سد النهضة: مصر تبحث عن حلفاء جدد في أفريقيا
[ad_1]
- مجدي عبدالهادي
- محلل للشؤون المصرية
تحاول مصر تعزيز نفوذها الدبلوماسي والعسكري في إفريقيا وسط تصاعد الخلاف مع إثيوبيا حول بناء سد ضخم على أحد روافد نهر النيل.
وتضم الجمعية الجغرافية المصرية، التي تأسست عام 1875 بعض المخطوطات القيمة التي تعكس اهتمام مصر بالدول الأفريقية الواقعة في جنوب الصحراء منذ أمد بعيد.
ومن بين الوثائق التي تضمها الجمعية خريطة تاريخية توضح أن الحدود الجنوبية لمصر تقع عند بحيرة فيكتوريا في شرق أفريقيا.
تأسست الجمعية في ذروة طموح مصر الإمبراطوري والذي لم يعمر طويلاً حيث سيطرت مصر خلال تلك الحقبة على السودان وسعت لغزو إثيوبيا في حملة عسكرية كارثية بين عامي 1874 و 1876 وانتهت بهزيمة مذلة لمصر.
بعد حوالي 70 عاماً، كفّرت مصر عن مغامراتها الإمبريالية عندما أصبحت حاملة لواء النضال ضد الاستعمار في أفريقيا وخارجها. إلا أن انشغالها بالصراع العربي الاسرائيلي أدى إلى تراجع إهتمامها بدول جنوب الصحراء.
بيد أن السنوات القليلة الماضية شهدت انخراط مصر ولا سيما مع دول حوض النيل بشكل لافت. فقد وقعت مصر سلسلة من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية مع أوغندا وكينيا وبوروندي ورواندا وجيبوتي في الأشهر الأخيرة.
وأبرمت القاهرة بالفعل اتفاقيات تكامل كبيرة مع السودان، حيث أجرى البلدان مؤخراً مناورات عسكرية مشتركة شاركت فيها طائرات حربية وقوات خاصة.
وربطت مصر شبكتها الكهربائية الخاصة بها بشبكة السودان، وثمة خطط جارية لربط شبكات السكك الحديدية أيضاً، ونوايا لتشغيل خدمة قطار من الإسكندرية إلى كيب تاون في جنوب أفريقيا.
والسبب الرئيسي وراء هذا التغيير في السياسة الخارجية، هو السد المثير للجدل الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل الأزرق، والمعروف باسم سد النهضة الإثيوبي الكبير.
يقول نائل شما، الخبير في السياسة الخارجية المصرية: “لطالما اعتمدت مصر على الدبلوماسية لحل خلافاتها مع إثيوبيا حول سد النهضة، إلا أن مسار المفاوضات يبدو قد استنفد فرصه، أو على وشك ذلك”.
مخاوف من الجفاف
تنزانيا مثال آخر، حيث تستثمر مصر بكثافة في سد جوليوس نيريري الهائل لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر روفيجي.
ومن الواضح أن القاهرة تريد تسليط الضوء على المشروع كمثال على استعدادها للمساعدة في التنمية في دول حوض النيل.
وهذا بالتحديد هو نوع الرسالة التي تحاول مصر التي ليست لديها مصادر مياه رئيسية أخرى للشرب والزراعة غير نهر النيل، نقلها إلى الرأي العام العالمي.
لا تعارض مصر، السد الإثيوبي بحد ذاته، لكنها حذرة جداً من تأثيره المحتمل على تدفق مياه النيل إذا رفضت إثيوبيا التوقيع على اتفاقية ملزمة قانوناً حول كيفية إدارة السد، وتخشى أن يقضي السد على الزراعة المصرية ويدمر مساحات شاسعة من أراضيها الصالحة للزراعة، مما يتسبب في جفاف شديد وبطالة واسعة.
و من ناحية أخرى، ترى إثيوبيا أن سد النهضة أمر حيوي لاحتياجاتها التنموية ولتوفير الكهرباء لسكانها.
علاقات تجارية وليست قوة عسكرية
لذلك، آن الأوان أن تغير مصر لاتجاهها وتركيز سياستها الخارجية على أفريقيا جنوب الصحراء، لكن يقول بعض المصريين إن الوقت قد تأخر كثيراً.
وتقول ولاء بكري، مستشارة الأعمال والأكاديمية في جامعة ويستمنستر البريطانية: ” إن التمتع بالنفوذ في عالم السياسة في الوقت الراهن ليس مجرد امتلاك الأسلحة والمدافع”.
وكتبت: “إن الاتفاقات الأمنية مع بعض دول حوض النيل مثل بوروندي ورواندا وأوغندا أمر جيد، لكنها لن تمنح مصر النفوذ الذي تريده”.
وتقول إن العلاقات التجارية القوية يمكن أن تحقق أكثر بكثير من ما توفره القوة عسكرية، مشيرة إلى حجم التجارة الضئيل التي تتمتع به مصر مع جميع دول حوض النيل التسعة، وتتابع: “لا أحد يقول إن على مصر أن تشتري أي شيء لا تحتاجه من هذه البلدان، ولكن على سبيل المثال، تنتج دول حوض النيل كميات هائلة من البنّ عالي الجودة، وتنفق مصر ما يزيد عن 95.5 مليون دولار سنوياً على استيراد هذه السلعة، 95 في المئة منها، من خارج أفريقيا”.
وفي غضون ذلك، ارتفعت نبرة وحدة الخطاب المصري تجاه إثيوبيا.
وفي الواقع، النظام المصري وحتى الرئيس نفسه، يتعرض لضغوط هائلة لكي يكون أكثر تشدداً مع إثيوبيا.
وحتى أنصار عبد الفتاح السيسي، بدأوا يتحدثون ولو بصوف خافت بما لا يمكن تصوره ويقولون إن الفشل في حماية حقوق مصر المائية يعني فقدانه أحقية حكم مصر.
ويبدو أن مصر تأمل من وراء تكوين دائرة حلفاء حول إثيوبيا الحصول على مزايا بشكل أو آخر فيما لو أصبحت المواجهة مع إثيوبيا أمراً لا مفر منه.
وأحالت كل من مصر والسودان، الخلاف حول السد إلى مجلس الأمن الدولي، إذ يعتبران أنه يمكن أن يهدد السلام والاستقرار في المنطقة.
وكانت القضية معروضة على مجلس الأمن من قبل وأحيل إلى الاتحاد الأفريقي الذي فشل في حلها.
وتلقي كل من القاهرة والخرطوم باللوم على إثيوبيا في ذلك، بينما تتهم أديس إثيوبيا، مصر، باستخدام المفاوضات كخدعة لإعادة تأكيد احتكارها الفعلي لمياه النيل، في إشارة إلى حصة الأسد من المياه التي تريدها مصر.
من الواضح أن التدريبات العسكرية المشتركة التي جرت مؤخراً في السودان كانت تهدف إلى إرسال تحذير ليس فقط لإثيوبيا ولكن إلى العالم أجمع بأن البلدين لن يترددا في استخدام قواتهما العسكرية إذا لزم الأمر في مسألة حياة أو موت للبلدين مثل مسألة المياه.
ويبدو أن اتفاقيات التعاون العسكري بين مصر وأوغندا وكينيا وبوروندي تعزز هذه الرسالة، على الرغم من أنه من الصعب تخيل موافقة هذه الدول على الانجرار إلى حرب إقليمية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولا تخدم مصالحهم الوطنية.
وإذا فشلت كل المحاولات الدبلوماسية، من المستبعد ألا يدعم الرأي العام في مصر، العمل العسكري إذا لزم الامر.
وفي السودان على عكس مصر، ثمة درجة معينةالتناقض لأسباب ليس أقلها أن السودان سيستفيد من السد، الذي سيقلل من الفيضانات المدمرة ويزوده بطاقة كهربائية رخيصة الثمن.
لكن هناك إجماع واسع بين المراقبين، وهو أنه رغم المهارات والإمكانيات العسكرية والإرادة السياسية لدى كل من السودان ومصر، إلا أن أي ضربة تستهدف السد لإعاقة مشروع بنائه لبضع سنوات لن تحل المشكلة.
وبدلاً من ذلك، سيزيد من حالة عدم الثقة ويعيد الحياة إلى سردية المظالم القديمة، والمشاعر القومية وروح الانتقام.
[ad_2]
Source link