حرب 67: بريطانيا خشيت من عواقب بعيدة المدى للسماح بانتصار مصر في أزمة مضيق تيران ـ وثائق بريطانية
[ad_1]
- عـــامــر سلـطـان
- بي بي سي نيوز عربي
من بين هذه الأسرار أن بريطانيا كانت تخشى من 4 عواقب بعيدة المدى لو سُمح بانتصار مصر في أزمة إغلاق مضيق تيران، التي أشعلت الحرب، على الوضع العام في المنطقة، وفق وثائق بريطانية.
وتكشف الوثائق، التي حصلت عليها، أن الحكومة البريطانية قدمت، في تعاملها مع الأزمة، مصالحها مع العرب على تأييدها لإسرائيل، التي لم تستجب للنداءات بعدم البدء بالحرب.
وتشير الوثائق أيضا إلى تهديد العرب، يوم بدأت إسرائيل الحرب في 5 يونيو/ حزيران 1967، بسحب أرصدتهم بالجنيه الإسترليني من البنوك البريطانية للضغط على لندن حتى لا تؤيد إسرائيل، وإقرار بريطانيا “بحق مصر في التحكم في حركة السلع الاستراتيجية المتجهة إلى إسرائيل” عبر خليج العقبة.
كانت إسرائيل قد شنت الحرب ردا على إغلاق مصر خليج العقبة، الأمر الذي هدد شريان حياة رئيسيا لها. وفي هذه الحرب التي استمرت 6 أيام فقط، احتل الجيش الإسرائيلي كل سيناء وقطاع غزة من مصر، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا.
وتكشف الوثائق، التي اطلعت عليها، عن أنه رغم حرصها على وجود دولة إسرائيل، حرصت الحكومة البريطانية برئاسة هارولد ويلسون أيضا على عدم إغضاب العرب.
وبمجرد إغلاق مصر خليج العقبة عبر مضيق تيران، طُرحت أفكار مختلفة لإنهاء الإغلاق وضمان حرية الملاحة. غير أن بريطانيا، القوة العسكرية الثانية في المنطقة بعد الولايات المتحدة، سعت إلى تجنب أي سلوك يظهرها كعدو للعرب.
وتكشف الوثائق رفض بريطانيا خطة عرضتها واشنطن لتشكيل قوة عسكرية أمريكية بريطانية مشتركة لإنهاء الإغلاق، وضمان حرية الملاحة في خليج العقبة.
وفي اجتماع مجلس الوزراء البريطاني برئاسة هارولد ويلسون يوم 25 مايو/آيار 1967، اتفق الوزراء على رفض النهج الأمريكي باعتباره ضارا بالمصالح البريطانية في المنطقة.
وبعد مناقشة الموقف حينها، قرر الاجتماع ما يلي: “فيما يتعلق بالعمل العسكري، إذا أصبح ضروريا، لفرض حرية مرور السفن في خليج العقبة، فإن المقترحات الأولية من جانب الولايات المتحدة، التي اعتمدت بشكل مكثف على استخدام قوات البحرية البريطانية في البحر الأحمر، بما فيها حاملة الطائرات إتش إم أس هيرميس، غير مقبولة لنا سياسيا، كما أنها تنطوي على فهم عسكري خاطئ”.
ولم تستبعد الحكومة البريطانية احتمال أن تفرض التطورات استخدام القوة لو أريد تفادي نشوب حرب جديدة بين العرب وإسرائيل. فقررت أنه “إذا كان لابد من استخدام القوة، فيجب ألا نكون في المقدمة، ولا يجب أن يُعتقد أننا كذلك. ومن الضروري أيضا أن تساهم الدول الأخرى، غير الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في أي قوة تُستخدم”.
وشدد رئيس الوزراء على ضرورة أن يُشرح الموقف البريطاني بوضوح في أي مباحثات مع الأمريكيين بشأن الأزمة.
وتقرر أنه “يجب أن يكون واضحا في النقاشات في واشنطن أن المملكة المتحدة لا ترغب في أن تبدو كأنها في المقدمة في أي إعلان بشأن حرية الملاحة في خليج العقبة، وأن أي قوة دولية ربما يتم تشكيلها بغرض صيانة هذه الحرية لا ينبغي أن تكون إنجليزية أمريكية فقط”.
وقبل ستة أيام من بدء الحرب، توقعت الاستخبارات البريطانية انتصار إسرائيل فيها.
وفي مذكرة بخصوص الأزمة في الشرق الأوسط إلى مجلس الوزراء يوم 29 مايو/آيار 1967، قال وزير الخارجية البريطاني “لا يزال تقدير الاستخبارات البريطانية والأمريكية هو أنه من المرجح أن تَهزِم إسرائيل، رغم أن التكلفة ستكون دمارا هائلا، الجمهورية العربية المتحدة وغيرها من القوات العربية التي من المحتمل أن تشارك في القتال ضدها”.
الخيار “الأسوأ”
وكانت تقارير كثيرة تتحدث، آنذاك، عن حشد عسكري عربي تشارك فيه ليبيا والجزائر والعراق إلى جانب مصر وسوريا والأردن، ما أثار قلقا من قدرة العرب على تغيير ميزان القوى في المنطقة.
غير أن مذكرة الخارجية البريطانية عبرت عن اطمئنانها على إسرائيل. وقالت: “لو واجه الإسرائيليون خطر الخسارة، أعلن الأمريكيون: (أنه لا يمكنهم الوقوف متفرجين وهم يرون الإسرائيليين يُلقون في البحر)”.
واُلحق بالمذكرة تقرير بشأن السيناريوهات المحتملة لسير الأزمة.
ورغم الخشية من تبعات اندلاع حرب تبادر بها إسرائيل، فإن التقرير حذر من آثار احتمال إقرار تسوية ترضخ لإغلاق المضيق على مصالح بريطانيا. ورأت الخارجية أن هذا الخيار هو الأسوأ.
وقالت “رغم أن المخاطر التي ستهدد مصالحنا سوف تؤجل، فإن الأرجح أنها ستكون، في النهاية، أكثر ديمومة بكثير”.
وجاء في التقرير: “لو سُمح لمصر بأن تواصل إغلاق المضيق وتحتفظ بانتصارها الدبلوماسي والعسكري، فإن عواقب هذه الترضية ستكون بعيدة المدى”.
وأضاف أنه من المحتمل أن تشمل العواقب التالي: الإطاحة بالنظام الأردني، أي تسوية في جنوب شبه الجزيرة العربية، ستكون مستحيلة إلا وفق شروط ناصر، ستكون الأنظمة في الدول الأخرى التي تتركز فيها مصالحنا (مثل تلك القائمة في الخليج الفارسي) عرضة للاختراق الناصري السوفيتي، كما سيصبح وقوع حرب لتدمير إسرائيل أمرا لا مفر منه”.
وبعد استعراض كل الاحتمالات خلصت الخارجية إلى أنه “مهما يكن موقفنا فسوف يبدو كأنه مناهض للعرب وموال لإسرائيل”.
ولذا فإن التوصية الرئيسة هي “يجب أن نتبع النهج الذي يسبب أقل الأضرار”.
وبناء على ذلك، قال التقرير: “سيكون من الأحكم أن نواصل النهج الذي نتابعه. هذا يعني متابعة جهودنا في الأمم المتحدة لاستصدار قرار من مجلس الأمن، والمضي، في الوقت نفسه، في التخطيط بشأن وسائل عملية متعددة الأطراف للحفاظ على مضيق تيران مفتوحا”.
عمليا، نصحت الخارجية بالتالي: “أولا: يجب أن نظهر استعدادا لأداء دور كبير في العمل بطريقة تتسم بقدر كبير من الطبيعة الدولية، داخل أو خارج الأمم المتحدة، للإبقاء على مضيق تيران مفتوحا للشحن الدولي بما فيه الشحن البريطاني. ثانيا: يجب أن نعمل دبلوماسيا وفي الأمم المتحدة من أجل تسوية عادلة”.
وفي اجتماع عُقد يوم 30 مايو/آيار (قبل الحرب بخمسة أيام )، قرر مجلس الوزراء، بعد استعراض قدمه وزير الخارجية، أن الأولوية هي “حماية مصالح بريطانيا الاستراتيجية”.
واتفق الوزراء على أنه “مهما تعاطفنا مع إسرائيل، فإن مصالحنا الاقتصادية تقع بشكل أساسي في الدول العربية وخاصة تلك التي نعتمد اعتمادا هائلا على نفطها”.
ويشير محضر الاجتماع إلى انتهاء النقاش إلى التالي: “نضع في الاعتبار هذه المصالح ومصالحنا الأوسع في تجنب صراع دولي في هذه المنطقة كما في أي مكان آخر. ولذا، فإنه من الأهمية الحاسمة بالنسبة لنا ضرورة تجنب المشاركة في قوة إنجليزية أمريكية، تتكون فقط من الدولتين، كي نضمن بفعالية حرية الملاحة في خليج العقبة”.
كما اتفق على “تجنب اتخاذ الدور القيادي في السعي لتشكيل قوة متعددة الجنسيات بشكل كامل لتحقيق هذا الغرض”.
تغير “في غير صالح إسرائيل”
ورغم تأييد بريطانيا السعي إلى تسوية عن طريق التفاوض لمشكلة الملاحة بما يضمن حق مرور السلع والإمدادات الإسرائيلية عبر خليج العقبة، فإن الاجتماع أكد أن لمصر حقا يجب تأييده.
واُتفق على أنه “قد يثبُت أنه من المقبول وجوب أن تتضمن هذه التسوية بقاء القوات المصرية في شرم الشيخ وحقا مصريا في السيطرة على مرور السلع الاستراتيجية لإسرائيل، شريطة أن يستثني من هذه السلع الاستراتيجية بوضوح وبشكل خاص البترول”.
لم يكن ذلك موقفا يراعي القانون الدولي فقط، بل يضع في الاعتبار الوضع العسكري في المنطقة.
ووفق محضر الاجتماع “أكد على أن التغيرات التي حدثت الآن في الأوضاع العسكرية من جانب الدول العربية وخاصة الجمهورية العربية المتحدة مثلت تغييرا دائما في ميزان القوة في الشرق الأوسط، في غير فائدة إسرائيل، وهذا ما يجب أن تقبله إسرائيل والقوى الغربية”.
غير أن هذا القبول كان مشروطا بأنه “يجب علينا السعي إلى ضمان ألا يؤدي هذا التغيير إلى سلسلة أخرى من الانتصارات العربية التي تهدد وجود إسرائيل”.
وتكشف الوثائق أنه يوم بدأت إسرائيل الحرب في 5 يونيو/حزيران، التقى وزير الخارجية البريطاني مع السفراء العرب بناء على طلبهم.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء البريطاني في اليوم التالي، تحدث الوزير عن اللقاء. وحسب محضر الاجتماع، قال الوزير “موقفهم المبدئي كان الاحتجاج القوي، وأكدوا أنهم سوف يوصون بشكل جماعي حكوماتهم بسحب الأرصدة بالجنيه الإسترليني”.
غير أن المحضر نقل عن الوزير قوله إنه “نجح في تطمينهم بشأن الموقف البريطاني”. وطمأن زملاءه قائلا “لن يتم تقديم هذه التوصية الآن”.
عسكريا، كانت هناك تقارير مصرية وأردنية عن أن إسرائيل حصلت على غطاء جوي أتاحته طائرات من على متن حاملات طائرات بريطانية وأمريكية. غير أن الوزير أكد لزملائه أن هذا “ليس صحيحا على الإطلاق.. وفيما يتعلق بنا، فإن هذا مستحيل من الناحية المادية”.
بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب وظهور دلائل قوية على انتصار إسرائيل، ناقش اجتماع للحكومة البريطانية يوم 8 يونيو/حزيران الوضع في الشرق الأوسط في ظل الاستعدادات لقمة عربية في الخرطوم في أغسطس/آب عام 1967.
ونبه وزير الخارجية إلى أن القمة ربما تناقش صياغة سياسة مشتركة بشأن وقف لإطلاق النار، وإمدادات البترول، والعلاقات الدبلوماسية مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وأقر اجتماع الحكومة البريطانية تقييم الوزير الذي لخصه قائلا: “مصلحتنا الرئيسية الآن تكمن في إعادة تأسيس علاقاتنا مع الدول العربية على أساس الصداقة قدر الإمكان”.
ما هي سبل تحقيق هذا الهدف بعد ما حدث؟. قال الوزير: “بالنسبة للمستقبل القريب جدا، سيتم خدمة هذه المصلحة عن طريق قول القليل بقدر الإمكان في العلن بشأن الموقف في الشرق الأوسط. ولذلك، يجب أن نتجنب لو أمكن إصدار بيان آخر في البرلمان اليوم”.
كيف استعدت بريطانيا للآثار الاقتصادية للحرب؟
طمأن تراجع السفراء العرب عن تهديدهم بنصح حكوماتهم بسحب الأرصدة الإسترلينية البريطانيين قليلا.
لكن القلق استمر بسبب احتمال فرض العرب حظرا على تصدير البترول، وهو ما حدث لاحقا بالفعل، على الأوضاع الاقتصادية داخل بريطانيا.
وتكشف الوثائق أن الحكومة بدأت مبكرا العمل في مشروع لترشيد الطاقة عن طريق توزيع قسائم (كوبونات).
وفي اجتماع عقد يوم 8 يونيو/حزيران، استعرض وزير الطاقة الموقف. وقال: “تنفيذ مشروع ترشيد استهلاك البترول يحتاج شهرين ونصف الشهر وإلى 5 آلاف شخص للتنفيذ. وفي ضوء الموقف الملتبس، من الضروري أن توضع الاستعدادات الآن لترشيد استهلاك البترول حتى إذا أصبح من الضروري تطبيقه، فإن هذا التطبيق يتم قبل أن ينخفض المخزون بشكل خطير”.
وتقرر “استمرار التخطيط بشأن ترشيد استخدام البترول”.
وبعدها باثني عشر يوما، عقدت الحكومة اجتماعا برئاسة مايكل ستيوارت وزير الاقتصاد.
وقال وزير الطاقة إنه لم يحدث تغيير كبير في إمدادات البترول.
وأضاف “قناة السويس لا تزال معلقة، العراق وليبيا لا ينتجان البترول، كل الدول العربية الأخرى تمنع الإمدادات عن وجهتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة”.
غير أنه أكد أن “الاستعدادات لتطبيق نظام ترشيد استهلاك البترول تسير”، وأن “إصدار دفاتر الكوبونات الضرورية والنماذج التي يجب ملؤها سوف ترسل إلى المراكز الإقليمية بنهاية شهر يوليو/تموز. والنقاشات جارية بشأن التشارك في الاستفادة من الإمدادات وخفض استهلاك بترول الوقود في الصناعة”.
كانت بريطانيا، وعدد من الدول الغربية، تفرض في ذلك الوقت حظرا على شراء البترول من الاتحاد السوفيتي رغم أنه الأرخص.
غير أن أزمة الشرق الأوسط أجبرت البريطانيين على إعادة النظر في الحظر رغم آثاره السياسية.
فقد قررت الحكومة تكليف وزير الطاقة بأن يعد مذكرة “تتضمن القضايا التي يثيرها رفع الحظر البريطاني عن شراء البترول من الاتحاد السوفيتي”.
وطُلب أن توزع المذكرة على الجهات المختصة متضمنة التأثيرات المحتملة لمثل هذه الخطوة على سياسة بريطانيا الخارجية واستثماراتها الهائلة في الشرق الأوسط.
وبعد أن انقشع الغبار واتضح أن الحرب الإسرائيلية غيرت خريطة الصراع في الشرق الأوسط، شُغلت بريطانيا بمستقبل مصالحها الاقتصادية في المنطقة.
وبعد مناقشات على مختلف المستويات، قررت بريطانيا أن تتبع سياسة
“التراجع عن الواجهة وتقليص الدور”.
وقدمت وزارة الخارجية، في السابع من يوليو/تموز عام 1967، مذكرة إلى مجلس الوزراء بشأن “الاتجاهات العربية والمصالح الاقتصادية البريطانية في الشرق الأوسط”.
ولخصت المذكرة النهج المقترح قائلة إن “العامل الحاسم في تحديد مستقبل مصالحنا الاقتصادية لا يتعلق بقدر كبير بما إذا كانت مشكلة العرب وإسرائيل سوف تواصل إثارة الاضطراب في المنطقة، بل بالدور الذي سوف تواصل بريطانيا أداءه. فكلما انسحب دورنا، بدت فرصنا أفضل على الأرجح والعكس بالعكس”.
[ad_2]
Source link