أنغيلا ميركل: كيف يبدو مستقبل ألمانيا بعد مغادرتها المشهد السياسي؟
[ad_1]
- عصام عكرماوي
- موفد بي بي سي نيوز عربي إلى ألمانيا
بعد ستة عشر عاماً في منصب المستشارة الألمانية، تتنحى أنغيلا ميركل عن السلطة .
ميركل التي وصفتها نشرة فوربس بأقوى امرأة في العالم، قادت بلادها منذ عام 2005 عبر مرحلة شهدت فيها ألمانيا والعالم الكثير من التطورات المتسارعة. لكن ميركل نجحت في اجتياز العديد من التحديات الداخلية والخارجية. ومع وصولها إلى نهاية فترتها الرابعة، تطرح التساؤلات عن إرثها، وكيف سيبدو مستقبل ألمانيا بعد مغادرتها المشهد السياسي.
من هي أنغيلا ميركل:
عام 2005 أصبحت ميركل أول امرأة تشغل منصب مستشارة ألمانيا. هذه السيدة المحافظة ابنة رجل الدين، التي نشأت في ألمانيا الشرقية، والتي تعشق موسيقى فاغنر، نجحت في الحصول على أصوات الناخبين من اليمين واليسار على حد سواء، إذ أثبتت أنها تفهم عقلية الشعب الألماني وأهمية الثقة التي يمنحها للسياسي.
عُرفت ميركل بأنها إدارية ممتازة، رغم أنها تميل إلى الحذر والتأخر في اتخاذ قراراتها. كما أنها تمتعت بميزة قد تكون نادرة بين الزعماء السياسيين إذ لم يعرف عنها التورط بأي فضيحة، كما لا يوجد في ماضيها أسرار كان الكشف عنها سيضعها في موقف حرج.
شغلت ميركل منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) لأربع فترات متتالية. ويعتقد أنها لم تكن تنوي الترشح لولاية رابعة، لكنها عدلت عن رأيها بعد عشاء مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2016. وتشير بعض الروايات إلى أن أوباما هو من “ناشد ميركل لخوض الانتخابات مرة أخرى حتى يتمكن شخص ما -هي- من توحيد الغرب والعالم. وبعد أربعة أيام من هذا اللقاء ، أعلنت ميركل ترشحها.
إرث مختلف عليه
بالنسبة لكثير من مواطنيها، تحظى ميركل وسياساتها بشعبية في ألمانيا. إذ قادت دفة السياسة الألمانية وسياسة الاتحاد الأوروبي بنجاح خلال أكثر من عاصفة سياسية. فمن أزمة منطقة اليورو مروراً بقضية المهاجرين وصعود الشعبوية إلى وباء كورونا، نجحت ميركل في تخطي كثير من الأزمات التي كان من الممكن أن تطيح بها. بنظر مؤيديها، تمثل ميركل تجسيداً لصفات الاعتدال والثبات والواقعية البراغماتية.
لكن منتقديها ما انفكوا يشيرون الى أنها تفتقد إلى النظرة الثاقبة للمستقبل وتميل إلى الحفاظ على الوضع القائم، فهي تقدم الاستمرار على التغيير برأيهم.
شعبية ميركل تكون واضحة أكثر بين كبار السن لكنها تتعرض للانتقاد في أوساط الشباب الذين يأخذون عليها ما يرونه موقفها اللامبالي من قضايا البيئة وتفضيلها حماية المصالح الألمانية على حساب قيم الديمقراطية والعدالة، ويشيرون الى العلاقات الوطيدة التي نسجتها مع زعماء يمينيين مثيرين للجدل مثل رئيس المجر فكتور أوربان وحكومة بولندا.
وعند استعراض انقسام الآراء حول إرثها، تبرز قضيتان أساسيتان.
سياسة الحدود المفتوحة وأزمة المهاجرين
من بين 1.8 مليون شخص تقدموا بطلبات لجوء في الاتحاد الأوروبي بين عامي 2014 و 2015، استقبلت ألمانيا ثلث هذا العدد. عام 2015، سجلت حكومة ميركل أكثر من 440 ألف طلب بينما زعم المسؤولون الألمان أن أكثر من 1.1 مليون شخص قد دخلوا البلاد.
في أغسطس/آب من ذلك العام، انتهجت ميركل سياسة الحدود المفتوحة التي سمحت للمهاجرين بالتقدم بطلب للحصول على اللجوء في ألمانيا بغض النظر عن دولة الاتحاد الأوروبي التي وصلوا إليها أولاً، مخالفة بذلك بنود اتفاقية دبلن التي تنص على أن على أي لاجئ أن يقدم أوراقه في أول بلد آمن يصل إليه.
ومع تدفق موجات طالبي اللجوء إلى البلاد، واجهت ميركل انتقادات واسعة وردود فعل سياسية عنيفة من اليمين المتشدد المعادي للهجرة. لكنها أصرت على موقفها وقالت إن على ألمانيا أن تمد يد المساعدة الاخرين.
وسط هذا الجدل، اكتسب الحزب السياسي اليميني المتطرف الجديد، البديل من أجل ألمانيا (AfD)، الكثير من الزخم وحصل على العديد من أصوات الألمان الذين عارضوا تدفق مئات آلاف اللاجئين، ومن بينهم أشخاص كانوا قد صوتوا لميركل في السابق.
أظهر استطلاع للرأي عام 2019 أن 17.6 في المئة من الأشخاص الذين دعموا سياسة ميركل بشأن اللاجئين في البداية تراجعوا عن دعمها. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هؤلاء الأشخاص توقفوا عن التصويت لها، إلا أنه يظهر تحولًا في دعم سياستها. وتعتبر السياسات المتعلقة بمواضيع مثيرة للجدل مثل الهجرة حساسة للناخبين، لذا فإن نسبة الأشخاص الذين يغيرون آراءهم كبيرة.
ويشير استطلاع للرأي أجري في يوليو/تموز الماضي، إلى أن شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا لن تزيد عن 11 في المئة فقط من الأصوات. بينما سيحصل تحالف حزب ميركل الديمقراطي المسيحي وشريكه الحزب الاجتماعي المسيحي CDU / CSU على نسبة 29 في المئة، يليه حزب الخضر بنسبة 19 في المئة والحزب الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 16 في المئة.
خط أنابيب نورد ستريم 2
أدى خط أنابيب نورد ستريم 2، وهو خط إمداد بالغاز الطبيعي يمتد من الحقول الروسية إلى الساحل الألماني الذي يمتد تحت بحر البلطيق، إلى تصاعد التوتر بين ألمانيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتعتمد ألمانيا بشكل كبير على واردات الغاز والنفط خاصة من روسيا. الخط الجديد مملوك لشركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم وسيعمل بالتوازي مع الخط الأصلي، لتزويد ألمانيا بالغاز بتكلفة منخفضة نسبيًا. وتعتبر كل من ألمانيا وروسيا التوصل إلى اتفاق بشأن هذا الخط صفقة تجارية عظيمة، حيث يوفر طاقة أرخص وأنظف لألمانيا مع ضمان استمرار العضو الأبرز في الاتحاد الأوروبي في شراء النفط الروسي.
رغم ذلك، واجه المشروع مقاومة شديدة خارج البلدين. وكانت أوكرانيا من بين أكثر الدول التي عارضت هذا الخط الذي يتجاوز أراضيها ما يعني حرمانها من رسوم العبور التي كانت تحصل عليها جراء مرور الخط القديم في أراضيها. أما في العواصم الغربية وبالتحديد واشنطن، يخشى السياسيون الأمريكيون من أن خط أنابيب نورد ستريم 2 “سيمنح روسيا الكثير من التأثير على إمدادات الغاز الأوروبية، ما يعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوقاً أوسع ونفوذاً جيوسياسياً أكبر في وقت غير مستقر سياسيًا”.
على الرغم من ذلك، توصلت المستشارة ميركل والرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اتفاق بشأن نورد ستريم 2. ويهدف الاتفاق إلى استثمار 200 مليون يورو في أمن الطاقة داخل أوكرانيا وتطوير الطاقة المستدامة في جميع أنحاء أوروبا، مع التزام الطرفين “بحزم” بسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا.
في ألمانيا، تلقى المشروع انتقادات من حزب الخضر. وتشير استطلاعات الرأي الى أن الحزب في طريقه لتحقيق مكاسب في الانتخابات الفيدرالية المقبلة. ولا يظهر الحزب الذي يعارض أنبوب الغاز أي علامة على تليين موقفه بشأن خط الأنابيب. وتعتقد زعيمة الحزب، أنالينا بربوك، أن المشروع يقوض عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
أي نوع من ألمانيا تترك السيدة ميركل لخليفتها؟
مما لا شك فيه أنه سيكون على خليفة ميركل ملء الفراغ الذي ستتركه. إذ حصلت المستشارة الألمانية على كثير من المدح والثناء من القادة الغربيين طوال 16 عاماً كانت فيها في السلطة. وعلى الرغم من أن سياساتها قد لا تحظى بشعبية عالمية، إلا أنه من المستحيل على أي سياسي أن يلقى إجماعا على أدائه. بينما يحسب لميركل تجاوزها عدداً من الأزمات خلال فترة حكمها بهدوء وعقلانية.
وستترك ميركل ألمانيا مختلفة عن البلد الذي بدأت بحكمه قبل ستة عشر عاماً. إذ تسبب وباء كورونا بأضرار اقتصادية كبيرة، كما شهدت ألمانيا صعوداً لليمين المتطرف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. لكن التحدي الأكبر هو مستقبل الاتحاد الأوروبي ودور ألمانيا فيه لا سيما في ضوء الحاجة إلى تعزيز التعاون داخل الاتحاد الأوروبي وسط تزايد المشاعر المناهضة للاتحاد في عدد من الدول الأعضاء.
سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات البرلمانية الاتحادية هذا الشهر، وسيراقب الجميع كيف سيتعامل خليفة ميركل مع إرثها: هل سيواصل السير على خطاها وقيادة ألمانيا بحذر شديد لكن مع الكثير من الثبات، أم أنه سيكتب فصلاً جديداً في تاريخ البلاد؟
[ad_2]
Source link