فيروس كورونا: “فوضى اللقاحات” تغضب التونسيين ورئيس الحكومة هشام المشيشي متهم “بالقتل غير العمد”
تعيش تونس منذ أسابيع في براثن أزمة خانقة بسبب تفش غير مسبوق لوباء كورونا في خضم عجز عن السيطرة عليه، ما دفع البلاد إلى التوجه لطلب العون الدولي، لكن مبادرة من وزارة الصحة وصفت بـ “الارتجالية” لتوزيع ما حصلت عليه البلاد من لقاحات من داعميها زادت الأزمة عمقا.
تلقت تونس بالفعل دفعات من المساعدات الطبية من دول مختلفة كان من بينها جرعات من اللقاح المضاد لفيروس كورونا.
وتزامنا مع توفر مزيد من الجرعات وسعت السلطات حملات التطعيم في البلاد.
لكن مبادرة من وزارة الصحة خلال اليومين الأخيرين، قصد بها توسيع دائرة التطعيم، زادت من عمق الأزمة الصحية الحالية وألقت بظلالها على الوضع العام في البلاد، الذي يقف فيه مسؤولون في موضع الاتهام “بالتقصير والإهمال” من دوائر سياسية ومدنية مختلفة.
“فوضى اللقاحات”
بدأت هذه المرحلة من الأزمة بإعلان من وزارة الصحة عن أيام مفتوحة في مراكز التلقيح لفئة 18 سنة فما فوق للتسجيل والتلقيح بصفة متزامنة.
القرار أثار جدلا منذ إعلانه، واستغربه كثيرون في وضع من المفترض أن تطبق فيه إجراءات صارمة لمنع التجمعات وتطبيق البروتوكول الصحي الخاص بالوباء.
وتعجبوا من أن تدعو الوزارة أعدادا كبيرة من الناس دون مواعيد محددة تضمن عدم تكدسهم أمام المراكز في وقت واحد.
وتساءل البعض عما إذا كانت الوزارة مجهزة للتعامل مع ما قد يحدث إذا استجاب عدد كبير من المواطنين للنداء.
بينما سعد شق آخر من التونسيين بالقرار الذي قد يمكنهم من الحصول على اللقاح دون انتظار.
وأعرب البعض عن أملهم في أن تتوفر سبل للتنظيم تمنع حدوث فوضى في هذه الأيام المفتوحة.
ولم يتوقع آخرون أن يستجيب كثيرون لهذا النداء، بعد شهور من اللغط حول اللقاحات وحول رفض أعداد كبيرة من التونسيين أخذه.
وفي أول أيام العيد، يوم دخول هذا القرار حيز التنفيذ، “فوجئت” السلطات بفوضى عارمة عند مراكز التلقيح وبوضع قد تكون مضاره أكثر من منافعه.
وأدانت منظمة “أنا يقظ” في بيان القرار، الذي وصفته “بالارتجالي”، واعتبرت أنه “أهان” الذين استجابوا للنداء ليصطدموا بواقع ما حدث من تزاحم وفوضى مع عدم توفر عدد كاف من اللقاحات.
وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، كتب كثيرون تجربتهم مع محاولات، كثير منها فشل، في الحصول على اللقاح في هذا اليوم المفتوح.
وبعد هذه “الفوضى”، تراجعت وزارة الصحة عن قرار الأيام المفتوحة وعادت لتضع ضوابط تحدد أعمار من يطلب منهم التوجه لمراكز اللقاح ثاني أيام العيد، الأربعاء.
وفي ذات الأثناء، أعلنت رئاسة الحكومة التونسية إقالة وزير الصحة فوزي المهدي من مهامه وتكليف وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي وزيرا للصحة بالنيابة.
وقال رئيس الحكومة، هشام المشيشي، في اجتماع مع إطارات وزارة الصحة مساء الثلاثاء إنه أقال الوزير بعد أن عاين “سوء التسيير في قيادة الوزارة” وبسبب “الأخطاء الكارثية التي تتوالي وصارت تهدد صحة التونسيين”.
وقال المشيشي إنه “تأخر في اتخاذ قرار الإقالة”، ووصف قرار استدعاء التونسيين للتطعيم في أيام مفتوحة بالقرار “الشعبوي” و”الإجرامي”.
وأضاف أنه قرار “مسقط اتخذ من دون استشارته ولا استشارة أي من الولاة والقيادات الأمنية واللجنة العلمية والهيئة الوطنية لمجابهة كورونا”.
المشيشي في مرمى الاتهامات
قرار المشيشي وكلامه عن الأزمة وتعامل وزارة الصحة معه قد يقنع من يوافقونه الرأي بعدم مسؤوليته عن الأزمة التي تعصف بالبلاد.
المشيشي قال في المؤتمر إنه لم يكن على علم بالقرار، لكن هذا “التبرير” لا يبدو أنه أقنع كثيرين.
وطرح تونسيين أسئلة كثيرة حول “براءة ذمة” رئيس الحكومة من الفشل في السيطرة على الوباء.
السؤال الأكثر تداولا كان استنكاريا: “هل يعقل أن يكون رئيس الحكومة على غير علم بقرار أعلنته وزارة الصحة للعموم؟”
ولماذا لم يتدخل المشيشي لمنع تنفيذ قرار وزارة الصحة حين صدر؟
وقال الصحفي محمد بوعود إن “وزير الصحة يدفع وحده ثمن أخطاء بلاد بأكملها”.
كما أصرت جهات عديدة، سياسية ومدنية، على تحميل المشيشي مسؤولة الفشل في إدارة الأزمة.
وطالبت منظمة أنا يقظ في بيان، المشيشي، الذي وصفته “بالمستقيل أصلاً من إدارة الأزمة الحالية”، بالاستقالة من منصب رئيس الحكومة “بعد أن أثبتت حكومته فشلها الذريع في إدارة الجائحة” كما جاء في بيان المنظمة.
من جهته قرر حزب التيار الديموقراطي التقدم بشكاية جزائية إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضد رئيس الحكومة هشام المشيشي وكل من سيكشف عنه البحث “من أجل تقصيره في أداء مهامه والامتناع عن الإنجاد القانوني على معنى الفصل 143 من المجلة الجزائية والقتل من غير عمد طبقا لمقتضيات الفصل 217 من نفس المجلة”.