دونالد رامسفيلد: قصة مهندس غزو العراق وأفغانستان
[ad_1]
توفي وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد، الذي شغل المنصب في عهد الرئيسين جيرالد فورد وجورج دبليو بوش، عن عمر يناهز 88 عاما.
واشتهر رامسفيلد بالإشراف على الرد الأمريكي على هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 لكن مكانته السياسية تراجعت في النهاية بسبب العنف الذي سيطر على العراق في أعقاب الغزو.
وقدأكتسب رامسفيلد، عبر حياته المهنية التي امتدت لعقود من الزمان، سمعة السياسي الأكثر اطلاعا على كواليس الحكم في واشنطن والناجي السياسي الحقيقي المعروف بتغلبه على خصومه، لكنه كان بالنسبة إلى خصومه متشددا وقاسيا وشخصية ميكافيلية ومهندس حرب.
وجاءت واحدة من أكثر اللحظات التي لا تنسى في مؤتمر صحفي عام 2002 عندما سئل عن نقص الأدلة التي تربط صدام حسين بأسلحة الدمار الشامل، فقدم إجابة ملتوية حول مفهوم “المعلوم المعلوم” و “المعلوم المجهول” مما أثار سخرية الكثير من الناس.
ولد دونالد هنري رامسفيلد في شيكاغو في 9 يوليو/تموز من عام 1932. وكان والده يعمل في مجال بيع العقارات، وانضم إلى البحرية خلال الحرب العالمية الثانية. وفي طفولته، كان رامسفيلد في الكشافة كما كان يحب المصارعة.
وبعد دراسة العلوم السياسية في جامعة برينستون بمنحة من البحرية الأمريكية، سار على خطى والده في الجيش وعمل طيارا ومدربا للطيران بين عامي 1954 و 1957.
وبعد انتقاله إلى قوات الاحتياط، ذهب رامسفيلد إلى واشنطن العاصمة ليعمل في البداية كمساعد لعضو في الكونغرس قبل انتخابه هو نفسه في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية إلينوي في عام 1962.
واستقال رامسفيلد من منصبه في عام 1969 لإدارة مكتب ريتشارد نيكسون للفرص الاقتصادية، قبل أن يشغل عدة مناصب أخرى في الإدارة الأمريكية بما في ذلك منصب سفير الولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي “الناتو” بين عامي 1973 و1974.
بعد استقالة نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت، جرت تسمية رامسفيلد أولا كرئيس لفريق جيرالد فورد الانتقالي ثم كبير موظفي البيت الأبيض.
ثم تم تعيينه وزيرا للدفاع في تعديل وزاري عام 1975، ليصبح أصغر من شغل هذا المنصب حيث كان يبلغ من العمر 43 عاما.
وعمل رامسفيلد في وقت كانت فيه أجواء قلق الحرب الباردة مازالت تهيمن على سياسة الولايات المتحدة، وقد أشرف رامسفيلد على تطوير الغواصة النووية ترايدنت وبرامج صواريخ إم إكس الباليستية العابرة للقارات. كما أنه قوض عمل وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر بشأن محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية (سولت 2) مع السوفييت.
وبعد أن خسر فورد أمام جيمي كارتر وترك منصبه في عام 1977، انتقل رامسفيلد إلى القطاع الخاص مع الحفاظ على بعض الالتزامات والأدوار الفيدرالية بدوام جزئي، بما في ذلك العمل، في مرحلة ما، كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط للرئيس رونالد ريغان.
وأمضى رامسفيلد ما يقرب من عقد من الزمان في الإدارة العليا لشركة الأدوية غي دي سيرل آند كو وشغل منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة جنرال إنسترومنت لتصنيع الإلكترونيات قبل أن يعود إلى مجال صناعة الأدوية كرئيس لشركة غيليد ساينسيس.
لم يبتعد رامسفيلد عن السياسة تماماً، فقد تم اختياره لرئاسة لجنة من الحزبين لتقييم تهديد الصواريخ الباليستية للولايات المتحدة في عام 1998. وقد أشعل التحقيق انتقادات حادة للتقييمات الاستخباراتية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون والتي قللت من المخاطر الأمنية على قارة أمريكا الشمالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وجادل تقرير رامسفيلد بأن الولايات المتحدة تواجه تهديدا متزايدا من دول معادية بشكل علني أو محتمل، بما في ذلك كوريا الشمالية والعراق وإيران.
واقترح التقرير أن تلك الدول يمكن أن تلحق “دمارا كبيرا” بالولايات المتحدة في غضون 5 سنوات من اتخاذ قرار بالسعي وراء الحصول على قدرات صاروخية، وهي فترة أقصر بكثير من الـ 15 عاما التي تنبأت بها تقديرات المخابرات. وقد أثارت تلك النتائج جدلا حادا حول أنظمة الدفاع الصاروخي وسياسة الدفاع في البلاد.
العودة إلى الحكومة
بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2000 تم ترشيح رامسفيلد لشغل منصب وزير الدفاع مرة أخرى في عهد جورج دبليو بوش. وبعد أن كان أصغر من تولى هذا المنصب، بات، في ذلك الوقت، أكبر من تولى المنصب سنا.
وكان رامسفيلد، الذي رحب به المحافظون في الحزب، مستشارا حملة بوش في مجال السياسة الخارجية. ووصف بوش رامسفيلد بأنه رجل “يتمتع بقدرة عظيمة في الحكم على الأمور وبرؤية قوية”.
ووجد رامسفيلد في حكومة الرئيس بوش الابن شخصيات قوية مثل كولن باول وزير الخارجية ونائب الرئيس ديك تشيني، الذي كانخلفه في منصب كبير موظفي البيت الأبيض خلال إدارة الرئيس فورد في السبعينيات.
وكانت إحدى أولويات إدارة بوش إعداد البنتاغون للتعامل مع التهديدات الأمنية الجديدة والمتطورة، مع تكليف رامسفيلد بمحاولة تحديث الجيش الذي كان يُنظر إليه على أنه مقاوم للتغيير.
وقد ورد حينئذ أن نهجه الصريح في إعادة تأكيد السيطرة المدنية على الجيش قد أساء إلى كبار الضباط في الأيام الأولى من حكم إدارة بوش. لكن بعد أقل من 9 أشهر، تعرضت الولايات المتحدة لهجوم غير مسبوق.
هجمات سبتمبر وما بعدها
كان رامسفيلد يعقد اجتماع إفطار في البنتاغون مع أعضاء الكونغرس لمحاولة حشد الدعم لنظام الدفاع الصاروخي عندما تم استهداف مركز التجارة العالمي في صباح 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001.
وكان رامسفيلد لا يزال في داخل البنتاغون عندما أصيب مقر وزارة الدفاع نفسه بطائرة أخرى مخطوفة حيث كان مصرا على الاستمرار في مؤتمره الصحفي اليومي.
وقد تذكر لاحقا أنه شعر بإهتزاز المبنى وركض نحو موقع تحطم الطائرة، مما أدى إلى تدافع حيث كان المسؤولون يكافحون لتحديد مكانه. وكتب يقول: “في الخارج وجدت الهواء النقي والمشهد الفوضوي حيث سحب الدخان الأسود تتصاعد من الجانب الغربي من المبنى، ركضت حول البنتاغون، ثم رأيت ألسنة اللهب”.
وأظهرت لقطات مصورة بثتها شبكة “سي إن إن” رامسفيلد وهو يساعد في نقل شخص ما إلى مكان آمن قبل العودة إلى الداخل للمساعدة في تنسيق رد الفعل الأمريكي على الهجوم.
وظهرت أدلة في وقت لاحق في المذكرات التي رفعت عنها السرية تشير إلى أنه في غضون ساعات من الهجوم، كان رامسفيلد يطرح بالفعل فكرة شن ضربات انتقامية ليس فقط علىمعسكرات أسامة بن لادن، المشتبه به الرئيسي، ولكن على العراق.
“المعلوم المجهول”
كانت الاستجابة الأولية تنذر بما سيأتي.
في 7 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001، بعد أقل من شهر من الهجوم، بدأت القوات الأمريكية حملة جوية ضد القاعدة وطالبان في أفغانستان.
وتبع ذلك حملة برية سريعة، مما أدى إلى تحسين سمعة رامسفيلد حيث قدم تقارير منتظمة عما يجري على الأرض في المؤتمرات الصحفية.
لكن بحلول عام 2002 ، تحول اهتمام إدارة بوش إلى العراق. ووضع الرئيس بوش العراق، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، في ما أسماه “محور الشر” الذي قال إنه يهدد سلام العالم بسعي تلك الدول إلى حيازة أسلحة دمار شامل.
وبعد أسابيع فقط من خطاب حالة الاتحاد، سُئل رامسفيلد خلال مؤتمر صحفي للبنتاغون عن عدم وجود أدلة على امتلاك العراق اسلحة جمار شامل رده الشهير “المعروف والمجهول”.
لم يخترع رامسفيلد هذا المفهوم، لكن أثارالرد سخرية واسعة النطاق في ذلك الوقت نظرا للجدل حول موقف إدارة بوش والدفع نحو الحرب.
وبعد التخلي عن السعي إلى الحصول على مواقفة الأمم المتحدة لاستخدام القوة مضت الولايات المتحدة وبريطانيا قدما في خطط الغزو وحدهما. وبدأت عملية “تحرير العراق” في مارس/آذار من عام 2003 على الرغم من استمرار التساؤلات حول الأدلة والمبررات التي لديهما.
وكان ينظر إلى رامسفيلد، أحد كبار الصقور في الحكومة الأمريكية، على أنه مهندس رئيسي للغزو.
وفي ذلك العام، تنبأ رامسفيلد في مذكرة بأن الحروب ستكون “شاقة طويلة وصعبة”، وهو أمر أثبت التاريخ أنه صحيح بشكل مؤلم، حيث مازالت القوات الأمريكية تحاول الخروج من الصراعات بعد نحو عقدين تقريبا.
ولم يكن وزير الدفاع بعيدا عن عناوين الأخبار والزلات الكبيرة. فقد كانت الانتقادات تلاحقه بشأن طريقة تعامله مع النزاعات، واشتهر بتصريحاته الصريحة والمثيرة للجدل.
لكن بوش وقف بحزم إلى جانبه، حتى في أعقاب فضيحة إساءة معاملة سجناء أبو غريب حيث تم تسريب صور للقوات الأمريكية بجانب سجناء عراقيين في أوضاع مهينة.
وكان من الواضح أنه على الرغم من الخطب الرنانة أنه لم يكن لدى العراق مخزون من الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أو النووية قبل الغزو. ومع تصاعد التمرد والعنف، تصاعدت تساؤلات حول قيادة رامسفيلد ووجد نفسه تحت ضغط متزايد للاستقالة.
وقال رامسفيلد إنه عرض استقالته مرتين بسبب فضيحة أبو غريب، لكن الرئيس استمر في دعمه وطلب منه البقاء في المنصب بعد إعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2004.
واستغرق الأمر عامين آخرين، وخسائر فادحة للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2006 لكي يقر بوش أخيرا بالحاجة لـ “مقاربة جديدة” للصراع.
وكان رامسفيلد قد صمد، بحلول ذلك الوقت، أمام انتقادات الرأي العام بشأن تجهيزات أفراد الجيش، وحتى اعترافه باستخدام آلة للتوقيع على رسائل التعزية لعائلات الجنود القتلى.
وظل الرئيس بوش الابن يثني على عمل رامسفيلد وإرثه. لكن والده، جورج بوش الأب، لم يكن يشاطره ذاك الموقف حيث وصف رامسفيلد فيما بعد بأنه “متغطرس” ويرى أنه أضر برئاسة نجله.
وفي مذكراته لعام 2011، ظل رامسفيلد متحديا إلى حد كبير بشأن طريقة معالجة الحرب على الرغم من أنه أعرب عن أسفه بشأن بعض تعليقاته وأقر بأنه كان بإمكان الولايات المتحدة إرسال المزيد من القوات إلى العراق.
وفي عام 2013 ، كان رامسفيلد موضوع الفيلم الوثائقي “المعلوم المجهول” للمخرج إيرول موريس الحائز على جائزة الأوسكار.
وشرع المخرج في الخوض في عقل رامسفيلد كما فعل مع وزير الدفاع السابق روبرت ماكنمارا في فيلم ضباب الحرب، لكنه اعترف لاحقا أنه بعد 33 ساعة من المقابلات مع رامسفيلد الغامض، بدا أنه أقل معرفة بأسباب حرب العراق عما كان يعلمه عندما بدأ المشروع.
وقارن موريس لقاء دونالد رامسفيلد بلقاء أليس في بلاد العجائب مع قطة شيشاير في رواية لويس كارول الكلاسيكية.
وكتب إيرول موريس في صحيفة نيويورك تايمز يقول: “لقد سيطر علي الشك المخيف بأن الابتسامة ربما لا تخفي أي شيء، لقد كانت ابتسامة تعكس الرضا الذاتي المطلق وخلف الابتسامة قد لا يكون هناك أي شيء على الإطلاق”.
[ad_2]
Source link