الحرب على الإرهاب: هل انتهت مرحلة العمليات العسكرية الغربية الكبيرة في الخارج؟
[ad_1]
- فرانك غاردنر
- مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية
تسابق القوات الغربية الزمن لمغادرة أفغانستان هذا الشهر فيما أكدت فرنسا أنها تنوي تخفيض حجم قواتها العسكرية في جمهورية مالي في القارة الأفريقية، وفي العراق لم تعد للقوات البريطانية والغربية الأخرى دور قتالي يذكر.
بعد مرور ما يقارب عشرين عاماً على ما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب” التي دشنها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في أعقاب هجمات سبتمبر 2001، هل يقترب عصر الانتشار العسكري الكبير “للجنود على الأرض” في مناطق الحروب البعيدة من نهايته؟
ليس تماماً، لا يزال هناك جهد كبير يبذل في محاربة الجهاديين في منطقة الساحل في أفريقيا ولكن هناك الآن إعادة تفكير جذرية في كيفية تنفيذ هذه المهمة.
كانت عمليات نشر قوات عسكرية على نطاق واسع ولمدد طويلة مكلفة للغاية من ناحية الأرواح والمال والرصيد السياسي على المستوى السياسي الداخلي.
بلغت كلفة الوجود العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان أكثر من تريليون دولار، وعشرات آلاف الضحايا بين صفوف القوات الأفغانية والمدنيين الأفغان والقوات الغربية والقوات المعادية (طالبان).
في ذروة الوجود العسكري الغربي هناك عام 2010، تجاوز عدد هذه القوات مئة ألف جندي. وبعد 20 عاماً من التمركز في أفغانستان تغادر ما تبقى من قوات هناك عائدة إلى بلدانها في الوقت الذي تبدو فيه حركة طالبان على أتم الاستعداد للسيطرة على المزيد من الأراضي.
“كعب أخيل”
كلما كان الجهد العسكري أكبر وأطول من الناحية الزمنية في محاربة جماعات التمرد تتعاظم احتمالات ظهور مجموعة متنوعة من نقاط الضعف القاتلة في القوات النظامية.
وأكثرها وضوحاً هو ارتفاع معدل الضحايا في صفوف هذه القوات وهي مسألة لها أثمانها الباهظة على الصعيد السياسي في الداخل.
أكثر من 58 ألف أمريكي قتلوا في حرب فيتنام وما يقرب من 15 ألف جندي روسي في أفغانستان، وهذا العدد الكبير من القتلى كان من بين العوامل التي عجلت بنهاية الحربين المذكورتين.
فقدت فرنسا ما يزيد قليلاً عن 50 جندي في مالي منذ عام 2013 ورغم ذلك خسرت مهمتها العسكرية هناك التأييد في فرنسا إلى حد كبير.
ثم هناك التكلفة المالية لمثل هذه الحروب والتي تتجاوز التوقعات والتقديرات الأولية في معظم الحالات.
عندما بدأت المملكة العربية السعودية تدخلها في الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015، لم تتوقع مطلقاً أن يستمر تورطها في القتال هناك كل هذه المدة، والتي بلغت حتى الآن ست سنوات. وتشير التقديرات إلى أن هذا التدخل قد كلف الخزينة السعودية حتى الآن نحو مئة مليار دولار.
كما أن المخاوف بشأن حقوق الإنسان قد تعرقل أي حملة عسكرية وهو آخر ما يمكن توقعه.
القصف الجوي الأمريكي لحفلات الزفاف الأفغانية والضربات الجوية السعودية التي قتلت المدنيين في اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها حلفاء الإمارات في اليمن أثرت سلباً على سمعة هذه الدول.
فعلى سبيل المثال لعبت الأخبار التي انتشرت عن موت سجناء خنقاً داخل حاويات شحن معدنية دوراً في دفع الإمارات إلى إنهاء دورها العسكري في حرب اليمن.
كما هناك احتمال أن ينتهي الأمر بالحكومة التي تستضيف القوات الأجنبية إلى تقاسم السلطة مع الجهات التي أتت تلك القوات لمحاربتها.
ففي مالي كانت هناك تقارير تفيد بأن الحكومة تجري محادثات سرية مع الجهاديين، وهو ما حدا بالرئيس إيمانويل ماكرون إلى التهديد بسحب القوات الفرنسية كلياً من مالي.
وفيما يتعلق بالعراق يقول الكولونيل البريطاني المتقاعد جيمس كونليف: “لا يزال هناك قلق حقيقي بشأن النفوذ الإيراني هناك وخاصة فيما يتعلق بالميليشيات الشيعية الموالية لها”.
وفي أفغانستان من المتوقع أن تعود حركة طالبان التي أزيحت عن الحكم عام 2001 للسيطرة على البلاد، ويقول مسؤولون أمنيون غربيون أنه إذا انتهى بها الأمر إلى أن تكون جزءاً من الحكم فسيتوقف كل تعاون استخباراتي مع أفغانستان.
لا توجد إجابات سهلة
من الواضح أنه لا توجد حلول سهلة للتعامل مع مشكلة الدول الفاشلة والأنظمة الديكتاتورية الخطرة.
دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة الحديثة:
العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم: غزو عسكري ضخم بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة بريطانية أعقبته سنوات من الاحتلال والتمرد الدامي. على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه مؤخراً، إلا أن التجربة بأكملها مؤلمة لدرجة كافية لردع السياسيين عن القيام بأي تدخل عسكري واسع النطاق في الشرق الأوسط لعقدين قادمين وربما أكثر.
ليبيا منذ 2011 إلى الوقت الحاضر: تم فرض حظر طيران لفترة قصيرة من قبل حلف الناتو ولم يتم نشر قوات غربية تذكر على الأرض. كان ذلك كافياً لتمكين معارضي القذافي من الإطاحة بنظامه في عام 2011. لكن البلاد انزلقت إلى أتون حرب أهلية ترافقت بظهور جماعات جهادية. ثم تحول امتنان الليبيين المبدئي للغرب إلى الشكوى و “تخليه عنهم”.
سوريا منذ 2011 إلى الوقت الحاضر: إحجام كبير من قبل القوى الغربية عن التورط في الحرب الأهلية بين الرئيس بشار الأسد ومقاتلي المعارضة السورية مما ترك الباب مفتوحاً لتدخل روسيا وإيران وتركيا. وها قد مرت 10عشر سنوات والعنف لا يزال سيد الموقف في هذا البلد.
تنظيم الدولة الإسلامية 2014-2019: هذه قصة نجاح عسكرية وحيدة واضحة إذ تمكن تحالف يضم 80 دولة في نهاية المطاف من إلحاق الهزيمة بالتنظيم، والقضاء على “الخلافة” الوحشية والسادية التي أقامها التنظيم. لكن الأمر استغرق خمس سنوات واعتمد بشكل كبير على القوة الجوية الهائلة، وبعض التحالفات غير المألوفة على الأرض، مثل التعاون مع الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. ويقوم التنظيم الدولة الإسلامية حالياً بتكثيف عملياته في القارة الأفريقية.
مالي منذ 2013 وحتى يومنا هذا: أنقذ التدخل العسكري الفرنسي الأولي العاصمة باماكو من وقوعها شبه المؤكد بيد الجهاديين المرتبطين بالقاعدة. لكن بعد ثماني سنوات، وعلى الرغم من وجود الآلاف من القوات متعددة الجنسيات لا يزال التمرد مستمراً. وعبر الرئيس الفرنسي عن استيائه من حكام مالي وعزمه على تقليص الدور الفرنسي هناك.
المستقبل
إذا لم تعد عمليات الانتشار العسكرية الكبيرة غير محددة المدة واردة من الآن فصاعداً فما هو البديل؟
حمل الخطاب الذي ألقاه رئيس الأركان العامة في المملكة المتحدة الجنرال السير، مارك كارلتون سميث، في 2 يونيو / حزيران في مؤتمر الحرب البرية التابع لمعهد الخدمات الملكية بعض الأدلة على البدائل المستقبلية.
قال الجنرال إن جيش اليوم سيكون: “أكثر ترابطاً، وأكثر سرعة وأسرع في الانتشار، وأكثر ترابطاً رقمياً، الجندي سيكون متصلاً بالأقمار الصناعية، وأكثر تركيزاً على قوات العمليات الخاصة”.
إن قلة الجنود على الأرض تعني حتماً اعتماداً أكبر على التكنولوجيا الرقمية المتطورة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
دفعت ما تميزت بها الصراعات الأخيرة من خصائص إلى إعادة التفكير جذرياً في الأولويات الاستراتيجية. فقد شهدت الحرب القصيرة في القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا إبادة دبابات الأخيرة بواسطة طائرات بدون طيار رخيصة الثمن قدمتها تركيا، وكان يتم توجيهها إلى أهدافها دون أن يواجه القائمون على إدارتها وتشغيلها خطراً يذكر.
والمرتزقة الذين كانوا يعتبرون يوماً ما شيئاً من ماضي القارة الأفريقية، عادوا إلى الظهور ومن أبرز الأمثلة على ذلك مجموعة “فاغنر” الروسية.
وقد فرت المجموعة للحكومة الروسية فرصة النأي بنفسها عن عمليات المجموعة فيما كانت توسع عملياتها في الشرق الأوسط وشمال القارة الأفريقية وغربها وموزمبيق.
ويصف الدكتور شون ماكفي، كبير الباحثين في “مجلس الأطلسي” التوجه الحالي بأنه “انتقال من النظام العالمي المبني على الدول إلى حروب بلا دول”.
ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال نهاية العمليات العسكرية في الخارج. في مالي ومنطقة الساحل ربما يكون الفرنسيون قد أنهوا عملية “برخان” لقواتهم الخاصة وأعادوا الآلاف من قواتهم إلى الوطن، لكن مهمة الأمم المتحدة هناك مستمرة والقوات الفرنسية لا تزال هناك وإن كان عددها أقل من السابق، وتعمل في إطار قوة متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب.
ستستمر مهمة حلف شمال الأطلسي في العراق وتقتصر الآن على تدريب القوات المحلية لمكافحة التمرد وتقديم الدعم الفني لها.
وفي أفغانستان يتراجع الوجود العسكري الغربي بوتيرة متسارعة، في الوقت الذي قد تكون هناك حاجة ماسة لهذه القوات لمواجهة التهديد الذي تمثله طالبان والقاعدة والدولة الإسلامية.
[ad_2]
Source link