراء في الهند المستقلة، معارضا لمبدأ تقسيم البلاد على أسس دينية.
ولكن محمد علي جناح، زعيم عصبة مسلمي الهند، والذي أصبح حاكما عاما لباكستان عقب التقسيم، كان مصرّا على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم.
فعلى الرغم من تأكيدات حزب المؤتمر على قيمه العلمانية فقد كان العديد من المسلمين متشككين ويخشون أن تسعى الأغلبية الهندوسية إلى تهميشهم.
وكان جناح نفسه من دعاة الوحدة بين الهندوس والمسلمين، وعضوا في حزب المؤتمر في البداية قبل أن يغير موقفه ويقطع علاقته بالحزب الذي شك في انه يسعى لتهميش المسلمين، وبعد خروجه من المؤتمر ترأس جناح عصبة عموم مسلمي الهند.
وقد قاد وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند وبورما، بيثيك لورانس، شخصيا في عام 1946 وفدا وزاريا إلى نيودلهي على أمل حل الأزمة بين حزب المؤتمر والعصبة وبالتالي نقل السلطة البريطانية إلى إدارة هندية واحدة.
وقد حمل الوفد البريطاني خطة تقترح اتحادا فيدراليا من 3 مستويات للهند يتمثل في حكومة مركزية في دلهي، والتي ستقتصر مهامها على الشؤون الخارجية والاتصالات والدفاع والشؤون المالية المطلوبة لرعاية مثل هذه الأمور على مستوى الاتحاد فقط.
وبحلول مارس/ آذار من عام 1946، طالب العديد من السيخ بدولة قومية سيخية يُطلق عليها سيخستان أو خالستان. ولم يكن لدى الوفد البريطاني الوقت أو الطاقة للتركيز على مطالب السيخ الانفصالية، ووجد الوفد أيضا أنه من المستحيل قبول مطالب العصبة الإسلامية المتعلقة بإقامة دولة باكستان.
وقد وافق جناح، الذي كان يعاني من مرض السل وسرطان الرئة، على مقترحات الوفد البريطاني، كما فعل قادة حزب المؤتمر. لذلك، شهد أوائل صيف عام 1946 فجرا من الأمل بمستقبل مشرق للهند، ولكن سرعان ما ثبت خطأ ذلك عندما أعلن نهرو في أول مؤتمر صحفي له لدى إعادة انتخابه رئيسا لحزب المؤتمر أنه لا يمكن لأي جمعية دستورية أن تكون “ملزمة” بأي ترتيبات دستورية مسبقة.
وقد قرأ جناح ملاحظات نهرو على أنها “رفض كامل” للخطة، والتي كان لابد من قبولها بالكامل من أجل نجاحها. وقد عقد جناح بعد ذلك مؤتمرا للعصبة التي سحبت موافقتها السابقة على خطة الاتحاد الفيدرالي، وبدلا من ذلك دعت لقيام “الأمة الإسلامية” وإطلاق “تحركاً مباشراً” في منتصف أغسطس/آب من عام 1946 لتحقيق هذا الهدف.
وهكذا بدأت حرب أهلية دموية في الهند حيث أدت أعمال الشغب والقتل بين الهندوس والمسلمين التي بدأت في كالكوتا، إلى إرسال شرارات قاتلة من الغضب والجنون والخوف إلى كل ركن من أركان شبه القارة الهندية حيث بدا أن ضبط النفس قد اختفى.
فتم تكليف اللورد ماونتباتن، أحد أعمدة الأسرة البريطانية المالكة وقُتل في عام 1979 بانفجار قنبلة زرعها في يخته الجيش الجمهوري الأيرلندي، بمهمة إخراج بريطانيا من أكبر مستعمراتها.
وقد تم إرساله في مارس/ آذار من عام 1947 إلى الهند ليحل محل ويفيل كنائب للملك بينما كانت بريطانيا مستعدة لنقل سلطتها على الهند إلى بعض الأيدي “المسؤولة” في موعد أقصاه يونيو/حزيران من عام 1948.
وبعد وقت قصير من وصوله إلى دلهي، قرر مونتباتن أن الوضع خطير للغاية ويستلزم اللجوء إلى خيار التقسيم بدلا من المخاطرة بمزيد من المفاوضات السياسية، كما قرر أنه من الأفضل أن تتم عملية انسحاب القوات البريطانية من الهند بسرعة.
وقد أقر البرلمان البريطاني في يوليو/تموز من عام 1947 قانون استقلال الهند، وأمر بترسيم حدود الهند وباكستان بحلول منتصف ليل 14-15 أغسطس/آب من عام 1947 .
لذلك تم الانتهاء من رسم خط تقسيم شبه القارة إلى دولتين في خمسة أسابيع فقط، وأعلنت الهند وباكستان استقلالهما في منتصف أغسطس/آب من عام 1947.
وعقب ذلك انضمت الولايات ذات الأغلبية الهندوسية للهند، ونظيرتها ذات الأغلبية المسلمة لباكستان بينما استمرت الخلافات حول كشمير إلى اليوم.
أما حيدر آباد، المحاطة بالهند من كل جانب، فقد رفض حاكمها عثمان علي خان الخضوع للسيادة الهندية حتى سبتمبر/أيلول عام 1948 عندما دخلتها القوات الهندية، وفي عام 1950 باتت دولته ولاية هندية.
وفي 1 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1956 انتهت ولاية حيدر أباد إداريا حيث تم تقسيمها بين الولايات المجاورة.
وهكذا انتهت دولة حيدر آباد مع عملية التقسيم التي جلبت معها واحدة من أكبر مآسي القرن العشرين.
فقد كان عدد سكان الهند آنذاك يناهز 400 مليون نسمة، غالبيتهم من الهندوس، وكان المسلمون يشكلون 25 في المئة تقريبا من مجموع سكان البلاد.
وقال مسؤول بريطاني عليم ببواطن الأمور حينذاك: “جاء التقسيم والاستقلال سوية. فقد كان الواحد منهما ثمنا للآخر”.
ولكن بعد مضي يومين فقط، عندما تبينت طبيعة خط الحدود بين البلدين الوليدين، أصيب جميع الهنود والباكستانيين بالقنوط والحزن.
ومن جانبه، اشتكى محمد علي جناح بأنه حصل على باكستان “أكلها العث”، إذ تكونت الدولة المسلمة الجديدة من شطرين يفصل بينهما ألفا كيلومتر من الأراضي الهندية (استقلت باكستان الشرقية في عام 1971 لتؤسس دولة بنغلاديش بعد حرب شرسة لعبت فيها الهند دورا مهما).
ورثة عثمان علي خان
قضت محكمة في العاصمة البريطانية لندن في عام 2019 بأن مبلغ 35 مليون جنيه إسترليني المودع في حساب مصرفي بريطاني يجب أن يذهب لأحفاد عثمان علي خان، وليس إلى باكستان.
وتعود أصول النزاع على المبلغ إلى تقسيم الهند البريطانية عام 1947 عندما أودع أغنى رجل في العالم آنذاك عثمان علي خان مليون جنيه إسترليني في حساب المملكة المتحدة عام 1948 وكان ذلك الحساب تحت تصرف المندوب السامي الباكستاني.
ومع الفائدة، ارتفع المبلغ إلى 35 مليون جنيه إسترليني. وحكم القاضي بعدم أحقية باكستان في هذا المال.
وزعم أحفاده أنه طلب إعادة الأموال بعد أسابيع من قيام الهند بضم حيدر آباد.
[ad_2]
Source link