هشام جعيط: المؤرخ والمفكر الذي “أعاد النظر في المسلمات التاريخية”
[ad_1]
نعت وزارة الشؤون الثقافية التونسية المفكر والمؤرخ، هشام جعيط، الذي توفي يوم الثلاثاء بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 86 عاماً.
وقالت الوزارة في بيان إن الراحل ترك أعمالاً فكرية وحضارية تمثل “مرجعية للأجيال الحاضرة والقادمة”.
نهم المعرفة
ولد جعيط في تونس العاصمة لعائلة من المثقفين والقضاة ورجال العلم والدولة، وكان والده من أبرز شيوخ جامع الزيتونة الأعظم في المدينة.
كان جعيط قارئاً نهماً منذ طفولته، وانفتح في سن مبكرة على مفكري النهضة في مصر والمشرق العربي، من خلال الكتب والصحف التي كان والده يحرص على قراءتها.
لم تكن عائلته تتكلم الفرنسية في المنزل، لكنه تعلمها في المدرسة الصادقية حيث درس حتى المرحلة الثانوية، وشكلت مصدراً معرفياً غنياً له. سافر الى فرنسا لاستكمال دراسته الجامعية في التاريخ الإسلامي، ونال الدكتوراه عام 1981، من جامعة السوربون، عن رسالة بإشراف كلود كاهن.
عودة جعيط إلى تونس ما بعد الاستقلال، أثرت عليه بشكل سلبي، لأنه تلمّس دور عائلته، كالكثير من عائلات الوجهاء في حينه، لكنه رفض رغبة أهله الانخراط في السياسية.
منذ أن بدأ يحاضر في الجامعات التونسية، عن تاريخ الأديان والإسلام والمغرب العربي والسيرة النبوية، برز كمؤرخ من قماشة مختلفة، خصوصاً أنه كان الوحيد من أبناء جيله الذي يحمل شهادة رفيعة في اختصاصه.
ومع السنين، تحولت محاضراته الجامعية إلى كتب نالت شهرة واسعة، إذ كان يسعى ألا تكون المعلومة محصورة بالأكاديميين، بل متاحة لجميع القراء، من خلال أسلوبه السلس، ومنهجيته العلمية الدقيقة، وأفكاره التنويرية التي شكلت نهجاً جديداً بالكامل في التأريخ للحضارة العربية والإسلامية.
ويعد جعيط أحد أبرز المفكرين المجددين في قضايا الفكر العربي والإسلامي، وقد عرف بكتاباته الداعية إلى التحديث والتنوير وهو من دعاة الاعتدال والوسطية. وهو من آخر المؤرخين العرب الكبار، الذين قدموا قراءات نقدية للتاريخ الإسلامي، وأسس منهجية منفصلة عن المقاربات الاستشراقية للإسلام.
كان أستاذاً فخرياً لدى جامعة تونس وأستاذا زائرا في عدة جامعات عربية وغربية. شغل منصب رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” بين 2012 و2015 كما كان عضوا في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون.
مقاربة نقدية
أصدر العديد من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية التي ناقش فيها جملة من الإشكاليات المحورية في التاريخ الإسلامي وأهم مكونات الموروث الحضاريمثل “أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة” و”أزمة الثقافة الإسلامية” و”الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي” و”تأسيس الغرب الإسلامي”.
لكن من أبرز مؤلفات جعيط “الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر” الذي صدر بالفرنسية عام 1989، وصدرت الترجمة العربية عن دار الطليعة في بيروت عام 1991 وصدرت لاحقاً عدة طبعات للكتاب في عدد من الدول العربية.
تطرق المؤرخ فيهذا الكتاب إلى مسألة طالما شغلت المفكرين والباحثين ألا وهي “لماذا دخل المسلمون في صراعات وحروب ولم يكن قد مر على نشـأة الدين الإسلامي سوى سنوات قليلة؟”. وتناول الكتاب بالتدقيق والتحليل مقتل ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان وهي الحادثة التي تعرف بـ”الفتنة الكبرى”.
ومن مؤلفاته المهمة أيضاً، ثلاثية “في السيرة النبوية” التي صدرت على مراحل بين عامي 1999 و2015 عن دار الطليعة.
في الجزء الأول الذي حمل عنوان “الوحي والقرآن والنبوة”، يتناول المسائل الثلاث التي تمثل أهم أعمدة الدين الإسلامي. وفي الجزء الثاني “تاريخية الدعوة المحمدية في مكة”، يقدم نقداً صارماً للنصوص ويبدد الصورة التي وضعتها السيرة للنبي محمد، وغذت المخيلة الجمعية الإسلامية على مدى قرون. وفي الجزء الثالث “مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام”، يشرح جعيط علاقة النبي مع أهل المدينة (يثرب) وتأسيس الأمة الجديدة، وما ساور هذا التأسيس من تحدّيات.
من الصعب تلخيص إرث جعيط الغني، ولكن من أبرز اسهاماته دراسته لتشكل الشخصية الإسلامية العربية عبر التاريخ، ودور الإرث الاستعماري في تحويل الإسلام من ديانة وعبادة، إلى هوية سياسية، ما يعدّ اليوم من النقاشات الأكثر اثارة للجدل مع ما تشهده الدول الأوروبية من علاقة شائكة مع المسلمين.
يقارب جعيط الاسلام بوصفه ديانة شابة، بلغت ذروتها الحضارية بين القرنين التاسع والثاني عشر، حيث كانت محفزاً لحراك فكري وعلمي كبير، وباتت الحضارة الإسلامية أشبه بامبراطورية، لكنها بدأت بالتقهقر التدريجي منذ القرن الثامن عشر.
ويقول جعيط في إحدى مقابلاته الصحافية إن محاولة المسلمين تجديد الفكر الإسلامي، كان لا بد أن يمر بعواقب، في ظل التراجع السياسي والعسكري للحضارة الإسلامية. برأيه فإن الدين كان “كبش محرقة” حين استخدم من قبل المتطرفين في مواجهة الاستعمار ولاثبات الوجود في مواجهة الغرب والحداثة.
[ad_2]
Source link