الملوخيّة: في حب هذا الطبق الأيقونة .. خلاف مصري-لبناني على تويتر
[ad_1]
- ألمى حسون
- بي بي سي نيوز عربي -لندن
إن كنتَ من مواليد النصف الثاني من شهر مايو/أيار – مثلي – فبرجك الفلكي سيكون برج المشمش والمكسرات، وفقا لتقويم قديم وضعه تاجر مسيحي من الإسكندرية. أما إن كنتَ ولدت في الفترة ما بين منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني وحتى منتصف ديسمبر/كانون الأول فبرجك هو برج الملوخيّة.
وبدقة أكثر، سيكون – غالبا – برج الملوخيّة لأن حزمة الأوراق الخضراء التي تظهر في صورة ذاك التقويم القديم الذي يعود للقرن السادس الميلادي تشبه كثيرا نبتة الملوخية، كما تشرح لبي بي سي عربي منة الله الدري، المصريّة الحاصلة على شهادة دكتوراه في علم المصريّات بتخصص تاريخ النباتات الأثريّة.
لماذا هذه العودة إلى قرون سابقة ولقصة التاجر (والراهب)، كوسماس إنديكوبليوتس، الذي لم يقتنع بالعلامات المألوفة للأبراج فاستخدم مواسم المزروعات ومن بينها مالاخاي ( Malaxai) أي الملوخية، بدلا منها؟
السبب يعود لشجار وقع قبل أيام بين عدد من اللبنانيين والمصريين، ولم يكن حول موضوع سياسي ولا عسكري ولا حتى بسبب مشاعر التعصّب الوطنيّ التي تؤججها عادة بطولات كرة القدم – بل سبب الانفعال كان طبق الملوخية.
هذه الأكلة الشهيّة والشهيرة والشعبيّة في البلدين كليهما تسببت في معركة افتراضية انطلقت شرارتها من تغريدة على تطبيق تويتر وصفت فيها شابة الملوخية المعمولة على شكل شوربة بأنها “مقرفة”، وبعد انتقاد كثيرين أسلوبها هذا، استدركت وقالت إنها لم تكن تعرف أن الوصفة مصرية.
وأصبح كل جانب يزعم امتلاك “الوصفة الصحيحة” لإعداد هذه العشبة الخضراء وتقديمها، وباءت بعض محاولات تهدئة النفوس الغاضبة والمحتدّة بالفشل.
تنزعج منةّ الله الدري من تلك المشاجرة التي أخبرتُها عنها: “أرى أن التعصّب القومي يؤذي عراقة المطابخ المختلفة وغنى المطابخ المختلفة ويلغي الرحلات التي تنقّلت خلالها الطبخات من بلد لبلد. لدى المكوّنات قصص ثريّة.. قصص تبادل تجاري وثقافي. الأهم من الشجار هو تناقل قصص هذه الطبخات”.
لذلك أجمع هنا وصفات مختلفة لإعداد الملوخيّة وقصصا وذكريات عن هذا الطبق وتاريخه وأسرار إعداده.
“أصلها مصريّ”
الاختلاف الأساسي بين طريقتي صنع الطبق هي أن المصريين يفرمون الورق الأخضر ويقدمونه كشوربة، أما اللبنانيون فغالبا ما يحافظون على أوراق الملوخية كما هي ولا يأخذ الطبق شكل الشورية أبدا – بل تبقى المكوّنات كما هي محافظة على شكلها وترتّب فوق بعضها على شكل طبقات.
تحدّثت مع الخبيرة في فن الطهي، أنيسة الحلو، التي ألفت كتب طبخ بالإنجليزية والفرنسيّة، ركزت فيها على تراث الطهي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونالت عدة جوائز عالميّة عن أعمالها، التي تدرّس فن الطهي في إيطاليا.
للمفاجأة، قالت لي إنها لا تحب الملوخية – وبذلك تكون ثاني شخص أقابله في حياتي لا يحب هذا الطبق.
كانت موجودة في إيطاليا عندما اتصلتُ بها فأخبرتني عن ذكرى عالقة في ذاكرتها “في صغري، قبل الحرب، كنتُ مرة على شاطئ فندق السان جورج في بيروت وكانت وجبة الغداء ذاك اليوم هي الملوخية وجاء كثير من الناس لتناولها. لكني كنت أكره تلك اللزوجة فيها وبقيت بلا غذاء يومها. وشعرتُ أني معزولة عن الآخرين لأن كثيرين يحبوّن جدا طعم هذا الطبق”.
وفي أحد كتبها سردت هذه الحادثة أثناء تقديمها وصفة ملوخية الدجاج، كما تعلّمتها من والدتها اللبنانية، ولكنها أشارت إلى الاعتقاد الغالب بأن “أصل هذا الطبق مصريّ”.
وتقول لي: “لطالما أثار اهتمامي بحث الناس عن الأصل، خاصة أصل الأطباق الأيقونية مثل الملوخية. لكن ليس من السهل تحديد الأصل. عندما ألّفتُ أول كتبي قبل 30 عاما كان من الصعب جدا العثور على مراجع تاريخية ومعرفة السياق الاجتماعي للأكلات. لذلك كنت أذهب إلى المكتبة البريطانية وأمضي وقتا طويلا هنا في البحث”.
لحسن الحظ، دلّتني صديقتي المصريّة على د.الدرّي التي تخصصت في تاريخ النباتات، وهذا تخصص غير شائع كثيرا في المنطقة.
تقول منّة الله الدري إنها تكاد تجزم أن “المصري القديم لم يعرف الملوخيّة، فلا رسوم من مصر القديمة (الفرعونيّة) تدل على وجودها”، كما قالت إن “أول دليل” موجود حتى الآن يشير إلى ما يعتقد أنه أوّل رسم للملوخية قد ظهر في القرن السادس الميلادي في “تأريخ الخضراوات“، الذي اخترعه التاجر الاسكندراني، أما الدليل الثاني فيرجع للقرن الحادي عشر؛ إذ ذُكر أن الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله، أصدر حينها قرارا منع من خلاله تداول الملوخيّة وأكلها واستمر المنع مدة عامين، وبعد وفاته ألغي ذاك القرار.
ولم توضّح منّة الله أسباب ذاك المنع لعدم اقتناعها بمنطقية الأسباب المذكورة.
أما الدليل الثالث فيعود للقرن الرابع عشر الميلادي عندما ذُكر هذا الطبق في كتاب “كنز الفوائد في تنويع الموائد” الذي وضعه مؤلف مجهول عن المطبخ المصري، والوصفة الواردة تشبه طريقة التحضير الحالية في مصر، وفقا للأستاذة منّة.
إذن – حتى الآن – الأدلة الموجودة تشير إلى بداية زراعة الملوخية في مصر، لكن هذا لا يلغي احتمال أن تظهر في المستقبل أدلة أقدم من مناطق أخرى من العالم – علما أن أن هذه النبتة معروفة أيضا في دول جنوب شرقي آسيا.
صراع هويّة؟
ليس لهذه الدرجة، تقول أنيسة الحلو.
توضّح الشيف رأيها: “الموضوع هنا مختلف مثلا عن حرب الحمّص (المسبّحة) والفلافل بين الفلسطينيين واللبنانيين من جهة والإسرائيليين من جهة ثانية والتي تعتبر صراعا على الهويّة، أما في حالة الملوخية فأعتقد أن الموضوع يتعلق بالفخر الوطني (لنسب هذا الطبق إلى مطبخ البلد) ولا علاقة له بصراع الهويّة”.
قد لا يكون المطبخ المصري من أشهر مطابخ العالم، تضيف أنيسة، إلا أنه متخصص في عدد من الأطباق الفريدة به والمختلفة عن أكلات الدول المشرقية (كلبنان وسوريا والأردن..) وعلى رأس هذه الأطباق المصريّة يأتي الفطير والكشري والحمام المحشي والملوخيّة المصريّة.
وجدتُ على الإنترنت تسعة كتب منشورة للشيف أنيسة (المولودة لأبٍ سوري وأم لبنانية) وعناوينها: “أطعمة شوارع منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط”، و”كتاب المطبخ اللبناني – أكثر من 250 وصفة”، و”مخبوزات مالحة من منطقة البحر الأبيض المتوسط”، و”وليمة: مأكولات العالم الإسلامي”، و”مقهى المغرب”، و”حلو الشرق الأوسط: وصفات تقليديّة”، و”المشرق”، و”الربع الخامس”، و”المازة الحديثة”.
فهدف أنيسة الحلو من مشروعها التوثيقي هذا هو “حفظ التراث للأجيال القادمة”، كما تقول.
منة الله الدري – ورغم رفضها الوصول لدرجة “التعصّب القومي” بسبب الطبخات – ترى أيضا أنه من الضروري توثيق تاريخ الطعام “فنحن نعبّر عن هويتنا من خلال الأكل. وعندما أدرس تاريخ الأكل في بلدي، لا أسمح لأحد أن يأخذ تراثي ولا هويتي، لذلك من المهم فهم تاريخ الأكلاتوتوثيقها”.
أسرار إعداد طبق الملوخيّة على الطريقتين اللبنانية والمصريّة
في الحقيقة، ليست هناك وصفة واحدة خاصة بالمطبخ المصري وأخرى خاصة باللبناني لإعداد الملوخيّة؛ فهناك عائلات كثيرة من كل بلد تعد الطبق على طريقتها الخاصة، وكثيرا ما نسمع عبارة أن فلانة أو فلان من هذه العائلة أشطر من يعدّ الملوخيّة.
وهذه الأكلة غير مرتبطة بمناسبة معيّنة فهي صالحة لكل الأوقات، بل إن إعدادها يصبح هو المناسبة السعيدة لكثير من العائلات، كما أنها متوفرة، طازجة أو مجففة أو مجمّدة.
تحدثت مع شيف مصريّة هي فاطمة أبو علي، التي تقدّم برنامج “أكلة العيلة” على قناة تلفزيون محليّة، وأخبرتني كيف أن المصريين قد يعدّون الملوخية بالأرانب أو البط أو الجمبري المقشّر (كما يفعل أهل الساحل) أو الدجاج أو اللحم المسلوق بأنواعه.
وقالت إنه من المميز لدى المصريين استخدام “مخرطة” الملوخية لفرم الأوراق.
تبدأ بفرم 6-7 فصوص ثوم كبيرة، تضيف معلقة كبيرة كزبرة جافة مع القليل من الملح وتضع هذه المكوّنات جانبا.
ولإعداد الشوربة، تغلي في وعاء البصل والجزء والكرفس (اختياري) وتضيف الملح والفلفل والثوم المدقوق والمرق ونصف ملعقة سكر (لحفظ اللون الأخضر الزاهي) للملوخية.
تغسل الملوخية جيدا، وتجففها جيدا بعيدا عن الشمس كي لا يسود لونها، تضيف لها رشة كربونات مع سكر (أيضا للمحافظة على اللون الأخضر)، تقطف أعواد الملوخية، ثم تفرم الورق بحيث تصبح لا صغيرة ولا خشنة باستخدام المخرطة التقليدية (التي لا تتسبب باللزوجة).
تترك الشوربة حتى تغلي على النار، ثم تضيف إليها الملوخية المفرومة ولا تتركها على النار كثيرا – ولا يجب تغطية الوعاء أبدا كي لا تترسّب الملوخية في قاع الطنجرة.
تُحمّر فصوص الثوم مع الكزبرة الجافة باستخدام السمن حتى يفتح لونها “تشقر” ثم تضيف هذه “الطشّة” إلى الطنجرة – ولا تغطّى فورا.
ويقدّم مع الحساء نوع اللحمة المفضّل وأرز بالشعيرية والبيتنجان المخلل والخبز البلدي. وبعض أهالي عدد من المحافظات يفضّل إضافة الطماطم المبروشة أيضا إلى الحساء.
سر التخلّص من اللزوجة
يبدو أن موضوع “اللزوجة” التي أحيانا ما تظهر في طبق الملوخية (مثلها مثل أكلة البامية) هو ما ينفّر بعض الأشخاص من هذه الأكلة، لكن الشيف فاطمة تقول إن اللزوجة عموما غير محبّذة لدى الغالبية وعروق أوراق الملوخية هي المسؤولة عن التسبب بها – لذلك يجب عدم ترك أعواد الملوخية أبدا.
هذا “السر” كانت أنيسة الحلو قد تعلّمته أيضا من والدتها قبل سنين طويلة – إلى جانب نصائح أخرى مفيدة.
منها مثلا، أضافة عصير الليمون للمرقة قبل طهي الملوخية، ويجب وضعها على النار لفترة قصيرة فقط والتوقّف في التوقيت الصحيح، وعدم تقطيع الورق كي لا تزداد اللزوجة، لكنها تقول إنها لم تجرِ تجارب كافية لتحضير هذه الأكلة.
ومعروف عن اللبنانين مهارتهم بتقديم الأطباق عموما، وهذه طريقة الشيف أنيسة (التي كانت تعمل أساسا في مجال الفن واقتناء القطع الفنيّة):
فهي تضع قطع الخبز المحمّص في أسفل الصحن، وفوقه الأرز، ثم قطع الدجاج المسلوق، ويغطّى الطبق بأوراق الملوخية المطبوخة في الكزبرة والثوم، ثم تضيف الخل والبصل – ويمكن أن يوضع الخبز المحمّر في أعلى الطبق كي يحافظة على نقرشته.
أما أنا فأفرحني اكتشاف علب الملوخية المجففة في المحلات العربية والتركية في لندن، وتعلّمتُ، أثناء فترة الحجر بسبب كورونا العام الماضي، تحضير وصفة أمي مع الدجاج والرز، والوصفة قريبة جدا من الوصفة اللبنانية.
الفرق أننا لا نضيف الخبز المحمّص، كما أننا نضع الليمون مع الثوم المهروس، بدلا من الخل والبصل، بعد سكب الملوخية في الصحن وبقلبها الدجاج الذي يكون قد اكتسب لونا زيتيا جميلا، إلى جانب الرز الأبيض ورغيف خبز سوري.
[ad_2]
Source link