من جندي يحتضر في أنغولا إلى مدير مرموق في لندن، قصة الرجل العائد من الموت
[ad_1]
- أوين آموس
- بي بي سي نيوز
بعد أن اخترقت رصاصة فمه ورقبته، رقد سيزار كيمبيريما على العشب الطويل، يفكر في عائلته وينتظر الموت.
ورغم أنه أصيب بأعيرة نارية في ذراعه وساقيه لثلاث مرات قبل ذلك، لكن هذه المرة كانت الأسوأ على الإطلاق.
وهكذا عندما بدأت السماء تدور فوقه، وبدأ اللون الأسود يسيطر على رؤيته، اعتقد أن الأمر قد انتهى، وأن روحه أزهقت على العشب الطويل، حيث كان دمه يتدفق ليروي الأرض الأنغولية الجافة.
بعد أكثر من 20 عاما، ها هو الجندي المحتضر يقدم كؤوس الشراب في الحانة التي يديرها في جنوب لندن.
لا يمكن أن تلمح أي مؤشر على حياته السابقة، فهو يبتسم لرواد الحانة، ويلوح للأطفال الصغار في عرباتهم.
لكن إذا نظرت إلى رقبته عن كثب يمكنك أن ترى الندبة الشاهدة على الرصاصة والغيبوبة والهروب.
وُلِد سيزار كيمبيريما في أنغولا في جنوب غرب إفريقيا، ونشأ بين 11 شقيقا. كانت والدته معلمة في مدرسة ابتدائية، وكان والده ممرضا وكهربائيا.
عاشت عائلته في هوامبو، ثالث أكبر مدينة في أنغولا، وكذلك في أماكن أخرى من البلاد. وعلى الرغم من الحرب الأهلية المستمرة منذ فترة طويلة، فقد استمتع بارتياد المدرسة وكان طفلا سعيدا.
لكن في عام 1990، عندما كان سيزار في السابعة عشرة من عمره، انتهت طفولته.
يقول: “لقد تلقفني الجيش في الشارع، كانت تلك طريقتهم: إذا كنت ضخما، طويل القامة، أمسكوا بك وأجبروك على الانضمام إليهم بدون موافقة والدك، وبدون أي شيء.”
لم يُسمح له بحزم حقيبته، ولا بتوديع عائلته، التي لم يرها بعد ذلك لمدة ثلاث سنوات.
“أن تكون طفلا في ذلك الوقت، يعني أن تكون مدركا تماما أنهم إذا رأوك فهي النهاية بالنسبة لك، فالأمر كان مستمرا، لذلك عندما يقبض عليك، لا يعود لديك خيار”.
هل يستطيع الهرب؟ “إذا حاولت، قد تُقتل. لذا من الأفضل أن تبقى هناك، وتجلس على الأرض بانتظار الشاحنة التي ستُقلك للمعسكر”.
لم يكن الجيش الأنغولي يهتم بجنوده، أو ربما لم تكن لديه القدرة والإمكانية لفعل ذلك.
خلال التدريب الأولي لمدة ستة أشهر، كان المجندون يحصلون على وجبة واحدة في اليوم. وبعد انتهاء فترة التدريب وعند إرسالهم في مهام، قد يحصلون على علبتي بسكويت، وعلبة حليب مكثف، ووعاء ماء.
كان من المفترض أن تكفي هذه الحصص الغذائية لمدة 30 يوما.
يتذكر سيزار: “لقد تعلمنا كيفية البقاء على قيد الحياة، إذا حصلت على كيس بلاستيكي، لفه حول الأوراق وأغلق نهايته، ستتعرق أوراق الشجرة وعندما تبدأ في التقطير، تكون قد حصلت على ماء”.
أصيب سيزار بعيار ناري في ساقه للمرة الأولى عندما كان يبلغ من العمر 18 عاما، “كنا نخيّم (لحماية القرى في الحرب الأهلية)، حيث نزلت القوات اليسارية وهاجمتنا، كنا أطفالا، ولم تكن لدينا خبرة”.
وأصيب سيزار مرتين أخريين، في حادثتين منفصلتين، قبل الهجوم الذي كاد أن يودي بحياته.
يقول: “عادة ما تأتي (قوات المعارضة) في منتصف الليل، لكن هذه المرة، جاؤوا حوالي الساعة الثامنة مساء، سمعنا ضوضاء، وبدأ أحد زملائي بالركض، لذلك بدأوا في إطلاق النار، ثم تبادلنا إطلاق النار، وشعرت بعدها بالبرد الشديد”.
لم يدرك ما حصل في البداية، لقد أصيب برصاصة في فمه. تخلص من بندقيته، إذ أنه سيقتل إذا وجده العدو وبحوزته سلاح، واستمر في الركض.
بعد 15 أو 20 مترا، استلقى على العشب وشعر بالدم يسيل على ظهره.
يقول: “فكرت في عائلتي وكيف أنني لن أتمكن من وداعهم، اعتقدت أنها النهاية، رحل شاب آخر، هذا ما فكرت به وآخر شيء أتذكره”.
استيقظ سيزار في المستشفى، يقول: “لم أصدق أنني على قيد الحياة”، وعولج لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لكنه دخل بعد ذلك في غيبوبة، استمرت لخمسة أشهر، وعندما استيقظ، أخبره الطبيب أنه لن يستطيع المشي مرة أخرى.
وتلقى بعض الأخبار الجيدة، فبعد تسع سنوات في الجيش، تم تسريحه، إذ أنهم لا يريدون جنديا لا يستطيع المشي.
لكن الوضع كان سيئا، إذ كان يبلغ من العمر 26 عاما، بلا مال، ولا فكرة عن كيفية العثور على عائلته، التي باتت تضم الآن والدة طفلته وابنتهما البالغة من العمر ثلاث سنوات. غادر المستشفى ولم يكن يحمل سوى عكازين خشبيين.
يقول: “لقد كان صراعا من أجل البقاء، كنت أتسول للحصول على الطعام والمال ومكان يأويني”.
وأخيرا التقى بجنود من الأمم المتحدة، يقول: “أعتقد أنهم كانوا أمريكيين، كانوا يتحدثون الإنجليزية”. ويمضي للقول: “كانوا يعرفون كل الأطفال الصغار الذين يعانون ظروفا مماثلة، لقد عرفوا أني مصاب وبعد سؤالي اكتشفوا ما حدث”.
وجد الأمريكيون مأوى له في مركز للجنود المصابين: “مئة شخص يعانون من إصابات بالغة بعضهم فقد أطرافه”.
وبعد البحث عن أسرته والتوصل إلى مكانها، أخبر الجنود أنه يعتزم مغادرة أنغولا.
يقول: “حالتي النفسية والعقلية كانت سيئة للغاية، لم أتقبل فكرة البقاء”.
وللمرة الثانية أنقذه الأمريكيون، يقول: “قالوا لي، سنساعدك على مغادرة البلاد”.
ويضيف: “لقد تكفلوا بكل شيء ولم أنفق أية نقود”.
لم يكن على دراية بأية تفاصيل، بما في ذلك وجهته المقررة، لكنه لم يهتم لكل هذا، فبعد ستة أشهر من مغادرته المستشفى، غادر أنغولا وحربها الأهلية.
حتى الآن، يتذكر سيزار كلمات الأمريكي الذي ساعده: “فهمت الآن ما كان يقصده حين قال: لا يمكن أن تضيع حياة الشباب سدى بهذه الصورة”.
نُقل سيزار وشريكته وابنته الصغيرة إلى المملكة المتحدة عبر لوبانغو في أنغولا وكينيا، حيث شعروا بالأمان، لكن عندما بدأوا رحلتهم في إنجلترا، واجهتهم ثلاث مشاكل رئيسية.
لم يكن لديهم المال، ولا يتحدثون الإنجليزية، ولا يعرفون أي مخلوق في هذه البلاد.
بعد وصولها إلى المملكة المتحدة، نُقلت العائلة الشابة، التي أصبحت لاجئة، إلى مركز للنظر في طلبات اللجوء في منطقة كرويدون، جنوبي لندن. تنقلوا بين العديد من النزل والفنادق قبل أن يجد لهم مجلس البلدة سكنا مناسبا.كان سيزار لا يزال غير قادر على تحدث الإنجليزية: “كنت أحمل قاموسا صغيرا في جيبي”، وهكذا بدأ بتعلم اللغة الإنجليزية في دورات مخصصة للمبتدئين وتدرج بها، قبل أن يبدأ بدراسة فن الطهي وخدمات الضيافة. أراد سيزار الحصول على وظيفة: “لا يمكنني الاعتماد على مساعدات الحكومة لوقت طويل، لست من أولئك الأشخاص”. وعلم من مركز التوظيف عن وجود وظائف شاغرة في حانة في منطقة بروملي القريبة، تنتمي لسلسلة الحانات الشهيرة ويذرسبون. لكن ينبغي أن نذكر أنه لم يكن على دراية بأسلوب الطهي البسيط قليل التكلفة للسلسلة.يقول سيزار: “لقد أخذت معدات الطهي الخاصة بي (سكاكين وما إلى ذلك) في علبة”. ويضيف: “سألتي السيدة التي قابلتني: ما هذا؟ أخبرتها أنها معدات الطهي الخاصة بي، فما كان منها إلى أن بدأت بالضحك، ولم أفهم سبب ضحكها”. ويتابع: “أخذتني إلى المطبخ وقالت: انظر، هذا مطبخنا، كان يحتوي على فرن ميكروويف وقلاية، وقد صُدمت في البداية لكن بعد ذلك شعرت بأنه بإمكاني القيام بهذا العمل”.في كانون الثاني/ يناير 2004، بدأ العمل في مطبخ حانة ويذرسبون، يقول: “لقد شعرت حقا بالترحيب والحفاوة، إنها حانة جميلة، جوها لطيف وتديرها شركة لطيفة”.بعد ذلك بدأ سيزر بصعود السلم المهني، وفي يناير/ كانون الثاني 2014 أصبح مدير فرع الحانة في منطقة بروكلي. يعمل ابنه جو، البالغ من العمر 17 عاما، في الحانة أيضا خارج أوقات دوامه في الجامعة، وكذلك فعلت ابنته دواني البالغة من العمر 23 عاما، وقد تخرجت للتو من جامعة أبيريستويث في مجال العلوم السياسية.في نهاية عام 2020، زار رئيس سلسلة ويذرسبون، تيم مارتين الحانة، وأعجب بقصة سيزار وطلب من مجلة الشركة أن تكتب مقالا عنه.لأول مرة، تعرف زبائن السلسلة على قصة حياة الرجل الذي يقف وراء الحانة، حتى أن بعضهم جاءوا من حانات أخرى للتعرف عليه وتحيته.يقول: “قدم إلى الحانة أشخاص ليسوا من روادها المعتادين، لقد رأوا المجلة وأرادوا فقط أن يهنئوني بعدما عرفوا قصتي والمكان الذي قدمت منه”.
منذ وصوله إلى المملكة المتحدة، عاد سيزار لزيارة أنغولا مرة واحدة فقط في عام 2014، للحصول على بعض المستندات، يقول: “لقد كانت تلك الزيارة إحدى أكثر التجارب التي مررت بها في حياتي إثارة للذعر”.ويضيف: “كانت الرحلة جيدة، لكن المطار كان مخيفا، حيث يمكن رؤية الجنود والبنادق في كل مكان، عندما صعدت إلى الطائرة العائدة إلى لندن شعرت بارتياح شديد”.مستقبله أصبح إذن في المملكة المتحدة، وهو ينوي مواصلة العمل الجاد في الحانة لدعم عائلته وأطفاله الأربعة.يقول: “عندما تكون طفلا، إذا كانت حياتك طبيعية وجيدة، فمن المحتمل ألا تكون مدركا لذلك، ولكن إذا كانت حياتك خلاف ذلك أو إذا حدث شيء ما، كما حدث معي حين أُجبرت على الالتحاق بالجيش يافعا، فإن تلك التجربة لا يمكن أن تُمحى من وجدانك، ولا أريد أن يواجه أطفالي مشكلات مشابهة، أريد أن أقدم لهم الأفضل”.يتابع سيزر عمله مديرا للحانة بشغف، حيث يتحدث إلى الزبائن، ويلوح للأطفال، أما الندبة على رقبته فبدت بالكاد ملحوظة.
[ad_2]
Source link