لماذا “قد لا تصمد” الصحف الورقية في مصر في ظل التحول نحو الصحافة الرقمية؟
[ad_1]
- عاطف عبد الحميد
- بي بي سي – القاهرة
تمثل الصحف الورقية جزءا من التراث المصري لارتباطها بكثير من ممارسات الحياة اليومية، مثل عادة الاطلاع عليها مع تناول الإفطار، أو الاستغراق في مطالعتها أثناء استقلال الحافلات والقطارات وأثناء الجلوس على المقاهي.
وفي الفترة الأخيرة، صدر قرار بوقف الإصدارات الورقية لعدد من الصحف المسائية المملوكة للدولة وتحويلها إلى منصات إخبارية إلكترونية اعتبارا من منتصف يوليو/ تموز الجاري؛ وهي الأهرام المسائي الصادرة عن مؤسسة الأهرام، والأخبار المسائي الصادرة عن دار أخبار اليوم، والمساء المصرية الصادرة عن دار التحرير.
وأكدت الهيئة الوطنية للصحافة أنه لا مساس بحقوق العاملين في تلك الإصدارات الورقية وحفظت لهم وظائفهم ومستحقاتهم المالية وما يتمتعون به من مزايا.
ولقي القرار ردود فعل متباينة في الأوساط الصحفية وأوساط المتلقين الذين تنوعت آراؤهم بين مؤيد لاستمرار تلك المطبوعات، ومن يرى أنها أصبحت عديمة الجدوى.
ويقول عادل، وهو مهندس متقاعد يعيش في العاصمة المصرية القاهرة، لبي بي سي: “أشعر أن الصحف الورقية جزء من كياني، لا يمكنني الاستغناء عنه. وليس جميع من هم في سني يستطيعون استخدام التكنولوجيا الحديثة، ويعتمدون على المطبوعات للتواصل مع العالم من حولهم”.
لكن محسن، وهو موظف يعشق متابعة أخبار كرة القدم عبر الإنترنت، يرى أن الصحافة الإلكترونية توفر كثيرا من الميزات، وتساعده في مواكبة الأحداث لحظة بلحظة، مقارنة بالإصدارات الصحفية المطبوعة.
ويقول محسن، 45 سنة، لبي بي سي: “ساعدتني المواقع الإخبارية والتطبيقات في مواصلة هوايتي في متابعة كرة القدم بعد أن حرمتني ظروف مرضية من القدرة على قراءة الصحف الورقية”، مؤكدا أن المحتوى الرقمي أكثر تشويقا وتنوعا ومتعة.
“التمويل والأثر”
يقول ياسر عبد العزيز، كاتب مهتم بالشأن الإعلامي في مصر، لبي بي سي: “أعتقد أن الصحف الورقية تمثل فترة انتهت من تاريخ الصحافة والإعلام على مستوى العالم”، مؤكدا أنه “لا يمكن بناء استراتيجية محتوى إعلامي أو مؤسسة إعلامية على أساس الإصدارات الورقية فقط، بسبب التحول الكبير في طرق وآليات تلقي الجمهور للمحتوى الصحفي”.
ويتوقع عبد العزيز أن تبقي الدولة على بعض الإصدارات الورقية من الصحف بشكل “رمزي ومحدود”، “بينما سيكون الاعتماد بصفة أساسية على الوسائط الرقمية، “لأن هذا هو المستقبل، ولأنه يتسق مع آليات التلقي الحديثة، إذ أصبح الناس في الغالب يتلقون الأخبار والمعلومات عبر الشاشات، لا عبر الورق”.
ويضيف عبد العزيز: “المسألة تتعلق باعتبارين؛ الاعتبار المالي واعتبار التأثير، وبينهما علاقة وثيقة. فلماذا تمول وسيطا وتخصص له جهودا وتصنع له دائرة صناعة متكاملة، ثم لا يحقق لك الوصول المنشود إلى المتلقي؟ فالقرار الصحيح هنا هو التوقف عن تمويل هذا الوسيط والتركيز على الاستثمار في وسائط أكثر تأثيرا في الجمهور”.
ويقول محمد عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع إعلام دوت كوم في مصر، لبي بي سي إن “السؤال الآن ليس عن مستقبل الصحف الورقية، لكن عن حاضرها. والأنسب أن يكون: متى تختفي الصحف الورقية؟”.
ويضيف: “بدأت هذه الصحف تصدر بأعداد قليلة واختفى بائعو الصحف تقريبا من الشارع المصري، مما يشير إلى اقتراب طي صفحة الإصدارات الورقية تماما بسبب التراجع الحاد في الإقبال على قراءتها. والسؤال المهم الآن هو: هل يحتاج السوق الصحف المسائية في المرحلة الراهنة؟”
ارتفاع التكلفة وتراجع التوزيع
تواجه الصحف الورقية بصفة عامة تحديات، أبرزها مواكبة الأحداث، والتكلفة التي تنشأ عن استهلاك خامات الطباعة مثل الورق والأحبار والميكنة، إضافة إلى الإيقاع السريع لمواقع التواصل الاجتماعي التي أحيانا ما تبدأ في نشر الخبر وهو لا يزال في مراحل مبكرة جدا من تطوراته، علاوة على افتقار هذه المطبوعات للقدرة على التأثير الكبير في قطاعات كبيرة من المتلقين كما هو الحال في الإصدارات الإلكترونية.
وأكد عبد الرحمن أنه “لا يمكن إلقاء اللوم على متخذ هذا القرار لأنه قرار بديهي، إذ لا يمكن الاستمرار في إصدار صحيفة ورقية تتجاوز تكلفتها العائد منها إلى حدٍ كبيرٍ. كما أن الصحافة الآن تعمل على مدار الساعة فليست هناك جدوى من وجود صحيفة صباحية وأخرى مسائية لأن الإصدارات الإلكترونية تعمل 24 ساعة وتنشر الخبر فور ظهوره”.
وشدد على أنه كان ينبغي أن تطور هذه الصحف والإصدارات نفسها ومضمونها في إصداراتها المطبوعة، قائلا: “بعض الصحف العالمية طورات إصداراتها المطبوعة، لكن هذا النموذج لم يظهر في الصحف المصرية والعربية بصفة عامة. والمهم أن يؤهل الصحفيون العاملون في تلك الإصدارات الورقية للعمل في بيئة إصدار إلكتروني، وليس الوجود على المنصات الإلكترونية بنفس الفكر ونفس أسلوب العمل، لأنه في هذه الحالة لن يكون هناك أي إنجاز سوى توفير ثمن الورق والحبر”.
ويقول عبد العزيز المصري، المحرر لدى مجلة فوربس الشرق الأوسط، والذي عمل لسنوات في صحف ورقية مصرية، لبي بي سي: “كان هذا القرار متوقعا نظرا لارتفاع التكلفة وتراجع التوزيع وتحول الاهتمام إلى الصحف الإلكترونية في إطار موجة عالمية تجتاح قطاع الصحافة”.
ويتوقع المصري أن الفترة المقبلة “سوف يكون الاعتماد الأساسي فيها على الإصدارات الرقمية”، مستشهدا بالكم الكبير من الدوريات الإخبارية والعلمية التي بدأت تقتصر على إصدارات إلكترونية فقط، واستغنت عن الإصدارات المطبوعة تماما.
ويرى المصري أن المؤسسات القائمة على تشغيل تلك الإصدارات “من المنطقي أن تلجأ إلى خفض تكلفة التشغيل، خاصة بالنسبة للعاملين في الطباعة والخدمات المعاونة. وأعتقد أن الجيل الأكبر سنا الذي يمارس الصحافة التقليدية دون مواكبة التقدم التكنولوجي بشكل يومي، سوف يتحول إلى ضحية لموجة التكنولوجيا التي تجتاح قطاع الصحافة”.
ويرجح أيضا أنه “حتى الإصدارات الصحفية لن تتمكن كلها من الاستمرار، فتشغيلها لا يزال يحتاج إلى تكلفة كبيرة، خاصة وأن المحتوى المرئي وغيره من أشكال المحتوى الرقمي والمحتوى الذي يُمرر عبر تطبيقات إلكترونية أصبح الأكثر طلبا من قبل الجمهور، وهو ما يرفع تكلفة التشغيل بالنسبة للمؤسسات الصحفية”.
التدريب والتحول الرقمي
تمتلك مصر ثماني مؤسسات صحفية حكومية تنشر حوالي 50 إصدارا ورقيا، أغلبها بدأ يعاني من تراجع كبير في التوزيع بسبب التحول إلى القراءة الرقمية ومتابعة الإصدارات الإلكترونية كخيار أول بالنسبة للكثيرين، خاصة فئات الشباب والأصغر سنا.
ويعمل في تلك الإصدارات الورقية المسائية التي صدر قرار بوقف طباعتها الآلاف من الصحفيين والعاملين في الخدمات المعاونة للعمل الصحفي، وهو ما يلقي الضوء على ضرورة توفير آليات التدريب التحويلي لهؤلاء العاملين لتأهيلهم للعمل في مجال الصحافة الإلكترونية.
وفيما يتعلق بالعاملين في تلك المطبوعات الورقية، يقول عبد العزيز: “من واقع خبرتي في التدريب في مجال الصحافة والإعلام، أرى أن بعض العاملين في الصحف الورقية يمارسون العمل بالفعل عبر منصات عمل صحفي أخرى مثل التلفزيون والصحافة الإلكترونية. كما أن هناك عددا كبيرا من العاملين لديهم استعداد وقابلية للتدريب ليتحولوا إلى صحفيين إلكترونيين، خاصة صغار السن”.
ويتابع: “عمليات التدريب مهمة جدا، خاصة إذا تم التركيز عليها فسوف نستطيع أن نحصل على قوة عمل قادرة على التحول إلى الصحافة الرقمية. لكن الذين لن يستطيعوا مجاراة ذلك التحول، أتصور أنهم سيخرجون من الصناعة وأغلبهم ممن يقتربون من سن المعاش”.
[ad_2]
Source link