مهرجان بيلتان الناري: تقليد وثني قديم بقالب معاصر
[ad_1]
من وسط الظلام تخرج ملكة مايو لملاقاة الرجل الأخضر، يمشيان معاً، في مقدمة موكب المحتفلين. يصعدان التلة لإشعال النار، إيذاناً بانقضاء الشتاء وعودة الحياة إلى الحقول، مع صباح الأول من مايو.
إنه طقس بيلتان، وتعني الكلمة نيران، للغات الكلتية القديمة. بال هو إله الشمس، وكان الاحتفال به طقساً سنوياً في الديانات القديمة التي عمّت أرجاء القارة الأوروبية لآلاف السنين.
يلاحظ أن اسم بال، إله الشمس الكلتي، يشبه اسم بعل، إله الشمس أيضاً في الحضارات التي عمّت الشرق القديم.
لا يستطيع المؤرخون أن يحسموا ما إذا كان الاثنان امتداداً لإله واحد، خصوصاً مع التباعد الجغرافي الكبير بين الحضارات التي عبدتهما، ولكن لا شكّ أنهما يحملان شيئاً من خصال بعضهما البعض، تماماً كآلهات الأمومة والخصوبة المتشابهة بين الشعوب كافة.
يصادف عيد بيلتان مطلع شهر مايو/ أيار من كل عام، باعتباره المحطة التي تفصل السنة إلى شطرين، شطر الشتاء والبرد والموت والظلام، وشطر الصيف والدفء والحياة والنور.
بيلتان هو وجه من وجوه أعياد بداية الربيع المتعددة، أو مهرجانات بداية مايو، لدى الحضارات القديمة التي احتفلت بتعاقب الفصول. فكما أنّ لانقلاب الشتاء وأعياد الميلاد وهالوين وغيرها جذورا وثنية متشابهة بين الحضارات الإغريقية والرومانية والكلتية والشرقية وغيرها، كذلك هي احتفالات بداية مايو.
وكالكثير من العبادات الوثنية القديمة، مازالت تأثيرات بيلتان حاضرة في المجتمعات المعاصرة، ويحتفل به مساء 30 أبريل/ نيسان، وطيلة يوم الأول من مايو/ أيار، في ايرلندا، واسكتلندا، وإنجلترا، وفي عدد كبير من الدول الأوروبية.
خلال العقود القليلة الماضية، ضخّ صعود العبادات الوثنية الجديدة، ومنها الدرويد الجدد والويكا، حياة جديدة في بعض الطقوس الوثنية المندثرة.
منذ عام 1988، تحيي مجموعة من المتطوعين تعرف بـ”جماعة بيلتان النارية” تقليد بيلتان، من خلال مهرجان سنوي يقام على تلة كالتون في إدنبره، في اسكتلندا، بدعم من جامعة إدنبره.
تضم المجموعة ممثلين وموسيقيين وراقصين وساحرات ومؤدي ألعاب بهلوانية، وتجذب أتباع عدد من الديانات الوثنية الجديدة، بهدف إحياء التقاليد الكلتية، وتثقيف من يحملون ذلك الإرث، حول أهمية الاتصال بعناصر الطبيعة، وحمايتها.
تتولّى المجموعة ذاتها إحياء مهرجان سامهاين في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو النسخة الأقدم من هالوين. تعيد بذلك إحياء بعض أقدم العبادات، ولكن بقالب معاصر.
وعلى مدى العقود الثلاث الماضية، تحوّل مهرجان بيلتان في الربيع إلى مقصد للمهتمين، ويشمل مواكب راقصة، وموسيقى إيقاعية، وإشعال نيران، وعروضاً أدائية، إلى جانب الدوران حول سارية مايو وهي جذع خشبي طويل يزين بأقمشة طويلة، وبالزهور، ويعتقد أنه رمز قديم جداً للخصب.
خلال العام الماضي، ونظراً لظروف وباء كورونا والإغلاق الذي أثر على العبادات كافة، احتفل المنظمون بالمهرجان عبر بث حيّ على يوتيوب. وهذا العام أيضاً، يطلقون بثاً مماثلاً لعروضهم الساحرة، بانتظار عودة الحياة إلى طبيعتها.
يعتقد المؤرخون، أن بيلتان كان أشبه بمهرجان خصوبة، يشعل فيه المزارعون النار للحماية من الأمراض والسحر وغضب الألهة، ولضخ الصحة في الدواجن والماشية والمحاصيل، مع بدء موسم الزرع.
وإلى جانب الاحتفاء بالطبيعة وعطاءتها، كان المزارعون الكلتيون القدماء، وكهنتهم من الدرويد، يشعلون النار ويقدمون لها الأضاحي، لتهدئة الجنيات ومخلوقات الغابات السحرية، وطلب ودها، وتلطيف قواها المدمرة.
كانت ليلة بيلتان، طقس تعارف بين الشباب والشابات الذين بلغوا سن التزاوج، فكانوا يقطفون الزهور من الحقول، ويحملونها معهم إلى الاحتفال، وأحياناً كانوا يختارون بعضهم على الفور، ويتمّ تزويجهم في الليلة ذاتها.
ويعتقد أنّ هذا الاحتفال هو الذي ألهم العبادات الكاثوليكية المخصصة لمريم العذراء في شهر مايو/ أيار. فكما استلهمت المسيحية بعض طقوسها من عبادات وثنية قديمة، كذلك استلهمت شهر الاحتفاء بمريم من الاحتفاء القديم بآلهة الربيع.
صحيح أن مهرجان بيلتان في إدنبره، هو الأكبر بين مهرجانات إله الشمس المستعادة، إلا أنّه ليس الوحيد، وهناك احتفالات مشابهة تعم مدناً أوروبية عدة.
ويعتقد الوثنيون الجدد أنّ الإله بال، الذي تلده الالهة الأم في الشتاء، يبلغ أشده في شهر مايو، ويصير شريكها، ليضخا الخصب والحياة في الأرض والمزروعات والطبيعة.
ويعتقد الدرويد الجدد، أن ذلك التجدد في الطبيعة، له رمزية على المستوى الشخصي، لأن يدعو الناس إلى تجديد طاقاتهم الإبداعية، والعطاء في عملهم وحياتهم العائلية.
النار التي يشعلها المحتفلون بإله الشمس ترمز إلى التطهير وجلب الحظ، ضخ الحياة في الأجساد والأرواح والعقول، لاستقبال عطاءات الطبيعة.
[ad_2]
Source link