قرية مصرية تبكي غرقاها في رحلة هجرة من ليبيا إلى إيطاليا
[ad_1]
- أحمد شوشة
- بي بي سي نيوز عربي – القاهرة
سالت دموعها وهي تحدثني عن ابنها المفقود محمد، فيما جلست معنا جدته وإخوته الصغار وابن عمه في غرفة الضيوف البسيطة التي تُعرف في الريف المصري بـ”المندرة”.
قالت أميرة برجاء ويأس مختلطين: “أرجوكم أرجعوا لي ابني، أتمنى أن أراه حيًا أو ميتًا، أريد أن أتحدث معه وأعانقه. كان أبوه يقول لي متى كبر هذا الصغير وتركنا هكذا؟”.
أُبلغت أسر 11 شخصًا في قرية تلبانة التابعة لمدينة المنصورة في دلتا مصر بمصرع أبنائهم إثر غرق قارب كانوا يستقلونه مع آخرين قبالة السواحل الليبية.
وكان القارب الذي حمل نحو 70 شخصًا في رحلة هجرة غير منتظمة انطلقت من مصر في اتجاه ليبيا، قاصدة إيطاليا.
لم يعد لمحمد لدى أمه غير الصور والرسائل، فأميرة ظلت طيلة الجلسة تقلب صور ابنها الأكبر ذي السنوات التسع عشرة على هاتفها المحمول، وتستمع إلى رسائله الصوتية الأخيرة التي بعثها من ليبيا.
أسمعتنا إحدى هذه الرسائل الصوتية، إذ كان محمد يطلب إرسال أموال إليه قائلًا: “أريد 300 جنيهًا (نحو 20 دولارًا) لأنني مفلس ويبدو أن الجلسة هنا ستطول”.
عمل محمد مع والده كعامل في الزخرفة المنزلية، بعد حصوله على الثانوية الصناعية، وكان يأمل إذا نجحت هجرته أن يجد تعليمًا جيدًا وحياةً أفضل.
ترفض أميرة أن تصدق أن ابنها لقي مصرعه، كما أخبرها منظم الرحلة، فلا هو آتٍ أو متصل، ولا هم دفنوا جثمانه أو علموا بمكانه.
انتظار وقلق
تحركنا بين المنازل في قرية تلبانة ويبدو على وجوه أهلها وفي حديثهم قلق شديد انتابهم قبل أيام، فأكثر من 100 من ذويهم كانوا على متن قاربين، غرق أحدهما.
ويبدو هناك فرق واضح بين مستوى المعيشة بين من هاجروا بطريق غير شرعي في القرية أو من بقوا في مصر يظهر في البنايات العالية ذات أجهزة التكييف أو المنازل الريفية البسيطة.
وصلنا منزل محمود الذي كان على القارب الناجي منهما، وهناك تعيش أمه مع زوجته وطفله الذي لم يبلغ عامين وزوجة أخيه الأكبر الذي هاجر هو الآخر بطريق غير شرعي قبل 17 عامًا.
تقول أمه إنه ألقي القبض عليه قرب الحدود الليبية، وطلبوا أموالا لإطلاق سراحه، لكنها لا تعرف إذا كان من فعل ذلك القوات النظامية أم كانت تلك عصابات مسلحة.
لم تتمالك نورا دموعها وهي تخبرني بأنها لم تعلم مسبقًا بهجرته قائلة: “قلبي يؤلمني”.
واستكملت: “اتصلت به حينها وهو في ليبيا وطلبت منه العودة لأني كنت أخشى عليه الخطر، لكنه رد قائلًا من سبقوني لم يموتوا جميعًا، ولدي أمل يا أمي أن نعبر البحر ويفتح أمامي بابالرزق”.
كنت أجلس على حصيرة إلى جانب أمه وطفله الرضيع وزوجته التي ظلت تطلعني على صورهما معًا، وتحدثني عن ذكريات الزواج الذي لا يزيد عمره عن سنوات ثلاث.
تحكي زوجته عن آخر مرة تحدثا فيها عن ظروفه في الرحلة قبل 10 أيام من اختفائه. وتقول: “أخبرني بأنه لم يكن يأكل بشكل جيد، قطع خبز قليلة وجبن، وكان يشرب المياه من عبوات غير نظيفة تُستخدم في تخزين البنزين”.
يبلغ محمود من العمر 26 عامًا وعمل حلاقًا في قريته، وربما كان دافعه للهجرة تجربة أخيه الأكبر الذي وجد حياته في إيطاليا.
مغامرة صعبة
لم يتبق لأسر المفقودين سوى قليل من الأمل، فخبر واحد قد يخفف من قسوة انتظارهم، حتى إذا كان هذا الخبر هو وصول جثامين ذويهم.
لكن تلك المآسي المتكررة لا تثني كثيرين من الشباب المصري عن نواياهم للهجرة غير الشرعية.
ففي هذه القرية فقط، تلبانة، هاجر العشرات بطريق غير شرعي، ويقول الأهالي إن الفقر أبرز أسباب تلك المغامرة الصعبة.
ويبلغ الفقراء في مصر نحو ثلث السكان أو ما يقدر بنحو 30 مليونا، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وأعلنت وزارة الداخلية المصرية إلقاء القبض على منظم الرحلة الذي يعيش في القرية نفسها، وله شقيق في ليبيا يتابع معه تلك الرحلات للهجرة غير الشرعية.
وللرحلات السابقة التي نظمها الأخوان مقاطع مصورة انتشرت على الإنترنت بعد وقوع الحادث الأخير، تظهر تكدس العشرات في قارب صغير في عرض البحر، ولا يحظى بأي عوامل أمان.
ويطمع كثيرون في تغيير أوضاعهم المعيشية، وأن يجدوا حياة أفضل، حتى لو كان ثمنها المخاطرة بالنفس.
“أحلام ابني مشروعة”
وفيما كنا نتجول في القرية لتصوير الشوارع، هرول إلينا رجل يبدو خمسيني العمر بمجرد أن رأى الكاميرا.
يقول هذا الرجل الذي يؤيد الهجرة بطريق غير شرعي: “لقد وجدت أنت وظيفة جيدة، ولك راتب شهري، وتمسك بهاتف محمول، ابني أيضًا يريد ذلك، كيف يحققه؟”.
ودأبت الحكومة المصرية على التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية بمبادرات مثل “مراكب النجاة” التي أطلقتها وزارة الهجرة، وبمحاولات لتوفير فرص لبدء مشروعات صغيرة.
وتأسست في 2014 اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية تتبع رئيس الوزراء المصري.
تقول رئيسة اللجنة، السفيرة نائلة جبر، إن مصر التفتت إلى أن الأهالي يعتمدون على القانون الإيطالي الذي يمنع ترحيل الأطفال دون الثمانية عشر عامًا، ليحصلوا على التعليم والإقامة ثم الجنسية.
وتوضح رئيسة اللجنة في تصريحات صحفية أعقبت حادثة مهاجري قرية تلبانة أن السلطات سنت تشريعًا يعطي الولاية إلى المركز القومي للطفولة إذا ما سافر الطفل بشكل غير شرعي، ليكون من حق السلطات استعادة الأطفال إذا ما تهرب أولياء الأمور من استعادتهم.
وينص قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية الذي سُن عام 2016 على معاقبة من يساعد في تهريب مهاجرين بشكل غير شرعي بالسجن والغرامة.
وخلال السنوات الأخيرة، نجحت قوات الجيش في السنوات الأخيرة في الحد من الهجرة المباشرة من مصر إلى أوروبا، قبل أن يحول المهاجرون طريقهم إلى ليبيا.
[ad_2]
Source link