ماذا يقرأ الشباب العربي؟ – BBC News عربي
[ad_1]
- مها القاضي
- بي بي سي
في مطلع عام 2019، لاحظت سارة إبراهيم، مديرة مكتب بشركة إعلانات دولية، أن معدل قراءاتها في ازدياد غير مسبوق، وتقول: “وشعرتُ بحاجة لمشاركة أفكاري مع آخرين يقرؤون في اهتمامات مشابهة، لكن لم أجد من يسمعني”.
وأثناء تصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت سارة مجموعة يتشارك أعضاؤها وصفات الطهي، فأتتها فكرة تأسيس مجموعة “بوكمارك” للقراءة في فبراير/شباط 2019.
وتضم المجموعة اليوم أكثر من 54 ألف متابع من محبي القراءة، يتناقشون ويتبادلون أفكارهم في الكتب التي يقرأونها. “وكان هذا الإقبال مفاجأة بالنسبة لي، فهذا العدد (من المتابعين) ربما يكون قليل بالنسبة لمجموعة عن الطعام أو التجميل أو الملابس، لكنه غير متوقع بالنسبة لمجموعة عن الكتب والقراءة.”
وتدحض هذه التجربة ما ترسخ على مدار عقود من أن “الشباب لا يقرأ”، إذ تقول سارة إن “الكثير من الشباب لديهم استعداد للقراءة، لكنهم بحاجة للحافز والتشجيع، وهو ما قدمته هذه المجموعة.”
ويرى الدكتور خالد عزب، خبير النشر والكتب، أن ما يشاع عن عزوف العرب عموما والشباب تحديدا عن القراءة هو خطأ تماما، يراد به إشاعة الجهل في المنطقة، “والحقيقة هي أن الأمر يرتبط بعوامل مثل نوعية الكتب المقدمة للقارئ العربي وحركة النشر وانتشار المكتبات العامة.”
وأعد الدكتور عزب مؤخرا دراسة من 180 صفحة لصالح اتحاد الناشرين العرب، تتبعت حركة النشر في العالم العربي ما بين عامي 2015 و2019، بما في ذلك معارض الكتاب. وأظهرت الدراسة – وهي أول دراسة مسحية تحليلية لواقع النشر في العالم العربي – أن الدول العربية نشرت 70630 كتابا جديدا في عام 2019 وحده.
ويقول الدكتور عزب إنه “كان يُعتقد من قبل أن الوطن العربي ينشر 40 ألف عنوان جديد سنويا، في حين أثبتت الدراسة أن واقع النشر في الوطن العربي أكبر بكثير من المتداول.”
الشباب يقرأ
ومن زاوية آليات السوق، يرصد رضا عوض، صاحب واحدة من دور النشر والتوزيع في القاهرة، تشكيل وعي جديد لدى الشباب بعد الربيع العربي “فالشباب أصبح أكثر اعتمادا على نفسه في اكتساب الثقافة والوعي دون توجيه من نخبة مثقفة، على عكس ما كان يحدث من قبل من احتكار الثقافة على مقدمي الندوات وترشيحات الكتب. الشباب الآن يبني نفسه بنفسه ثقافيا في وقت أصبح المشهد الثقافي فيه مغيب تماما.”
وتعكس مجموعة “بوكمارك” رواجا للروايات والأعمال الأدبية بين متابعيها الشباب، وتحاول سارة تحفيز القراءة في المجالات الأخرى من خلال المسابقات والترشيحات للكتب المميزة أو الصغيرة أو المرتبطة باهتمامات الشباب بشكل مباشر.
ولا يعفي عوض حركة النشر من المسؤولية “فالدور التي تقدم كتبا في مجالات تثقيفية أو تنويرية قليلة جدا ولا تحظى بالدعم، كأنها تخوض حرب. وهناك جيل يبحث عن الثقافة الجادة، وهو قليل جدا. لكننا نحاول تحفيز هذا التوجه.”
وكشفت الدراسة التي أعدها الدكتور عزب عن أن حركة النشر في نمو متزايد منذ عام 2006 وحتى الآن، وأن “فن الرواية هو المحفز الأقوى حاليا لاستمرارية حراك النشر العربي”.
لكن الدكتور عزب ينفي ارتباط هذا التوجه بتفضيلات العرب والشباب في القراءة، إذا يرتبط الأمر بشكل أساسي بما يقدم للقارئ العربي. “فهناك اهتمام لدى القراء بمجالات العلوم الإنسانية مثل الفلسفة والجغرافيا السياسية والتاريخ، لكن الكتب المطروحة غالبا ما تكون كتابات أكاديمية بحتة انتهى عصرها.”
وأضاف: “دور النشر اللبنانية مثلا تنبهت إلى هذه النقطة، فغيرت من سياساتها لتلبي رغبات القارئ. وهذه هي قيمة الكتاب اللبناني.”
وينسحب الأمر ذاته على الشباب تحديدا، إذ يحدد الدكتور عزب أربع مجالات تستحوذ على اهتمامات الشباب في القراءة هي الأدب والفلسفة والتاريخ والسياسة، “لكن الإنتاج لا يلبي هذه الاحتياجات”.
“فلدينا شباب يقرأ ولدينا حرمان من القراءة. ونجدهم في صعيد مصر مثلا يسعون ويتبادلون الكتب ولديهم نهم للقراءة. كما أن أحد الشواهد على ذلك هو ازدهار سوق الكتاب المستعملة في دول مثل مصر والمغرب.”
وأشار كذلك إلى نجاح مشروع مثل القراءة للجميع في مصر، الذي كان يقدم كتبا في مختلف المجالات بأسعار مخفضة، بجانب شبكة كبيرة من المكتبات العامة.
أزمات مركبة
وأثرت أزمة كورونا بشكل كبير على حركة النشر وبيع الكتب. وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، ذكر بيان صادر عن اتحاد الناشرين العرب أن خسائر إلغاء المعارض فقط لا تقل عن مئة مليون دولار، وأن مبيعات الكتب انخفضت بنسبة 75 في المئة على الأقل.
ويلمس الناشر رضا عوض هذا التأثير بنفسه. “فأزمة كورونا لها بصمات غير جيدة على الناشر، وهناك تراجع حاد في حركة النشر، ولا أحد يساند الناشر في العالم العربي. وجاء تأخير المعارض أو إلغاءها ليزيد من هذه الأزمة.”
وجاءت أزمة كورونا في وقت تعاني فيه صناعة النشر وبيع الكتب تباعا من أزمات مركبة، فلم تكن الصناعة استثناءا للارتفاع المستمر في الأسعار في السنوات الأخيرة، خاصة أن كل الخامات مستورة. وفي المقابل “المثقف فقير” على حد وصف عوض، بشكل يمنعه من اقتناء عدد كبير من الكتب، خاصة في غياب مشروع ثقافي وطني يدعم الناشر والقارئ.
لكن الدكتور عزب يرى أن هذه الأزمة كانت مجرد عرض لمسألة أعمق، وهي اعتماد صناعة النشر على المعارض والبيع المباشر للقارئ بشكل أساسي، وذلك لتراجع دور المكتبات العامة.
“فالبيوت صغيرة، والكتب غالية، ودور المكتبة العامة هو توفير الكتب الجديدة بشرائها وإعارتها للناس، وبذلك تتحقق فائدة للناشر بتحقيق ربح، وللقارئ بالحصول على الكتب التي لا يقدر على اقتنائها.”
وأضاف أن “المكتبات العامة هي أساس صناعة النشر في العالم. فالقارئ قد يقتني بعض الكتب، لكن نهم القراءة لا يمكن تلبيته إلا من خلال المكتبات العامة. وإذا تراجعت، لا يمكن الحديث عن صناعة النشر.”
وبجانب تراجع وجود المكتبات العامة، ثمة أزمة أخرى تتعلق بسياسات التزويد في هذه المكتبات، إذ تعتمد المكتبات العامة والجامعية والمدرسية على المعارض السنوية لشراء الكتب، وهو ما يجعلها متأخرة في تحديث مجموعاتها المتاحة للقارئ.
وتتطرق الدراسة التي أعدها عزب لمضمون ومحتوى الكتب المنشورة، وكشفت أنه رغم ازدهار الرواية كحافز أساسي لصناعة النشر، إلا أن هذا النمط ثبت تاريخيا أنه “أدب وقتي يختفي كتابه مع الزمن، ويذكرنا بظواهر أدبية صاحبت صعود نجيب محفوظ وأدبه، فاختفت هذه الظواهر وبقي أدب نجيب محفوظ.”
ويقول الدكتور عزب إن هذا النمط المعتمد على الأدب يعكس أزمة حقيقية “هي عدم وجود مدير إنتاج/نشر في العديد من دور النشر، يدرس حركة القراءة لبناء سياسات نشر تعتمد على احتياجات وتفضيلات القارئ في مختلف المجالات. لكن الواقع أن الدور أصبحت تعتمد على ما يقدمه الكاتب إليها.”
أزمة القرصنة
وتعتمد الكثير من دور النشر على شعبية الكاتب التي تساعد في الدفع بحركة البيع، وهو ما انعكس كذلك في مجموعة بوكمارك التي تديرها سارة إبراهيم.
“فهناك كتاب كبار يتابعون المجموعة ويتفاعلون مع القراء، الذين يشعرون بدورهم أن الكاتب قريب منهم. كما أنها (المجموعة) بيئة آمنة للكاتب لأنني أنتقي الأعضاء من الملتزمين باحترام آراء الآخرين. ولذلك يشعر الكاتب أن هذه المجموعة تحفظ حقه في النقد البناء والاحترام في تبادل وجهات النظر.”
لكن أحيانا لا تنعكس هذه الشعبية على حركة البيع بسبب انتشار قرصنة الكتب، وهي طباعة نسخ مصورة وأرخص وأقل جودة من الكتب بشكل غير قانوني ودون إذن دور النشر صاحبة الحق فيها.
وزادت حركة القرصنة هذه بسبب الأزمات الاقتصادية، “والأزمة الأكبر هي في القرصنة الرقمية، إذ تُنشر نسخة إلكترونية من الكتاب ويتم تداولها مجانا على نطاق أوسع دون إذن الكاتب أو الناشر. وكل حركات القرصنة هذه تسيء لصناعة النشر” على حد قول عوض.
ويعتبر الدكتور عزب أن القرصنة تهديد كبير لحركة النشر في العالم العربي وإن كانت دول عربية مثل العراق والأردن والكويت وعمان والإمارات لديها تجارب وجهود كبرى في تحجيم قرصنة الكتب.
وتشي حركة القرصنة الواسعة هذه، رغم أضرارها للصناعة، بوجود “فائض في الإنتاج المعرفي العربي، وعجز في نشر هذا الإنتاج. فالقرصنة الرقمية تنتشر لحاجة المتلقي للقراءة. هناك رغبة جامحة في القراءة، لكن هناك إشكالية في حركة النشر.”
فرص وتجارب
وكشفت الدراسة تحولا كبيرا في حركة النشر بسبب التوجهات الرقمية، لعل أبرزها تراجع الحاجة إلى طباعة الموسوعات بعد نشرها إلكترونيا بإمكانيات بحث عالية وسريعة.
وترى سارة إبراهيم أن هذا التحول الرقمي يفيد حركة الاطلاع كثيرا، “فمن الصعب قراءة كتاب مطبوع من ألف صفحة في حين يمكن سماعه في تسجيل. كما أنه مفيد لمن لا يتسع وقتهم للاطلاع على الكتب المطبوعة.”
لكن عوض لا يتفق بالضرورة مع هذا الرأي، ويرى أنه لا غنى على الإطلاق عن الكتاب الورقي “فلا يوجد وعي تكنولوجي على نطاق واسع لدى القارئ العربي يمكنه من الاعتماد على النسخ الرقمية من الكتب. وما زال القارئ الحقيقي يهتم بالتفاعل مع الكتاب المطبوع.”
وهناك بالفعل تجارب عربية في نشر الكتب الرقمية، مثل منصات نيل وفرات وجمالون والرواق. وتحاول منصات عالمية كبرى مثل أمازون وغوغل الدخول إلى سوق الكتب الرقمية العربية. كما يقدم موقع “ستوري تيل” كتبا مسموعة من مصر والسعودية والإمارات.
ويرى الدكتور عزب أن هذه فرصة للناشرين العرب لتطوير أدواتهم وغزو سوق النشر الرقمي والمسموع قبل أن تستحوذ عليه الشركات الكبرى والعالمية.
“وهناك عدة تجارب يمكن البناء عليها في مجال النشر الرقمي، مثل المكتبة الرقمية السعودية التي حققت نجاحات متزايدة، وأتاحت آلاف الكتب والرسائل الأكاديمية. وإن كانت تخاطب الأكاديميين أكثر من المتلقي العادي.”
وزادت حركة النشر في العالم العربي من 54601 كتابا جديدا في عام 2015 إلى 70630 عام 2019. وتنشر مصر حوالي نصف هذه الكتب، إذ قدمت الدور المصرية 23 ألف كتاب جديد عام 2019.
ويرى الدكتور عزب أن هناك الكثير من التجارب الواعدة التي يجب استغلالها والبناء عليها في المستقبل. “فمثلا استطاعت دولة مثل الصومال نشر ألفين كتاب جديد رغم حالة عدم الاستقرار السياسي، وتحاول الآن إحياء المكتبة الوطنية. كما أقامت ليبيا عددا من معارض الكتاب المحلية رغم الحرب، وظهر بها جيل جديد من الكتاب.”
وأضاف: “أنجح تجربة إلى الآن هي في المغرب. فلديه برنامج قوي لدعم صناعة النشر، ويشهد صعودا تدريجيا (في عدد الإصدارات) مع ظهور جيل جديد من الكتاب. مشكلته عدم التصدير للدول العربية، لكنه يقوم بحركة تصدير قوية إلى أفريقيا.”
برأيكم:
لم يستمر ترسيخ فكرة أن الشباب لا يقرأ على مدار عقود؟
ما هي اهتماماتكم أنتم في القراءة؟
هل تشعرون بأزمة في توفر ما تحتاجون إليه من الكتب؟
ما الحافز الأكبر من وجهة نظركم لدعم حركة النشر والإطلاع في العالم العربي؟
كيف يؤثر التحول الرقمي على صناعة النشر وسوق الكتاب؟
[ad_2]
Source link