أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةمقالات

حالة تنمر في جدة … بقلم الدكتور عبدالله الغامدي

إيسايكو: حالة تنمر في جدة … بقلم الدكتور عبدالله الغامدي

من الحالات التي لاتزال عالقة في ذهني؛ حالة تنمر شديدة، وذلك عندما عملت مرشداً طلابياً في مدرسة ثانوية في محافظ جدة، والتي كانت في حارة شعبية، يشيع فيها التنمر، بسبب البيئة، والفاقة، والثقافة.

أذكر أنه في أحد الأيام؛ وفي الصباح الباكر؛ جاءني إلى المدرسة والد طالب من جنسية عربية، وكان يشكو من وقوع إصابة جارحة لابنه، وذلك بسبب التنمر من زملائه الثلاثة، في صفه الأول الثانوي.

وذكر أنهم تعاركوا معه بعد الانصراف من المدرسة، وأنهم جرحوا وجهه، ومزقوا ثوبه، وأتلفوا كتبه، وقال: إنهم كانوا يتعمدون الإساءة الدائمة عليه؛ سواء بألسنتهم، أو بأيديهم.

فحمدت الله على سلامته، وأخذت من الطالب المعلومات، وحددت الأعراض، وحصرت الأسباب، ثم طلب الأب الاستئذان لأجل عمله، وطلب مني إخباره بالإجراءات.

عندها أحضرت زملاءه، فأحسنت استقبالهم، ورحبت بحضورهم، فهم ضحايا بيئة غرست فيهم سلوك التعدي والتنمر.

ثم طلبت منهم البوح والطرح عن أسباب التعدي، وسألتهم عن النتائج التي كسبوها من واقعة التنمر، وأشكال المضايقة، وما الفوائد التي جنوها من تعديهم الواقع، وعدوانهم المتكرر.

عندها حاولوا الإنكار والمقاومة، لكنها المواجهة؛ التي دفعتهم إلى الإقرار بعدوانهم، والاعتراف بتعديهم، وقد ذكروا أن زميلهم شارك في إثارتهم، كما ساهم في التهجم عليهم.

حرصت حينها إلى الاستماع إليهم، والإصغاء لهم، وتقبلهم بأخطائهم، تعاطفت معهم، حتى نتعاون على حل التنمر حلاً جذرياً عميقاً.

وفي يومها؛ وقعت المكاشفة فيما بينهم، ودعوت حينها إلى الاعتراف بالذنب، وطلب العفو، وإعلان الصفح، وقبول التسامح، والأخذ بالتنازل، شريطة الالتزام بأخلاق المسلم، واحترام الآخر، وتقدير الكرامة، والحفاظ على السمعة والشخصية.

وفي الجلسة حدثت المحاورة؛ عن مساوئ التنمر وآثاره، وذلك بهدف المعالجة المعرفية؛ للاختلالات الفكرية، وكان مما ذكروا عن النتائج السلبية: اكتساب السيئات، والدفع إلى الغياب، والضعف في التحصيل، وارتفاع مشاعر الخوف والقلق والكآبة.

وفيها طلبت منهم القيام بالوضوء، وصلاة ركعتين، وأن يرددوا التوبة والاستعاذة والاستغفار؛ إلى مائة مرة، كعلاج تطبيقي يستمرون على ممارسته عند انفعال الغضب.
ثم طلبت أن يكتب الثلاثة رسالة اعتذار إلى زميلهم، مذيلة بالاسم، وأن تقدم إليه في ظرف مغلق.

بعدها دعوتهم إلى الاتصال الهاتفي بوالد الطالب المعتدى عليه؛ فكلمه الثلاثة، واعترفوا له بالخطأ، وأقروا بالتعدي، وتعهدوا بأن يكونوا إخوة فضلاء، وأصدقاء نبلاء.
أيضاً طلبت منهم تقديم هدية مناسبة لزميلهم، حيث أحضروا له في اليوم التالي باقة ورد، وقلم، وميدالية، والتي قدموها أمام زملائهم في فصلهم، وجرى مرة أخرى تقبيل رأسه، والاعتذار له، وتعهدوا أمامهم بحقوق الزمالة، فكانوا عليهم شهوداً، وكانت لهم في الموقف دروساً فاعلة ومشاهدة.

ثم دعوت آباء الطلاب الأربعة؛ إلى زيارة المدرسة، وتحاورنا عن أبعاد التنمر وآثاره، ومسببات العنف ودواعيه، وعوامل العدوان وتداعياته، وكان مما ذكر؛ أن الخلافات الزوجية أمام الأبناء؛ مدعاة إلى التنمر، وكذا القسوة في التربية والتعامل، وعدم الإشباع للحاجات والقدرات، والانشغال بألعاب إليكترونية تدفع إلى العنف.

كذلك جرى التشاور حول سبل الوقاية، وطرق العلاج، وكانت تصب في مجملها على الممارسات المفيدة لهم، والنافعة في دنياهم وأخراهم.
ولم تقفل الحالة؛ فقد استمرت المتابعة، وتواصلت الملاحظة، وجرى التذكير، واستمر التنوير؛ بالخلق الرفيع، وإدارة الغضب، وضبط المشاعر، فلمست بعدها السلاسة والانسيابية في العلاقة، وظهر التزام الطلاب الأربعة؛ بأشكال التقدير والتوقير، والأخذ بلغة الاحترام، وسلوك الانضباط.

د.عبدالله سافر الغامدي
جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى